شبكة ذي قار
عـاجـل










المظاهرات التي بدأت كاحتجاجات شعبية ظاهريا عفوية في بعض المدن التونسية كرد فعل على الفساد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وعلى البطالة وزيادة الأسعار والتضخم المالي وأتساع الفجوة بين طبقة الأغنياء وطبقات المجتمع المسحوقة الأخرى التي أحدثها النظام السياسي القمعي الفاسد في تونس أدت في النهاية إلى هروب الرئيس زين العابدين بن علي من عاصمته واللجوء إلى المملكة العربية السعودية بعد أن رفضت فرنسا استقباله بحجة أنها لا تريد "إثارة شعور الجالية التونسية فيها المعادية لنظامه" على الرغم من قوة العلاقة الحميمة التي تربط نظام نيكولاي ساركوزي بنظام زين العابدين بن علي. ردود الأفعال الجماهيرية العاطفية الآنية في أنحاء الوطن العربي التي تنظر إلى حدوث تغييرات مماثلة للنظم العفنة التي تتحكم برقاب المواطنين من مشرقه إلى مغربه كانت عفويا إيجابية لحدوث هذا التغيير.

 

الأسئلة التي تطرح نفسها آنيا في سياق هذا التغير السياسي في تونس هي:

 

1- هل كان هذا التغيير متوقعا أم أنه كان حدثا مفاجئا ومن الذي يقف خلفه؟!!! أهي قوى شعبية منظمة وأحزاب تقدمية مؤثرة داخل المجتمع التونسي؟!!! أم أن هذا التغيير هو مجرد انعكاس لاضطرابات داخلية قامت بها مجاميع عفوية مستاءة غير منتظمة أو غير منظمة سياسيا؟!!! علما أن هيكل نظام الدولة لم يتغير وأن الذي خلف الرئيس زين العابدين بن علي كرئيس مؤقت لتونس الخضراء لحين إجراء "انتخابات" جديدة هو رئيس البرلمان التونسي فؤاد المبزع الذي كلف رئيس الوزراء الحالي محمد الغنوشي بتشكيل وزارة جديدة، وللعلم أيضا أن زين العابدين بن علي كان وزيرا للداخلية في حكومة الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة عام 1987 قبل أن يتآمر عليه ويستلم سلطة الحكم منه.  

 

2- هل كان لتسريبات ويكيليكس التي فضحت فساد حكم زين العابدين بن علي وعائلته والمقربين منه دورا في هذا التغيير، علما أن الشعب التونسي كان يدرك جيدا أبعاد فساد نظام زين العابدين بن علي قبل نشر تلك التسريبات؟!!!

 

3- هل انتهت مدة خدمة زين العابدين بن علي للغرب والصهيونية العالمية بأمر من قوى خارجية وحسب المخطط الصهيوأمريكي للشرق الأوسط كما انتهت خدمات شاه إيران عام 1979 وتسلم الحاخام خميني السلطة في طهران من بعده؟!!!

 

4- لماذا رفضت فرنسا وإيطاليا وباقي الدول الأوربية استقباله على الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط نظام بن علي بهذه البلدان؟!!!

 

5- لماذا رحبت دولة قطر بهذا التغيير وأعلنت احترامها لخيارات الشعب العربي التونسي وبالشكل الذي حدث الآن؟!!!

 

6- لماذا رحبت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بهذا التغيير في هذا الوقت بالذات، وما هي غاية إشادته بما يحصل في تونس، وما هي أبعادها على المستوى القطري في تونس وعلى مستوى الوطن العربي حينما ذكر في بيانه "إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المجتمع الدولي للشهادة على هذا النضال الشجاع من أجل الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها، وسنذكر على الدوام صور الشعب التونسي الذي يسعى لإسماع صوته"؟!!! وماذا يعني أوباما أيضا من قوله المتناقض "إن كلّ أمة تهب الحياة لمبدأ الديمقراطية بطريقتها الخاصة استنادا إلى تقاليد شعوبها" وفي نفس الوقت يتآمر على القضية الفلسطينية مع الكيان الصهيوني ويدير حروبا واحتلالات مستمرة في كل من العراق وأفغانستان وباكستان دون احترامه للحقوق الشرعية لهذه الشعوب؟!!!

 

7- هل أن التغيير الذي حصل في تونس يعكس بالإضافة إلى الاستياء الشعبي التونسي مدى الاستياء الأوربي الأمريكي على إدارة زين العابدين بن علي بعد كشف المستور من قبل موقع ويكيليكس، أم أن هذا التغيير يعكس خطوط مؤامرة  أوربية-أمريكية-صهيونية جديدة للسيطرة على دول المغرب العربي من خلال استغلال النقمة الشعبية فيها ومن خلال استخدام الأحزاب الإسلاموية والشيوعية المحظورة هناك من أجل تطبيق سياسة تقسيميه جديدة في هذه الدول كما حصل في العراق؟!!!

 

الغريب في هذا السياق أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي تآمرت على الرئيس الهندوراسي مانويل زيلايا الذي أنتخب بصورة دموقراطية من قبل شعبه وأدت إلى خلعه ونفيه إلى خارج بلاده تدعو الحكومة التونسية الحالية إلى "الالتزام بالهدوء وتفادي اللجوء إلى العنف واحترام حقوق الإنسان وإجراء انتخابات حرة وعادلة في المستقبل القريب تعكس الإرادة الحقيقية وطموحات الشعب التونسي" بالضبط كما عملت حينما تآمرت على مانويل زيلايا.

 

8- خلال دخولنا لإحدى غرف الدردشة التونسية في موقع البالتولك مساء أمس سمعنا وسمات الفرح التي عبر عنها الكثير من الإخوة التونسيين لهذا التغيير من خلال مداخلاتهم الكلامية. الملفت للنظر والذي شد انتباهنا هنا هو أن بعض العراقيين - الذين يبدو أنهم من عملاء الاحتلال - الذين تداخلوا كلاميا في هذا الموقع أطروا بحرارة على التغيير الذي حصل في تونس وهنئوا الإخوة التونسيين، ولكن في نفس الوقت عملوا مقارنة بين النظام التونسي والنظام الوطني قبل الاحتلال وأخذوا يسطرون الأكاذيب عن جرائم خيالية يتهمون النظام الوطني قبل الاحتلال بأنه أقترفها والتي لا يصدقها حتى الطفل الرضيع، حيث أن احدهم ذكر ويقسم قسما غليظاً دون حياء بأنه خريج كلية الهندسة عام 1992 وبعد فترة قليلة من تخرجه ألقي القبض عليه وأودع في السجن دون سبب لمدة ستة أشهر تعرض خلالها إلى شتى أنواع التعذيب وأنه قد استخدم من قبل السلطات العراقية آنذاك في رمي جثث قتلى التعذيب - المحملة في سيارات "بيك آب" - التي يزيد تعدادها العشرين جثة يوميا في شوارع بغداد وأنه مازال يشم رائحة الدم والى آخره من هذه الأكاذيب الفاقعة، قبل أن يطلق سراحه وهجرته إلى خارج العراق. وأضاف أنه فقد من عائلته 77 قتيلا. يبدو من خلال ما سمعناه من أكاذيب وإطراء متملق من قبل هؤلاء العراقيين، أن بعض وكالات المخابرات الأوربية والأمريكية والموساد الصهيوني أخذت تنشر عملائها العراقيين في غرف الدردشة البالتولكية التونسية في هذا الوقت من أجل التهيئة النفسية للمستمعين لقبول التغييرات المحتملة في دول المغرب العربي والتي لا يعرف أحد في الوقت الحاضر عواقبها وعقباها.

 

لسنا من مؤيدي نظرية المؤامرة ولسنا من هواة الأنظمة القمعية والاستبدادية بل نحن مع الشفافية والنظم الديموقرطية الحقة، ومع العدالة الاجتماعية والتعددية الحزبية في إدارة شؤون البلدان، وكذلك نحن مع التغيير الجذري للنظم والمجتمعات العربية من أجل التكامل الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق الوحدة العربية الشاملة والعيش في وطن عربي واحد حر متقدم وقوي يسوده العدل والمساواة والرخاء والسؤدد، وبطبيعة الحال نتمنى لشعبنا العربي في تونس كل النجاح في تحقيق مآربه ومطالبه العادلة من أجل حياة حرة كريمة، لكن مع هذا من حقنا أن نتساءل عن شرعية هذا التغيير المفاجئ في تونس وغايته ومن القائمين عليه وما هي غاية الهالة الإعلامية الواسعة النطاق التي حصل عليها هذا التغيير من الغرب وعلى وجه الخصوص من قبل الإدارة الأمريكية التي تتآمر دائما وابدأ مع الكيان الصهيوني وشريكاتها الأوربية على مقدرات شعبنا العربي وسلامة أراضيه من أجل تمزيقه ونهب خيراته.

 

التأيد الإعلامي والرسمي الغربي الكبير للتغيير الشكلي البسيط الذي حصل في تونس المتمثل فقط بخروج زين العابدين بن علي مع عائلته والأقربون منه ولجوئهم إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ودول أوربية أخرى وبقاء رموز النظام في أماكنهم كما هو عليه الحال الآن مع تغييرات طفيفة هنا وهناك، وإعلان حالة الطوارئ ونشر الجيش والشرطة والقوى الأمنية كلها تدل على محاولة امتصاص النقمة الشعبية العارمة وتهدئة الشارع التونسي من أجل السيطرة على الانفلات الأمني الذي حصل على إثر الاضطرابات وكذلك من أجل إحداث وحسب الطبخة الأبامية تغييرات جذرية في المجتمع التونسي لا تقع في صالح وحدة وسلامة المجتمع التونسي ولا في صالح القضايا العربية الأخرى. استدلالنا وتخميننا هذا ينبع من حماسة الإدارة الأمريكية ودول الإتحاد الأوربي ودول الخليج العربي التي تأمرت على العراق لهذا التغيير. من الناحية الأخرى نتمنى أن يكون هذا التغيير تغييرا سياسيا صادقا يقع في صالح شعبنا العربي التونسي ووحدة أراضيه.

 

 





السبت١١ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة