شبكة ذي قار
عـاجـل










أدهشني العرض الذي تضمنته الخليج الإماراتية لكتاب (البترول وأقتصاد المقامرة المشروع الأمبراطوري الأمريكي) على صفحاتها؛والذي أطلعت عليه بجزئيه وهو ملخص لما جرى في المنطقة منذ 1979 والى يومنا هذا؛حيث كان على جزءين ل د. عبد الحي زلوم والذي أفردت له الصحيفة صفحة كاملة لكل جزء؛ بَينَ من خِلالها مراحل التأسيس لأعتداءات الولايات المتحدة وتخطيطها لإحتلال العراق وتدميره كما فعلت مع أفغانستان؛وجعلها لجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق مناطق نزاع تدار عن بعد ؛كما ألمحت الى سيطرة تلك الدول الوارثة لأمجاد الأمبراطية العجوز بالعنجهية المتمثلة لإحتلال البلدان وإخضاع شعوبها بقوة السلاح من اجل السيطرة على منابع البترول والذي تشير التقارير حسب المؤلف الى أن مصادره الى نضوب في أمريكا كما في بعض بلدان المنطقة مما حدا بها وعبر تخطيط طويل الاجل الى السيطرة عليه لرفد صناعتها وسيطرتها الاستعمارية المقيتة.

 

حيث جاء في التقرير ان خطة أعدت منذ عام 1979 كسيناريو محتمل لإحتلال قوات عراقية للكويت والسعودية والحيثيات المعدة لمواجهة مثل هذا الأحتمال والأدهى إن تلك الخطط كانت قد نشرت وبالتفاصيل المملة في أحدى المجلات الأمريكية المعروفة(fortune ) ؛مما يدفعنا للتساؤل هل غاب هذا التخطيط عن الحكومة العراقية؛ثم أين اجهزة الإعلام والمخابرات في دولنا ومنها العراق المعني أكثر من غيره بالأمر عن تلك المخططات وما هي سبل المواجهة لأفشالها؛حتى وقعت الواقعة حسب التخطيط وبالحرف الواحد؛والذي يشير الى افشال الوساطة بين العراق والكويت والتي تولى أمرها الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز رحمه الله لتدفع أمريكا باتجاه شن الحرب وتواجدها في المنطقة بعد أن مارست اللعب على الحبال لتفشل الوساطة وتدفع الى الحرب ؛وهي في كلا الأحوال خسارة للطرفين العراق والكويت ولا نعفي الحكومة الكويتية من مسؤولية ما حصل؛على الرغم من الخطا العراقي الجسيم في هذا العمل.

 

حيث يقول  الدكتورعبد الحي زلوم في معرض شرحه حول الموضوع عندما أنفجرت الأزمة الأقتصادية الأخيرة كان هناك 650 تريليون دولار من المشتقات والتي تضم تلك السلع الوهمية الورقية من نفط وسلع أخرى وهو مايشكل 12 مرة حجم الأقتصاد العالمي ؛أو 50 مرة حجم الأقتصاد الكلي الأمريكي ؛وتمثل هذا الموقف من التحكم عن بعد الى واسطة الوكلاء المحليين ثم الغحتلال خطوة فخطوة؛حيث كانت المرحلة الأولى تتمثل بالسيطرة التي تتم عن طريق شاه إيران والدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة (منطقة الخليج البترولية) والتي كانت تقوم بزيادة البنية التحتية العسكرية بشكل مستتر ما أمكن.

 

فيما تمثلت المرحلة الثانية وهي التي جاءت في فترة الثمانينيات بزيادة التواجد العسكري بشكل ملحوظ وبناء بنية عسكرية تستطيع أحتواء متطلبات الحروب الكبرى؛وقادرة على أستيعاب ألالاف الجنود والطائرات.

 

أما المرحلة الثالثة وهي التي تشغل عقد التسعينات فتمثلت بأستخدام القوة للقضاء على اي قوة أقليمية يمكن أن تنافس الولايات المتحدة واستعمال (القوة الناعمة) لغرض عولمة الأقتصاد لخدمة الأقتصاد الأمريكي؛ثم تاتي المرحلة الرابعة والتي شكل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين مفاصل المشروع الأمبراطوري الأمريكي الذي اخذ شكل الأحتلالات المباشرة للدول بأنفرادية القرار من قبل أمريكا للأستيلاء على المصادر الطبيعية العالمية وفي مقدمتها النفط.

 

الدكتور عبدالحي يحيى زلوم هو مستشار نفطي عالمي قضى أكثر من خمسين سنة في صناعة النفط في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، وساهم في تأسيس العديد من شركات النفط الوطنية العربية، كما قام بأعمال استشارية في الهند والصين وله سبعة كتب بالعربية وكذلك بالإنجليزية . في هذه المحاضرة يبين د . زلوم أن النفط قد رسم خريطة الشرق الأوسط، وكان محور محرك السياسات “البترو إمبريالية” في عهد الإمبراطوريتين البريطانية والأمريكية، كما يبين خفايا الاحتلال التدريجي لمنابع النفط والرابط بين النفط ونشوء الاقتصاد الرأسمالي المقامر الجديد الذي أصبح النفط، الذهب الأسود، غطاءه بدلاً من الذهب الأصفر . وتالياً نص المحاضرة:

 

لعل ما قاله وزير الطاقة الأمريكي ردتشدردسون أيام الرئيس كلينتون سنة 1999 قد (قطع قول كل خطيب) حينما قال:

“لقد كان البترول محور القرارات الأمنية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال القرن العشرين، والنفط كان وراء تقسيمات الشرق الأوسط إلى دويلات بعد الحرب العالمية الأولى”، وهكذا فعند جهينة الخبر اليقين .

 

لمحة تاريخية

 

لا نود هنا أن نسهب عن تاريخ النفط، ولكن من المفيد أن نُذكّر بأن أول ذكر تاريخي للنفط كان في مدينة هيت قرب بغداد قبل 5000 سنة، وأن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم كان قد نصح من جاء يسأله للدعاء لشفاء بعيره المصاب بالجرب قائلاً: عليك بقليل من القطران مع الدعاء، والقطران هو أحد مشتقات النفط الثقيلة . وكان هناك (والي نفط) أيام الأمويين والعباسيين وأن أول تقطير للنفط تم بواسطة علماء مسلمين .

 

إلاّ أن التاريخ الحديث للنفط بدأ سنة 1859 حين حفر (Drake) أول بئر نفطية على عمق 69 قدماً فقط في ولاية بنسلفينيا الأمريكية فوق أحد التسريبات النفطية . ولقد كان أول استعمال للنفط للاضاء بمادة الكاز بدلاً من (زيت الحيتان) الذي بدأ بالنضوب . إلا أنه بعد دراسة قام بها ضابط البحرية البريطانية (Fisher) أثبت فيها جدوى ضرورة استعمال البترول بدلاً من الفحم الحجري كوقود لأسطول الامبراطورية، عندئذ أصبح النفط سلعة استراتيجية ليس كأي سلعة أخرى وزادت أهميته حين اخترع المهندس الألماني (Daimler) آلة الاحتراق الداخلي (internalcombustion engine) . وللدلالة على مدى تأثير النفط في الحضارة الغربية يكفي أن نبين أن 50% من العمالة الأمريكية كانت تعمل في الزراعة في بداية القرن العشرين، وانخفضت إلى 2% فقط في آخر القرن بالرغم من أن الإنتاج قد أصبح أضعاف الأضعاف عن السابق، وذلك نتيجة استعمال وسائل تعتمد كلها على النفط ومشتقاته كالآلات الزراعية والأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، بحيث أن السُعر الحرارية من المواد الغذائية يحتاج إلى عشر سُعرات من الطاقة لإنتاجه في الولايات المتحدة .

 

عوامل التحكم في سياسة الغرب

نحو العرب والمسلمين

 

في كتابي “أمريكا بعيون عربية” بيّنت أن العلاقة بين الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، كان يتحكم فيها أربعة عناصر تبدأ كلها بالإنجليزية بحرف “G”، وفي محاضرتي بجامعة هارفارد/ مركز دراسات الشرق الأوسط اضفتُ “G” خامسة وهذه العناصر هي:

 

God  - كناية عن الأديان .

 Geography وذلك عن جغرافيا المنطقة المتميزة بين ثلاث قارات رئيسية .

 Geopolitics الجيوبوليتكس بين امبراطوريات العصور .

 Geology كناية عن الجولوجيا والمصادر الطبيعية وأهمها حالياً النفط .

 Globalization العولمة والتي نصّبت الولايات المتحدة نفسها بوليساً دولياً لفرضها على الآخرين لما لها من فوائد تعود على نخبتها الآمرة والناهية في واشنطن .

 

كان عنصرا الأديان والجغرافيا هما العنصران الطاغيان خلال الاثني عشر قرناً بعد ظهور الإسلام، وبمرور القرون أصبح تأثير العناصر الأخرى يزداد أهمية .

 

عامل الجيوبوليتكس

 

ففي القرن التاسع عشر كان وضع الامبراطورية العثمانية ضعيفاً ما شجع الإرساليات التبشيرية وأنطمتها التعليمية على بث روح العلمانية والقومية لتفتيت تلك الدولة الإسلامية . وكان في مقدمة تلك المؤسسات الكلية البروتستانية السورية والتي غيّرت اسمها سنة 1920 لتصبح الجامعة الأمريكية في بيروت .

 

كانت التنبؤات التوراتية والانجيلية بالقيام الثاني للمسيح تدّعي ضرورة إعادة اليهود لأرض فلسطين، ولقد جاء الأوروبيون المهاجرون الأوائل بأفكارهم هذه إلى القارة الأمريكية، فأصبح هؤلاء يُسمون أنفسهم بأبناء صهيون منذ وصول أولى بواخرهم May Flower)) إلى الأرض الأمريكية التي سموها أرض الميعاد . ولقد تفرعت فئات مسيحية عدة تمت تسميتهم عموماً بالإعاديين، نسبة الى ضرورة إعادة اليهود الى فلسطين كشرط للقيام الثاني للمسيح .

 

كان من بين هؤلاء بروفيسور اللغة العبرية في جامعة نيويورك جورج بوش، الأب الأعظم لرئيسين أمريكيين لاحقاً، حيث كتب كتاباً يصف فيه النبي محمداً صلى الله عليه وسلم بأوصاف شائنة، وكتاباً آخر اسمه “وادي الرؤى” سنة 1844 أي قبل نصف قرن من صهيونية ثيودور هيرزل، كتب فيه بضرورة “رفع اليهود إلى مرتبة عظيمة بين الأمم وإعادة بناء دولة لهم في فلسطين مما يفيد الإنسانية جمعاء حيث سيكونون همزه الوصل بين الإنسانية والله” .

 

الولايات المتحدة حصان الرأسمالية

 

زاد الاهتمام الامبريالي في منطقة الجزيرة العربية وخصوصاً الخليج عند بدء عمليات الحفر عن النفط في بلاد فارس (إيران) . ففي سنة 1903 قال وزير الخارجية البريطانية Lansdowne في مبدئه المعروف باسمه “إن أي محاولة لبناء ميناء عسكري في الخليج الفارسي من أي دولة أخرى سيعتبر تهديداً للمصالح البريطانية وسوف يُقاوم بكل الوسائل المتاحة لدينا” .

 

لعله من المفيد هنا أن نقارن بين هذا التصريح الامبراطوري البريطاني وعقيدة الرئيس الأمريكي كارتر (Carter Doctrine) حوالي ثمانين سنة بعد ذلك، لنجد تطابقاً يكاد يكون حرفياً بين الامبراطوريتين البريطانية والأمريكية، قال كارتر سنة 1980 “إن أي محاولة لأي قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي سيُعتبر تهديداً للمصالح الحيوية الأمريكية ولسوف تتم مقاومته بكافة الوسائل المتاحة بما في ذلك القوة العسكرية” .

 

كانت البحرين هي قاعدة الأسطول البريطاني، وعندما غيّرت الامبريالية الانجلوسكونية حصانها الامبريالي من بريطانيا الى الولايات المتحدة أصبحت قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين أيضاً .

 

بعد الحرب العالمية الأولى، فقدت بريطانيا معطياتها المكونة للقوة الامبراطورية، فتمّ ترتيب مُمنهج لانتقال الدور الامبراطوري للرأسمالية الأنجلوساكسونية ليصبح في الولايات المتحدة . وأثناء الحرب العالمية الثانية، تم تشكيل لجان اسمها (لجان الحرب والسلم) لتضع تصوراتها وتوصياتها للنظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وكان من توصياتها قيام مؤسسات تُهيمن عليها الولايات المتحدة وتدير نظام ما بعد الحرب بواسطتها وهي (أمم متحدة)، وكذلك (بنك دولي)، و(صندوق دولي)، ومنظمة لنظام (تجارة حرّة عالمية) وهكذا كان .

 

كان قيام نظام صرف ثابت للعملات يعتمد على سعر ثابت بين العملات العالمية والدولار، ثم تعهد الولايات المتحدة بصرف أونصة ذهب لكل من يقدم لها 35 دولاراً وبذلك تتم طباعة الدولار بقيمة احتياطات الولايات المتحدة من الذهب . وبقي هذا النظام يعمل بشكل مقبول إلا أن اختلالات قد طرأت عليه منذ سنة 1957 إلى أن ألغي نهائياً سنة 1971 من الرئيس نيكسون .

 

بداية تفكك نظام بيرتون ودز

 

كان عام 1957 هو أول عام يكون فيه ما يخرج من دولارات من الولايات المتحدة يزيد عمّا يدخلها ذلك لأن الشركات عبرالقطرية، وكذلك البنوك، قد نقلت جزءاً مهماً لعملياتها خارج الولايات المتحدة متبعة العمالة الرخيصة بالخارج . يضاف إلى ذلك أن أمريكا قد أنهكتها حروبها ومصاريفها العسكرية، ففي الستينات كان للولايات المتحدة 600000 جندي في أنحاء المعمورة عدا عن 589000 جندي في فيتنام، و600 قطعة بحرية موزعة على الأساطيل الأمريكية في كل مكان .

 

شك الأوروبيون في صدق الولايات المتحدة حسب تعهدها والتزامها بألا تطبع دولارات أكثر من احتياطها من الذهب وفق قاعدة نظام الصرف الثابت في بريتون ودز . طالب ديغول بأن تثبت الولايات المتحدة ما لديها من ذهب لكنها لم تفعل، وقامت مظاهرات الطلبة بعد ذلك بقيادة “كوهين” مما نتج عنه في النهاية خروج ديغول من السلطة . إلاّ أن مشكلة الدولار والذهب لم تنته، وأخيراً اعترفت الولايات المتحدة بالحقيقة، بأنه ليس لها من الذهب ما يكفي لغطاء الدولار حسب تعهداتها في بريتون ودز، فقام نيكسون بإلغاء نظام الصرف الثابت وتَعهُد الولايات المتحدة بتبديل الدولارات بالذهب عند الطلب، ما جاء بنظام اقتصادي جديد آخر هو النظام المقامر في العملات وفي السلع والبورصات وكل شيء .

 

استهلاك مفرط للنفط

 

بين عامي 1930 و1946 زاد استهلاك الولايات المتحدة للنفط 300%، وزاد بعد ذلك حتى سنة 1970 ب 300% أخرى . كل ذلك بعهد النفط الرخيص والذي كانت زجاجة لتر الماء تكلف حقيقة أكثر من غالون من البنزين .

 

سنة 1956 قدم جيوفيزيائي يعمل في شركة شل اسمه king M . Hubbert ورقة لمؤتمر معهد البترول الأمريكي المنعقد في سان أنتونيو تكسس، ورقة بين فيها أن الولايات المتحدة ستصل إلى ذروة إنتاجها النفطي حوالي عام 1970 ويبدأ إنتاجها بعد ذلك بالهبوط التدريجي، وهكذا كان . فأصبحت الولايات المتحدة مستوردة للنفط ابتداءً من سنة 1971 ما أدى إلى بداية العجوزات التجارية مما زادَ وضع الدولار كعملة احتياط عالمية حرجاً . ففي سنة 1970 وصل استهلاك النفط إلى 11،3 مليون برميل يومياً وبقى في زيادة إلى أن وصل حوالي 20 مليون برميل يومياً هذه الأيام، في حين وصل إنتاج النفط إلى 11،3 مليون برميل سنة 1970 إلى أن بدأ بالهبوط إلى أن أصبح اليوم 5،34 مليون برميل باليوم فقط .

 

سنوات عقد السبعينات الأولى

 

لعل تلك السنوات الأولى من سبعينات القرن العشرين كانت سنوات تحويلية في النظام المالي والاقتصادي والنفطي العالمي . ففي تلك السنوات الأولى من ذلك العقد:

 تم إلغاء سعر الصرف الثابت حسب اتفاقية بريتون ودز من طرف واحد .

 وتهدد وضع الدولار كعملة احتياط عالمية .

 وأصبحت الولايات المتحدة مستورداً للنفط بدلاً من مصدر له .

 وبدأت العجوزات التجارية في تلك السنوات نتيجة لذلك .

 

وزاد الطين بلّة ما جاء في دراسة قامت بها جامعة MIT العريقة سنة 1971 تحت عنوان Limits to Growth  والتي بينت أن النموذج الاقتصادي الرأسمالي الذي يعتمد على نمو مستدام سنة فسنة معتمداً على ديمومة المصادر الطبيعية غير قابل الاستمرار في ظل تنامي السكان ومحدودية المصادر الطبيعية، وتنبأ بخلل صارخ منتصف القرن الحادي والعشرين .

 

كذلك كان أكثر الاكتشافات النفطية في اليابسة قد استنفد، فأصبحت الاستكشافات البحرية هي السبيل الجديد، كما تم في كل من آلاسكا وبحر الشمال، إلا أن التكلفة للإنتاج كانت خمسة دولارات للبرميل في ألاسكا وسبع دولارات للبرميل في بحر الشمال في وضع كان فيه يباع النفط بدولارين للبرميل .

 

الاحتلال

 

حينما بدأت “قناة الجزيرة” بإنتاج كتابي “أمريكا بعيون عربية” قدمتُ للمخرج أسماء من ينبغي مقابلتهم ممن جاء ذكرهم في كتابي . كان أحد هؤلاء James Akins سفير أمريكا السابق في المملكة العربية السعودية وخبير الطاقة في البيت الأبيض . ولقد جاء هذا في المقابلة التي تمّت والتي تم بثتها على قناة الجزيرة:

 

“كيف يمكن السيطرة على نفط الشرق الأوسط؟ لقد تحدثنا عن ذلك في الماضي . كيسنجر تحدث عن ذلك . والواقع أن هذا كان سبب طردي من وزارة الخارجية . عندما جاء كيسنجر بخططه للاستيلاء على حقول النفط وقد سألت عن ذلك عندما تم نشر المقال في مجلة هاربر، كُتب المقال تحت اسم اللاتيني المستعار بمعنى الجندي المجهول . لم يعرف أحد من كان الجندي المجهول ولوقت طويل . اقترح احتلال حقول النفط العربي من الكويت حتى دبي واحضار موظفي من تكساس وأوكلاهوما لإدارة هذه الحقول وطرد العرب إلى منطقة نجد . وستكون المنطقة من الكويت إلى أبوظبي خالية من العرب . ونقوم باستخراج النفط خلال 50-70 عاماً . عندما ينضبُ النفط يمكن للعرب العودة من نجد إلى الكويت وأبوظبي لكن الحقول ستكون فارغة . خطة بارعة . وتحدثت إلى ارامكو في الموضوع وأصيبوا بالذُعر من الفكرة، لكن أن يكون الأمر بهذه السهولة والسرعة كان حلماً ساذجاً . وقد سُئلتُ عن ذلك من الإعلام وكنت حينها سفيراً لأمريكا بالسعودية، قلت للتلفزيون الأمريكي من يفكر في حل مشاكل الطاقة الأمريكية بهذا الأسلوب إما أن يكون مجنوناً أو مجرماً أو عميلاً للاتحاد السوفييتي، لكن هذه الخيارات لم ترق لكاتب المقال . كنت أعتقد أنه أحد المجانين من المخابرات المركزية أو من وزارة الدفاع . لم أكن أعرف من هو . كثيرون ظنّوا أنني كنت أعرف لكنني لم أكن أعلم شيئاً . كان كيسنجر هو بذاته” .

 

حالات الدراسة التي تُعلّمها جامعة هارفارد لطلابها تُقر بأن احتلال منابع النفط العربية كان أحد الخيارات الجدية لدى الإدارة الأمريكية في أوائل السبعينات لكن عالماً ثنائي الهيمنة لم يجعل من ذلك الاحتمال أمراً مقبولاً، فتم التخطيط للاستيلاء على النفط العربي (بالوكالة) عن طريق أصدقاء أمريكا إلى أن جاءت الأحادية والانفرادية فتمت السيطرة عن طريق الاحتلال أيضاً، ولتنفيذ خطة السيطرة والاحتلال خطوةً خطوةً نفطياً وسياسياً .

 

مسرحية حرب 1973

 

كان أول اجتماع بين كيسنجر وحافظ اسماعيل مبعوث السادات ومستشاره للأمن القومي في 25 فبراير/ شباط 1973 في بيت سرّي في نيويورك لبحث عملية “السلام” بين “إسرائيل” ومصر . وتم الاتفاق على الخطوط العريضة . كان الاجتماع سرياً لدرجة أن كيسنجر لم يُعلم حتى وزير الخارجية الأمريكي عن الاجتماع أو ما تم خلاله في الخفاء .

 

اُعلمَ السعوديون في 6 مارس/ آذار 1973 بما تم ما بين كيسنجر وحافظ اسماعيل . كان الملك فيصل جاداً على أن يصلي في المسجد الأقصى بالقدس بعد تحريره من الاحتلال، ولقد أخذ تعهداً من الرئيس نيكسون بأنه إذا ما قام السادات بطرد السوفييت من مصر فسوف يضغط على “إسرائيل” للانسحاب من كل الأراضي المحتلة .

جولة الاجتماعات السرية الثانية بين كيسنجر وحافظ اسماعيل تمت في 11 ابريل/ نيسان 1973 وتم وضع الخيوط النهائية لمسرحية حرب اكتوبر ،1973إلا أنه كان يتوجب عمل إجراءات أخرى للسيطرة على نتائجها الحربية والسياسية والاقتصادية . قام كيسنجر بجمع 84 من رجالات المال والاقتصاد والنفط العالمين المنضوين تحت ستار مجمع Bilderberg السرّي في مايو/ أيار 1973 . كان ذلك في بيت العائلة السويدية اليهودية عائلة Wallenbergs . حضر الاجتماع الرؤساء والمديرون التنفيذيون لشركات النفط العملاقة مثل BP،Shell ،Exxon  الخ، ورؤساء ومديرو البنوك العالمية الكبرى وذلك لبحث:

 

رفع أسعار النفط 400% ليصبح بذلك نفط ألاسكا وبحر الشمال مجدياً .

 وإعادة تدوير البترودولارات الناتجة عن ذلك من دول أوبك عموماً والعرب خصوصاً إلى البنوك الأمريكية والغربية . قام بتقديم هذه الورقة WalterLevy  - وتم الاتفاق على التفاصيل .

 

بعد ذلك بستة شهور قامت حرب رمضان 1973 وتم بعدها رفع أسعار النفط ب 400%، كما تم فرض الدولار كعملة وحيدة للدفع لمشتريات البترول ما أجبر الدول على شرائه واقتنائه . قال أحد وزراء النفط العرب السابقين في مقابلة مع William Engdahl إنه عندما سأل ذلك الوزير شاه إيران عن أسباب رفع أسعار البترول أجابه: “اسأل زعيمك بأن يسأل هنري كيسنجر فالجواب عنده” .

 

بعد أن ألغت الولايات المتحدة نظام سعر الصرف الثابت حسب اتفاقية بريتون ودز، جاء نظام جديد سمّاه أحد الاقتصاديين الاوروبيين بأنه “نظام اللانظام”، حيث أصبحت العملات تتذبذب كل لحظة ما فتح باب جنة المضاربة للممولين العالمين . ونشأ نظام مالي مضارب لا يدخل فيه المال دورة الإنتاج وإنما يُوظف المال للمضاربة وجلب المزيد من المال، ما جعله متطفلاً على الاقتصاد المنتج وأكبر منه عشرات المرات وعبئاً عليه .

 

بعد حرب التحريك لسنة ،1973 ورفع أسعار النفط أصبحت نفوط الاسكا وبحر الشمال ذات جدوى حيث فاق السعر تكلفة الإنتاج لتلك الحقول . وهكذا ففي سنة 1974 بدأ نفط بحر الشمال يتدفق إلى بريطانيا، وكذلك استكملت الولايات المتحدة مدّ خط الأنابيب بين ألاسكا والولايات السفلى الثمانية والأربعين للولايات المتحدة، وفي سنة 1978 بدأ مليون برميل يومياً من النفط يتدفق من ألاسكا .

 

النظام الاقتصادي المالي المقامر الجديد

 

لم يكن هناك تجار مضاربة على النفط قبل عام 1973 حيث كانت العلاقة مباشرة ما بين المنتج والمستهلك، اللهم إلاّ لقله من تجار السوق الذين كانوا يمتهنون أعمالاً مخالفه للقانون مثل كسر الحصار المفروض على جنوب إفريقيا و”إسرائيل” . وكان من بين هؤلاء مارك ريتش Marc Rich الذي كان يعمل مع شركة Philbro وهي أكبر شركة للمتاجرة في السلع ومركزها نيويورك . وعندما اكتشف أمره هرب من الولايات المتحدة حيث أسس شركة للمضاربة والمتاجرة بالنفط عموما في أوروباً . ولقد انتُقد الرئيس كلينتون لأنه شمل ريتش بعفو رئاسي ما اضطر كلينتون لأن يدافع عن نفسه، بقوله إنه عفا عن ريتش بعد أن طلب منه ذلك كافة رؤساء “إسرائيل” الأحياء ورؤساء وزارئها وكذلك رؤساء الجمعيات اليهودية الأمريكية وذلك لخدماته الجليلة ل “إسرائيل” والمُوساد .

 

حسب ما جاء في كتاب صدر لسنة 2009 (ص 38) لTom Bower  اسمه: Oil: Money, Politics and Power بأن “ريتش ادعى في بدايات سنة 1973 أنه يمتلك معلومات تفيد أن هجوماً عربياً على “إسرائيل” هو وشيك وأن مقاطعة عربية ستلي تلك الحرب، ما سينتج عنها أرتفاع كبير في اسعار النفط . كان ذلك قبل 6 شهور من حرب اكتوبر سنة 1973 كان لريتش علاقات مميزة مع فاسدين كثيرين في شركات النفط بما في ذلك في إيران الشاه، ولقد اشترى عقوداً ل “إسرائيل” وجنوب افريقيا عن طريق تلك القنوات، وزاد مشترياته للمضاربة تحسباً للمقاطعة المتوقعة وما سينتج عنها من ارتفاع الأسعار . لاحظت Philbro ذلك فقررت إدخال النفط إلى قائمة السلع التي تتاجر بها . وفي نفس الوقت قامت شركتا بريتش بتروليوم BP وشل Shell بتأسيس شركتين للمتاجرة بالنفط خصوصاً وأن الشركات العاملة في بحر الشمال قد بدأت بتخليص حصص لنفطها للبيع في spot market روتردام .

 

فيما يذكر في الجزء الثاني أن التخطيط تم على أربع مراحل ننقلها لكم كما جاءت إلا في بعض المناطق فقد تصرفت فيها بإضافة بعض التعليقات حيث تطلب الأمر للتوضيح أو الشرح واليكم مراحل التقرير في جزءه الثاني كما جاء عند الدكتور عبد الحي زلوم.

 

المرحلة الأولى

 

وفيها ركز الكاتب على أن الولايات المتحدة ورثت بريطانيا كأمبراطورية للراسمالية وقد حلت محلها في منطقة الجزيرة العربية وقد اتخذت من البحرين مركزأً لاسطولها الخامس كما قامت ببناء بنية تحتية تستطيع من خلالها استقبال وحدات التدخل السريع التي أنشئت في الولايات المتحدة لتصبح فيما بعد القيادة الوسطى؛وخلال هذه الفترة تم وضع خطط التدخل السريع لحروب مستقبلية والتي تم نشر أحداها اي الخطط في مجلة (fortune ) بعددها رقم 7 الصادر في may 1979 تحت مسمى (لو غزت العراق الكويت والسعودية) *يرجى ملاحظة التاريخ والتأكيد عليه والذي جاء فيه تستطيع القوات العراقية باستخدام اسلحة سوفيتية أن تتغلب على  الدولتين بسرعة؛والمساعدة من (أي من قبل الأمريكان) عند طلبها ستبدا بضربات جوية تكتيكية ضد الدبابات والطائرات العراقية مع التهديد بتدمير منشاتها النفطية ولكي يتم أخراج هذه القوات (اي العراقية) فهناك حاجة الى أستعمال رجال  المارينز من الاسطولين السادس والسابع وقوات المشاة من الفرقتين (82 و101 ) وقد تم تنفيذ هذه الخطة بعد مرور 12 سنة فيما سمي بعاصفة الصحراء وكانت حينها البنية التحتية لاستيعاب مئات الألوف من الجيوش وأجهزة السيطرة وغرف العمليات الجاهزة لمثل تلك الحرب.

 

كما أقترحت الخطة أزاحة الفلسطينين من الكويت خصوصا ومن الخليج عموما ؛واليمنيين من السعودية بأعتبارهم (عناصر عدم استقرار) في منطقة استراتيجية مهمة وهي النتيجة التي أنتهت اليهاعاصفة الصحراء بعد أن تم تهيئة الظروف اللازمة لذلك.

 

المرحلة  الثانية

 

وجاءت بتطبيق مبدأ كارتر والذي نص على أن أي محاولة من أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ( وهو كان قد أشار اليه بالخليج الفارسي) ولم تعدل عليه الجريدة الخليجية ستعتبرها هجوما على المصالح الحيوية للولايات المتحدة ومثل هذا التعدي سيتم صده بكافة الوسائل المتاحة بما فيها القوة العسكرية؛وهو ما تطابق مع تصريح وزير الخارجية البريطاني Lansdowne الذي قال (أن تقوم أي قوة بانشاء ميناء محصن في الخليج العربي (واشار أيضا بالخليج الفارسي) وعدلناها دون الصحيفة فذلك يعتبر أعتدءاً خطرا على المصالح البريطانية وسوف يتم مقاومته بكافة الوسائل المتاحة ومنها العسكرية؛أي تطابق وجهات النظر بعيداً عن القانون الدولي مما يعني غياب هذا القانون أو المسمى بالأحرى منذ ذلك الوقت وممارسة أرهاب الدولة تحت أنظار المجتمع الدولي الذي يتضح انه فاقد الإرادة؛وهو ماحصل بالفعل دون أي ردة فعل دولية ما يؤكد كلامنا.

 

إلا أن التقرير تضمن مغالطات واضحة لابد من الأشارة اليها ومنها القول بأن الولايات المتحدة وبريطانيا التي أصبحت تلعب دور المستشار الأمبريالي لامريكا شجعت الرئيس صدام حسين رحمه الله بالهجوم على إيران الثورة متناسية الحقائق الدامغة والوثائق المسجلة في مجلس الأمن والأمم المتحدة التي رفعها العراق أبان تلك الفترة يتهم فيها إيران بأحتلال اراضيه وقصف مدنه الحدودية ومنع الملاحة في شط العرب اي عام 1979 وبداية عام 1980 ؛إلا أن الحرب وقعت وأستمرت نتيجة عناد الطرف الإيراني و رفضه وممانعته متمثل بالخميني رحمه الله وحكومته على إيقاف القتال واللجوء للوسائل السلمية والتي صدرت بحقها قرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولم يوافق عليها الجانب الإيراني بينما تبناها العراقيون وحكومتهم ؛لذلك وفيما بعد أجبروا النظام الإيراني على الرضوخ وقبول الحق والموافقة على تلك القرارات وما مقولة الخميني الشهيرة عند الموافقة بأنه تجرع السم بقبوله وقف القتال إلا دليلا على أصرار ذلك النظام على مواصلة القتال ضد العراق ومسؤوليته المباشرة عن بدءها وتحمل كامل المسوؤلية عن تبعاتها بما فيها التعويضات التي لابد لإيران أن تدفعها صاغرة مرغمة من المجتمع الدولي نتيجة أشعالها نار تلك الحرب الملعونة؛وهو بالمقابل يعفي العراق من تلك التبعات وما يترتب عليها ويتحملها أولئك الذين لازالوا يدمرون العراق بحقد أعمى بصائرهم وقلوبهم التي لاتعرف الانسانية؛تلك الأجواء التي خلقت توترا في المنطقة وما تلاها من تراكم الديون على العراق وأصرار الطرف الكويتي مدفوع من الأمريكان بالأصرار على أعتبار ما كان يدفعه هبات ومساعدات للحكومة العراقية أيام تلك الحرب التي شنتها غيران بأعتبارها ديون أججت الموقف بين العراق والكويت مما حدا بأمريكا الى استغلالها وتأجيج الموقف كفرصة سانحة لزيادة عدد قواتها في المنطقة والدفع بأتجاه الحرب بين البلدين وهو ما وقع فعلا وأتاح للأمريكان زيادة تواجدهم في الخليج العربي.

 

المرحلة الثالثة  التسعينات

 

في نهاية عقد الثمانينات استوردت الولايات المتحدة سنة ،1989 45% من احتياجاتها النفطية والتي سببت 40% من العجز التجاري الأمريكي لتلك السنة . كما أنّ الدراسات كانت تدل أن نسبة النفط المستورد ستصبح 65% في نهاية عقد التسعينات . أما وقد أصبحت الولايات المتحدة القوة الوحيدة في العالم بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي ومن ثم انهياره، فلقد جاء وقت تصعيد تواجد الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي والتي تحتوي مع إيران على 70% من احتياط النفط العالمي من مجرد سيطرة إلى احتلال على مراحل! “أوحت” الولايات المتحدة لصدّام حسين بأنها لن تتدخل في نزاعه مع الكويت باعتباره صراعاً عربياً  عربياً، بل ساعدت في إفشال الوساطة السعودية في جدة بين العراق والكويت فكان أن احتل العراق الكويت في 2/8/1990 .

 

لم تكن إدارة كلينتون مختلفة في جوهرها عن بوش الاب أو الابن، لكن كان دورها أساساً هو استعمال القوة الناعمة لفرض العولمة ومؤسساتها على دول العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي . أما بالنسبة إلى الخليج فكانت هناك سياسة ثابته . ولعل حرب المنطقة المحظورة الطيران No Fly Zone War  . كانت هي حرب الخليج الثانية، حيث بقيت أكثر من 200 طائرة أمريكية تقوم بقصف المواقع العراقية العسكرية والاقتصادية . فمثلاً في أول ثمانية شهور لعام ،1999 قصفت الولايات المتحدة ألف ومائة صاروخ (1100) دمرت خلالها 359 منشأة عسكرية واقتصادية!

 

المرحلة الرابعة: الاحتلال والحروب الاستباقية

 

جاءت مؤسسة الظل الأمريكية بفريق متمرس بالنفط، أباً عن جد، مثل جورج بوش George W .Bush أو ديك تشيني Dick Cheney نائب الرئيس الذي جاء لتوه من قيادة أكبر شركات خدمات النفط بالعالم، وأما Condoleeza Rice فقد تم تدشين إحدى ناقلات النفط العملاقة التابعة لشركة “شيفرون” باسمها، حيث كانت لتوها عضواً في مجلس إدارة تلك الشركة . جاء هؤلاء لتنفيذ سياسة المحافظين الجديد للسيطرة الكاملة على نفط العالم ومصادره الأخرى، ونشر القواعد العسكرية في كل بقاع الأرض لحراسة المنشآت النفطية وطرق امداداتها .

 

في مايو/ أيار ،2001 بعد شهرين من دخول بوش Bush للبيت الأبيض نقلت عنه مجلة Time  قوله “ما يجب على الناس أن يعلموه ويسمعوه بقوة وبوضوح هو أن الطاقة في الولايات المتحدة هي في مرحلة نضوب” .

 

جاء المحافظون الجدد وإدارة بوش من مؤسسة PNAC (القرن الأمريكي الجديد) والذي لم يكن سوى نسخة جديدة لأفكار “القرن الأمريكي” الذي دعا إليه Henry Luceصs سنة 1941 في مقال تحت عنوان: القرن الأمريكي . جاء في مقال Luce:

 

“علينا أن نتقبل بشكل كامل واجبنا وفرصتنا كأكبر وأهم دولة في العالم وذلك لفرض تأثيرنا وقوتنا في العالم لأي غرض نريده وبأي وسيلة نريدها” . ولعل هذا هو بعينه ما تمت ترجمته لمبدأ بوش Bush Doctrine .

 

لعله من الطريف أن نبين بأن Luce وبوش الأب والابن هم من خريجي جامعة Yale  وأنهم كانوا جميعاً أعضاء في الجمعية الفائقة السرية في Yale والمسماة الجماجم والعظام Skulls& Bones .

 

بداية النهاية لعصر النفط

 

يبين هذا الجدول بوضوح التناقص التدريجي للاكتشافات مع الزيادات العالمية في الاستهلاك والخلل الواضح بين تلك الاكتشافات والاستهلاك

السنة              الاكتشافات       الاستهلاك

     1920                  10      billion blls 1 .5 billion blls

-108              1964  48    billion blls 23  billion blls

-108            1988   23    billion blls 23  billion blls

-108             2005   6   billion blls  30  billion blls

 

وكذلك وعلى سبيل المثال:

- حقل Forties field في بحر الشمال هبط إنتاجه من 500000 إلى 50000 برميل/ باليوم

- إنتاج ألاسكا هبط من 5 .1 مليون برميل/ اليوم إلى حوالي 000300 برميل/ اليوم .

- 53 دولة منتجة بدء إنتاجها بالهبوط التدريجي عن نقطة إنتاج الذروة .

- حقل Cruz Beana في كولومبيا هبط في 500000 برميل/ اليوم في السبعينات إلى 200000 في سنة 2002 .

 

اقتصاد الأوهام لسنوات التسعينات في الاقتصاد المقامر وخصوصاً شركات التكنولوجيا، أدى إلى انهيار سوق نازداك Nasdaq للأسهم لدرجة الانصهار سنة 2000 . كما عانت الكثير من الشركات الأخرى بما فيها شركات السيارات والحديد من الخسائر والافلاسات بما في ذلك إحدى أكبر الشركات Enron والتي أفلست قبل 11 سبتمبر بأسابيع قليلة . الحروب دوماً (تحفز الاقتصاد الرأسمالي!) . . فهل هناك إمكانية حرب جديدة؟ وهكذا جاءت حروب الإرهاب التي تبعت أحداث 11 سبتمبر والتي نتجت عن ادعاء 15 هيئة استخبارية أمريكية عن فشلها من اكتشاف أكثر من 20 “هاوياً” بقوا في الولايات المتحدة أكثر من سنة كاملة يخططون لاختطاف أربع طائرات بواسطة سكاكين بلاستيكية . وهكذا كان . هناك حرب أسموها حرباً على الإرهاب وأسماها آخرون حرب إرهاب قالت عنها Asia Times  سنة 2002 بعد بدء تلك الحرب: “كل ما تحتاجه هو نظرة واحدة على الخريطة، فليس من المصادفة أن تكون خرائط الحرب على الإرهاب وخرائط دول النفط متطابقة تماماً” .

 

غزو أفغانستان ونتائجه

 

لعل نتيجة غزو دولة عظمى وحيدة على دولة تعيش في القرون الوسطى هي تحصيل حاصل ضمن الحروب التقليدية (وليس حروب المقاومة) فأعلنت أمريكا انتصارها (وإن كانت لا تزال تقاس حتى اليوم) إلاّ أن شركاتها النفطية حققت ما جاءت إليه .

 

هكذا ما كتبته مجلة Business Week في عددها May 27, 2002 “لا يستطيع أكثر الأمريكيين أن يجدوا أذربيجان على الخارطة ولا أن يقوموا بتهجئة كيرغيستان، أزبكستان، كازاغستان أو طاجكستان . لكن العسكر الأمريكان، ورجال النفط، والدبلوماسيون قد بدأوا سريعاً لمعرفة هذه البقعة البعيدة عن العالم . إن اللعبة التي يقوم بها الأمريكان هي في غاية الأهمية . . . إن الناتج الآن هو سياسة تجمع بين البارود والنفط . البارود لحماية النفط والحكام من المتشددين الإسلاميين” . كما بينت المقالة أن البنتاغون قد أرسل العسكر لحماية طريق خط أنابيب مزمع بناؤه من باكو عبر جورجيا إلى سيهان في تركيا ولقد تم بناء هذا الخط البالغ طوله 1650 كيلومتراً، حيث تم تنفيذ انقلابات وثورات متعددة الألوان والإتيان بأنظمة حكم موالية للغرب . ولقد بدأ ضخ النفط في هذا الخط حيث تم ضخ حوالي 5 .1 مليون برميل يومياً عام 2006 عبر هذا الخط المسمى BTC .

 

غزو العراق

 

أفادت وكالة أنباء Associated Press بتاريخ 24 يناير 2008 أن مؤسستين محايدتين للصحافة قد وجدت أن الرئيس بوش وكبار موظفيه قد أصدروا 925 بياناً كاذباً عن خطر العراق على الأمن القومي الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 . ولقد تبين “أن تلك البيانات كانت جزءاً من حملة منسقة، ألهبت شعور الرأي العام، وفي النتيجة ادخلت أمريكا في حرب تحت مسوغات كاذبة” .

 

925 كذبة لرئيس وإدارته ادعى أن الله قد أراده مخلصاً لأمريكا والعالم .!

 

لماذا العراق؟

 

عندما سُئل جيمس ايكنز عن سبب الغزو الأمريكي العراقي قال: “بالطبع انه البترول فمن الواضح أن هذه هي القضية . ولو أن العراقيين كانوا ينتجون الفجل فهل كنا ذهبنا إلى غزوهم؟ بالطبع لا . لقد غزونا العراق من أجل النفط” .

 

في الوقت الذي أصبحت الولايات المتحدة تستورد ثلثي حاجتها من النفط وحقولها واحتياطيها النفطي في نضوب، كان العراق يمتلك احتياطاً مبدئياً يقدر ب115 مليار برميل من 20 حقلاً منتجاً، ولكن بالعراق 80 حقلاً . وحسب التقديرات فإن الحقول ال 60 الباقية تحتوي على 200 مليار برميل إضافي ما سيجعل العراق مالك أكبر احتياط نفطي في العالم .

 

وفي الوقت الذي ارتفعت كلفة الإنتاج في الحقول البحرية الأمريكية ما بين 60-70 دولاراً للبرميل فإن كلفة الإنتاج في العراق هي مازالت بين دولار واحد إلى دولارين!

 

- ولعل حقلاً نفطياً واحداً هو “حقل مجنون” يمتلك احتياطياً نفطياً يوازي كل احتياطي الولايات المتحدة النفطي والبالغ حوالي 20 مليار برميل فقط والذي يكاد لا يعني شيئاً لأنه سينضب خلال سنوات قليلة حيث إن الولايات المتحدة تستهلك حوالي 20 مليون برميل/ يومياً من النفط .

 

هل ستنسحب الولايات المتحدة من العراق

 

- يبدو أن التاريخ يوحي بعكس ذلك . الولايات المتحدة ما زالت تقيم في “مدن” عسكرية في اليابان وألمانيا بعد أكثر من 65 سنة من انتهاء الحرب العالمية الثانية . وكذلك قس على أي مكان ذهبت إليه مثل كوريا، فالولايات المتحدة لا تنسحب طوعاً إلاّ كرهاً كما في فيتنام .

 

- لكن الولايات المتحدة ستنسحب إلى قواعدها التي أنشأتها في العراق وبعضها بحجم المدن، فهي ليست مهتمة بإدارة الشؤون اليومية للعراق حيث ستترك ذلك “لحلفائها” الذين أتوا إلى العراق على ظهر دباباتها .

 

- وكما أسلفنا فهي تمشى على خطى مستشارها الامبريالي، بريطانيا . وهذا ما قاله Lord Curzon في سياسة بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى بالطريقة الأفضل لإدارة الدول والدويلات ما بعد سايكس بيكو كما جاء في كتاب Kevin  Philipps:

 

“لعل منطق التعاطي الأمريكي مع دول النفط التابعة لسيطرتها هو منطقLord Curzon  بأن الطريقة المثلى هي ايجاد واجهة عربية تدار من بريطانيا بواسطة أحد أتباع محمد، وبمساعدة إداريين عرب كلما أمكن” .

 

إذن العراق اليوم له “واجهة عربية”، يدار من “أحد أتباع محمد” ولديه إداريون عرب . وقواعد أمريكية بحجم المدن، وديمقراطية جاءت على أجساد الملايين من العراقيين وعلى رؤوس صواريخ كروز . . هي ديمقراطية، حسب الكاتبة الهندية Arunhati منتوج سريع الذوبان، يستحق من أجله موت مئات الألوف ليتذوقوا طعم هذا المنتوج الجديد: اشتر واحداً منه وخذ اثنيين بالمجان!

 

اقتصاد المقامرة أزمة نظام

 

كما أسلفنا فإن حجم المشتقات التي اسميت أيضاً بالأصول السامة Poisoned Assets من الحكومة الأمريكية نفسها قد بلغت حوالي 650 تريليون دولار . . رقم خرافي حينما نعلم أنه حوالي 50 مرة أكبر من حجم الاقتصاد الأمريكي السنوي . كذلك كانت هناك 6 .42 تريليون من سندات SWAPS علماً أن مجموع قيمة الشركات في سوق الأسهم الأمريكية هو آنذاك 5 .18 تريليون دولار .

 

ولقد خفضت البنوك شروط الاقتراض إلى درجة أنها كان تقرض من ليس له دخل ولا وظيفة ولا أصول (NINJI) وتم اختراع ما أسموه subprime mortgages أي الرهونات الضعيفة التي قاموا بدورهم بضمها إلى المشتقات كما أسلفنا .

 

كان النظام الاقتصادي المقامر الجديد يتطفل على الاقتصاد المنتج بواسطة مضاربات جعلت من الاقتصاد كازينو مقامرة . نتج عن تلك الممارسات الأزمة بعد الأزمة بدءاً بأزمات أمريكا اللاتينية بداية سنوات الثمانينات . في أواخر الثمانينات اضطرت الحكومة الفيدرالية للتدخل لمساعدة 650 بنكاً، لم تجد تلك المساعدة سوى أنها ساعدت المدخرين على سحب ودائعهم قبل انهيار تلك البنوك . كان هناك أيضاً انهيار بورصة الأسهم الأمريكية بواقع 30% من قيمتها في ساعات، وتبع ذلك انهيار بنوك الادخار ما كلّف دافعي الضرائب الأمريكي 250 مليار دولار لإنقاذها . كما أدت المضاربات إلى انهيار العملة المكسيكية في منتصف التسعينات، تلتها أزمة جنوب شرق آسيا، وكل ذلك نتيجة مضاربة قلّة من مضاربي العملات والأسهم في أسواق تلك البلدان تحت طائلة العولمة ما أدى إلى انهيار LTCM والذي اضطر البنك المركزي الأمريكي للتدخل لمنع انهيار شامل للنظام المالي . كما تم انهيار سوق نازداك سنة 000_B وإفلاس العديد من الشركات نتيجة انهيار فقاعة التسعينات والتي أرادت إدارة بوش بمعالجتها عن طريق فقاعة أكبر أوصلت الاقتصاد الأمريكي والعالمي إلى ما هو عليه منذ سنة 2008 .

 

هل الأمور ستحسن؟

 

لعل إلبرت انشتاين قد أجاب عن هذا السؤال بقوله “إن المشاكل التي نجابهها اليوم لا يمكن حلها من العقول التي سببتها” .

لكن المشكلة أن تلك العقول المسببة للأزمة هي التي عهد إليها لحلها وكذلك حسب القول الشعبي: حاميها حراميها . . . كذلك فهولاء هم من يمتلكون الولايات المتحدة!

 

من يمتلك الولايات المتحدة؟

 

السواد الأعظم من الأمريكيين     واحد في المائة من الأمريكيين

80% owns 8 .9%                Owns 38 .3% of the stocks

80 Owns 42 % of the financial wealth             % owns 7 %

90 Owns 60 .6 % of financial securities           % owns 1 .5 %

-108  90 % owns 6 .7%        Owns 62 .4% of the business equity

إذن من تم انقاذهم؟

 

إنهم هم نفسهم مالكو أمريكا ومسببو الأزمة أنفسهم ولكن تلك الأصول السامة ما زالت سامة، إلاّ أن الحكومة سمحت بإخراجها من ميزانيات البنوك خلافاً للأعراف البنكية لأنه لو تمت إضافتها إلى ميزانيات تلك البنوك لأصبحت كل البنوك الكبرى في الولايات المتحدة مفلسة بكافة المعايير البنكية .

ومع أزمة ديون أوروبا وتأثيراتها فالأمور ستصبح إلى الاسوأ .

وماذا عن بقية أمريكا .

 

- في دراسة للبروفيسور Elizabeth Warren بتاريخ 22 يناير 2010 فالمتوقع أن يتم الحجز على المنازل بنسبة 3 أضعاف ما كان عليه سنة 2009 في حين كان الحجز سنة 2009 ضعفي ما كان عليه سنة 2008

- كما أن أزمة العقارات التجارية (المكاتب) ستنفجر خلال هذه السنة .

- وأن نسبة البطالة ستكون أقل كثيراً من التوقعات .

- وأن أصحاب الواحد في المائة مالكي أمريكا سيتجهون إلى خفض الرواتب والمستحقات لهؤلاء المساكين الذين عانوا أصلاً من ممارساتهم . إن ما نراه اليوم ليس تباطؤاً، ولا كساداً- إنه أزمة نظام .

وما العمل: لعل ما قاله عيسى عليه السلام

“وذهب المسيح إلى الهيكل . . . وقلب طاولات تجار المال وقال لهم إن هيكلي هو للعبادة، لكنكم حوّلتموه إلى وكر للصوص” .

 

 

* محاضرة ألقيت في جامعة كولومبيا (مركز أبحاث الشرق الأوسط) يوم 30/5/0102

 

 

*** 

 

نقلها ربما بتصرف في بعض النقاط

سعد الدغمان





الاحد٠٨ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سعد الدغمان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة