شبكة ذي قار
عـاجـل










الانتفاضة الثورية المصرية التي تلت الانتفاضة التونسية التي أضرم نارها المرحوم محمد ألبو عزيزي والتي أدت الى فرار الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بصورة ذليلة من كرسيه وقصر الرئاسة واللجوء الى المملكة العربية السعودية أفزعت القوى الغربية والصهيونية العالمية أكثر مما أثرت عليها الانتفاضة التونسية ليس لأن الانتفاضة التونسية لم تكن مهمة بل لأن حجم وثقل مصر في عالمنا العربي والشرق الأوسط هو أكثر تأثيرا على المسرح العالمي من تأثير دولة صغيرة مثل تونس. في كلا الحالتين حاولت وتحاول القوى الغربية والصهيونية احتواء الهيجان الشعبي العارم وامتصاص تأثيره المتعطش لإحداث تغييرات جذرية في النظم السياسية وإبقاء الأنظمة المتهرئة الفاسدة كما هي عليه مع بعض الترقيعات التجميلية من خلال وعود مخدرة وملتوية لا تتناسب مع المطالب الشعبية التي كانت السبب الأساسي لهذه الإنتفاضات. ففي تونس ارتخت الانتفاضة ومن ثم توقفت تدريجيا بعد الإعلان عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة رئيس الوزراء محمد الغنوشي الذي كان رئيسا للوزراء في عهد الطاغية زين العابدين بن علي. الوزارة التونسية الجديدة تحتوي على خليط من وزراء جدد ينتمون الى بعض الأحزاب الوطنية المعارضة ووزراء قدماء كانوا يخدمون في وزارته القديمة التي كانت موالية للطاغية التونسي الهارب. السبب الرئيسي لتوقف الانتفاضة التونسية الرامية لإحداث تغيير جذري في النظام السياسي كان الوعد الذي قطعه محمد الغنوشي على الجماهير بإجراء تغييرات جذرية في الدستور التونسي وإجراء انتخابات حرة ديمقراطية وشفافة إضافة الى ملاحقة المفسدين في عهد زين العابدين بن علي وجلبهم الى المحاكم القانونية ومن جملتهم الطاغية الهارب نفسه وأقرباء وحاشية. الشعب التونسي المناضل وكل أحرار شعبنا العربي في انتظار حدوث التغيير المنتظر وليس الالتفاف على الثورة.  

 

في بداية الثورة التونسية كان الصمت الأمريكي- الأوربي صمت مطبق بشكل كامل على ما كان يحدث ويجري من أحداث دامية في تونس جراء القمع الدموي الذي كانت تقوم به القوى الأمنية التونسية ضد المواطنين المتظاهرين والمحتجين على نظام بن علي القمعي لأن هذه القوى خصوصا فرنسا – التي لم تكن تتوقع أو لم يكن في حساباتها أن نظام الطاغية بن علي سيسقط بهذه الطريقة المخزية حتى قبل لحظات من هروب هذا الطاغية -   كانت تساند ذلك النظام الفاسد بشكل كامل حيث أن وزيرة الخارجية الفرنسية أليو ماري عرضت قبل ثلاث أيام فقط من هروب بن علي الى المملكة العربية السعودية تقديم مساعدة فرنسية لشرطة مكافحة الشغب التونسية لقمع المتظاهرين. الوزيرة الفرنسية المتعجرفة صرحت فيما بعد كرد فعل على انتقادها لتقديم ذلك العرض من قبل وسائل الإعلام  التي طالبت باستقالتها "بأن تونس هي باحة فرنسا الخلفية".

 

النفاق الأمريكي الأوربي ظهر بعد هروب الطاغية بن علي الى المملكة العربية السعودية حيث أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما دعا الى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في تونس وأدان استخدام العنف ضد المواطنين الذين يعبرون عن آرائهم بشكل سلمي  وقال "إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المجتمع الدولي للشهادة على هذا النضال الشجاع من أجل الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها، وسنذكر على الدوام صور الشعب التونسي الذي يسعى لإسماع صوته". وهنا لم يفهم ماذا كان يقصد أوباما باصطلاحه الجديد "الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها". من ناحيتها صرحت الحكومة الفرنسية وكما يقول المثل العراقي "بعد ما ضرطت تربعت" بأنها "لا ترغب في مجيء بن علي الى أراضيها" لأنها لا تريد استياء الجالية التونسية في فرنسا! ودعت الى إنهاء العنف وإجراء حوار بين القوى السياسية التونسية لإيجاد حلا ديمقراطيا للأزمة التونسية آنذاك. نفس الأسطوانة المشروخة رددتها باقي الدول المنظمة في الإتحاد الأوربي التي سارعت كما عملت فرنسا والولايات المتحدة الى تجميد أرصدة الرئيس الهارب وأرصدة حاشيته وحلفائه المقربين منه.   

 

تقريبا نفس النفاق السياسي والإعلامي حدث ونفس النغمات الأمريكو- أوربية النشاز عزفت حينما تصاعدت الانتفاضة الثورية في مصر لكن في هذه الحالة أن الطاغية حسني مبارك مازال موجودا في مصر متشبثا بالبقاء في دفة الحكم ومدافعا عن نظامه الخرق الفاسد المسنود من قبل الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي والصهيونية العالمية. في بداية الأمر دافعت الولايات المتحدة عن المجرم الطاغية حسني مبارك ونظامه الفاسد العفن باعتباره حليف قوي لأمريكا لا يمكن الاستغناء عنه لأنه يوفر غطاء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال حماية الكيان الصهيوني وتمييع وطمس القضية الفلسطينية. في خطابه السنوي الذي ألقاه في واشنطن في نهاية شهر يناير/كانون ثاني 2011 دعا باراك أوباما السلطات المصرية التعامل بهدوء مع الانتفاضة الشعبية. نائب الرئيس الأمريكي الصهيوني جو بايدن قال بأن "الرئيس حسني مبارك الذي حكم مصر لمدة 30 عاما، ليس دكتاتور". وقال أيضا في برنامج أخبار الساعة في قناة -بي.بي.أس- "أن مبارك حليف لنا في عدد من الأمور، الذي كان مسئولا جدا نسبة الى المصالح الجيوسياسية في المنطقة، جهود السلام في الشرق الأوسط، والإجراءات التي اتخذتها مصر بالنسبة لتطبيع العلاقات ما إسرائيل". من ناحيتها حثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون حكومة حسني مبارك على السماح بالاحتجاجات السلمية ودعتها الى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية استجابة للمطالب الجماهيرية.

 

هذه التصريحات الأمريكية الحيادية المنتقاة بتأني جاءت بعد الدرس الذي تعلمته الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوربي من الثورة التونسية وذلك لتجنب تفاقم الوضع وحالة الغموض السياسي في حالة تنحية أو هروب مبارك من مصر لأن النظام المصري الحالي يمثل عامل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط من خلال علاقته المتينة مع الكيان الصهيوني. لكن بعد تصاعد الانتفاضة وصمود المنتفضين في المواجهة مع عصابات وبلطجية نظام مبارك التي حرقت مباني ومؤسسات حكومية وأهلية وقتلت وجرحت المئات من المنتفضين المسالمين تغيرت النغمة الأوربية الأمريكية وتحولت الى المطالبة بانتقال السلطة بشكل سلمي من يد الطاغية حسني مبارك خصوصا بعد انتخاب نائب له وإجراء جراحة تجميلية بسيطة للنظام القبيح مع الإبقاء على دعائمه كما هي عليه دون تغيير جذري لها بعكس ما تطالب به الجماهير المنتفضة. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بأن إدارة باراك أوباما تناقش اقتراح لحسني مبارك للاستقالة فورا، ونقل السلطة الى حكومة انتقالية برئاسة نائب الرئيس المعين حديثا عمر سليمان بدعم الجيش المصري.

 

لكن ، من هو عمر سليمان ؟!!!

 

عمر سليمان كان مدير المخابرات المصرية قبل تعينه نائب للرئيس والزائر الدائم الى الكيان الصهيوني الذي ساعد على توقيع اتفاقية بيع الغاز الى هذا الكيان المسخ بأسعار مخفضة دون سعر السوق العالمية، وكذلك خطط مع الكيان الصهيوني الى عزل قطاع غزة ومن ثم ضربه وقتل وجرح الآلاف من الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين الأبرياء؟!!!، كذلك له علاقة وثيقة مع الجيش الأمريكي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وأنه تدرب في مدرسة الحرب الخاصة في فورت براج ووصف بأنه رجل اتصال لوكالة المخابرات المركزية في مصر لبرنامج الترحيل الاستثنائي السري للسجناء الى سجون التعذيب السرية في مصر.

 

بينما الإنتفاضات الاحتجاجية على النظم الاستبدادية العفنة في أقطارنا العربية مستمرة خصوصا في أرض الكنانة مصر يخرج علينا السناتور الجمهوري المجرم المتصهين جون ماكين - الذي حرض على غزو وتدمير العراق وكان أيضا مرشحا عن الحزب الجمهورية في الانتخابات الأخيرة على الرئاسة الأمريكية – واصفا الحركات الشعبية المتنامية في وطننا العربي في مقابلة له على شبكة فوكس نيوز التي يمتلكها الصهيوني روبرت مردوخ بأنها "فيروس" يجب التصدي له، حيث قال بالحرف الواحد أن "هذا الفيروس ينتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط. الرئيس اليمني، وكما تعلمون، أدلى للتو بالإعلان بأنه لا ينوي ترشيح نفسه مرة أخرى، وأود أن أجادل، بأن هذه الفترة ربما هي الأكثر خطورة في تاريخ تدخلنا في كامل منطقة الشرق الأوسط، على الأقل في العصر الحديث".

 

نود الإجابة على تصريحات المأفون المجرم الصهيوني جون ماكين بالقول نعم نود أن تكون هذه الحركات الشعبية التحررية فيروس قاتل من نوع آخر يهاجم الجهاز المناعي العميل الذي زرعته أمريكا والحركة الصهيونية العالمية في أقطارنا العربية لينخر قوى الأنظمة الاستبدادية الفاسدة وكذلك يهاجم أجهزتها العصبية ليشل كل تحركاتها المستقبلية كيف يوفر الوقت الكافي لبناء مجتمع عربي واحد في وطن عربي قوي واحد يعمه الرخاء ويتمتع مواطنيه بالحرية والاستقلال ومنيع من التدخلات الأجنبية في شؤونه الداخلية أو سياسته الخارجية.

 

تحية نضالية لكل المنتفضين الوطنيين الأحرار في أقطار وطننا العربي الكبير

الرحمة لشهداء الإنتفاضات العربية

الشفاء العاجل لكل جرحى الإنتفاضات العربية

ليكن صمود الانتفاضة المصرية المفتوحة بابا مفتوح لرحيل الطاغية حسني مبارك ونظامه الفاسد

نأمل أن تمتد هذه الانتفاضة بقوتها وحجمها الجماهيري الى جميع أرجاء وطننا العربي الكبير خصوصا في عراقنا المحتل للتخلص من الإحتلال وعملائه وكل الطغاة والحكام الفاسدين وذلك لبناء مستقبل مشرق لأبناء أمة العرب من المحيط الى الخليج.

 

 





السبت٠٢ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٥ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة