شبكة ذي قار
عـاجـل










تسريبات موقع ويكيليكس للوثائق الدبلوماسية والعسكرية المرسلة من قبل سفارات الولايات المتحدة حول العالم الى وزارة الخارجية الأمريكية ومن القواعد العسكرية الأمريكية الى البنتاجون فضحت الكثير من الممارسات التجسسية والإبتزازات الدبلوماسية والسياسية الأمريكية وعرت الجرائم التي إقترفتها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان وكذلك فجرت بركان متأجج وثورة إعلامية حول العالم وكشفت عن فساد رؤساء العديد من الحكومات والأحزاب في دول مختلفة وأدت الى تخمينات متضاربة حول الغاية والهدف من نشر تلك التسريبات وفي هذا الوقت بالذات. البعض من ذوي الخيال المفعم الخالي من أرضية التفسير الواقعي للأحداث وصف موقع وكيليكيس وضمن نظرية المؤامرة بـ "دويلة وكيليكس"  وإتهم بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي. آي. أي" قد أنشأت هذا الموقع وذلك لإختبار ردود الفعل الذي سيحدثه هذا التسريب على المستوى العالمي والذي قد يؤدي الى زعزعة نظام العلاقات الدولية القديم تمهيدا لإستبداله تدريجيا بنظام عالمي جديد يتلائم مع مصالح وإستراتيجيات القوة الأعظم "أمريكا". أخرون وصفوا هذه التسريبات في مقالتين نشرت تحت عنوان "كشف للحقائق أم تكريس لها" و "ويكيليكس وسورية" بأنها تشوية لصورة العرب ومؤامرة إنتقائية على النظام العربي الرسمي والنظام الإيراني والقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى التغطية على جرائم الكيان الصهيوني لأنها لم تتطرق الى جرائم هذه الكيان المسخ في فلسطين المحتلة ولأن آراء بعض المسؤولين العرب والإسرائليين تتلاقي أو تتطابق فيما يخص الموقف من إيران وطموحاتها النووية دون التطرق الى وصف باقي الملفات المسربة التي تفضح جرائم الإحتلال الأمريكي في العراق أو افغانستان أو عن جرائم النظام الإيراني وعملائه في العراق المحتل. وفي مقال جديد نشر تحت عنوان "إغتيال عالم أم إعلان حرب" تطرقت الكاتبة الأن الى الجرائم الصهيوأمريكية في العراق وتصفية الطيارين والضباط والمهندسين وعلماء الذرة وأساتذة الجامعات العراقيين لكن ومع الأسف لم تذكر في هذا المقال أي شيئ عن دور إيران الصفوية ومخابراتها المجرمة وفيلق القدس القذر وعملائها من كوادر ميليشيات الأحزاب الشيعية العميلة لإيران في مخطط هذه الجرائم رغم كل الدلائل والمشاهد والوثائق المعروفة حول هذا الموضوع ومنها تقرير أعدته دائرة حقوق الإنسان في وزراة الخارجية الأمريكية الذي تستشهد به كاتبة المقال.

 

الإستخفاف بتسريبات وكيليكس والتدليس السياسي حول ما جاء في تلك الوثائق ومحاولة التغطية على التبعات السياسية والفضائح التي ستحصل حول العالم مستقبلا جراء تلك التسريبات جاءت من مصدرين صهيونين. المصدر الأول هو المسؤولين في الكيان الصهيوني الذين إعتبروا أن هذه التسريبات لا تشكل أكثر من زوبعة في فنجان ولم تلحق الضرر مثلا بالكيان الصهيوني على المدى البعيد أو القريب وإنما هي كانت في صالح إسرائيل بإعتبارها كشفت عن حقائق تطابق أراء المسؤولين العرب والصهاينة فيما يتعلق بالنظام الإيراني وطموحاته في الحصول على القنبلة الذرية. المصدر الأخر للإستخفاف بالتسريبات هو صحفي الفايننشيال تامز الصهوني جدعون راتشمان الذي إقترح في مقال له نشر في صحيفته وذكر أيضا في موقع الجزيرة الأليكتروني بأن "على الأمريكان إعطاء وساما الى جوليان أسانج" مؤسس موقع ويكيليكس بدلا من مطاردته وإغتياله أو إيداعه السجن بإعتباره أنه قد قدم خدمة كبيرة الى الولايات المتحدة من خلال كشفه عن زيف نظرية المؤامرة وإزدواجية المعايير بخصوص السياسة الخارجية الأمريكية التي تتهم بها الإدرات الأمريكية المتعاقبة وبإعتبار أن ما سرب من وثائق تبين أن لا فرق بين مايكتبه الدبلوماسيون الأمريكان وما تعلن عنه وزارة الخارجية الأمريكية.

 

الشيئ المهم الذي تغاضى عن ذكره جدعون راتشمان في مقاله المدلس هو أن تلك التقارير السرية الإستخباراتية التي ترفع من قبل الدبلوماسيين الأمريكان المدنيين والعسكريين المتواجدين في عواصم دول العالم الى وزراة الخارجية الأمريكية والبنتاجون هي بحد ذاتها ترسم الخطوط الطويلة والعريضة للسياسات الخارجية الأمريكية، السياسية والإقتصادية والعسكرية، ومن ضمن ذلك التأمر على حكومات الدول المستقلة التي لا تلتقي مصالحها مع مصالح الولايات المتحدة وكذلك الضغط والإبتزاز السياسيي والإقتصادي وحتى العسكري على الدول المقربة منها. بمعنى أخر أن الشيئ المهم الذي يحاول جدعون راتشمان التخفيف عنه، والتقليل من أهميته أو التغطية عليه هو التطبيق العملي للسياسات الأمريكية المستقات من التقارير الإستخبارتية ويظهرها وكأنها ليست خطيرة ولا تشكل شيئ مرعب لأن ما يقوله الأمريكان علنا لا يخالف المخفي ويحاول أن يخفي ما تبغيه أمريكا المسيرة من قبل الصهيونية العالمية من تلك التقارير الإستخباراتية في تعاملها مع دول العالم. طبعا، لولا هذه التسريبات لما كان بمقدورنا معرفة شيئ عن محتوى هذه الوثائق والمعلومات التي ترسلها السفارات الأمريكية الى وزارة الخارجية. 

 

من خلال مقاله المدلس هذا يحاول جدعون راتشمان أن يستنبط نظرية مؤامرة جديدة مخالفة لنظرية المؤامرة الكلاسيكة التي يحاول دحضها وبعث روح اليأس عند أصحابها على أساس انه لا يوجد خلاف بين ما يذكره الأمريكان في العلن حول سياستهم الخارجية وما يكتب في التقارير السرية. هذا الإعتبار مخالف لما يؤمن به أصحاب نظرية المؤامرة الكلاسيكية الذين يعتقدون بأن ما تعلنه الولايات المتحدة بخصوص سياساتها الخارجية هو مجرد تغطية لإجنداتها السرية وكما ذكرنا أعلاه في بداية هذا المقال "دويلة ويكيليس" مثالا. هذا لا يعني أن تنظير جدعون راتشمان التدليسي هو تنظير صحيح لأنه مجرد  يحاول عمل مقارنة تمويهية بعد كشف المستور لخداع القراء بأن ما توصل إليه يبرأ السياسة الخارجية الأمريكية.    

 

جدعون راتشمان نشر في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 2010 مقالا تحت عنوان "بلادة ويكيليكس" مستخفا فيه بالمعلومات التي نشرت في ذلك الموقع في ذلك اليوم ووصفها بأنها ليست ذات أهمية، ولكنه بعد تسعة أيام وفي 8 ديسمبر/كانون أول وبعد نشر الكثير من التسريبات الأخرى عاد ونشر مقالا أخر مخالفا تحت عنوان "في النهاية، ويكيليكس ليس بليدا" معترفا بأنه كان على خطأ بسبب وحسب ما ذكره في هذا المقال أن، أولا، هناك فرق بين فكرة أن تكون حكمة تقليدية في وسائل الإعلام، والمنصوص عليها في برقية دبلوماسية سواء من حيث السلطة ومن حيث التأثير السياسي. ثانيا، مع توقيف جوليان أسانج بتهمة التحرش الجنسي، والهجوم الأليكتروني على موقع ماستر كارد من قبل مؤدي جوليان أسانج يجعل الشيئ بأكملة نزاع لايمكن التنبؤ به بين الحكومات الغربية وفوضوي الإنتيرنيت. وفي 13 ديسمبر/ كانون أول عاد جدعون راتشمان مرة أخرى ونشر مقاله المدلس الذي يدعو فيه الولايات المتحدة بإعطاء وساما الى جوليان أسانج وذلك لأنه قدم خدمة الى أمريكا حسب تخمينه من خلالها ساهم في دحض نظرية المؤامرة التي تصف السياسة الخارجية الأمريكية بالإزدواجية والخلاف بين القول والفعل، وبهذا يحاول جدعون راتشمان الى الإستخفاف من تسريبات ويكيليكس وتسقيط جوليان اسانج وكذلك للتغطية على الأثار التي ستنتج عن هذا التسريب محليا في الولايات المتحدة، في الكيان الصهيوني، أو على المستوى العالمي. بإعتقادنا أن دل رد الفعل الصهيوني هذا على شيئ فهو يدل على تخبط في الإعلام والسياسة الصهيوأمريكية ورعبها من ما سينتج عن هذه التسريبات مستقبلا وتأثيرها على المصالح الأمريكية والصهيونية وعلاقة الولايات المتحدة مع دول العالم خصوصا إذا ما تسرب المزيد من الوثائق التي تكشف جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، في العراق، في لبنان وباقي الدول العربية وعلاقة الحكام العرب وغيرهم مع هذا الكيان المسخ.

 

روابط المقالات المشار إليها في سياق السرد:

 

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8B6EFE8C-BBF7-4128-98F3-04FB2742CCD7.htm?GoogleStatID=1

http://www.jpnews-sy.com/ar/news.php?id=15760

http://www.champress.net/index.php?q=ar/Article/view/77687

http://www.jpnews-sy.com/ar/news.php?id=16257

http://www.ft.com/cms/s/0/61f8fab0-06f3-11e0-8c29-00144feabdc0,s01=1.html#axzz1867XpRMm

http://blogs.ft.com/rachmanblog/2010/11/the-dullness-of-wikileaks/

http://blogs.ft.com/rachmanblog/2010/12/wikileaks-not-so-dull-after-all/

 

 





الاربعاء٠٩ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة