شبكة ذي قار
عـاجـل










تعارف الناس على أن ينتظروا بلهفة إنجاز مشاريع التنمية الكبيرة وخاصة التي لها صفة الإلحاح كمحطات توليد الطاقة الكهربائية أثناء أزماتها الضاغطة على أعصاب المواطنين ، أو السدود العملاقة وقت شحة المياه ، أو ما شابه من مشاريع إستراتيجية لها صلة بمعاناة طويلة للمجتمع ، أن تقام احتفالية تتناسب مع نوع المشروع وحجمه ، يحضرها ممثلون عن حكومة البلد والجهة المستفيدة من المشروع ، وممثلون عن الجهة المنفذة له سواء كانت شركة أجنبية أو محلية ، ولكن ما حصل في عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي قبل عدة أيام يمكن أن يعتبر سابقة في تاريخ الأمم ويستطيع أن يزعم بأنه قادر على إعادة تصديرها للآخرين ، فقد بادرت القوات الأمريكية لإقامة احتفال رسمي كبير عراقيا وأمريكيا ، دعيت إليه الصحافة والفضائيات المحلية والعالمية ، ولم ينس المسؤولون الأمريكيون تسويق الحدث كواحد من إنجازاتهم على طريق صيانة حقوق الإنسان وتحسين شروط التجربة الديمقراطية التي جاءوا بها إلى العراق من أجل تطبيق مبادئها كاملة ، لاسيما بعد أن تساقطت تباعا موضوعة أسلحة الدمار الشامل وعلاقة العراق بالإرهاب الدولي ممثلا بتنظيم القاعدة ، كان فرح الأمريكان بالتخلص من هذا الحمل كبيرا أو هكذا حاولوا تصوير الأمر أمام الإعلام ، وسيكون من حقهم والحال هذه أن يسجلوا لتاريخهم في العراق مأثرة كبيرة على أنهم فتحوا من السجون ما لم يفتحوه في بلد آخر ، بل سيكون من حقهم أن يقولوا إنهم حولوا بلدا بكامله إلى أكبر سجن فوق المعمورة منذ أن عرفت الأرض نظم الحكم ولجوء الدول إلى زج المعارضين السياسيين وراء الجدران المعزولة ، لتساويهم بالقتلة واللصوص والمهربين والمجرمين العاديين ، ولن تفوتهم أبدا أن يفخروا بأنهم وحدهم حماة حقوق الإنسان والمدافعون عن الحرية ، نقلوا للعراقيين خبرة غوانتانامو على أيدي سجانين تدربوا على المبتكر من أساليب التعذيب ، ليأتوا بها على أجنحة أحدث الطائرات إلى سجن أبو غريب وليأكدوا أن لديمقراطية زعيمة العالم الحر أسنانا ومخالب حادة ، وشلالات متدفقة توصل الإنسان إلى حافة الغرق إذا لم يعترف بجرم لم يرتكبه ، وبالتالي فقد أضطر الكثيرون لتحمل أوزار أفعال لم يسمعوا بها إلا من ألسنة الجلادين ، ويذهبوا بعيدا في سرد وقائع تبهر المحققين الذين حصلوا على وعد بعدم الملاحقة من رئيس الولايات المتحدة في حال الكشف عما جنته أيديهم ، ضد سجناء تم تجميع الكثير منهم من ساحات تصادف وقوع أحداث استهدفت قوات الغزو ، فما كشفته التقارير المتسربة من داخل إدارة بوش وديك تشيني ورامسفيلد وكونداليزا رايس أكدت بأن تعليمات التعذيب قد أقرت من هؤلاء جميعا ، ويبدو أن حديث الرئيس الحالي باراك حسين أوباما عن ملاحقة الذين أساءوا إلى سمعة أمريكا قد بخرتها حرارة احتفالاته بحفل التنصيب ، لقد اعتمدت القوات الأمريكية مبدأ جديدا ومقلوبا في سياسة الاعتقالات في العراق ، فالاعتقال يتم من أجل الحصول على المعلومات ، وليس نتيجة معلومات اقتضت تنفيذه ، وبهذا تكون أمريكا قد عكست قواعدها القانونية المعتمدة في أسباب الاعتقال بدليل أو على الشبهة أو للاحتراز .


ومن جانب الطرف المستفيد من المقاولة ، لم يكن ليفت وزير العدل أن يبعث بضحكة عريضة أمام عدسات المصورين وهو يقص الشريط إيذانا بتسلم المشروع من الشركة المنفذة ، ويتم الإعلان أن هناك عدة آلاف معتقل قد تم نقلهم من إمرة القوات الأمريكية إلى إمرة الحكومة العراقية .


غير أن الأمر وعلى ما يبدو له طعمه الخاص في ذهن الماسكين بزمام السلطة ، فالحديث الطويل عن استرداد السيادة ولعشرات المرات ، ظل ناقصا حسب تقديرهم ، فطالما أنهم غير قادرين على ممارسة ساديتهم على المعتقلين فلن تكون للسيادة لذة على الإطلاق ، ولن يستطيع أحد منهم أن يتبجح بها طالما ظلت يده مكفوفة عن أن تصفع عراقيا وطالما كانت عينه لا تتلذذ بمعاناة عراقي كل ذنبه أنه خدم وطنه بنظافة يد وسلامة جيب وطهارة قلب ونقاء ضمير ، ولذلك كانت عندهم على ما ظهر ( إعادة إلقاء القبض ) على معتقلين لدى قوات الاحتلال الأمريكي ، فرصة نادرة لإحساس عميق بالسعادة والشماتة .


كان الأسوياء من الناس يتوقعون أن تبادر ( السلطة الوطنية ) إلى التحرر من إرث العهد الأمريكي وخاصة بأسوأ وأكثر صفحاته سوادا ، وأن تقيم مهرجانا لإطلاق سراح المعتقلين ، وليس لإجراءات عقابية يعتقد ذوو المعتقلين أنها ستكون أكثر قسوة وشدة وتضييقا عليهم مما كانوا يتعرضون له على أيدي الجلادين القادمين من بلاد أكبر الديمقراطيات في العالم ، فالجلادون الجدد ما يزالون في مرحلة التدريب على فنون القتال الجديدة وسيكونون معذورين في حال ارتكبوا مخالفات أو أخطاء جدية ضد العينات التي تخلت عن حقها في الحياة ، وإذا ما كانت أمريكا التي قيل بأنها وضعت أول إنسان على سطح القمر قبل حوالي أربعين سنة ، لا تتورع عن تجربة قدرة الإنسان على تحمل حوار السوط مع الظهر ، فلماذا يتردد عن الانتفاع من تلك التجربة من يصنف على أنه بلد من بلدان العالم الثالث .


ما جرى من تداول سلمي كامل لمعسكرات الاعتقال بين الولايات المتحدة كان جذابا لأبعد الحدود وكان حافزا مهما لكل عراقي أن يتساءل عن أسباب التلكؤ في التداول السلمي للسلطة وخاصة أن الانتخابات قد مضى عليها أربعة أشهر ونصف الشهر .


وكانت هذه المناسبة ( السعيدة جدا ) سببا لتساؤل آخر ، لماذا لم يتم حتى الآن نقل للسيادة الوطنية على محطة جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية ، أو مصفاة لتكرير النفط أو لسد يوفر المياه للعراقيين في زمن العطش الرهيب أو محطة لتنقية مياه الشرب كي يكون من حق العراقي أن يزعم أن ينتمي لبلاد ما بين النهرين .

 

nizar_samarai@yahoo.com





الاثنين٠٧ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة