شبكة ذي قار
عـاجـل










كان من بين اهم العقبات التي واجهت المقاومة العراقية، السلاح السياسي الذي زجه المحتل في المعركة الى جانب السلاح العسكري. والمقصود هنا تاسيس حكم محلي بديل للحكم العسكري المباشر الذي لم يكتب له النجاح، لا على يد الحاكم العسكري الجنرال جي كارنر، ولا على يد الحاكم المدني السفير بول بريمر. وكان عنوانه العملية السياسية، بما تضمنته من انتخابات وحكومة وبرلمان ودستور. هذه العملية المفبركة، التي تعد في حالات معينة من الصراع، اشد خطرا من الطائرة والدبابة والمدفع، انطلقت مع بداية الاستفتاء على "الدستور الدائم" في 15/10 من عام 2005 وتوضحت ابعادها بصورة جلية بعد "الانتخابات التشريعية" التي جرت في 15/12 من العام نفسه لتشكيل مؤسسات حكم دائمة.


اطرق هذا الباب مرة اخرى بسبب اكسير الحياة الذي منحته بعض القوى المناهضة للاحتلال لهذه العملية المشؤومة، على الرغم من افتضاح امرها وسقوط ادعاء عتاولتها بالوطنية وخدمة العراق واهله من خلال الصراع الدموي الدائر بينهم على منصب رئيس الوزراء على وجه التحديد. في حين كان من المفترض رميها بسبع جمرات، كما يفعل حجاج بيت الله الحرام تجاه الشيطان الرجيم. خصوصا وان المحتل سيعتمد على هذا السلاح الفتاك في مواجهة المقاومة العراقية بسبب اعادة انتشار قواته خارج المدن. حيث لم تكتف هذه القوى بالمشاركة في الانتخابات، وانما بدأت بالحديث علانية حول اهمية هذا الجانب واعتباره شكل من اشكال المقاومة السياسية للاحتلال من داخل قبة البرلمان.!!!!. وبالتالي عادوا بنا الى المربع الاول الامر الذي يحتم علينا محاججة هؤلاء من جديد، ليس من اجل عودتهم الى جادة الصواب فحسب، وانما من اجل التخلص من حالة الارتباك التي تولدت في صفوف الناس نتيجة ذلك، بعد ان كفوا عن المراهنة على العملية السياسية او التفاؤل بها او انتظار خيرا منها.


"خذها مني اياد علاوي لن يكون رئيساً للجمهورية"، هذا ما قاله نوري المالكي لصحيفة كريستسان ساينس مينيتور الامريكية يوم السبت الماضي المصادف العاشر من هذا الشهر. وكان قبلها قد قال في خطاب متلفز في العام الماضي ردا على طلب اتباعه بان يتمسك بالسلطة حيث، قال: "هو منو كادر ياخذها حتى نطيها". هذه هي الديمقراطية وتداولية السلطة سلميا والخير العميم الذي سينتج عنها وجراءها سيصبح العراق منارة للديمقراطية في المنطقة، وهذه هي الديمقراطية التي صدع بها متزعمو الطوائف رؤوسنا ليل نهار. وهذه هي الديمقراطية التي تعد القاعدة الرئيسية لعملية الاحتلال السياسية. وكل ذلك اضافة الى الصراع الدموي الذي يجري منذ سبعة شهور بين عتاولة العملية السيئة الذكر على منصب رئيس الوزراء يتم تحت سمع وبصر المحتل وبرضاه ومباركته. والا من اين اتى المالكي بهذه القوة والثقة بالنفس ليدلي بمثل هذه التصريحات الشبية بالتهديدات وفي ظل وجود محتل بوزن امريكا؟ خصوصا وان فعلا كهذا يهدم كل ما تبقى من الادعاءات التي روج لها الاعلام الامريكي عن الديمقراطية والنظام الديمقراطي الذي حققته امريكا في العراق. ثم الا يزيد ذلك من سواد وجه اوباما امام العراقيين اذا ما استمر في الحديث عن الديمقراطية بعد مشاهدتهم لمثل هذه الفضائح؟ ثم اين هو الدستور المفبرك والملغوم، واين قوانين الانتخابات التي تمنع فعلا كفعل المالكي هذا وافعال غيرها لا مجال لحصرها؟.


لكن ليس هذا كل شيء، فحين وضعت المعركة بين الاطراف المتصارعة على السلطة اوزارها عبر ما سمي بصناديق الاقتراع، ظهرت الفضيحة مجلجلة امام الخلق. حيث وضعت نتائج الانتخابات جانبا والتي كان من المفترض توزيع المناصب على اساسها، وراح متزعمو القوائم الفائزة والخاسرة بالحج كل الى مرجعه، فهذا ذهب الى ايران والاخر الى السعودبة والخليج وذاك يستقبل السفير او المبعوث الامريكي وهذا يزور تركيا او سوريا. والكل يتحدث عن الكل وعن رايه في تشكيل الحكومة، وعن تقسيم الحصص ولمن سيؤول منصب رئيس الوزراء والى من تعود حصة المناصب السيادية الاخرى. اما الشعب العراقي فلا مكان له في هذا الصراع حتى من باب ذر الرماد في العيون او المتاجرة باسمه.


اما المحتل الامريكي وشريكته ايران في العملية السياسية، فانهما يعدان طبخة تشكيل الحكومة على نار هادئة بما يخدم مصالحهما من جهة وترضى عنها دول الجوار من جهة اخرى. وتكون في نفس الوقت حكومة قادرة على الوقوف بوجه المقاومة العراقية. وقد نجد نموذجا عن ذلك في اتفاق الطرفين او الشريكين على اختيار المالكي لرئاسة الحكومة مرة ثانية ودفع اتباعهما لتاييده. حيث امرت ايران اتباعها وفي المقدمة منهم الصدر وتياره بالتراجع عن تاييد عادل عبد المهدي لصالح نوري المالكي، وابلغت مريكا اياد علاوي بان عليه التفاهم مع المالكي وهددته بالتخلي عنه، الامر الذي دعا علاوي وزعماء قائمته لان يعلنوا عن استغرابهم، وطالبوا الولايات المتحدة بتفسير هذا التوجه الجديد والمفاجيء حسب تعبيرهم. ونسى علاوي وزمرته بان مصلحة امريكا او مصلحة السيد فوق مصلحة العبيد. ولا يغير من هذه الحقيقة ظهور شخصية اخرى غير المالكي لهذا المنصب وربما من خارج الاسماء المتداولة التي يحتفظ بها المحتل لاوقات الشدة.


اذن سقط القناع عن المحتل وعن عمليته السياسية وافتضحت اكاذيبه عن العراق الديمقراطي وعن وعوده بان يفيض على العراقيين اللبن والعسل وان يكون بلدهم منارة للديمقراطية. ولا نجازف ابدا في القول بان الحكومة ومناصبها ستوزع بصرف النظر عن الاسماء والالقاب على الطوائف كما جرى توزيعها في السابق منذ تشكيل مجلس الحكم المقبور حيث سيكون منصب رئيس الوزراء للشيعة ومنصب رئيس الجمهورية ورئاسة المجلس للسنة ويشترط ان يكون احدهم كرديا والاخر عربيا. وعلى هذه القواعد والاسس ذاتها ستوزع الوزرات والمناصب الاخرى. ومن الطريف فان التحالف الكردستاني قد وضع من بين مطالبه ال 19 مطلب ان يكون منصب الامين العام لمجلس الوزراء من نصيبهم.


ليس هناك ما يدعو للاستغراب اطلاقا ، فامريكا لم تات الى العراق لبناء نظام ديمقراطي يخدم العراق واهله. فالمحتل عبر تاريخه الاسود، وبصرف النظر عن جنسيته والدولة التي ينتمي اليها، لم يجلب للبلد المحتل سوى الدمار والخراب. والعراق خير نموذج على ذلك. فماحدث له ولاهله لا يحتاج الى شهود او ادلة، فهو موثق بالصوت والصورة وتم عرضه على الملأ وفي وضح النار. اما على ارض الواقع فقد اقامت امريكا نظاما في العراق يتعاكس تماما ومباديء النظم الديمقراطية في كل انحاء العالم، حيث استند على اسس المحاصصة الطائفية والعرقية سواء في الحكومة أو البرلمان وقد تم شرعنة ذلك بما يسمى بالدستور الدائم الذي كتبه الامريكي الجنسية واليهودي الصهيوني الانتماء نوح فلدمان. حيث الولاء في هذا البناء يكون للطائفة او العرق او الدين، في حين يكون الولاء في النظام الديمقراطي للوطن وعلى اساس الكفاءة والاخلاص والنزاهة الخ..


بالمقابل وعلى الجهة الاخرى. فالعملية السياسية بكل مكوناتها من انتخابات وحكومة وبرلمان ودستور، قد جرى تصميمها بطريقة لا تسمح اطلاقا للقادمين الجدد على تغيير قواعدها التي استندت اليها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان تعديل المواد الواردة في الدستور فيما يخص مسالة الاقاليم وكذلك نزع هوية العراق العربية، يعد امرا اشبه بالمستحيل في ظل سيطرة الاحزاب الطائفية والانفصالية على الحكومة والبرلمان. فما يسمى بالدستور الدائم فانه يمنع في مادته 123 اي تعديل لاي مادة وردت في "الباب الاول - المباديء الاساسية" والتي تنص على : "لا يجوز تعديل المباديء الاساسية الواردة في الباب الاول الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين وبناءا على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة ايام" . ومعلوم ان المادة الاولى والثالثة التي قسمت العراق ونزعت عروبته تدخل في هذا الباب . وفي كل الاحوال فاذا حدثت بعض التعديلات التوفيقية ، فانها لن تتعاكس قطعا مع الاهداف التي صممت من اجلها العملية السياسية ، والتي في جوهرها اقامة نظام يقوم على اساس المحاصصة الطائفية والعرقية وتقسيم البلاد وتمزيق وحدته الوطنية وعزله عن محيطه العربي ، لانه الطريق لانقاذ مشروع الاحتلال من السقوط. ومع ذلك وفي حال تم الاتفاق على اي تعديل فبامكان ثلاث محافظات الغاء هذا التعديل اذا صوت ثلثي سكانها على ذلك. وبالتالي فالاحزاب الكردية مثلا، والتي تسيطر على ثلاث محافظات اربيل والسليمانية ودهوك، قادرة على نسف اي تعديل يضر بمصالحها العنصرية او الانفصالية. خصوصا تعديل المادة 118 من الدستور التي تعطي الحق لكل محافظة بان تتصرف كدولة مستقلة.


اقول قولي هذا للذين راهنوا ولا زالوا يراهنون على العملية السياسية او على اياد علاوي ودفعوا الناس للاشتراك في الانتخابات تحت ذريعة المقاومة السياسية او تحت حجة اللعب على التناقضات او اختيار الاقل سوءا، اقول بان هذه العملية وضعت كسلاح لخدمة المحتل وان متزعميها مهما اختلفوا فيما بينهم، فانهم في نهاية الامر اصدقاء وحبابيب، وكل همهم السباق فيما بينهم لتقديم خدمات اكبر للمحتل، ليكون المحظية الاولى والفوز بالجاه والمال لاطول مدة ممكنة. هذه الظاهرة ليست عراقية او استثناء عراقي، وانما هي سمة العملاء في كل مكان وزمان. وبالتالي علينا جميعا العودة الى خيار المقاومة، مادامت تمتلك الارادة الفولاذية والعزيمة والاصرار على تحرير العراق. والحديث عن الارادة والتصميم ليست جملا من خيال كاتب هذه السطور، وانما هي حقيقة اقرها كبار الخبراء من عسكريين وسياسيين وفلاسفة. حيث يقول المارشال البريطاني "برنارد مونتجمري قائد قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية " إن الحرب ليست دبابات تتصادم وليست مدافع تهدر وليست جنود مشاة يحتلون مواقع، وإنما هي إرادة تعلو فوق إرادة " في حين قال الفيلسوف الإغريقي هراقليط "بان الارادة في الحرب هي أم جميع الأشياء، فهي تجعل من بعضهم آلهة، ومن آخرين عبيدا أو رجالا أحرارا". اما الفيلسوف أرسطو فقد اكد في كتابه السياسة "بأن فن الحرب اساسه الارادة والمهارة فهي التي تصنع المعارك الكبرى وتصنع التاريخ".


ضمن هذا السياق فان الحرب الدائرة بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال ستنتهي لصالح المقاومة حيث ارادتها قد علت على ارادة قوات الاحتلال بسبب مشروعيتها وعدالة قضيتها التي اقرتها الشرائع السماوية والوضعية.

 

 





الاثنين١٠ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة