شبكة ذي قار
عـاجـل










كل متتبع لما يجري في الوطن العربي عموما يستطيع أن يفرز بشكل واضح بين الثورة والفوضى، بين المطالبة بالتغيير وبين إستغلال الظروف ومحاولة القفز على النظام الأمني العام وتجيير الفوضى التي تتبناها أطراف بعينها على أنها تغيير شعبي وإنتفاضة جماهيرية لأجل الحرية، فمن يتابع الوضع في اليمن الذي قد يكون أول حراك علني كبير في الوطن العربي لعدة أسباب أهمها الهامش الكبير من الحرية السياسية في اليمن، وسيادة منطق القبيلة والقبلية في العلاقة حتى بين الشعب والحكومة.

 

وقد أخذ الحراك في اليمن أشكالاَ متعددة:

 

1.  فتارة هو انتخابي تمثل بوضوح في انتخابات البرلمان والإنتخابات الرئاسية السابقة في اليمن عام2006، والتي أعلن الرئيس على عبد الله صالح عدم رغبته الترشح مجددا فيها، فخرج الشعب في تلك الحشود الجماهيرية في ساحة السبعين وعموم المحافظات تدعوا الأخ الرئيس للتراجع عن قراره، كعوامل ضغط على الأخ الرئيس وضرورة قبوله الترشح لولاية جديدة، وقد أعلن فيها بأنها أخر ولاية له، وأنه سيعمل على تقليص فترة الرئاسة من سبع سنوات إلى خمسة سنوات. وقد رشح المرحوم المهندس شملان كمرشح للمعرضة، وكانت الشعب مع الرئيس على عبد الله صالح بنسبة لا يمكن الطعن في صحتها.

 

2.  ثم هو مناطقي ومطلبي أعلن على أنه سلمي سرعان ما تحول الى حراكات طائفية ومناطقية مسلحة متعددة الميول والاتجاهات ومرتبطة أو مغازلة لجهات خارجية، أومغازلة من جهات خارجية (مرة فاعل ومرة مفعول به)، تكشفت بأن دعاتها يريدوا الحصول على مغانم شخصية ومناصب ووجاهات لأشخاص أو أحزاب، كما هي في جماعة الحوثيين الذين طرحوا مطاليبهم على أساس هم مجموعة دينية تتبع المذهب الجعفري أو الزيدي المتطرف لآل البيت، وهذا منهج معروف من يقف وراءه ولذلك أتهموا بأنهم جماعة موالية لإيران لأن هذا هو منهجها في غزوها الفكري والسياسي للوطن العربي والدول الإسلامية، وكأن العرب لا يقروا بدور آل بيت النبوة الطاهرين ومكانتهم الدينية والفكرية في نشر الإسلام وقيمه، مع عدم إنكار دور الصحابة الطيبين فيذلك، والتأكيدعلى عمق العلاقة والإخاء والمحبة بين أصحاب رسول الله وآل بيته صلى الله عليه وعليهم وسلم، أو بالمتطرفين من السلفيين الذين يشكلوا قاعدة تنظيمات القاعدة الارهابية، وفي كلا الحالتين فهو طرح طائفي مذهبي ضيق لا يمثل شمولية الدين عموما والاسلام خصوصا الذي يقوم على أساس الأيمان بوحدانية الله واليوم الآخر والعمل الصالح ولم يشترط كل هذه الفروع والفرعيات التي تطورت القناعات العقدية لاحقا لتعتبرها أمورا أساسية بالأيمان. وأنا ولست من قليلين في هذه الأمة التي حباها الله أن تكون أمة الرسالات وحاملتها للبشرية لا نقتنع بذلك رغم كوننا نعترف بأن هناك رموزاُ لهذه الأمة لهم دور كبير لايمكن إعتبارهم أو التعامل معهم كالآخرين، فليس من المنطق والمعقول والمقبول أن يقارن السابقون السابقون بالتابعين، وأن يقارن أولي الرأي والعلم والبأس والعقل والأيمان والزهد مع الصحابة الأولين مع الذين قرأوا وتعلموا من اللاحقين فإجتهدوا ومنهم من أخطأ ومنهم من أصاب. وهنا أيضا أصطفت أحزاب المعارضة لتتبنى الحراك وفشلت أيضا.

 

3. وهو مناطقي يريد التقسيم والتشرذم والعودة الى عهد الظلام والشرذمة التي غذاها وأوجدها الإستعمار سواءا الحديث أو القديم الذي كان يعتمد القبلية والسلطنات لأجل تشتيت الوطن وتمزيق قوته، كما هو حراك جماعات سموا انفسهم الحراك الجنوبي، يتزعمهم شخوص من الداخل يبحثوا عن أمجاد ومكاسب شخصية وإخرين من الخارج كانوا يدعون الإشتراكية والأممية والقومية مثل على سالم البيض والآن صار يريد إنفصال الجنوب!! لماذا ومن وراء هذا المنهج المناقض لثورتي اليمن في شطريه الشمالي والجنوبي، وقد رزقني الله أن أطلع على كتاب قيم من تأليف أحد مناضلي اليمن في الشطر الجنوبي لأطلع على تفاصيل الثورة في الشطرين وكون الهدف الرئيسي لثورة الشعب في الشطرين هو توحيد اليمن وما تحقق في 1990و1994لم يكن إلا إلتزاما من النظامين في الشطرين بمطلب الشعب الذي قدم دونه (وحدة اليمن أرضا وشعبا) الآلاف من الشهداء. وقد كان لقوى المعارضة تعاطف مع دعوة الإنفصال الشريرة، وهو تعاطف يخسرها ولا يضيف لها، لأن ما يطرحه جماعات التقسيم لا يقبله الشعب اليمني (بشطرية)، ولا يتعاطف معه أي عربي ومسلم حقيقي.

 

4.  ثم جاء الحراك الحالي والذي هو في حقيقته مطالبة بالتغيير، والذي هو إضافة لكونه مواكبة للظرف السياسي العربي العام، وآثار تفاعل الجماهير العربية مع أهلهم في تونس ومصر والتي جاءت لترد إعتبار الأمة لا لتخرب الأوضاع الصحيحة، فالوضع السياسي والإقتصادي  بمصر وتونس يختلف عما هو في أقطار عربية أخرى، ولكن الوضع المعاشي والاجتماعي في اليمن يعاني فعلا من عدة أمور، هي الفقر، ومحدودية الموارد مما يسبب انتشار البطالة وضعف دخل الفرد وتدني مستوى المعيشة، وتخلف قطاعات التنمية عموما، في مقابل ذلك نجد هناك جماعات وعائلات تهيمن على المرافق الإقتصادية وتتمتع بالثروة والسلطة والحظوة عند الحكومة، كالمشايخ والتجار والمقاولين، وهذا مظهر من مظاهر الفساد الحكومي، كما إن العوز والحاجة وإبتلاء المواطنين بآفة القات تجعل الرشوة تحت شعار حق القات مفسدة كبيرة لموظفي الدولة، وهذه كلها أمور تثير الشباب وتجعله يطالب بالتغيير، إضافة للمطالب الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تحتاج فعلا لتغيير في عموم وطننا العربي، هنا أيضا بدل أن يكون الإخوة في المشترك (قوى المعارضة) طرفا في معالجة وضع البلد عموما، وتشخيص علله والعمل على حلها، ركبوا الموجه ورفعوا سقف مطالب المواطنين من إصلاح النظام الى إسقاط النظام، وكلما طرح الأخ الرئيس مبادرة لتلافي فوضى و آثارها السلبية على إقتصاد البلد وطلب الحوار لتحديد أسس منطقية لتداول السلطة كان الإخوة في المعارضة أول المحرضين على رفض المنبادرات، التي ورد فيها كثير من النقاط الجدية التي تستحق البحث والدراسة لتكون قاعدة لحوار سياسي وطني يؤدي لما تطالب به الجماهير وهو التغيير الفعلي لخدمة الشعب لا لخدمة مصالح وغايات فردية وشللية.

 

 إن التعكز على الطائفية والمناطقية للمطالبة بالتغيير والثورة هو إرتداد عن المسار الوطني الصحيح، وتوظيف لفتنة ( لا يستبعد أن يكون فيها دفع من قوى خارجية أو لقوى خارجية يد قوية فيها ) دينية أو طائفية أو عرقية، لأجل تحقيق غايات إستعمارية، كما جرى في العراق والسودان، وإلا ما معنى رفض أي مبادرة لتغيير ومعالجة الوضع يطرحه الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رغم إن ما يطرحه جدير بالدراسة والتأمل والحوار، لهذه الأسباب وأخرى تتعلق بمواقف النظام اليمني وقيادته تجعل الحراك السياسي المعارض عاجز عن إقناع الشعب بأهليته في إدارة اليمن بشكل صحيح، فالشعب لا ينسى ما تم إنجازه مثل:

 

1.  تحقيق حلم كل عربي بإعادة لم شمل اليمن وتوحيدها بعد مرور قرنين من تشطيرها وتفتيت عراها وتقسيم شعبها وليس أرضها فقط. فعلى إخوتنا في اليمن الحذر من ذلك. أللهم إشهد إني قد بلغت ونصحت، وأنت خير الشاهدين.

 

2.  مواقف النظام وقيادته من قضايا الأمة المصيرية في فلسطين، منذ نجاح الثورة وتحقق الوحدة، ودعمه للمقاومة الفلسطينية وخصوصا في غزة أبان تعرضها للعدوان الفاشي الإرهابي الصهيوني.

 

3.  لايمكن للشعب أن ينسى من الذي حقق النمو عبر تطوير أنتاج النفط والغاز، الذي كان يقف كثيرون من الداعمين للفوضى الآن ضد استثماره.

4.  القيادة المسؤولة للأخ الرئيس علي عبد الله صالح وتسامحه وعفوه كقائد ورئيس عن المخطئين والمتورطين في أعمال تستدعي العقوبة والتعزير.

5.  الجهد الشخصي والدؤوب للأخ الرئيس في الحصول على معونات ومنح من الدول الغنية لليمن والمساهمة في التنمية عبر الإستثمار الأجنبي في اليمن.

6.  جدية الرئيس في مكافحة الإرهاب وتوعية المتورطين وردع المحترفين للجريمة والإرهاب والذين يشكلون خطر مركب لليمن شعبا وتنمية.

7.     مواقف اليمن القومية من ما جرى في العراق، وما يجري في الصومال والسودان ولبنان وغيرها.

 

لهذا ندعو كمواطنين عرب نؤمن بأن العرب أمة واحدة والوطن العربي وحدة بشرية وجغرافية وسياسية وإقتصادية واحدة، كل الأطراف الى العودة لقيم اليمن الأصيلة وحكمتها المشهودة وإيمان أهلها ورقة قلوبهم المعروف، بالإحتكام الى العقل والحلم ومعالجة الأمور بالرأي الذي هو فوق شجاعة الشجعان، وبالشورى التي هي الأحتكام لصوت الحق والمنطق والتي قال فيها العرب: (ماخاب رأي وراء مشورة)، وننبه الغافلين منهم بأن الفوضى وعدم تحديد الأهداف الواضحة للمستقبل يؤدي للخراب، وهذا ما لا يريده مواطن لوطنه ولا محب لأهله، نعم من حق الشعب تطوير نظامه السياسي وتعديل القوانين، وتحقيق أعلى أنواع الحقوق المدنية والسياسية والشخصية للإنسان، وتحقيق تداول للسلطة وفق دستور يضمن ذلك. والله هو الهادي لصراط الحق المستقيم.

 

 





الخميس١٢ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله سعد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة