شبكة ذي قار
عـاجـل










الزيارة السريعة التي قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى إلى غزة أطلق عليها بعض الديبلوماسيّين زيارة "رفع العتب". فهي لم تتجاوز اثنتي عشرة ساعة تخلّلتها بضعة لقاءات وبضعة تصريحات وبضع ابتسامات.


بضع.. وبضع.. وبضع..
ما الذي تمخّضت عنه الزيارة الأولى من نوعها للأمين العام إلى قطاع غزّة المحاصر؟ بل ما الذي كان يُنتظر أن تقدّمه الزيارة لأهل غزّة المحاصَرين الصابرين الصامدين؟ ولماذا رافقت الزيارةَ ضجّة إعلاميّة كبيرة وكأنّها فتح من زاوية ما؟ وهل نجحت زيارة السيّد موسى في استثمار المناخ السياسيّ الدوليّ لفتح ثغرة في جدار الحصار الشائك؟


بالتأكيد كان لإطلالة الأمين العام بعد رمزيّ لأنّ الأمر يتعلّق بأمين بيت العرب، فهي من هذه الجهة تُعتبر تجسيدا لتوافق عربيّ على كسر الحصار عن غزّة، وهي إلى ذلك تتجاوز نظريّا الإرادة إلى الفعل، وربّما تغري بالتطلّع إلى مرحلة جديدة من التعامل مع قضايانا تتّسم أساسا باعتبار مصلحة الأمّة العربيّة ومصلحة شعوبها قبل أيّ تحالف أو اتّفاق أو معاهدة أو التزام دوليّ..
طبعا.. كلّ هذا صحيح عندما نحتكم إلى البديهيّات النظريّة..


لكنّ الضرورة تقتضي تنزيل الزيارة في إطارها السياسيّ والتاريخيّ لاسيّما أنّها جاءت بعد الإدانة الدوليّة للكيان الصهيونيّ في أعقاب جريمته البشعة في عرض البحر المتوسّط.. أي أنّ العالم كلّه لم يكن يجرؤ على رفض الزيارة أو اتّهام القائمين بها بدعم حركة حماس أو مساندة الإرهاب أو معاداة الساميّة أو غيرها من التهم الجاهزة التي أصبحت فرائص الكثيرين ترتعد لها. ومعنى هذا أنّ عبور رفح إلى داخل القطاع المحاصر كان أمرا هيّنا، ولن يقدر أحد على الاعتراض عليه في ظروف كالتي مرّت بها المنطقة.


ويبقى الرهان الحقيقيّ قائما حول ما يتمّ الإعلان عنه أثناء الزيارة لاسيّما ما يتعلّق بالمبادرات الرامية إلى رفع الحصار وكذلك التصريحات ومدى ما تتّسم به من الجرأة وتجاوز المألوف والوقوف مع الحقّ العربيّ أي حقّ فلسطينيّي غزّة في فتح المعابر وكسر الحصار.


أفي حاجة نحن إلى التذكير بما قيل عن أنّ عمرو موسى لم يبادر بالزيارة لولا التحريض السوريّ الذي عبّر عنه مندوب سوريا الدائم لدى الجامعة وسفيرها في مصر، يوسف الأحمد، خلال الاجتماعين التحضيريّين اللذين انعقدا قبل التئام المجلس الوزاريّ العربيّ غداة ارتكاب "إسرائيل" مجزرتها على "أسطول الحرية"؟


الدبلوماسي العربي الذي نُقل عنه التحريض السوريّ قال إنّ عمرو موسى حاول التدخّل لفضّ خلاف بين المندوبين السوريّ والأردنيّ، فبادره السفير الأحمد قائلا: "ما بالك تلتزم الصمت إزاء ما جرى وأين تختفي تصريحاتك ومواقفك البطوليّة من القضيّة الفلسطينيّة التي نسمعها منك خارج الجلسات"؟ هل لنا أن نعرف منك لماذا لم تقم حتى الآن بزيارة قطاع غزّة على غرار ما فعله الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون بعد الحرب "الإسرائيليّة" عليها في العام 2008؟".


ما أهمّ ما قاله موسى في غزّة عن غزّة وحصارها الظالم؟ "نحن على اتّصال بعدد من الوزراء العرب من أجل اتّخاذ خطوات عربيّة لفكّ الحصار عن غزّة.. ونحن نحاول التعامل مع الحصار والانقسام أوّلا حتّى نتفرّغ لباقي القضايا.. كما أنّ أموال إعمار قطاع غزّة ما تزال موجودة لدى الجامعة العربيّة، لكنّها لن تُنفق إلا بعد تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام."


هذه في رأيي خلاصة ما قاله السيّد عمرو موسى خلال زيارته العجلى إلى غزّة. ولعلّها تغني عن المزيد. بل أعتقد أنّ بالإمكان توضيحها في نقطة مركزيّة: الحصار باق ما بقي الانقسام. أو بعبارة أخرى: المصالحة مقابل رفع الحصار. ويبدو أنّ الأمين العام الذي كان يعبّر عن موقف النظام الرسميّ العربيّ إنّما حاول التخفيف من وقع الكلام عبر الحديث عن محاولات وجهود وخطوات لرفع الحصار وهو يدرك تماما أنّ المصالحة التي تُقدَّم اليوم شرطا لإنهاء الحصار إنّما تعني في حقيقتها تفريطا في الثوابت واعترافا بالعدوّ وتنازلا عن حقّ العودة وخروجا بالصراع كلّه عن مداره الأصليّ إلى متاهات لن يكسب منها الفلسطينيّون غير مزيد الحرمان ومزيد التيه.


كان محرجا للسيّد عمرو موسى أن يجد نفسه يدافع عن موقف لا يمكن الدفاع عنه لأنّه فاقد لكلّ شرعيّة، مثلما كان محرجا له شخصيّا أن يزور قطاع غزّة وهو لا يملك شيئا ليقدّمه للصابرين في القطاع. لهذا جاء حديثه على غير اتّساق فيما بدا حديث السيّد محمود عبّاس رئيس سلطة رام الله واضحا وقاطعا. بل إنّ الموقف الرسميّ العربيّ الذي لم يستطع عمرو موسى أن يعلنه في غزّة تكفّل به أبو مازن في واشنطن عندما أكّد أنّه "لا ينكر الحقوق التاريخيّة لليهود في أرض فلسطين"، في نفس الوقت الذي دعا فيه الرئيسَ الأمريكيّ أوباما إلى "ضرورة إبقاء الحصار على قطاع غزة لأنّ رفع الحصار والمعاناة الإنسانيّة عن أهل القطاع من شأنه أن يقوِّيَ حركة حماس".


هذا الحصار الذي طال.. يُرفع.. أم لا يُرفع؟
عمرو موسى لا يمتلك إجابة.. عليكم بمحمود عبّاس.. فـ"عند جهينة الخبر اليقين".


akarimbenhmida@yahoo.com





الخميس٠٥ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٧ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكريم بن حميدة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة