شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحــــمن الرحيــــم
(( ربي أشرح لي صدري . ويسر لي أمري . وأحلل عقدة من لساني . يفقهوا قولي ))
صدق الله العظيم



ابتداء لابد من التسليم بالبديهية , المؤكدة التي فرضت نفسها علينا من خلال التجربة الطـــــــويلة , وحقائقـــها التاريخية المتراكمة , أن لا نجعل التاريخ يتوارى خلف الصيــــاغات اللفظية والتعبـــــــيرات المنعمة بالتماهي بالوصف المجرد , بل انه , أي التـــــــــاريخ , وأحداثـــه التي في جنباته , كائن حي يعيش في ثنايا الحاضـــــر والمستقبل , ويمد جذوره في وعـــــينا الراهن الحسي والإدراكي , ليشكل علاقة حيوية لا يمـــــكن التخلص من تعبيراتها وتأثيراتها التي تحيط بنا من كل جانب ..


من هذا المنطلق وجدت من الضرورة بمكان ومن موقع التجربة التي عشتها كسياسي عبر حوالي نصف قـــرن من النضال فـــي سبيـــل المشروع الديمقراطي النهضوي العراقـــــي الذي يشكل ركنا مهما من أركان المشروع ألديمقراطي النهضوي العربي أن أساهم فــي موضوعــة السبيــــل لتعزيز هذا المشروع الضرورة لحياة شعبــنا العراقي وامتنا العربية , والذي يشغل بال الكثير من الساسة العراقيين والعرب على اختلاف مشاربهـم السياسية كأفـــــراد وأحزاب وكتل ومراكز دراسات معنية ومهتمة بالبحث عن السبيل إلى توكيد تحقيق هذا المشـــــــروع , وبالقدر الذي طبعته تجربتي فــــي الحياة السياسية التي عشتها مع شعبنا العراقي العزيز وامتــــنا العربية ...

 

أقول أن الديمقراطية ركن مكين من أركان النهضة ورافعة من رافعاتها , يمكن القـول أن النهضة تتحقق بمقدار ما وينجح مجتمع ما أو امة ما في انجاز التصنيع , ونشر التعليم , وبناء الجيش الحديث وتعظيم الثروة , وقــــد يصح ذلك إلى حـد بعيد , ولكن الذي ثبت بالدليل التاريخي أن الطريق إلى ذلك كله هو (( الديمقراطية )) بما أنها هي النظام الذي يحرر مواطنيه من العبودية السياسية والخوف , ويطلق الطاقات الاجتماعية للإنتاج والإبــــداع والتنافس وتحقيق التراكم : المادي والمعنوي , ويعزز اللحمة الوطنية والقومية استنادا إلى رابطـــة المواطنة , وما أحوج مجتمعنا الذي يعطل الاستبداد طاقات أبنائه ويستبـــــعدهم من المشاركة في صــــنع مصيـــــرهم إلى الديمقراطيــــة التي هي وسيلــه لطلب التقدم , ونظـــــاما لتحقيق الآمال المعلقة منذ قرن من الزمــــــــان , لان الديمقراطية كفيلة بمواجهة كافة العقبات التي تعترض المشروع النهضـــوي لمجتمعنا , وكونها ضرورة لاغنى عنها لأنها تفتح أمام مجتمعنا سبل الخروج من أصفاد الكبت السياسي والاستبداد , ويتحصل أبناؤه حقوقا لهــم , أذن الديمقراطية ضرورة تاريخية وسياسية بالمعاني التالية :

 

أولا : أنها ضرورة ابتداء , لكونها حقا عاما للشعب , فهي ليست ترفا سياسيا نتداولها عبر وسائل الأعلام المختلفة أو مجرد شعارات نطلقها عند الحاجة فحسب , بل أنــــــــها حاجة أساسية , كما إنها ليست حقوقا قابلة للحجب أو للانتقاص تحت أي عنوان او مبرر يلجأ إليه الحاكم , ولا يجوز المساس بهاو هي ليست منة من حاكم يقدمها بالتقسيط .

 

وهي ضرورة ثانيا لأنها الوسيلة الأمثل لإطلاق طاقات الشعب , وتحريرهما من السلبية والتواكل والزج بها في معركة البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ومجتمعنا كغيره من المجتمـــــعات البشرية لا يملك أن يكسب معركة التنمية أويجابه ذلك الا بفك قيد العبودية السياسية وتحرير إرادتها المـــــــصادرة ونيلها فرص المشاركة في صنع المستقبل والمصير , ثم أنها ضرورة ثالثا لانها القاعدة التي تبني عليها العلاقة بين الدول والمجتمع في المجتمعات الحديثة , التي ينبغي بالتالي ان تقوم عليها العلاقة إياها في مجتمعنا , فحيـن لا تستقيم العلاقة بين الدولة والمجــــــتمع وفق الضرورة الديمقراطية يشعر المواطنون بأنهم محض رعية للسلطان , وتنشأ أسباب الاحتقان والاضطـراب والحراك النازع نحو العنف , ولكن حين تقوم العلاقة بين الدولة والمواطنين على قاعدة الديمقراطية , يكــــــون
المجتمع في صدارة من يحمي الدولة ويدافع عنها على خلفية شعوره بأنها دولته , وما أكثر حاجة الدولة اليـوم إلى شعب يحميها ويذود عن يقائها , ولو أمكن أن تنتظم العلاقة بين الدولةوالمجتمع وبين السلطة والشــــــعب, على مقتضى ديمقراطي لأمكن تحصين جبهة الوطن في وجه أي خطر خارجي أو داخلي .


الديمقراطية نظام شامل للحكم

أن الديمقراطية نظام شامل للحكم لاتقبل تجزئة عناصرها او انتقاء بعضها دون بعض ولايمكن أن يوصف نظام سياسي ما بأنه ديمقراطي الا متى اجتمعت فيه المبادئ والقواعد كافة التي تقوم عليها الديمقراطية كنـــــــــظام سياسي , وثمة عناصر كبرى تؤسس هذا النظام (( أي النظام الديمقراطي )) وتمنحه ما هبته , أي الصــــــــفة


الديمقراطية الشاملة وهي :
أولا : الحرية : حرية الرأي والتعبير والنشر والتنظيم , أي جملة ما يجعل الأفراد مواطنين : يمارســـــــون حقهم في مواطنتهم , ومن دون قيـــد علـــى حرياتهم ألا ما يفرضه احترام حريات الآخرين , ومن دون رقابـــة على أفكارهم ألا ما كان يدعو منها إلى تهديد نظام الحريات والديمقراطية ويحـرض على العنف السيـــــــــاسي الأهلي , ومن دون انتقاص من الحق في التنظيم وتشكيل الجمعيات السياسة ألا ما كان يقوم منها عــــلى أساس عرقي أو طائفــي أو مذهبي أو عشائري متعصب ,

 

ثانيا : التعددية الحزبية : والحق في المشاركة , أي إقامة السياسة على مقتض الحق العام والإقرار بأنـــــها حق عام لطبقات المجتمع وفئاته ونخبـــه , بما يعني بالمحصلة الأخيرة منع أي شكل من إشكال احتــكار التمثيل السياسي على أساس طائفي أو عنصري أو حزبي أو مذهبي , ولا يكفي حــق إقرار التعددية الســـــياسية أن لم يكفل حق كافة الأحزاب والمنظمات في المشاركة السياسية وفي التنافس المشروع على التمثيل السـيـــــــاسي و كسب الرأي العام بالوسائل الديمقراطية , وتؤكد بالوسائل الديمقراطية

 

ثالثا : النظام التمثيلي (( المحلي والنيابي )) المشمول بالضمانات القانونية والدستورية والتي هي الأخرى تكفل :

 

أ ـ حرية الاقتراع لكل المواطنين البالغين حق التصويت وإحاطة العــــــــملية الانتخابية بأسباب الشفافية والنزاهة , ومــــنع أي شكل من إشكال مصادرة الإرادة الشعبية وتـــــــزوير التمثيل , أما من خلال التدخل غير المشروع للإدارة في نتائج الانتخابات وأما من خلال : استعمال المال الســــــــــــياسي لشراء الأصوات والذمم والضمائر والتحكم في اتجاهات اختيار الناخبين .

 

ب ـ حق الرقابة على السلطة وممارستها وذلك من خلال وسائط الرقابة كافة : المساءلة النيابية للســـــلطة التنفيذية , والرقابة على صرف المال العام , والرقابة الشعبية على إدارة السلطة , إذ أن النظام التمثيلي فــــــي الديمقراطيات الحديثة هو الشكل المؤسس للتعبير عن مبدأ السيادة الشعبية أو المبداء القائل بأن الشعب مصــدر السلطة : يمارسها عبر ممثلين ينتخبهم بحرية .

 

رابعا : إقامة النظام السيــــــــاسي على قاعدة الفصل بين السلــــطات واحترام استقـــــــــــــــلالية القــضاء .


خامسا : التداول الديمقراطي للسلطة وإقرار مبدءا حق الأكثرية السياسية التي أفرزتها الانتخابات النزيهة في تشكيل السلطة التنفيذية وإدارتها عملا بمبداء أن السلطة حق عام للشعب وليست حقا خاصا لطائفه أو حـزب أو فئة أو أسرة أو فرد .

 

سادسا : والمهم جدا والذي تتوقف عليه سائر المبادئ المذكورة . هو النظام الدستـــــــــوري الذي يمثل النظام الأساس للدولة , وينظم سلطاتها كافة والعلاقات بين أجهزتها والحقوق المدنية والسياسية لمواطنيها , وهــــــو النظام الذي ينبغي أن توكل كتابته إلى هيئة تأسيسية منتخبة ويجري إقراره بواسطة الاستفتاء الشعبي عليــه .

 

سابعا : ضرورة قيام نظام اجتماعي اقتصادي عادل يتمتع فيه المواطنون بحقوق متساوية , وفرص مـــتكافئة على النحو الذي يوفر لهم الحماية ضـد انتهاك إرادتــــهم السياسية , وحريتهم في التعبير عن أرائهم , واختـيار من يرونه الأصلح لتمثيلهم , أن تطبـيق مبدءا من هذه المبادئ دون أخر يسقط عن النظام ماهيته الديمقراطية , فالديمقراطية نظام شامل وكل لا يقبل التجزئة .

 

وختاما : نقول أن الديمقراطية لا يمكن لها أن تكون ألا عندما تكون ماهيتنـــــا كأفراد وأحزاب وكتل سياسية بعيدة كل البعد عن التعصب الحزبـي والعنصري والطائفي والمذهبـــــــــي والعشائري والمناطقي , وضرورة أن تتجسد المعاني الديمقراطية بالسلوك والتصرف والنضرة والغاية لكل منا وبشكل ثابت ودائم , نعـــبر عـــــــــنها بمصداقية عاليه ووعي كامل وعفه وشجاعة , وليس كشعارات تكتيكية لاقتناص فرصة ما في زمان ما لعـبور مرحلة ما وعلى أساس أيماننا المطلق بأن الديمقراطية هي , ضرورة مهمة للحياة كضرورة الـــــروح للجســـد والهواء للحياة , وقاعدة لتحرير الفرد والمجتمع معـا ومفتاح تطورهما ونجاح للمشروع النهضــــــــوي , وهذا يتوجب أن يكون كياننا السياسي بعيدا عن التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية لقوى الاستـــــــكبار العالمي , وخلافا لذلك فأن المشروع الديمقراطي النهضوي يبقى مجرد كلمات تمتلئ بها خطبنا السياسية ووسائل أعلامنا المقروءة والمسموعة والمنظورة , وخداع لشعبنا العراقي وأمتنا العربية ,أننا نناضل بالكلمة الصادقة الحـــرة الشـــجاعة من اجل مشروع ديمقراطي نهضوي لشعبنا العراقي العزيز وأمتنا العربية المجيدة , باذلين الغــــالي والنفيس لصنع مستقبل واعد لأجيالنا في وطن تسوده الحرية والسعادة ...

 

اللهم زينا بزينة الأيمان واجعلنا هداة مهتديـــــــــــــــــــــــــــــــــن .




فاضل المالكـــــــي
كاتب وناشـــــط سياســـــــــــي عراقي
٢٢ / كانــــون الأول / ٢٠١٠ م
 

 

 





السبت١٩ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب فاضل المالكـي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة