شبكة ذي قار
عـاجـل










" رحم الله من جبر كسرا، قال البعض، لا ! بل رحم الله من منع حصوله، رد الاكثر حكمة " الحكمة الشعبية بسيطة ولكن لا حكمة خارج البساطة يقول جان بول سارتر . واذا كانت الكسور التي تلم تباعا بالجسد العربي اكثر مما يتحمله جسد واحد ، واكبر من ان تسمح له بالقدرة على الحركة ، فان اخرها هو " الساطور الذي نزل بالسودان ، لا ليحدث كسرا جديدا بل ليفصل نهائيا العمود الفقري المنكسر اصلا منذ عشرات السنين . غير ان الكسر الذي يخيفنا اكثر هو ذاك الذي يتهدد مصر ، لا بفعل حادثة الاسكندرية ، فهي لم تكن الا حلقة في سلسلة ، وانما بفعل التراكم الذي يتجمع تحت غطاء الطاولة منذ عقود ايضا . وكم كتبنا ، منذ التسعينات على الاقل ، في هذه الزاوية وفي سواها محذرين من المحظور الذي قد يقع !


اما ربطنا بين مصر والسودان في هذا المقال ، فليس من باب التحليل كالعادة ، حتى ولو كان التحليل المبني على المعلومات ، وانما هو نقل ، صدى ، لما سمعناه في مظاهرات باريس يوم الجمعة الفائت . حيث تعالت هتافات تقول : اليوم السودان وغدا مصر ! كما تعالت يافطات تنقل مقولات مسيئة " يقولها الاسلام عن المسيحية " ، ليخرج بعدها نائب فرنسي علينا من على المنصة مؤكدا على ان فرنسا ستحمي الاقباط !


وهنا تبدو عبثية الامور ، وجانبها المظلم ، فكيف ستحمي فرنسا الاقباط ؟ هل سيحل الامن الاوروبي مكان الامن المصري ويقوم بدوره في تعقب المتطرفين والمندسين ، سواء استباقيا لمنع الشر او تاليا لمعاقبة المجرمين ؟ هل ستتدرج الامور الى يوم يقبل فيه الفرعون باستفتاء يفصل الاقباط عن مصر ليمنحهم حكما ذاتيا ان لم يكن دولة ؟ وهل سيكون الوضع النفسي لمسؤولي الكيان الجديد هذا بانهم مدينون بحياتهم وحريتهم للاجنبي الذي حماهم وانتزع حقوقهم؟


عندما نتابع الاعلام المصري وتحركات المجتمع المدني في بلاد النيل ، نشعر بان مصر اكبر من المؤامرات على وحدتها ، ونشعر بان المصريين الاصلاء هم من مستوى استشهاد البابا شنودة باحمد شوقي في قداس عيد الميلاد المجيد ، حيث لم يذهب الى الانجيل المقدس بل الى امير الشعراء ، وقوله " ولد الحب يوم مولد عيسى !" ، في تعبير انساني ووطني كبير وكبير من قبل هذا القائد الديني العظيم الذي وقف منذ عقود ضد التطبيع مع اسرائيل ، ودعم كل المواقف القومية العربية ، وقدم البرهان تلو البرهان على وعيه الكبير لمصلحة مصر .


لكن صور شنودة كانت قليلة ، بل نادرة في مظاهرة باريس ، مما ذكرني بدور البطريرك الماروني خريش في بداية الحرب اللبنانية الاهلية ، عندما حاول جهده لمنعها ، فكانت النتيجة ان وصلت الامور الى تعدي بشير الجميل عليه بالضرب ، والى عدم تمكنه من منع الرهبنة المارونية من بيع اراضيها لشرائ اسلحة للكتائب ثم للقوات .


غير ان الوضع في مصر – وان تشابه حول هذه النقطة – مختلف تماما عن الوضع في لبنان انذاك ، لان مسيحيي لبنان لم يكونوا يعانون من التمييز الذي يعاني منه اقباط مصر ، ولم يكونوا قد تعرضوا للمذابح التي تعرض لها اقباط مصر ، رغم ذلك استطاع الخارج المتامر على الامة ان يستقطبهم ويحركهم ضد مصالح امتهم .


وعليه فلن تنفع مصر صور الصليب مع الهلال على التلفزيون ، لا ولا حضور الوزراء وعادل امام لقداس عيد الميلاد ، ما سينفعها يلخص في كلمة قالها احد الفنانين في الحفل التضامني الذي نظمه نادي السينمائيين : " كفوا عن استعمال كلمة الاخوة الاقباط " . اجل فالمواطن ، ليس اخا او جارا ، ( وكم من كلمة حق اريد بها باطل حتى ولو عن غير قصد ) المواطن مواطن وكفى ، له كل الحقوق بالتساوي لانه كذلك وليس لاي سبب اخر عرقي او ديني او مذهبي ، فكيف بالاحرى لاي سبب اخر يتعلق بدوائر السلطة ومحازبيها وفسادها . وبدون استقرار هذاالمفهوم في كل البلاد العربية ، لن يكون من نهاية لنموذج العراق ولا السودان ولا لبنان ولا اليمن .


ولكن . من الذي سيقر هذا الحق ؟ اهي الدولة العربية الفاشلة العاجزة عن اي شيء الا عن حماية فسادها واستثماراتها ؟ ام هو المجتمع المدني بشقه المتطرف الاعمى ، اسلاميا كان ام مسيحيا ؟ اهي فتاوى القرضاوي بتحريم تبادل المعايدة بعيد الميلاد المجيد ، الذي كرمه القران الكريم وامه اكثر مما جاء في الانجيل ؟ ام هي محطات تلفزيون الكاهن القبطي المعتوه المتنقل بين عواصم الغرب ليشتم الاسلام ؟


واذا كانت الدولة هي المسؤولة اولا واخيرا عن الوطن واهله ، فلماذا لم يستطع الامن المصري الذي يلتقط الذبابة في فضاء غرف النوم ان يكشف ما تجاوز عشر عمليات ارهابية ضد المسيحيين الاقباط ، وحتى ردات فعلهم ، فهل يعتقد النظام ان سياسة فرق تسد ستحميه ، وانه سيقول للمسيحيين انه وهم معرضون للتطرف الاسلامي ، كما يقول للمسلمين العاديين انه يحافظ على " حقوقهم " التي يطالب الاقباط بحصتهم منها ، وفي الوقت نفسه يتوجه للغرب على انه الضمانة التي يجب الحفاظ عليها .


هي لعبة لم تعد تنفع احدا ن فاحكام الاعدام على وحدة دولنا المجزاة اصلا صدرت منذ وقت ، وما نحن الا امام خيارين اما ارساء اصلاح اجتماعي وسياسي ، على قاعدة المساواة في المواطنة وحقوقها، ضمن عملية تنموية تطلق الحريات وتكافح الفساد ، مما يبطل مسيرة اجراءاتها ويمنع تنفيذها ، واما دفن الراس في الرمال الى ان يكتمل التفاف الحبل على رقبة الجميع .

 

 





الجمعة١٠ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حياة الحويك عطية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة