شبكة ذي قار
عـاجـل










بدأت بالثورة المصرية كعنوان , رغم الدور الأساسي للثورة التونسية في بدا الثورة على المستوى العربي , وذلك لأهمية مصر وتأثيرات التغيرات الحاصلة فيها على المستوى العربي والإقليمي والدولي , صحيح إن بوعزيزة كان الشرارة التي أشعلت الثورة في تونس ولكن هذا الحدث لم يأخذ تأثيره لولا توفر الأرضية الصالحة للثورة وتوفر الظروف الملائمة والمتمثلة بالتردي في ميادين الحياة كافة , والاختلاف ما بين تونس ومصر والعراق وسوريا واليمن هو فقط اختلاف نسبة تأثير كل عامل من عوامل التردي , وهذه العوامل هي :_ العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية


أي إن العامل الاقتصادي ابتداء بالبطالة وتدني المستوى المعاشي وغيرها لم يكن العامل الوحيد ولا العامل الحاسم في الثورة التونسية أو المصرية بل هو احد العوامل , رغم أهمية هذا العامل الذي انعكس على الثورة التونسية من خلال إشعال بوعزيزة النار في نفسه لأسباب اقتصادية , وكذلك فان نسبة تأثير هذا العامل تختلف من قطر إلى آخر , مما يعني إن الثورة سواء في تونس أو في مصر لا يمكن حصرها في عامل واحد , بل هي نتيجة لجملة من العوامل , وهنا لا بد من التنويه إلى إن الأسباب أو العوامل التي آدت إلى الثورة , لا تعني ولا يمكن تمثيلها بالضرورة بالنواة التي بدأت بالثورة والتي أشعلت شرارته , أي إن ورغم إن العامل الاقتصادي في ثورة مصر عامل أساسي وحاسم ولكن الذين قاموا بالثورة في بدايتها هم شباب الفيس بوك , وهؤلاء جميعا ينتمون إلى الطبقة المثقفة والتي لا تعاني من شظف العيش بل بالعكس فان اغلب عوائلهم من العوائل الميسورة , والدليل هو استخدامهم للانترنيت في تنظيم ثورتهم مما يعني إنهم في يسر معيشي , فليس من المعقول إن نجد ممن لا يحصلون على معيشتهم اليومية يستخدمون الحاسوب , وبالتالي فان العامل الاقتصادي لم يكن الدافع الأساسي لهؤلاء ولكنه واحد من العوامل , ورغم إن اغلب الثورات قد نفذت من قبل البرجوازية الصغيرة وهذا ما ينطبق على الثورة المصرية وذلك لأنها تتمتع بالمواصفات التي تؤهلها لقيادة الثورة , ولتنفيذها لأنها اقرب إلى الإحساس بمعاناة الشعب لما تتمتع به من ثقافة ووعي ولارتباطها الأقرب إلى الطبقة الكادحة , ولتلاحمها المصيري مع هذه الطبقة .


تأثير المقاومة العراقية على الثورة التونسية والمصرية
:


قد يتصور البعض بان مجرد التفكير بان هناك علاقة ما بين المقاومة العراقية وأي مما يجري في العالم وليس في تونس ومصر فقط ما هو إلا ضرب من الخيال , ولكن الحقيقة والتحليل العلمي يفرض وجود علاقة قوية وتأثير قوي للمقاومة العراقية على مجمل ما جرى ويجري في العالم من تغيرات , ومن ضمن هذه التغيرات ما يحصل في تونس وفي مصر , كيف ؟


من المعلوم إن الولايات المتحدة الأمريكية قبل عام 2003 كانت تحكم العالم بطريقة أو بأخرى , وكانت تسير السياسة العالمية باعتبارها الشرطي العالمي ضمن ما يعرف بأحادية القطب , ولكن هذا الوضع تغير , بل غيرته المقاومة العراقية عندما مرغت القوة العسكرية الأمريكية في الوحل تلك القوة التي كانت من خلالها ترهب الحكومات والشعوب , وبالتالي فقد تخلصت الشعوب من وهم كبير وهو تأثير الولايات المتحدة الأمريكية على التلاعب بمصير تلك الشعوب من خلال حماية الحكام والأنظمة التي تسير في فلكه , وبالتالي فقد خسرت هذه الأنظمة الغطاء الخارجي وما بقي من الأغطية فهو في متناول تلك الشعوب , وهذه الأغطية والمتمثلة بالقوة البوليسية والعسكرية , والثانية هي القوة الشرعية والمتمثل بالشرعية الدستورية لتلك الأنظمة , وبما إن الشرعية الدستورية هي بالأساس مستندة إلى الشرعية الشعبية , والتي ترفض إضفائها إلى النظام , إذن فلم يبقى لدى تلك الأنظمة سوى شرعية القوة


وهذا ما جابهته تلك الثورات , وإذا استطاعت المقاومة العراقية أن تهزم أقوى قوة عسكرية في التاريخ فلم لا يستطيع أي شعب أن يهزم قوات بلده البوليسية , وهذا الدرس الثاني الذي تعلمته واستفادت منه الشعوب من المقاومة العراقية , أما العامل الثالث فهو لا يوجد قوي أمام قوة الشعوب وهذا ما أثبتته المقاومة العراقية والذي كسرت من خلاله حاجز الخوف أمام القوة الغاشمة مهما كان مصدرها وهنا يتبين دور وتأثير المقاومة العراقية على كل ما جرى ويجري في العالم , أي إنها أنهت دور الامبريالية العالمية في التأثير على الأحداث الداخلية في الدول لأنها فقدت بالأساس قدرتها على التأثير بعد أن أنهت المقاومة العراقية تلك القدرة , أي إن المقاومة العراقية قد استطاعت أن تحرر كل الشعوب والأنظمة من القيود التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تتحكم بعقول الشعوب والحكام معا وتسيرها وتؤثر على قراراتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة , بما فيها العقول الثورية أو الوطنية.


ما هو الاختلاف ما بين الثورة التونسية والثورة المصرية ؟

لقد ذكرنا أعلاه بان هنالك عوامل مشتركة ما بين مبررات هاتين الثورتين , لا بل ما بين اغلب الدول العربية , وعموم دول العالم الثالث , وقد أجملنا تلك العوامل بالسياسية والاجتماعية والاقتصادية , والاختلاف هو في نسب تأثير أي من العوامل تلك في هذه الدولة عن مثيلته , وحجم تأثير هذا العامل عن سواه , وبالتالي فان جميع الدول العربية بلا استثناء مرشحة للثورة , مع وجود الاختلافات الشكلية لأسباب ذاتية وموضوعية لكل شعب في التوقيت والأسلوب أول , فالقوى التي تبنت التغيير ونفذته هم الشباب المستقل غير المنظم وهذا ما أعطاها قوى كبيرة لعدم وضوحها ولعدم تمكن أي نظام من تحديدها ومن ثم السيطرة عليه , لتغلغلها في كل قطاعات المجتمع , بل في كل بيت أو عائلة بغض النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو أي انتماء طبقي أو سياسي لذلك البيت أو العائلة , عليه فان الاختلاف ما بين الثورة التونسية والمصرية ما هو إلا اختلاف شكلي , والثورة كانت حتمية نتيجة التردي في أوضاع كل الشعوب العربية , ولا تحتاج إلا لشرارة كما حصل في تونس والى ابتداع أسلوب للتنظيم والتواصل كما حصل في مصر , وربما بل وأكيد إن الجزائر أو العراق قد يبتدع شبابها أسلوب جديد أو يشعل شرارة من نمط جديد ولكن النتيجة واحدة وهي الثورة .


تأثير ودور وسائل الاتصال الحديث على الثورة

لقد حاولت الامبريالية الغربية ومن اجل السيطرة على مقدرات الدول والشعوب استخدام أساليب جديدة للتأثير على تلك الدول , وقد نجحت في استخدام الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة لتفكيك الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي بعده , ولقد تبنت الامبريالية العولمة بكل أشكالها لإحكام سيطرتها على الشعوب وكانت وسائل الإعلام احد الأسلحة المهمة في السيطرة على عقول الشعوب والحكام , ولكن استخدام هذه الوسائل كان يرتبط بعولمته , أي جعلها في متناول الجميع مع ضمان حريتها واستقلالها إلى حد م , وهذا ما جعل عملية السيطرة عليها شبه مستحيلة حتى من قبل من أوجده , وبعد أن قدمت هذه الوسائل الكثير للامبريالية , جاء دور الشعوب في اللعب على نفس الأسلحة التي استخدمت ضده , وهذا ما حدث ومرشح للحدوث في أماكن أخرى , وبطرق أخرى , وغير بعيد ما أحدثه موقع ويكليكس من خرق داخل النظام الأمريكي , وما سنشاهده في المستقبل لهو أكثر بكثير , ومن الطبيعي أن يستغل الشباب العربي هذه الوسيلة في ثورته , فلقد كان دور الفيس بوك أساسي في عملية تنظيم وتواصل الشباب المصري.


وهنا لابد أن نسجل العامل الثاني الذي ساعد على نجاح الثورة , إلا وهو الفضائيات ودورها في نقل الحقيقة التي حاول النظام تطويقها وقبره , هذا الدور هو الذي نقل هذه الثورة من ثورة خاصة بمجموعة من الشباب مرتبطة بزمان ومكان محددين وبأهداف محددة إلى مستوى عام شمل القطر كله والشعب كله والزمن كله إي أعطاها الاستمرارية , من خلال نقل كافة المتغيرات اليومية للثورة , إضافة إلى تواصل الجميع مع الجميع في الثورة فالثائر في الإسكندرية يعلم بما يحصل في ميدان التحرير ساعة بساعة وبما يحصل في الأقصر أو طنطا وهكذا مما يعطي قوة دفع إضافية لجماهير الثورة , هذا عدا تواصل الشعب العربي في كافة الأقطار العربية مع هذه الثورة وتفاعلها معها وتأييده , وكذلك شعوب العالم , ومعلوم إن الفضائيات كانت احد الأسلحة الإعلامية التي أرادت الامبريالية استخدامها للسيطرة على الشعوب والتلاعب بهم , أي بصريح العبارة _ انقلب السحر على الساحر _


والآن ما هو المشهد الأخير , وما يمكن إن نستقيه من هذا المشهد , إي هل يستطيع النظام من إجهاض الثورة , وهل تستطيع الأحزاب التقليدية من سرقة هذه الثورة من أصحابها الحقيقيون , قبل هذا وذاك لا بد من معرفة موقف الجيش المصري وما هو الدور الذي لعبه لحد الآن ؟


يبدو أن الجيش في موقف لا يحسد عليه فهو أمام خياران لا يريد أي منهما ويحاول جاهدا الإبقاء على موقفه الحالي من حلال الموازنة بين هذين الخيارين والمتمثلان , في تبني مطالب الشعب , وهذا صعب جدا في الوقت الحاضر , لان قادة هذا الجيش هم جزء من النظام الذي يرفضه الشعب رغم كل ما يقال في الإعلام فهم جزء من النظام التي ترعاه الولايات المتحدة والذي رسم له دور في المنطقة العربية يتعدى حفاظه على امن الكيان الصهيوني , إلى ضرب كل الحركات الثورية والوطنية في الوطن العربي وقد رأينا موقفه بل ومشاركته في ضرب العراق وتعطيله الحل العربي , أثناء أزمة الخليج الاولى , وتأييده لاحتلال العراق عام 2003 , وموقفه من حماس ومن الحرب على غزة , وكذلك مواقفه من الحركات الانفصالية في السودان , وغيرها من المواقف التي تبنتها الحكومة المصرية , والتي لم تكن تجرأ على القيام بها لو كان هنالك قادة وطنيون في الجيش المصري , وقد اتضح ذالك من خلال موقفهم من المتظاهرين الشباب , حيث إن الجيش لم يقم بدور الشرطة المصرية لسببين الأول هو انه آخر خندق للدفاع عن النظام الذي تريده أمريكا ولا اقصد هنا الأفراد الموجودون بل العقلية التي تحكم مصر , وبالتالي فان أي تحرك من قبل الجيش سيؤدي إلى انتهاء دوره وتأثيره واحترام الشعب له وبالتالي حاول قادته الإبقاء على مسافة من الطرفين , في حين إن الحقيقة هي حماية النظام أو ما يسمونه بالشرعية الدستورية , والثاني هو إن أي تصادم مع الشعب سيؤدي إلى انتصار الشعب وكما حدث مع الشرطة رغم إن الخسائر ستكون كبيرة بين أبناء الشعب , مما سينهي آخر حصن للدفاع عن ما يسمى بالسلام مع الكيان الصهيوني وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني , ولذلك أبقت الجيش بعيدا عن اتخاذ أي موقف واضح , بانتظار ما ستفرزه الأيام القادمة.

وحتى بعد أن تنازل حسني الخفيف عن منصبه لصالح قيادة الجيش لإدارة شؤون مصر , فاني غير متفائل في إجراء تغييرات جوهرية على الموقف المصري من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية , على الأقل في ظل الفترة القادمة وفي ظل بقاء نفس القيادات العسكرية وفي ظل عدم مجيء قائد أو رئيس لديه الإرادة والقدرة على التغيير.


وبعد ذلك هل ستنتصر الثورة المصرية ؟ اعتقد إن الثورة قد انتصرت وان الزمن قد تغير ولن يعود إلى الوراء مهما حصل , بغض النظر عن من سيحكم وكيف , وبالتالي فان من سيأتي سيحارب الفساد وسيحيل كل الفاسدين


إلى المحاكم , بما فيهم مبارك وعائلته , وسيتغير الدستور , وستجري بعض الإجراءات الاقتصادية وغيره , هذا على مستوى الداخل , أما على المستوى العربي , فان تأثير الثورة قد حصل واخذ مداه ولا بد أن تكون القيادة المصرية الجديدة بغض النظر عن اتجاهاتها الفكرية والسياسية اقرب إلى القضايا القومية ولن تكون منفذة لتعاليم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بالدرجة المهينة التي كانت قائمة , ولا بد أن تنظر مصلحة مصر والأمن القومي المصري بطريقة أفضل , وسيكون نقطة الضعف هو الجيش المصري وهو الذي سيحمي اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني .

تأثيرات الثورة المصرية على القضية الفلسطينية

اعتقد بان القضية الفلسطينية كانت من اكبر المستفيدين وان الكيان الصهيوني والولايات المتحدة هم اكبر الخاسرين من انتهاء نظام مبارك والذي هو امتداد لنظام السادات , وما المحاولات الأمريكية المتخبطة إلا انعكاس لهذه الخسارة التي لم تطل صديقا وعميلا فقط بل لأنها طالت نظام كامل سعت لبنائه طيلة عشرات السنوات , وحتى لو جاءت حكومة وأبقت على كل تعهداتها مع الكيان الصهيوني , فهل سيهنأ الصهاينة ؟ وعليه اعتقد بان انعكاس هذه الثورة سيشمل الكيان الصهيوني من خلال تغيير العقلية الحالية لقادته , ومحاولة الوصول إلى سلام شامل سريع مع السلطة الفلسطينية , بعد أن كانوا يماطلون في إعطاء أي شيء , وكل ذلك خوفا من التغيرات التي قد تحصل في المنطقة العربية بعد السبات الذي كانت تعيشه .


إما على المستوى العربي فان الأقطار العربية كلها مرشحة للثورة , والزمن القريب سيشهد تساقط الأنظمة , وهذا لا يستثني العراق رغم ادعاء البعض بوجود ديمقراطية وحكومة منتخبة , (رغم تحفظنا على مجمل العملية السياسية وهذا يشمل الكثير من أبناء الشعب وخصوصا المثقفين )ونسوا إن الثورات في مثل هذه الأحوال , لا تحركها الديمقراطية فقط رغم أهميته , فماذا يفعل الجائع والمهان والمريض بالديمقراطية , وماذا نفعل بديمقراطية تحمي الفاسدين والسراق والمزورين , بئسا لهذه الديمقراطية التي فرقت الشعب والتي تساعد في تقسيم الوطن , فالأسباب التي تودي إلى الثورة كثيرة جد , ولكل مشارك في هذه الثورات أسبابه التي فرضت عليه الاشتراك فيه , فهي ثورات شعبية غير منظمة , ولا يمكن أن تكون أسباب قيامها واحد للجميع , ومن تجارب القطرين التونسي والمصري , إذا أردنا أن تنجح الثورة في العراق فمن الضروري عدم تبنيها من قبل أي فصيل سياسي ولا فئة اجتماعية أو عرقية أو دينية محددة بل دعوها تسير وشاركوا فيها بصمت لتنجح .

 

 





الثلاثاء١٢ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو محمد العبيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة