شبكة ذي قار
عـاجـل










 

هنالك رجال يصنعهم التاريخ ( كتاب التاريخ ) وآخرون يصنعون التاريخ ,والرجال العظام هم من النوع الثاني الذي يصنع التاريخ ,وهذا يشمل كل المؤسسات التي ظهرت سواء كانت دول أو أحزاب أو حركات أو منظمات فمهما اختلفت العناوين فالنتيجة واحدة ,فالتاريخ يذكر بل ويسرد مجريات الأمور ,فهناك من يذكره التاريخ مجبرا لان الزمن يفرض ذكره ليس إلا وهناك من يجبر التاريخ على ذكره لأنه صنع التاريخ أي لأنه صنع حدثا تاريخيا ,لا يستطيع التاريخ أن يتجاوزه ومهما حاول كتاب التاريخ تشويهه أو تجاوزه إلا انه يأبى ذلك فلا الزمن يستسيغ تجاوزه ولا المنطق والحقائق تتقبل تشويهه ,وخاصة عندما يكون هذا الحدث له من الأبعاد ما تجعله حي في الذاكرة البشرية مهما حاول الآخرون تجاوزه ,تتناقله الأجيال من جيل لآخر,وما نتكلم عنه اليوم في مقالنا هذا حدث تاريخي ,ربما يكون من الأحداث التي غيرت أو في طريقها لتغيير مسار المجتمع البشري .          

 

وهنا لا يمكن تحديد أهمية هذا الحدث التاريخي إلا بعد عرض موجز عن الكيفية التي كانت تسير بها الأمور والتي سيطرت على نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة والمتمثلة بالسيطرة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على المجتمع الدولي من خلال سيطرتها على منظمة الأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن وكذلك على صندوق النقد الدولي وعلى البنك الدولي وأخيرا على منظمة التجارة العالمية وقد تزامن ذلك مع انتهاء الحرب الباردة و تفكك الاتحاد السوفيتي مما ساعد الولايات المتحدة على الانفراد بإدارة العلاقات الدولية والسياسة الدولية حتى وصل الحال بالولايات المتحدة الأمريكية أن تدير الشؤون العالمية من خلال المتحدث باسم البيت الأبيض أو المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية ومن خلال التصريحات الصحفية والتي كانت تتضمن توجيهات إلى الدول بل أوامر وعلى تلك الدول المعنية التنفيذ وإلا  ؟...                                           

                                

وعندما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق لأسباب واهية لم تقنع اغلب الدول الغربية والعالم والتي رغم معارضتها لهذه الغزو, إلا إنها لم تستطع منع حدوثه لإحساسها بالضعف أمام المارد الجبار واكتفائها بالتصريحات الصحفية وغيرها من وسائل الضغط غير المجدية ,وخاصة بعد تفشي ثقافة مرحلة القطب الواحد واقتناع اغلب الدول بان العصر الحالي هو عصر الإمبراطورية الأمريكية ومن يقف في وجهها سيسحق سياسيا إن لم يعقبه سحق اقتصادي ,وليس من المستبعد شموله بالحل العسكري إن تطلب الموقف ذلك ,فكل شيء ممكن ,وقد يتصور البعض بان السبب هو صعود شخص معتوه مثل بوش على راس الإدارة الأمريكية ,ولكن الحقيقة هي إن العقلية الامبريالية التي وصلت إلى أعلى عنجهيتها بعد تفرد الولايات المتحدة زعيمة العالم الرأسمالي بالقوة العسكرية والاقتصادية والسياسية الكبرى في العالم وانتصارها على المعسكر الاشتراكي هي التي أفرزت هذه الثقافة ليس لدى بوش والمحافظين الجدد فقط بل لدى اغلب أفراد الشعب الأمريكي بل ولدى كل من يؤيد السياسة الامبريالية في العالم ,ولكن هذه الثقافة تجسدت بأفعال ما يسمى بالمحافظين الجدد الذين سيطروا على الإدارة الأمريكية ,وقد أتاح هذا الوضع للإدارة الأمريكية أن تنفذ سياستها الامبريالية بغزو أفغانستان أولا ومن ثم العراق ,وإذا استطاعت أن تقنع العالم بمبررات غزوها لأفغانستان فإنها فشلت في ذلك بالنسبة للعراق ,ورغم ذلك قامت بالغزو واحتلت العراق وأسست لدولة كارتونية بالاعتماد على عملاء صغار تمحوروا تحت غطائها بمختلف العناوين,فقامت بحل الجيش واغلب مؤسسات الدولة وقامت بتعيين قيادات جديدة لبقية المؤسسات جلهم من العناصر المرتبطة بالمحتل أو بالأحزاب والقوى التي تمثل مصالح المحتل ,والتي تتصف بعدم النزاهة والوطنية والكفاءة ,مما ساعد على تحطيم ما تبقى من الدولة العراقية .         

                                                             

هذا الوضع الشاذ ساعد على اتساع المقاومة التي انطلقت شرارتها منذ اليوم الأول للاحتلال ,مما يوضح أن الشعب يرفض الاحتلال تحت أي مبرر وان من يحاول أن يصور الأمور على إنها تحرير أو غيرها من المسميات هم أناس بلا دين وبلا شرف وهذا متفق عليه ولكن المشكلة لا تكمن بمن دافع وبرر للاحتلال فقط ,فهؤلاء واضحون رغم قذارتهم ونتانتهم ,إن المشكلة تكمن بمن هرب دون مبرر حقيقي وبمن استسلم وبمن جمع الأموال طيلة سنوات باسم الوطن والحزب واستفاد من امتيازات السلطة ويبخل الآن أن يقدم ملاليم للوطن وللمقاومة من تلك الملايين والأقذر من هؤلاء من تعاون مع المحتل وعملائه .  

 

ذلك هو الوجه الأول أما الوجه الثاني فهو قصة مجموعة من الشباب اجتمعوا في إحدى مقاهي دمشق المسماة مقهى الرشيد ليضعوا اللبنة الأولى لأشرف تنظيم عربي ثائر حاول تغيير واقع الشعب العربي ,وبالرغم من انتشار تنظيم البعث في اغلب الدول العربية فلم يستطع أن يكون مؤثرا إلا في العراق وسوريا بعد أن تلقت بقية التنظيمات القطرية وعلى فترات متباينة ضربات قاتلة من مخابرات الحكومات العربية والتي لم تكتفي بمحاربة كل عربي شريف بل وصل الحال إلى حد التآمر على مساعدة الأجنبي على احتلال الأرض العربية وكما حصل عند احتلال فلسطين ,ليخلقوا فلسطين جديدة في العراق .  

 

بدأت القصة بعد احتلال العراق عندما هاجر عشرات الألوف من البعثيين من العراق قلة منهم مجبرا ,والأكثرية غير مبررة وطنيا ,ورغم ذلك فقد بقي الكثير من البعثيين ممن رفعوا راية الوطن والدين وحملوا سلاح المقاومة وما كانت المعاناة اليومية إلا لتزيدهم إيمان وإصرار على محاربة المحتل وعملائه ,وما نتحدث عليه اليوم هم البعثيين فقط أو من يسمون أنفسهم بالبعثيون والذين تركوا العراق دون مسوغ أو مبرر حقيقي بل اغلبهم لأسباب واهية ,اقنعوا أنفسهم بها قبل أن يقنعوا الآخرين ورغم ذلك فلكل ظروفه وإمكانياته وقدرته وإيمانه ,ولكن أن يتصدى البعض من هؤلاء ليعقدوا مؤتمر قطري وينتخبون قيادة قطرية فذاك هو السقوط بعينه ’وهم بهذا لا يتساووا بعملاء المحتل بل يزيدون لأنهم لا يكتفوا بتركهم الجهاد والنضال ساعة احتياج الوطن والمبادئ لهم والتي هي المحك الوحيد لصدقهم , بل يحاولون شق وشرذمة التنظيم الذي هو أمل الأمة والعراق لإخراج المحتل وعملائه الأشرار وإعادة الشعب والوطن إلى ماضيه .        

         

يبدو إن تصرفات البعض تجبرنا على التذكير بألف باء الأخلاق والدين وقيم الرجولة ومبادئ البعث التي لا تخرج عنهما والتي تفرض على من يدعي انه يحمل ويؤيد ويؤمن بهذه القيم والمبادئ أن يضحي من اجلها ولو بالنزر القليل سواء بالمال أو بالوقت أو بالجهد أو بالدم ,ولا أطالب هنا من كان في المستوى الحزبي الفلاني أن يأتي ليقاتل مع رفاقه ويجاهد في سبيل الله والوطن والمبادئ ,فقد تعبنا من ترديد ذلك ,ولكني أطالبهم بترك الشرفاء يقومون بواجبهم تجاه وطنهم من خلال الابتعاد عن تلويث اسم البعث من خلال ادعائهم بأنهم من يمثلونه وان القيادة الحالية تفتقر إلى الشرعية ,ونسوا أو تناسوا بان الشرعية الوحيدة المقبولة في مثل هذه الحالات هي الجهاد على ارض الجهاد وليس إصدار البيانات من مقاهي دمشق وغيرها ,وان قيادتنا لم تستمد شرعيتها من كونها وضمن النظام الداخلي للحزب هي القيادة الشرعية الوحيدة فقط رغم أهمية ذلك بل عززتها بما هو أهم وهو المشروعية الجهادية التي نتشرف جميعا بها كبعثيين, نناضل ضد الحكومات العميلة والأحزاب العميلة والجواسيس ,بعد أن هربت قوات المحتل خارج المدن وانسحب القسم الأكبر منها , ورغم قساوة الظروف والتي تزيد عن معاناتنا من المحتل ,إلا إننا لن نتراجع عن ما بدائناه ,واعلموا بأننا كقواعد للحزب لا ولن نقبل وقبل قياداتنا بل لا نتشرف أن تكونوا في أي حلقة من حلقات الحزب وليس القيادة ,إن أمثالكم يصنفون كخونة للوطن وللشعب وليس للحزب فقط, فهل نرضى أن يقودنا الخونة ,إذن لماذا نحارب المالكي وعلاوي والحكيم والصدر وغيرهم من عملاء إيران والمحتل ,إنكم اخطر من هؤلاء لأنهم مكشوفون للجميع ,اما انتم فتسترون باسم البعث وباسم القومية وتريدون طعننا بظهورنا,ولكننا لن نسمح لا لكم ولا لغيركم بسرقة جهادنا وتاريخنا وتاريخ كل شريف فما انتم إلا حثالة.    

 

وكلمة أخيرة لابد منها ,إن البعث الحقيقي قد ولد من جديد داخل العراق بعد سنة 2003 ,وهو التاريخ الحقيقي لميلاد البعث,وان الزمن السابق لهذا التاريخ كان تاريخ لسلطة الحزب , فمن يريد التعكز عليه فلن ينفعه, إن لم يعمده بالجهاد بعد سنة 2003 وان قيادتنا بيننا وبين عيوننا نحافظ عليها ونغطيها بجفوننا .

 

 





الخميس٢٦ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو محمد العبيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة