شبكة ذي قار
عـاجـل










"بارك الله فيك، بارك الله في حزبك".
هذه هي الكلمات التي ترددت في ذهني وأنا أقرأ تصريحات الناطق الرسمي باسم حزب البعث تعقيبا على أجواء الجدل التي أثيرت حول العلاقات بين فصائل المقاومة الوطنية العراقية ضد الإحتلال.


لقد كان من الطبيعي، بالنسبة للمتصيدين في الماء العكر، أن ينتظروا الهفوة، حتى وإن كانت من النوع الذي يهفوها كلُّ جوادٍ أصيل، لكي ينتهزوا الفرصة لإضعاف مكانة حزب الشهداء والأحرار، حزب المقاومة.
لقد كان من الطبيعي أيضا، أن يبحث المتسلقون عن سبيل للظهور بمظهر الحريص على البعث، ولكن بقصد امتطاء إرثه النضالي، واستمطاء قاعدته الشعبية من اجل أغراضٍ صغيرة.


كما كان من الطبيعي، أيضا وأيضا، أن ينحدر الجدلُ، كلٌّ حسب طاقته، الى حيث لا يليق، كلٌّ حسب حليبه!
ولكن الحقيقة عادت لتكون جليةً في المقاربة الوطنية حيال كل الآخرين، بمن فيهم الذين يتخذون من البعث موقفا معارضا. كما عادت الأصالة لتجلو معدنها بالصحيح وبالأصيل.
وهذا هو حزب البعث الذي نريد.
نريده نزيها في وطنيته، ليس حيال تقديره لنفسه، بل حيال موقفه من الآخرين.
ونريده رافعا لسلاح المقاومة والجهاد، متمسكا بثوابت التحرير حتى نستعيد العراق سيدا وموحدا وحرا، وحتى نجعل الجريمة تلاحق مرتكبيها الى ساحة القضاء، وحتى يعود العراقيون أسيادا في بلادهم وعلى ثرواتهم.


ونريده حزبا جامعا، واسعَ الصدر، ويحتكم في الخلاف الى الثوابت والقيم، لا الى مسالك النبذ والتشويه والإقصاء.
ونريده حزبَ مناضلين يتجردون عن النزعات الشخصية، يعلون بعلو غيرهم لا بالاستغناء عنهم؛ يتقدمون الى التضحية، ويتصدرون الأذى، ويكسبون الخسارة، ولكن يكبرون، فتكبر وطنيتهم بهم.


ونريده حزبا ينتقد أخطاءه بشجاعة الواثق من معدنه النقي، ويجرؤ عليها بعزيمة القادر على التجاوز والتجديد.
ونريده حزبَ أبطالٍ شجعان يركبون الصعاب ويذلّون أنفسهم لرفاقهم المجاهدين، كائنا من كانوا، وكائنة ما كانت جبهاتهم، لأنهم يضعون التحرير نصب أعينهم.
ونريده حزبَ ضمائر، يُوقظه الحقُّ، ويستفزه الباطل.


ونريده حزبا موحدا، لمناضلين كبار، لا حزب أتباع وشراذم؛ يعرفُ كيف يُطهّر نفسه من الأدعياء والمتزلفين الذين نخروا عوده يوم فتح أبوابه وشبابيكه للجميع.
ونريده حزبا نشعر بالحرية في نقده ومعارضته على مجرى الأخلاق الراقية واللغة الرفيعة.
نسانده ونشد من أزره إذا تعرض للظلم والأذى، ونقوّمه بالسيف، سيف المحبة، إذا مال عوده.
هل اختلفنا معه أمس أو اليوم؟
ولكن، ياما سنختلف!


سنحترمه في الاختلاف أكثر مما نفعل في الاتفاق. وسيردّ لنا صاعَ المحبة صاعين.
الوحدةُ ليست مطلوبةً في كل رأي. ولكنها مطلوبةٌ في المُتجرد والمُخلص والأصيل، في جوارِ كل رأيٍ مهما تمايز واختلف.
والأخوة يختلفون. ولكن القيمة الأهم، هي أن يظلوا أخوة. والإنسان نفسه قد "يختلف" حتى مع مصارينه، ولكنه يتداعى لها بالسهر والحمى، فيُشفيها وتُشفيه.
صغارٌ أولئك الذين، من أجل صغائرهم، يتصيدون ضدّك في الماء العكر.
وصغارٌ أولئك الذين ينتهزون، من أجل أذاكَ الفرصة.


وأصغر منهم أولئك الذين يخلطون الحابل بالنابل من أجل اغراض لا تخدم التحرير.
فإرفع رأسك، وأشهر سلاحك، وافخر بانك ابن حزب قدّم من الضحايا والشهداء ما يكفي البطولة زادا لأبد الدهر.
المخلصون لا يخلصون لأنفسهم، إذا وجدوك مظلوما ولم يتداعوا اليك بالدعم والمساندة.
والمخلصون لا يخلصون لوطنهم إذا وجدوك ظالما ولم يتداعوا اليك بالنقد والتسديد.
نريدُ أحرارا يعرفون كيف، ومتى، ومن أجل ماذا، يختلفون. فإذا اختلفوا كان خلافهم رحمة.
ونريدُ قادةَ رأي لا يخشون في قول الحق لومة لائم.
ومثلما نريدُ بعثا قديما في قيمه، جديدا في أصالته، فاننا نريد أن نبني، معه وبه، عراقا جديدا.
نريدُ بلدا تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة.


ونريدُ منازلَ آمنة نفتح أبوابها، ليس لأن هناك خوف، بل لأن هناك كفاية، ولأن هناك خير، ولأن هناك تضامن.
ونريدُ احزاباً تخطبُ ودَّ المناصرين في المفاضلة بين مشروع وآخر، إنما في البناء والتنمية وحسن الإدارة.
ونريدُ نظاما يستند الى قيم دستورية يحددها العراقيون ويتجادلون بشأنها لكي يُضفوا، على الجامع والمشترك منها، كلَّ ما تستحق من الخشية والخشوع.
ونريدُ دولة قانون تستلهمُ الحقّ والإنصافَ بين البشر، ويقف على رأسها جهازُ قضاء مُقدس في نزاهته، صارم في تجرده في الفاصل بين الحق والباطل.
ونريدُ وطنا يرعى أطفاله، ويحترم حقوق نسائه، ويحفظ كرامة شيوخه، ويحمي ضعفاءه من شدة أقويائه.
وهذا لن يكون من دون ذلك البعث الأصيل، مثلما انه لن يكون إذا نقص فصيلُ مقاومةٍ واحد.
نريدهم معا. ونريدهم كلهم. ونريدهم أخوة، يكبرون بإعلاء الآخر، والى حُرِّ ضمائرهم يحتكمون.
البعث الذي جرّب الإقصاء لن يُقصي. والبعث الذي جرب الظلم لن يظلم. والبعث الذي جرب الإجتثاث لن يجتث وطنيا دفع قلامة إظفر من اجل حرية العراق، فكيف بالذين دفعوا دماءهم ومنازلهم وفلذات أكبادهم.
دائرةُ الظلم لن تدور على غيرنا كما دارت علينا. ولكنها بالحق تدور.


هذا ما سنقول.
سنشفى من مرض القسوة والعنف، لنعود أحرارا لا يتوّجُ رؤوسَنا الخوف.
وحجراً على حجرٍ سنعود لنبنيه، عراقا للجميع.
أفهل تعرض حزب الجهاد للأذى من بعض ما قالوا وما تصيدوا؟
لا بأس. الكبير يكبر بجرحه، إذا تعالى عليه من أجل العراق.
إبق سلاحك عاليا ضد الغزاة وعملائهم، ولن تنخفض لك راية.
تلك هي الآية.
حتى بارك الله فيك، وبارك الله بحزبك ما بقي جامعا ومُوحّدا للمجاهدين.

 

 





الجمعة١٠ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي الصراف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة