شبكة ذي قار
عـاجـل










أن الاجابة الدقيقة والمختصرة على هذا التساؤل هو بمقدار التباعدد الذي يحصل بين تطورأو تبلور بنيتها التنظمية وبين حقيقة أهدافها.أو بسبب قصورها العقائدي أي ما يطلق عليه بالجمود العقائدي أو بسبب بعض القيادات الحزبية الطارئة.أو إعطاء السبق بالاهمية للفكر الذي ينضح من التجربة على فكر النظرية أو العكس,أي عدم إحكام الجدلية بينهما بما يجعلهما عنصرين أساسين في تطور الفكر والتجربةومنسجمين لاغناء التجارب..إن القصور العقائدي لا يعني فقط عدم قدرة العقيدة على مواكبة التغيرات الحاصلة في بيئتها بل أيظاً في تصويرها وتحديدها لاهداف عظيمة أكبر من قدرتها على إحتواء التغيرات المستقبلية في النظرية الفكرية والنظرية التنظيمية للحزب,وايظاً في إخفاقها في تحديدها للمواصفات القيادية المرحلية القادرة على ترجمة مبادئ الفكر و الارتقاء بالعمل الثوري الى مستوى ثورية الافكار من خلال نسج الستراتيجيات ووضع التكتيكات التي تربط بين ذراعي النظريات وذراع معطيات الواقع لخلق حالة الاندفاع والعمل الثوريين اللازمين لتحقيق الهدف أو مجموعة الاهداف, وهذا باتأكيد يتطلب قيادة تمتلك عمقاً كبيراً بالنظرية الفكرية وفي نفس الوقت دراية عميقة بالاداة التنظمية من حيث قوتها العددية والنضالية وفي نفس الوقت لديها معرفة كاملة بحقيقة الواقع الذي تعيشه الحركة أو الحزب وأيظاً بحركة الواقع وإتجاهات تطوره,وأن لا تتحول حماسة القيادات الى إندفاعات عاطفية لارضاء المطلب الجماهيري,وبذلك تخسر الزعمات الحزبية لدورها القيادي عندما تصطف مع حماسة الجماهير لتحقيق هدفاً أو مطلب ستراتيجياً لم يُحسب معه ردة فعل الاعداء بالشكل والقوة والتدبير والذي قد يكلف الثورة الكثير من الخسارات المادية والسياسية وأيظاً قد يصل الامر الى قضم جزء مهما من جرف أوطرفاً من أطراف العقيدة .إذن للانجازات النظرية والعملية حق في إحتسابها في كل عملية ثورية بما يتناسب وطبيعة كل منجز محسوباًعلى طبيعة كل مرحلة. وكذلك من الجوانب المهمة التي تتعلق بنوعية الهدف وتحديد إيجابيته هي في قدرة هذه الاهداف في تمثيل طموحات الاكثرية من تركيب البنية التنظمية للحزب أو الحركة وبالتالي في قدرته على الجذب الجماهيري وتفاعلها معه, وهذا ينطبق ايظاً على حال الاحزاب الاخرى أي اللاثورية أيظاً.. أذا كانت أزمة الاحزاب الثورية سواء الراديكالية منها أو المعتدلة في صياغة أهدافها وخاصة المركزية منها بأكبر من قدرتها الذاتية سواء الفكرية او التنظمية تشكل عاملاً أساسياً من عوامل الاخفاقات الذاتية,فإن تحديد طموحاتها بنزوعٍ الى أبعد من المستقبل المنظور والذي تفتقد فيه الى رؤية دقيقة أو لأي دراية بما ستؤول اليه الظروف الموضوعية و الذاتية والتي قدلا يمكن ان تكون في خدمة الاهداف او تكون بالضد منها ,وأيظا لاتستطيع أن تؤكد مصير العوامل و القوى المضادة لها,الامر الذي يجعلها تقترب من الغيبية أوالتنبؤ لعدم وضوح كامل للمستقبل بالرغم من أن بعض النظريات والايديولوجيات أعتمدت في تقديرات المستقبل على نظريات قد تصح في ظرف زماني وواقع مكاني محدد و قدلا تصح في ظرفين أخرين مختلفين بالزمان والمكان وهذا يشكل أيظاً من عوامل الكبوات والاخفاقات التي تتعرض الاحزاب الثورية. إن البناء على نظريات تصح اليوم لا يجب أن يعني أن تكون صحيحة في الغد,وهذا ما وقعت به النظريات الماركسية في إعتمادها على مبدأ التنبؤ(لان كل التصورات والاحتمالات لم تتلمسها الماركسية ولم تعيشها كتجربة من كل الذي حسبته أن يتحقق بالمستقبل,فهو تنبؤ.) عموماً , ووارثوا الماركسية اللينينة وقعوا بذات الخطأ في الاهداف والستراتيج معاً ,خاصة عندما أعتمدموا في تفسير التاريخ مادياً ووضعوا حدود الانتصار عند متطلبات الحتمية التأريخية وقزموا الصراع في العالم وحشروه في صراعٍ واحدٍ وهو الصراع الطبقي. وإستسلموا بحقيقة إنتصار الثورة البروليتارية بالاعتماد على نظرية الحتمية التاريخية والمرتكزة على النظريتين المادية الجدلية والمادية التأريخية ,وتوقعاتهما في التحقق لهذه الحتمية والتي كانت كانت معتمدة بل مبنية على عاملين:


العامل الاول: يكمن في قوة النظرية وبعض الإنجازاتها التي تحققت ومنها أرتقت بكونها عظيمة كثورة أُكتوير الاشتراكية في روسيا, وإنتشار الشعارات ألاممية القائمة على مبادئ الشيوعية وبشكل مبكر لتوقعات الماركسية, وتنامي الحركة العمالية في العالم ومن ثم إنتصار الثورية الصينية بقيادة ماو تسي تونغ وتعاظم المد اليساري في العالم وخاصة في العقدين بعد الحرب العالمية الثانية.


العامل الثاني : مبني على توقعات وتقديرات نظرية ويتركز على تكرار وتفاقماً للازمات المادية التي سيتعرض لها المجتمع الرأسمالي والذي سيؤدي الى إنهياره,وبالفعل كان المجتمع الرأسمالي قد تعرض لها. ولم تكن في حساباتها جاهزية الحلول لهذه الازمات من خلال تطور الفكرالرأسمالي لنفسه وتجاوزه لهذا النوع من الأزمات عبر الكثير من النظريات والحلول التي وضعها مفكروا هذا المعسكر ومع ذلك كان في المقابل إصرار للمعسكر الشيوعي بل مراهنة على إنهيار الراسمالية مقابل إنتصار للثورة البروليتارية والتي توقعها ماركس وأنجلز.ولأن نظرية المادية التأريخية تتسم بالعمومية والكلية والثبات والاستقرار النسبي في تفسيرها للتطور التأريخي للمجتمعات ألانسانية,في حين لايمكن ان يحسب التاريخ بهذه الاستقرارية(الاستقرارية يمكن أن تكون الحالات المستمرة للحركةوبنمطية واحدة وبسرعة ثابتة تصلها للثبات في معدلات التغير , وعلى صعيد الفكر تكون شبه دائمة في معدلات التطور ) ، علي حين أن التاريخ محصلة عوامل ذاتية وموضوعية متداخلة ومتشابكة ومتفاعلة ومتناقضة تشكل إمكانات مفتوحة وتتحرك بتعجيلات متزايدة أو متناقصة في بعض الحالات,وكل هذا وذاك مرتب ومرتبطً إرتباطاً وثيقاً بالظروف الموضوعية والذاتية,فالتعجيلات المتزايدة في حركة التاريخ لاي مجتمع تكون واضحة وتبرز في مجموعة من المظاهر كتحقيق الثورة وإقامة التنمية المادية والاجتماعية وبفعل الحزب الثوري أو جبهة ثورية ,كثورة 17/تموز من عام 1968 في العراق وما أفرزته هذه الثورة العملاقة من نهضة إجتماعية كبيرة و متعددة, وأحد هذ المظاهر المهمة على صعيد البناء الاجتماعي للانسان العراقي هو التعليم والقضاء على محو الامية و أما التنمية المادية فهي متعددة لكن يمكن أن نذكر أحد مظاهرها هي الخطط التنموية الانفجارية العملاقة سواء السنوية أو الخمسية.وإلتعجيل التناقصي يتمثل بالتبأطئ بمعدلات النموفي البناء الاجتماعي و المادي للمجتمع العراقي بعد العدوان الايراني على العراق في عام 1980 ,والعدوان عليه في عام 1991 وكذلك في غزو العراق في عام 2003 , و ما نتج عنهما من تراجع في كل ما يتعلق بالانسان العراقي أو في البنى التحتية التي كانت للعراق قبل الغزو أن كل هذه الاعتداءات شكلت كوابح للتطور الاجتماعي والمادي للمجتمع العراقي..


ومن هنا فان الجزم بصحة القوانين التاريخية الكلية والشاملة في التفسير والتحليل وتقدمها على عوامل تكوين المجتمعات بإطلاقية هذه النظريات لايصح,وأن قول كارل بوبر*بشأن عدم وجود قوانين تاريخية كلية، وبالتالي استحالة أن يكون التاريخ علما يصح في هذا التفسير رأي يتفق مع واقع تطور المجتمعات الانسانية..وكانت أول التحديات التي واجهت المفكر والمناضل فلاديمير إيلتيش لينين قائد ثورة أُكتوبر الاشتراكية هي صعوبة الانتقال الى ديكتاتورية البروليتارية,حيثُ وجد أن الثورة غير مهيئة لان تقودها الطبقة العاملة لان لا القوى العددية ولا القوى النضالية للبروليتارية كانت مهيئة و ناضجة لهذا الدور القيادي,فأبدع نظرية التطور من الثورة البرجوازية الى الثورة الاشتراكية,وإن هذا الابداع كان قد أعطى إلإستمرارية للثورة .وسُجل للقائد لينين تنظيراً وموقفاً لن تنساه الحركة الشيوعية له وهوالذي كان أحد قادة ومنظري الشيوعية التأريخيين ولم يستطيع لاحقاً أي من منظري أو القادة الشيوعيون من بعده أن يبدع مثله بحلول نظرية فكرية أو ستراتيجية لاخراج المنظمومة الشيوعية من مأزقها الذي أدى بها الى هذا الانهيار المؤسف,ولم يكن أمام المجتهدين الاخرين ألمحسوبين على المنظرين سوى حلين أمام الاستمرار في التحدي للمعسكر الرأسمالي الي كان يتقوى يوماً بعد يوم أو الاستسلام بنظرية تتخلى عن الاحلام والطموح الشيوعي في إقامة مجتمع خالٍ من الاستغلال وهو في حقيقته شبه ردة عن الشيوعية,وقد أُخذ بالرأي المبني على التحدي,والذي كان يقول ببناء وتعزيز قوة المعسكر الاشتراكي العسكرية وكان يقود هذا الاتجاه القائد الشيوعي ستالين وأضاف نقلة جديدة للنهج الشيوعي في صراعه مع الراسمالية العالمية,فقد نجح في خلق قوة عسكرية إشتراكية ولكن على حساب البناء التنموي المعنوي والاقتصادي للانسان السوفيتي,فقد حصلت نهضة تنموية للدولة السوفيتية علمية وإقتصادية و لكنه سخرها كلها لخدمة الماكنة العسكرية للدولة السوفيتية وكان هذا على حساب البناء المعنوي والقيمي وخاصة ما يخص حقوق الانسان السوفيتي ,ولم يكن هذا تحدياً فكرياً بل تحدياً مؤسساتياً وجعل أداة التحدي والمواجهة هي الدولة السوفيتية , فكان من الاسباب الرئيسية لإنهيار الاتحاد السوفيتي هوإستمرار قياداته بالتمسك بمنطق الدولة وهو الامر الذي دفع بهم الى الوقوع في الفخ السياسي والعسكري الذي نصبه النظام الرأسمالي وللمنظومة الاشتراكية والذي أدى بها الى سقوطها سقوطاً مخيفاً حيث إختصر الرئيس الاسبق للولاياة المتحدة الامريكية رونالد ريغان ستراتيجية سقوط الاتحاد السوفيتي بتشبيه بعملاق يمتلك يدين حديديتين ضاربتين (القوة العسكرية السوفيتية) ورجلين ضعيفيتين نسبياً (إقتصاد الاتحاد السوفيتي) لا تقوى على حمل هذا ثقل العملاق,فلكي نسقط هذا العملاق يجب تشجيعه على تقوية يديه بزيادة ثقلهما وعندها لاتستطيع رجليه أن تحمله فيكون سقوطه مؤكداً.وهذا ما فعلوه وبدراية قادة ومنظروا المعسكر الاشتراكي أنذاك ولم يفعلوا شيئاً لانقاذه(عندما أوقعوه في فخ حرب النجوم والذي وضع الاتحاد السوفيتي تقريباً ثلثي ميزانيته للجهد العسكري) .

 

وبسقوط الاتحاد السوفيتي سقطت التجربة العظيمةللاشتراكية والتي أفقدت الشيوعية تجربتها الكبيرة. ومن الاسباب الرئيسية و الجوهرية التي أدت لهذا الانهيار هو الضعف الذي أصاب الشيوعية من عجز وحالة شبيهة بالسكون للفكر وهذا مما أدى الى وصول قيادات للحزب عاجزة فكرياً وذهنياً على مواكبة التطور الذي يحصل في العالم,وكذلك أخذت من الفردية أسلوباً في قيادة الحزب والدولة,وماظاهرة نيكيتا خروتشوف القائد السوفيتي الذي أعقب ستالين الذي حكم الاتحاد السوفيتي بفردية قد يبررها البعض, وهوالذي هاجم ديكتاتورية ستالين في حكم المرحلة السابقة,ولم تخلو مرحلة خرتشوف من فرديته في الحكم والتي أدت الى عزله بقرار جماعي للحزب و الى جانب من اسباب الاخرى التي تتعلق بالحكم , تم عزله في أُكتوبر 1964 وكان قراراً جماعياًمن المكتب السياسي للحزب وهومحاولة من الحزب لتصحيح مسيرة الدولة الاشتراكية ولكنها لم تكن بالاتجاه والقوة الصحيحة..

 

وأستمرت المسيرة السوفيتية بمجئ قيادات تتراوح بين القوية والضعيفة وبقيت النظرية مقدسة ومن يحاول أن يضبف لها يكون مصيره كمصير خرتشوف,ولم يعي قادة الحزب الشيوعي السوفيتي الى الحاجة للتكيف ومس بتوليةالنظرية الامتأخراً,وعندما حاولوا أن يغيروا فيها و كان ذلك في الوقت الضائع من التدهور, وبإنفعالية وفي وضع مرتبك أشبه بثورة مضادة, جاءوا بقيادات حُسبت شابة ولكنها لم تنضج فكرياً فبدلاً من أن تخلق حالة إستنهاض فكري وتنظيمي للحزب لانقاذ التجربة,بل دئبوا على تحريف الطريق الاشتراكي وبدلا من تكييف الطريق الاشتراكي,كانت أول الخطوات إطلاق رصاصة الرحمة على هذه التجربة العظيمة.


وأما الحل الثاني الذي أخذت به بعض الدول الشيوعية كالصين وتحت شعار تصحيح مسيرة الحزب والدولة!وتنازلت بموجبه عن الكثير من المفاهيم والقواعد الاشتراكية في بناء المجتمع المرفه.وبالتأكيد هذا الامر سوف يفقد الصين مصداقيتها في تحالفها مع أصدقائها التقليدين وذلك لان قواعد إقامة الصداقات والتحالفات تغيرت تماماً ولم تعد تبنى على أُسس العقائد وتحقيق الثورات ,ولكنها اليوم تبنى على المصالح المادية والمصلحية الانانية وأصبحت الماركسية فيها جزءاً من تراثها الثقافي مثل الكونفوشوسية.وإذا ما أستمرت الصين على هذا النهج فسيكون الشيوعيون قد فقدوا فرصتهم الاخيرة في تحقيق التجرية الاشتراكية وصولاً الى تحقيق الشيوعية. ومن هذين الاختيارين الصعبين اللذين حشرت نفسها فيها الحركة الشيوعية ضاعت فيها كل التضحيات والجهود لتحقيق المجتمع الهدف أو حتى رؤية بعض من ملامحه.



* كارل بوبر : فيلسوف إنكليزي نمساوي المولد,متخصص في فلسفة العلوم.
عمل مدرساً في معهد لندن للاقتصاد.ويعتبر بوبر أحد أهم وأغرز المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين.
كتب في شكل موسع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية و من مؤلفاته(أسطورة الاطار,المجتمع المفتوح وأعدائه)





الاربعاء٠٦ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة