شبكة ذي قار
عـاجـل










شعار "إسقاط النظام" الذي أطلق بصوت مرتفع في تونس وبعدها في القاهرة، انتقل بسرعة إلى ساحات وميادين عربية أخرى، وأصبح واحداً من الشعارات الأساسية في تظاهرات الجزائر واليمن والبحرين، ولامس بعض الهتافات في المغرب وعمان والاردن والعراق والسودان. أما في ليبيا فاتجاه الأحداث أخذ منحى آخراً، إذ أن حركة الاحتجاج لم تطرح إسقاط النظام بل طرحت تغييره، لأن النظام في ليبيا هو نظام من طراز خاص ولا تنطبق عليه المواصفات الدستورية والقانونية لأنظمة عربية أخرى، جمهورية كانت أن ملكية تحت تسميات مختلفة.


هذه العدوى، انتقلت إلى لبنان، وبخلاف التحشد الشعبي الكبير الذي شهدته وتشهده ميادين العواصم العربية، فإن الحراك الشعبي اقتصر حتى الآن على تظاهرتين، واحدة تجاوزات المئات وأخرى تجاوزت الالاف، وفي كلتا التظاهرتين رفع شعار إسقاط النظام السياسي "الطائفي. وقد بدا واضحاً من خلال رصد نوعية المشاركة في التظاهرتين، ان المشاركين كانوا ينتمون إلى أحزاب لا طائفية في تركيبها البنيوي، فضلاً عن هيئات المجتمع المدني وشخصيات شغلت سابقاً مواقع في مؤسسات النظام، ولما اشتد الاستقطاب المذهبي في الحياة السياسية اللبنانية، لم تعد هذه الشخصيات تجد مكاناً لها على خارطة المواقع السلطوية.


وإذا ما قيس حجم التحشد الشعبي في كلتا التظاهرتين، بالتحشد الكبير الذي تحركه القوى الاستقطابية الكبرى التي تقدم نفسها تحت عنواني 14 و8 آذار لتبين أن هذا التحشد قليل جداً، وهو أقرب إلى العينة الجماهيرية منه إلى الحشد الجماهيري الكبير.


هذه القلة من الجماهير التي نزلت إلى الشارع وضمت تنوعاً قافزاً فوق الولاءات المذهبية الطائفية وأن كانت تعتبر عينة إلا أنها ذات دلالات هامة، وأهم ما فيها أن في لبنان قوى، ما تزال ترى نفسها خارج الاصطفاف السياسي المذهبي الحاد. وبالتالي، فإن هاتين التظاهرتين يعبران عن وجود حالة من الرفض الشعبي وأن كان محدود التأثير للنظام السياسي الطائفي.


وهنا يطرح التساؤل، هل يمكن أن يتحول هذا الحراك إلى تيار جارف يستطيع أن يسقط النظام القائم أو بالأحرى تغييره؟


إننا لا نشاطر الذين يقولون أن بإمكانهم تغيير النظام الطائفي أو إسقاطه وان كنا نرغب ونعمل لذلك، لأن هذا النظام قوي لا بل هو أقوى الأنظمة العربية فيما دولته هي الأضعف. والذي يجعل هذه المهمة صعبة جداً وتصل إلى حد الاستحالة، هو أن للطائفية جذر تاريخي، ولها ركائز داخلية قوية ورعاية خارجية أقوى. وأنه حتى يمكن إسقاط نظام سياسي ذي بنية طائفية يفترض أن يكون ميزان القوى السياسي الداخلي قد أفرز قوى لا طائفية قادرة على أحداث تغيير جدي في مجرى الحياة السياسية الداخلية. ومن يرصد تطور الحراك السياسي في لبنان يرى أن الحركة الوطنية بأحزابها العابرة للمذاهب والطوائف، سجلت تراجعاً كبيراً في حضورها وفاعليتها وأصبح دورها هامشياً في التأثير في مجرى الأحداث. وبالتالي لا يمكن أحداث تغيير فعال دون قوى تغييرية فعالة وهذا غير متوفر حتى الآن وفي المدى المنظور. وأمام هذه الحالة التعجيزية، هل يتجه الاستسلام للأمر الواقع المفروض إلى أن يقضي الله أمراً كان مقضياً؟


بطبيعة الحال أن عدم القدرة على إنجاز التغيير الشامل، لا يعني الاستلام أو الاستكانة، بل يجب استمرار العمل والنضال وصولاً إلى الغايات المنشودة ولو بعد حين. وأن السبيل لذلك لا يكون بطرح الشعار بإسقاط النظام الطائفي بكليته، لأن القوى المستفيدة من هذه النظام قادرة على الانقضاض على أي تحرك من هذا القبيل كحد أقصى أو ركوب موجته واحتوائه كحد أدنى.


وذلك، فإن الحراك كي يعطي جدوى ويساهم في تأسيس وضع سياسي جديد يشكل قاعدة لتشييد بناء سياسي لا طائفي يجب أن يكون التمثيل فيه تمثيلاً وطنياً شاملاً دون فئوية او حصرية و عبر مروحة من التمثيل للقوى غير الطائفية وأن يعمل على استبدال شعار إسقاط النظام بشعار آخر هو إصلاح هذا النظام من ضمن رؤية ديموقراطية تدخل التغيير تدرجاً. وهذا يقتضي تحديد العناوين الحصرية التي يركز عليها والتي تخاطب مزاج ومصالح شرائح عديدة.


إنه من الأفضل، أن تطرح شعارات محددة لتحقيق مطالب محددة، يمكن إذا ما تحقق بعضها أن تخلق واقعاً جديداً، وأن تساهم في تعميم ثقافية شعبية جديدة تساهم في شد كثيرين إلى ميدان هذا الحراك الهادف إلى إقامة النظام الوطني الديموقراطي. وأن تكون هذه الشعارات بمثابة برنامج عمل مرحلي. ويمكن اختصار هذه العناوين للبرنامج المرحلي بما يلي:


1- سن قانون اختياري للأحوال الشخصية.
2- الغاء المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية، وحصر الفصل بالنزاعات بالقضاء العدلي الذي يفعل بقضايا الأحوال الشخصية وفق أحكام المذاهب التي ينتمي إليها المتقاضون إيمانياً.


3- إنشاء مجلس للشيوخ، يكون التمثيل فيه تمثيلاً طائفياً، ويلغي التمثيل الطائفي عن المجلس النيابي، الذي يحصر اختصاصه بالتشريع العادي، وأن تكون موافقه المجلسين لأزمة في القضايا الأساسية، كإقرار الموازنة، وإعلان حالات الحرب والسلم وإعلان حالة الطوارئ وانتخاب رئيس الجمهورية بالأكثرية التي حددها الدستور وتعيين أعضاء المجلس الدستوري.


4- منع تأليف أحزاب طائفية خاصة لجهة بنيتها التنظيمية ومن كان حائزاً ترخيصاً بذلك، أن يعطي مهلة لإعادة تصحيح وضعه.


5- جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، و على أساس النسبية وأن يكون الترشيح على أساس حزبي ويسمح بتجيير الأصوات حتى يفسح المجال أمام الجميع للتمثيل في المجلس النيابي.


إن تحقيق بعض أو كل هذه العناوين، يشكل قفزة نوعية غير منقزة، لأنه يطرح الإصلاح ضمن خطة مرحلية و وفق المقاييس الوطنية و هذا يفرز نتائج إيجابية لا يمكن الوصول إلى أدناها فيما لو استمر طرح إسقاط النظام بكليته.


إن تحقيق العناوين الأنظمة أو بعضها، يقوي الدولة، ويضعف من تأثيرات النظام الطائفي، وعندها فإن التحشد الأساسي سيكون لدعاة الإصلاح الديقمراطي وليس للمشدودين إلى العصبيات المذهبية والطائفية.


ان اسقاط النظام الطائفي صعب لكن اصلاحه ممكن اذن فليعمل تحت سقف الممكن بدلاً من التحليق في فضاء الاستحالة ....

 

 





الاربعاء١١ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة