شبكة ذي قار
عـاجـل










العراق كان محور ومركز الثقل السياسي والعسكري العربي في منطقة الشرق الأوسط منذ العقد السابع من القرن الماضي وحتى حينما كان منشغلا في حرب الثمان سنوات مع إيران الخمينية. التأمر العربي - الصهيوأمريكي عليه منذ وقبل دخوله الى محافظة كاظمة وبعد حرب عام 1991 وإنتهاءا بإحتلاله في التاسع من أبريل/نيسان عام 2003 من قبل القوات الأمريكية قد أنهى ذلك الدور في منطقتنا العربية وفي الأقاليم المجاورة بشكل كامل وحل محله دور القوى الإقليمية الصاعدة تركيا وإيران دون منازع جدي وحقيقي من أي قطر عربي ما عدا بعض الهرطقات الكلامية هنا وهناك التي أطلقها ويطلقها بعض المسؤولين العرب أثناء وبعد إنعقاد قممهم ولقائاتهم وجلساتهم الفارغة المحتوى. جراء ذلك الفراغ السياسي والعسكري بات المواطن العربي يركض وراء سراب أمواج الرمال المتحركة باحثا عن مخرج لضعفه المزمن في صحارى السياسة وعن مسند يتكأ عليه ليحمي ضعف عموده الفقري المنخور. فمرة يميل الى جارة السوء إيران الصفوية ومرة أخرى يميل الى تركية الخلافة العثمانية للخلاص من وضعه المتردي الذي تركه فيه حكام الأقطار العربية المارقين والغائصين لحد الأنوف في مستنقعات الذل والعمالة الأسنة.  

 

بعد إحتلال العراق، خنعت وسكتت دول عربية وجامعتها المستهلكة الخرقة عن التدخلات الإيرانية في العراق أو بالأحرى قايضتها بمباركة أمريكية لكي تلعب دور مركزي لتسهيل عملية الإحتلال والأعتراف به.  النفوذ الإيراني العلني والسري في العراق والمنطقة لم يقف عند حدود العراق الغربية أو الجنوبية بل إمتد الى دول عربية أخرى وسبب مشاكل طائفية ونزاعات داخلية فيها وخير أمثلة على ذلك هي ما حدث في اليمن، السعودية، لبنان وفلسطين المحتلة. من الجدير بالذكر في هذا السياق أنه أثناء وبعد الإعتداء الصهيوني على لبنان في 12 تموز عام 2006 وبسبب غياب نفوذ الدور العربي في مناصرة المقاومة اللبنانية أثنى الكثير في الشارع العربي على إيران ومال إليها الكثير أيضا من المثقفين العرب بسبب وقوفها الى جانب حزب الله اللبناني على الرغم من علمهم بالدور الإيراني القذر في المجازر التي قامت بها إستخباراتها وعملائها في العراق بحق الأبرياء من أبناء الشعب العراقي. جمهورية ملالي قم وطهران التي ساعدت الشيطان الأكبر في عملية إحتلال كل من أفغانستان والعراق لا تدخر وسعا إلا أن إستغلته كي توسع من مساحة نفوذها السياسي في المنطقة العربية وتكتسب من عملها نقاط سياسية دعائية تجعلها في عقول الجهلة والضعفاء والأغبياء والمأجورين من أبناء أمتنا المستضعفة بطلة وناصرة للحق العربي في أوقات العسر واليسر حيث أنها أخيرا إستغلت ظروف الهجوم الصهيوني على سفن قافلة الحرية والغضب العالمي على تلك القرصنة الإجرامية في مياه الملاحة الدولية وأعلنت أمس أنها ارسلت سفينة مساعدة الى أهالي غزة المحاصرة وكذلك صرح بعض المسؤولين الإيرانيين أنهم على إستعداد لإرسال قوات من حرس الثورة الإيرانية لمصاحبة وحماية سفن المساعدات الى غزة على الرغم من علمهم بأن هذا الشيئ مجرد مزاودات سياسية وعمل يستحيل تحقيقه لأسباب كثيرة.

 

صعود دور النفوذ السياسي التركي في منطقتنا العربية وتأثيره على مجمل الأحداث في العراق بدأ أولا، حينما رفضت تركيا عام 2003 السماح للقوات الأمريكية شن هجومها على العراق من أراضيها، ثانيا، كرد فعل على إزدياد النفوذ الإيراني في العراق بعد إحتلاله، وثالثا، تخوفها من تصعيد النزعات الإنفصالية لدى مواطنيها الأكراد بعد إحتلال العراق حيث ان شمال العراق أصبح مرتعا لتدريب وإختفاء كوادر الأحزاب والتجمعات الإنفصالية لأكراد تركيا. حيد هذا النفوذ وردع الأحزاب الكردية العميلة من إعلان الإنفصال وبناء دولة كردية مستقلة في شمال العراق. ساعد هذا النفوذ التركي أيضا على عقد لقاءات لبعض من مناصري المقاومة العراقية في أراضيها كطرف محايد،  وكذلك عملت تركيا كوسيط في محادثات سرية بين الكيان الصهيوني وسوريا.

 

النفوذ السياسي التركي أخذ منعطفا جديدا مناصرا للقضية الفلسطينية حينما أدانت تركيا الكيان الصهيوني -حليفها الإستراتيجي العسكري والإقتصادي في المنطقة- الذي شن حربا شعواء تدميرية على أهالي قطاع غزة في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2008 وانتهت في يناير/كانون الثاني 2009. صدمت إدارة رجب طيب أردوغان بهذا العدوان وزاد حنق الأتراك على الكيان الصهيوني بعد هجومه على قطاع غزة المحاصر في وقتها لأنهم كان يعملون كوسيط في محادثات سرية بين الكيان الصهيوني وسوريا وكانوا على وشك أعلان توصلهم الى نتائج إيجابية التي أفسدها تلك الحرب الإجرامية. الإنتقادات التركية لجرائم الكيان الصهيوني بحق أهالي غزة إنتقلت الى لقاء دافوس في سويسرا وكلنا نتذكر الجدل الذي حصل بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز. الشرخ الكبير الذي حصل في العلاقات التركية مع الكيان الصهيوني حدث بعد الهجوم المسلح الذي قامت به القوات البحرية الصهيونية على قافلة الحرية في المياه الدولية وإستشهاد ثمانية من المواطنين الأتراك ومواطن أمريكي من اصل تركي. هذا الدور السياسي التركي الإيجابي من ناحية مناصرة القضية الفلسطينية بعد أحداث غزة ومعانات شعبنا الفلسطيني المحاصر حدى بالشارع العربي الى الميل الى المنقذ الجديد لمأسي امة العرب المستضعفة لحد الذل بسبب تشتتها الغير علمي والغير منطقي. للعلم، أن قطاع غزة ليس فقط محاصرا من قبل الكيان الصهيوني بل أيضا من قبل جمهورية مصر المباركية التي تشارك الكيان الصهيوني في عملية تجويع وقتل شعبنا العربي الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة التي تمتد من هدم أنفاق التمويل والتموين الأرضية المحفورة على الحدود بين غزة والعريش، الى بناء الجدار الحديدي الذي يقطع هذه الأنفاق والى نشر الغازات السامة في الأنفاق لقتل العاملين فيها لكسر الحصار ناهيك عن منع المرضى الفلسطينيين من تلقي العلاج في مصر ومنع دخول مواد البناء الى غزة والى منع بعض المواد الغذائية والمواد الإستهلاكية الأخرى الى شعبنا المحاصر.

 

الفرق بين النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة هو أن جمهورية ملالي قم وطهران تبغي بناء الإمبيرطورية الفارسية الجديدة على حساب العرب من خلال إستغلال الدين الإسلامي وتصدير الأفكار العفنة للتشيع الصفوي ونظام ولاية الفقيه بينما النفوذ التركي يقتصر في الوقت الحاضر على المساندة السياسية والأخلاقية للقضية الفلسطينية التي تعتبر الباب الواسعة لتوسيع هذا النفوذ التركي مستقبلا سياسيا وأقتصاديا ولربما عسكريا أيضا في أقطار الوطن العربي جمعاء.

  

الفراغ السياسي والعسكري الذي خلفه إحتلال وتدمير العراق وفشل الولايات المتحدة في إحتواء المقاومة العراقية المسلحة الباسلة التي أفشلت المشروع الأمريكي في السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتقسيمها خدمة للكيان الصهيوني المسخ حدى ببعض الأصوات الأمريكية الى إعادة التنضيد والتنظير في عقد تحالف جديد بين الولايات المتحدة وتركيا وإيران من خلال حل المشاكل العالقة خصوصا بين إيران والولايات المتحدة من جهة وبين إيران والكيان الصهيوني من جهة أخرى والوصول الى صيغ تفاهم سياسية بين هذه الأطراف خدمة لمصلحهما المشتركة. من هذه الأصوات هو الكاتب ستيفن كنزر مراسل صحيفة نيويورك تايمز السابق ومؤلف عدة كتب منها :- (كل رجال الشاه: إنقلاب أمريكي وجذور الإرهاب الشرق أوسطي)، (الإطاحة: قرن أمريكا في تغيير النظام من هواي الى العراق)، (أخر كتاب له صدر في الأسبوع الماضي بعنوان إعادة: إيران وتركيا، ومستقبل أمريكا).

 

تحدث ستيفن كنزر أمس في مقابلة تلفزيونية مع مذيعة ديموكراسي ناو الأمريكية إمي جودمان حول كتابه الجديد ووجهة نظره من فكرة التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة وتركيا وأيران وعلاقة هذا التحالف مع الكيان الصهيوني. يقول ستيفن كنزر يجب على البلدان المشاركة في هذا التحالف الإنسجام والتناسب مع معيارين وهما: 

 

1-  يجب أن يكون لها أهداف إستراتيجية طويلة المدى التي تتطابق نسبيا مع أهدافنا. 

2- أن تكون مجتمعات هذه البلدان مشابهة لمجتمعنا لأن التحالفات والشراكات التي تستند فقط على علاقة النخبة الحاكمة وتحالفات حكومة الى حكومة تميل الى أن تكون ضعيفة في أغلب الأحيان لأن تلك الأنظمة التي نتحالف معها في أغلب الأحيان تكون غير شعبية في بلدانها. وبما أن شعوبها لا يودون أنظمتهم فهذه الكراهية قد تنعكس علينا.

 

إضافة الى ذلك، يقول ستيفن كنزر لو نظرت في جميع أنحاء الشرق الأوسط المسلم، لا يوجد سوى إثنين من البلدان التي تناسب هذين المعيارين -  الأهداف الإستراتيجية الطويلة الأجل المشابهة لأهدافنا والمجتمعات التي تتقاسم قيم مماثلة لقيمنا – وهذه البلدان هي إيران وتركيا. 

 

ستيفن كنزر ينظر بنظرة دونية للعرب ويختزلهم بدولة المملكة العربية السعودية وكأنها تمثل كل العرب لأنه لم يذكر أي قطر عربي أخر في كلامه سوى علاقة أمريكا بهذه المملكة. يقول، عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية أشعر حقا بأننا نخنق بوجودنا هناك. يقول أن الأهداف الإستراتيجية الطويلة الأمد لهذه البلاد غير واضحة جدا، وفي العديد من الحالات تتضارب مع أهدافنا، وليس لمجتمعها شيئ متعلق بالمجتمع الأمريكي.

 

ذكر ستيفن كنزر أيضا بأن الخلاف التركي مع الكيان الصهيوني بسبب أحداث غزة سوف لن يدوم لوقت طويل لأن وحسب إعتقاده أن الأتراك لا يبغون نهاية إسرائيل أو إحداث تغيير كبير فيها ولكن الذي يبغونه هو تغيير سياسة الكيان الصهيوني إتجاه غزة وإن هذا حصل فبلإمكان اصلاح هذه العلاقة. وقال أيضا أن العالم يحتاج الى تنازلات أمنية من إيران والعالم أيضا يحتاج الى تنازلات أمنية من قبل الكيان الصهيوني ولهذا فإنه من مصلحة الولايات المتحدة التي تريد إستقرار المنطقة أن تحاول جعل كل من إيران والكيان الصهيوني يشعران بالأمان.  

 

عزيزي القارئ الكريم أن الغاية من تنظير ستيفن كنزر حول مستقبل الشرق الأوسط وخصوصا مستقبل وطننا العربي الكبير هي إبعاد الولايات المتحدة عن تحالفاتها مع العالم العربي وخصوصا مع المملكة العربية السعودية التي يشبه هذه العلاقة بأبرة مغروسة في الذراع يجب سحبها وبدلا من ذلك على الولايات المتحدة إعادة تنضيد حساباتها من خلال عقد تحالفات جديدة مع إيران وتركيا للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط برمتها بالتعاون مع الكيان الصهيوني بعد حل المشاكل العالقة بينه وبين إيران وتركيا.

 

أخيرا وليس أخرا نقول متى يصحوا العرب من غفوتهم الأزلية لينظروا حولهم الى حالهم المزري الذي يهدد وجودهم والى الأبد قبل فوات الأوان.





الثلاثاء٠٣ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٥ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة