شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم أن كل مقاومة وطنية تحررية لها خصائها ومميزاتها التي تنفرد بها من ناحية. والظروف الزمانية والمكانية التي تحيط بها داخلياً وخارجياً من ناحية أخرى. إلا أن جنس الإشتراك المقاوماتي التحرري قد يكون ملحوظاً في جانب معين يساعد ليس في وجود المقارنة نفسها، بقدر الإستفادة من تطبيق نتائجها. وبذا من منطلق السياق الزمني لِما مرت به المقاومة الفيتنامية ضد القوات الأمريكية، نستطيع أن نقيم مقارنة زمنية مع المقاومة العراقية. خصوصاً وأن الأخيرة في سنتها التاسعة من مجابهة الاحتلال الغازي الأمريكي.


وهنا نود أن نشير إلى أن شهر آب/أغسطس عام 1964 يُعتبر منعطفاً رئيسياً حينما أمر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون (1908-1973) بهجمات جوية ضد فيتنام الشمالية بحجة كاذبة، حيث تعرضت مدمرتين أمريكيتين للهجوم في خليج تونكين البعيد أصلاً عن السواحل الشمالية!! ومن أجل دعم وإسناد حكومة فيتنام الجنوبية، غاصت أمريكا بوحل فيتنام أكثر فأكثر. ففي عام 1965 وصل عديد قواتها نحو 200 ألف جندي، ثم أرتفع العدد إلى 550 ألف جندي في عام 1968. ومع إشتداد أوار الحرب الوحشية التي شنتها القوات الأمريكية بكل جهنمية، فإنها لم تفلح بالقضاء على الثوار المقاومين الذين أتبعوا منهجية حرب العصابات التي كبدت الأمريكان خسائر فادحة ومريرة. مما إضطر الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون (1913-1994) في 25 كانون الثاني/يناير 1972 أن يعلن عن المفاوضات الأمريكية الفيتنامية، وعن مخطط جديد للسلام. وعندما تم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار في 23 كانون الثاني/يناير 1973 والذي أخذ حيز التنفيذ في الثامن والعشرين من ذلك الشهر، غادر آخر جندي أمريكي من فيتنام في 29 آذار/مارس من ذلك العام.


بيد أن الدعم العسكري الأمريكي لم يتوقف لحكومة فيتنام الجنوبية، حتى أن جيش فيتنام الجنوبية أستهلك 50% من مجمل إنتاج الذخائر الأمريكية، لكنه لم يصمد في غياب الدعم الجوي الأمريكي. وبعد سنتين شنت المقاومة الفيتنامية هجومها الكاسح على الجنوب في كانون الثاني/يناير 1975. وخلال أربعة أشهر من القتال دخل الثوار العاصمة سايغون، فتم تحرير فيتنام وتوحيدها نهائياً.


إن هذه الفترة الزمنية الممتدة لإحدى عشرة سنة من حرب فيتنام الطويلة، يمكننا أن نقسمها إلى ثلاثة مراحل رئيسة:


أ- مرحلة 1964-1968: حيث تصاعد فيها الوجود العسكري الأمريكي بشكل متواصل بلا هوادة بغية فرض الحل العسكري على أرض الواقع. ورغم بشاعة العنف اللاإنساني الذي أتبعته الإدارات الأمريكية لكنها لم تحقق هدفها الإستراتيجي بدحض الشيوعية عبر فيتنام.


ب- مرحلة هجوم 1968 وآثاره المستقبلية: إذ في 30 كانون الثاني/يناير 1968 وبمناسبة عيد التيت للعام الجديد، بدأت المقاومة الفيتنامية هجوم "تيت" الذي زجت فيه جميع مقاتليها. حيث زحف الثوار على أكثر من مائة هدف داخل المُدن، ومنها عاصمة الجنوب سايغون، وأشتبكوا مع الأمريكان بشكل شرس على مدار شهر شباط/فبراير. نعم إن المقاومة الفيتنامية قد خسرت قرابة نصف مقاتليها، 85 ألف شخص، إلا إنها تركت أثراً بليغاً على الأمريكان. إذ بعد هذا الهجوم أدرك القادة العسكرين الأمريكيين بعدم الحسم العسكري، وبدأ العد التنازلي التدريجي للقوات الأمريكية.


ت- مرحلة مفاوضات 1972 وما بعدها: فقد وصلت القوات الأمريكية إلى نهايتها الحتمية وفقاً إلى منطق التاريخ الذي تتجلى فيه حقيقة زوال المحتل. إذ من المفاوضات إلى الإنسحاب العسكري الرسمي، ثم الإندحار الكلي على يد الثوار، تكون الولايات المتحدة قد خسرت حرباً هي جلبتها لنفسها.


يبدو، إن لم يكن مؤكداً، أن حرب فيتنام لم تتعلم منها الولايات المتحدة الأمريكية درساً، ولم تأخذ منها عبرةً ولا خبرةً. وهنا نفهم المعنى والقصد مما قاله رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل (1874-1965) عندما أشار: أننا ننتصر بالحرب، لا لأننا الأقوى والأذكى، بل درسنا التاريخ وفهمناه وخصمنا لم يستفيد من دراسته.


على أية حال، رغم أن العنصر الزمني مازال مفتوحاً للإحتلال الأمريكي في العراق، وكذلك بالنسبة إلى المقاومة الوطنية العراقية المسلحة. فإننا نستطيع أن نلحظ من السنوات الماضية مرحلتين واضحتين تستوجب منطقياً مرحلة ثالثة لاحقة وأخيرة. ويمكننا تقسيم ذلك على ما يلي:


أ- مرحلة 2003-2008: حيث شن الرئيس الأمريكي جورج بوش حربه على العراق في 19 آذار/مارس 2003، ودخلت القوات الأمريكية إلى بغداد في 9 نيسان/أبريل، ثم أعلن بوش من على حاملة الطائرات إبراهام لنكولن إن "المهمة أُنجزت" في 1 آيار/مايو. وقبيل تسليمه لمنصب الرئاسة في 13-1-2009، أعترف بوش علناً بأنه "أخطأ" في ما قاله. وهذا الإعتراف قد سبقه إعترافات أخرى من أقطاب إدارته. سواء ما قاله الجنرال ديفيد بيتريوس لوكالة فرانس برس بتاريخ 12-9-2008 عن "تقدم ملحوظ" وليس تحقيق "نصر أو نجاح في العراق". أو ما قالته وزيرة الخارجية كونداليزا رايس، من داخل الوزارة، في 6-10-2008 معترفةً أمام الجميع: أن طريق الولايات المتحدة في العراق كان أشق وأطول وأصعب مما تخيلت شخصياً. أو غيرها من الإعترافات الكثيرة. فإن هذه السنوات الخمس تمثل عدّاً تصاعدياً للقوة الأمريكية من أجل فرض الحل العسكري.


ب- مرحلة التقهقر 2009: بعد المقاومة الشديدة والشرسة التي أبداها أبطال الفصائل المجاهدة، وما حققوه من إنجازات ميدانية مذهلة على مدى السنوات المنصرمة، بدأ واضحاً تراجع المحتل الأمريكي من خط المواجهة المباشر. حيث أوجد ما تسمى بالقوات الوطنية، وإنكفاء الجيش الأمريكي في المعسكرات. وما الإعلان عن وضع جدول زمني لإنسحاب القوات الأمريكية، إلا إعترافاً جلياً بفشل الإعتماد على الحل العسكري فقط. كما وإن المراوغة بالإلتفاف على هذا الإنسحاب لا يمنع من تقهقر الإحتلال ولو بعد حين.


إن هاتين المرحلتين من المقاومة العراقية أقرب إلى المطابقة من حيث مبدأ السياق الزمني لمراحل المقاومة الفيتنامية. وهذا قطعاً سيؤدي إلى مرحلة ثالثة واجبة وضرورية لكي تنهي فيها المقاومة العراقية الإحتلال الأمريكي، كما فعلت المقاومة الفيتنامية.


أن وصول المقاومة العراقية إلى المرحلة الثالثة، تحتاج فيها إلى وحدة جبهوية شاملة تمكنها من إنجاز مهام النصر والتحرير. ومثلما كان القادة الأمريكيين لا يتوقعون من المقاومة الفيتنامية هجوماً على المُدن، كونها عملية إنتحار جماعي لا نصر فيها. لكن الثوار قلبوا المعادلة رأساً على عقب، وفرضوا وجودهم وحققوا إنتصاراتهم. لذا على قادة المقاومة العراقية أن يعلنوا عن إنبثاق وحدتهم الجبهوية، ليهزوا حسابات المحتل الأمريكي، ويجبروه على التفاوض أو مواجهة الهزيمة عاجلاً أو آجلاً.

 

 





الخميس٢١ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٣ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة