شبكة ذي قار
عـاجـل










إعداد : نور الدين المباركي ومحمد رضا السويسي

تونس / الوطن

 

في كتابه " الشرق الأوسط الجديد" قال رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز:" إن القوة في العقود القادمة في الجامعات وليس في الثكنات ".

هذه الجملة تُعد تلخيصا مكثفا للإستراتيجية الصهيونية في اختراق الأمّة من بوّابة الجامعات و الكليات ومراكز البحوث والدراسات. وهي بوّابة يدرك الكيان الصهيوني خطورتها و آثارها المستقبلية على ثقافة ووحدة الأمة. لذلك يرصد لها الأموال الطائلة ويبحث عن المداخل لها من خلال  الأكاديميين و الجامعيين والملتقيات و الندوات "العلمية" وغيرها.

 

أغلب الأكاديميين و الجامعيين في الوطن العربي و في تونس كانوا دائما واجهة متينة في التصدي لمحاولات الاختراق هذه وكشفوا من خلال البحوث والدراسات والكتب وعديد الفعاليات الأخرى أهداف الكيان الصهيوني و مخططاته والمسارب التي يحاول التسرب منها. لكن في المقابل نجح هذا الكيان في إيجاد موقع له بين عدد من الجامعيين أصبحوا أداته في اختراق الجامعات و الكليات من خلال المشاركة في الملتقيات "العلمية" و الندوات "الحضارية" وغير ذلك من اليافطات التي تحاول التغطية على الحقيقة التي هي التطبيع الأكاديمي و العلمي .

 

في تونس وبالرغم من قوة الموقف من الكيان الصهيوني والتطبيع معه على جميع الأصعدة فإن ذلك لم يمنع من "سقوط" بعض الجامعيين في بؤرة التطبيع الأكاديمي والدفاع عن ذلك بـ"شعارات" مفككة  و"مواقف" غير مؤسسة لا ترتقي إلى مستوى وجهة النظر الأكاديمية في التعامل مع موقف مّا.

 وبرز ذلك على وجه الخصوص خلال الجدل الذي أثير حول التنسيق بين بعض المؤرخين من كلية الآداب بمنوبة وبعض الباحثين الصهاينة من جامعة تل أبيب وبعض الجامعات الفرنسية منذ عقد التسعينات من القرن الماضي وحول  احتضان تونس المؤتمر الجغرافي الدولي ( 12-15 أوت 2008)  الذي حضره وفد من الكيان الصهيوني  شارك في جميع فعالياته وجلساته العلمية و الجدل حول اتحاد الجامعات المتوسطية الذي يضم بالإضافة إلى عدد من الجامعات الأوروبية، جامعات عربية في كل من مصر، سورية وبعض دول المغرب العربي منها تونس ، بالإضافة إلى جامعات صهيونية.والجدل الذي أثير مؤخرا على خلفية مشاركة الجامعي عدنان منصر  في ملتقى حضره أكاديميون صهاينة.

 

نعتقد أن  أية علاقات مهما كان شكلها ونوعها مع الكيان الصهيوني  هو تطبيع معه وخطوة ستتبعها بالضرورة ( والتجربة المصرية في هذا الصدد مهمة) خطوات تهدف إلى حصر القضية الفلسطينية في إطار ضيق، فيما تتوسع العلاقات مع الكيان الصهيوني على كل المستويات.لذلك فإن كشف مخاطر التطبيع الأكاديمي والعلمي مع الكيان الصهيوني وخاصة آثاره  المستقبلية يبقى مهمة ذات أهمية في الوقت الراهن.

في هذا الملف يدلي عدد من الجامعيين و الأكاديميين التونسيين بوجهة نظرهم حول التطبيع الأكاديمي والعلمي.


الأستاذ محمد الشّيباني (أستاذ الآداب العربيّة بكلية الآداب بصفاقس):

الحريّة الاكاديمية تقوم على عدم التعامل مع من تلطّخت أقلامهم بترويج ثقافة الموت والتشريد وهدم البيوت

لا بدّ من الإشارة إلى تعقّد مسألة التطبيع من حيث تنوّع المداخل لمباشرتها (سياسية ، عقائديّة ، تاريخيّة، اجتماعيّة،،،) وتعدّد انواعه (ثقافي، اقتصادي، سياسي،،،) وكيفيات تحقّقه (بصفة فردية أو جماعية مؤسساتية، عن طريق النخب او السلطة السياسيّة أو عن طريق الجماهير، بصفة مباشرة: وهنا يجدر الحديث عن تبنّ مطلق للتوجّهات الصهيونية وتصديق على منطلقاته الايديولوجية و ممارساتها التاريخية. او بصفة غير مباشرة عبر قنوات ووسائط قد نعلمها وقد نجهلها ولكنّنا في نهاية المطاف نقيم علاقة مع هذا الكيان)  وغاياته (براغماتية ضيّقة، او في سياق مشروع متكامل في تصوّراته وآلياته).

 

بالنسبة الى الواقع الجامعي في بلادنا  من الأكيد أنّ مانعلم به  على الأقل هي حالات   لها مواقف سياسية واضحة وتوجّهات بحثيّة محدّدة تدعم العلاقات بأنواعها مع المؤسسات السياسية والثقافية الجامعية الصهيونية. وهي مواقف لا يتردّد الكثير من أصحابها في الإعلان عنها وتبريرها بمسمّيات مختلفة أو التهوين من تبعات الانخراط فيها.

 

ومن جهة أخرى ثمة من الزملاء من أدين بالتطبيع مع الكيان الصهيوني والحال أنّه وجد نفسه من غير قصد منه – واعتبر هنا أنّ المواقف  السّابقة لهؤلاء من القضية الفلسطينية وحسن  نواياهم ثمّ توضيح مواقفهم  يشفع لهؤلاء-مشاركا في ملتقى او مساهما ببحث علمي في مجلّة أو منتميا لفريق بحث تخفى عنه – بحكم  نجاح  الطرف الصهيوني  في تدبير تغلغله في الفضاءات العلمية- أهدافه ومصادر تمويله  وارتباطاته بمجموعات الضغط الصهيونية العالمية.

 

وهنا يجدر التفكير في التنسيق بين لجان المقاطعة والعارفين بشبكات الدعاية الصهيونية وسماسرتها العرب ومن الغرب لإيجاد آلية لرصد هذه الدوائر وفضح أنشطتهاو" الإنذار المبكّر"  المنبّه الى برامجها. وفضلا عن هذا ينبغي إعداد قائمة  سوداء بأسماء رموز الدعاية الصهيونية وفضاءاتها العلمية والثقافية، وهذه مهمّة ليست هيّنة شأنها في ذلك شأن إعداد قائمة المنتوجات الاستهلاكية المصنّعة من الشركات ذات الانتماءات الصهيونية، لأنّ  التطبيع الاكاديمي  يبدأ من اقتناء وسائل البحث (من القلم والحاسوب الخ ) وصولا إلى الكتابة والمشاركة في الفضاءات العلمية مرورا بتبادل الزيارات والوفود وتوظيف نتائج البحوث والترويج لها.

 

ينبغي أن نؤكّد أنّ البحث العلمي عموما نفهمه في صلة بوظيفته الأكاديمية والثقافية الحضاريّة وتحديدا كما ينصّ على ذلك القانون  الخاص بالتعليم العالي لسنة1989 :" دعم التكامل المغاربي والتضامن العربي الاسلامي والتفاعل مع الثقافات العالمية" بما يعني صيانة مقوّمات الهويّة المنفتحة ودعمها. وبما يعني الانخراط في احترام الاختيارات والثوابت الوطنية والقومية.

 

إنّ المناداة بضرورة ترسيخ الحريات الأكاديمية لا يسوّغ  التورّط في اختيارات تنافي جوهر البحث العلمي الأصيل الذي من أخلاقياته وأهدافه نشر ثقافة القيم الإنسانية واحترام الحقوق الإنسانية الأساسية ومناهضة سياسة العنصرية والتشجيع على إقامة جدران الحقد والكراهية العازلة. زد على هذا تقوم الحريّة الاكاديمية على واجب  عدم التعامل مع من تلطّخت اقلامهم بترويج ثقافة الموت والتشريد وهدم البيوت و إدانة من وظّفوا بحوثهم لخدمة المطامع العسكرية الاستعمارية الإستيطانية، و التشهير بمن يتباهون بالتشريد ويمنعون  اللاّجئين من حقّهم في العودة.

 

وفي الجامعات الغربية اليوم ترتفع الكثير من الأصوات لدعم هذا التوجّه ، وهي تطالب بصدّ  اللّوبيات التي تمنع الكشف العلمي  عن مأساة الشعب الفلسطيني وتحاصر الجامعات الفلسطينية وتقلّل من فرص الترقية العلميّة للفلسطينين وتطلق الفزّاعات في كلّ مرّة لتشتكي من  معاداة الساميّة  ومن المحرقة النازية إلخ...

الجامعة بحاجة اليوم الى أن تستعيد دورها الحقيقي باعتبارها الخزّان الذي يزوّد المجتمع بالقيم ويوطّنه على احترام سيادته وتاريخه. والجامعي مطالب اليوم أكثر ممّا مضى بتجسيم شعار التضامن مع نفسه  من خلال دعم قضيّته الأمّ.


الأستاذ عبد الحميد الفهري ( أستاذ التاريخ بكلية الآداب بصفاقس وكاتب عام نقابة الأساتذة بالكلية):

أغلب الجامعيين ما زالوا ملزمين بمواقف وطنية و نقابية قومية تعتبر أن كلّ تطبيع مع الصهاينة يرفع الحرج عن قوى الطغيان في استباحة حرية شعبنا في فلسطين

ما زالت مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني تشكل مادة نقاش بين المثقفين كمحور لا يخلو من الجدية والخطورة في آن. وتتخذ هذه المسألة أبعادا أخرى عندما تهم الجامعيين بالذات. ويجدر التساؤل في هذا الصدد عن أسباب تركيز الأضواء على الجامعيين بالذات؟ فالمسألة تهم كافة الشرائح المحسوبة على النخبة من فنانين وكتاب ومبدعين وباحثين في سائر العلوم الصحيحة والإنسانية. فالمورطون في نهج الدعوة للتطبيع يختزلون كلّ هذه الأصناف ولا نستثن أحدا.

 

أمّا الجامعيون فهم منقسمين على صورة انقسام الوطن والنخبة والعرب عموما. منهم من يرى أن المقاطعة موقف متطرف ومتكلس، ومنهم من يرى أن دوافع مقاطعة الصهاينة لا زالت قائمة بكل أسبابها ومسبباتها. لكن الدهاء يتأتى من زمرة من بين أولائك الذين يتقنون الدخول من النافذة ، المعتمدين على رؤى تعتبر أن الجامعيين في مستوى البحث العلمي والإنتاج الأكاديمي غير معنيين بمواقف السياسة والسياسيين وبالتالي هم غير ملزمين بما يفرزه الاجتهاد الاديولوجي. ولا نذيع سرّا إذا قلنا أن لهؤلاء صلات بذوات من الصهاينة في أوروبا وفي داخل الكيان الصهيوني بالذات. لكن من جهة ثانية نعلم أيضا أن الأغلبية الساحقة من الجامعيين ما زالوا ملزمين بمواقف وطنية و نقابية وأخرى قومية تعتبر أن كلّ تطبيع مع الصهاينة في أي مستوى يرفع الحرج عن قوى الطغيان في استباحة حرية شعبنا في فلسطين. ونحن نتساءل هل أصاب الصم والعمى والبكم  الأكاديميين في الأراضي المحتلة أيام استباح الصهاينة الدم العربي ويوم مزق جيشهم الأهالي العزل إربا ونـُشر دمهم على أرضهم الزكية. هل استنكروا الجرائم ونددوا بالنازيين الجدد حتى نطبّع معهم؟

 

الأستاذ الهادي المثلوثي (باحث جامعي بقسم الجغرافيا، كلية الآداب، جامعة منوبة، تونس)

التطبيع اعتداء على الإرادة الوطنية والقومية وتحدّ سافر لحقوق الإنسان في مقاومة قوى الشر والاستعمار

إن من انخرط في التطبيع لن يخرج منه وإن استعاد وعيه وإرادته لأن من خان متعمدا وطامعا لن تقبل منه توبة ولا تحق به الشفقة. فما توشحوا به من أوسمة ذل ستظل تلتف حول أعناقهم إلى أن تقطع لهاثهم وتحشرهم في مركن المنبوذين. سيكفون بصرهم بعدما عمت بصيرتهم وستصم آذانهم بعدما وسوس فيها خناس بني صهيون ولن يرفعوا رؤوسهم ولا هاماتهم أمام بني وطنهم من زملائهم وطلبتهم، اللهم إذا بلغت بهم الجرأة مستوى أبي رغال في خيانة قومه لمصلحته الخاصة أو المالكي وزمرته التي داست مجد العراق وجلست على أنقاضه تشرعن تطبيع الاحتلال واستدامته.

 

والحقيقة التي لابد من ذكرها أن النجاح الوحيد الذي حققته زمرة التطبيع الجغرافي هو القدرة على مخادعة الكثير من الجغرافيين من خلال التعتيم الإعلامي حول المؤتمر والمشاركين فيه والدليل ما صرح به بعض المشاركين عندما سئلوا صحفيا عن موقفهم من مشاركة الوفد الصهيوني حيث كرر جميعهم أنهم لم يكونوا على علم بحضور الوفد الإسرائيلي. فهل بلغ المضي في التطبيع وإنجاحه درجة الإيقاع والتغرير بالجغرافيين لإحضارهم ووضعهم أمام الأمر الواقع أي "التطبيع عنوة" حيث تورط بعض الجغرافيين بوقوعهم في مصيدة التطبيع مع العلم أننا قد نبهنا واستشرنا واستفتينا العديد من الجغرافيين حول كيفية القطع مع الجغرافيين الصهاينة وسد منافذ التطبيع أمامهم لأن الجغرافيا ليست علما محايدا ومن يدعي غير ذلك فهو إما جاهل بدور علم الجغرافيا أو منافق أفاق منبت الأصول.

 

وعليه فإن الذين شاركوا وحضروا من أجل الجغرافيا وقصدهم الاستفادة العلمية والمعرفية فهم أخطر من الذين كشروا على أنيابهم واستخدموا كل مخالبهم ليكونوا أشد رعاة لمحافل ومنابر التطبيع. أما الذين غرر بهم أو هددوا بتعطيل مصالحهم وملفاتهم العلمية فهم معذورين لسببين الأول لأنهم قليلو التجربة والقضية تتعلق بمستقبلهم العلمي لأن الوصاية أو بالأحرى الاستبداد الأكاديمي لازال سلاح ضغط بيد البعض من إقطاعيي الحوزة الأكاديمية الذين يمسكون بملف الإشراف والترقيات العلمية، والسبب الثاني لأن من نصبوا أنفسهم قدوة في الحياد العلمي والدفاع عن الجغرافيا يمتلكون من أساليب المراوغة والتبرير أكثر مما يمتلكه أي صهيوني مندس. وهم بلا شك كانوا السبب في زج جمعية الجغرافيين التونسيين في معركة خاسرة وحولوها إلى مطية للتطبيع مع صهاينة الاتحاد الجغرافي الدولي صنيعة الاستعمار وأداته والدليل ليس ماضي الاتحاد وتاريخه الحافل بالمواقف العنصرية فقط وإنما مؤتمره الإقليمي القادم 2010 الذي سيعقد بتل أبيب دعما لجغرافيي الأرض الموعودة و"إسرائيل" الكبرى وتكريما للجغرافيين المطبعين وتنكيلا بالشعب الفلسطيني الذي اغتصبت جغرافيته وانتزعت أرضه ولازالت تسفك دماؤه.

 

وحتى يجد المطبّعون مبررا ولا يصيبهم حرجا عليهم التأسي بأن الحياد العلمي الذي يدعون يبيح الانبطاح والتعلم من جغرافية حكماء صهيون، وعليهم أيضا الاستعداد لتحمل تبعات انخراطهم في خدمة أعداء الإنسانية والتنكر لحقوق شعبهم بخروجهم عن الإجماع الوطني والقومي على رفض التطبيع ومقاومته. والخروج عن هذا الإجماع يستحق المحاسبة والتشهير والعزل سيما أن التطبيع قد أصبح داء معديا ولا مفر من تطهير الأوساط السياسية والثقافية والعلمية منه .

 

 ومن يمد يده إلى الكيان الصهيوني  ويطبّع معه راغبا أو مضطرا فهو بكل المقاييس ليس منا بل اختار بكل إصرار أن يكون خادما للأعداء وأن يفتح لهم طريق التطبيع ويمكنهم من اختراق النشاط الثقافي والعلمي في بلادنا التي استباحها العدو ونفذ فيها جريمته النكراء في مخيم حمام الشط للاجئين حيث اختلط دم الشهداء التونسيين بدم الشهداء الفلسطينيين كما تسللت عصاباته الدموية إلى أرض تونس منتهكة سيادتها واغتالت المناضل والقائد الفلسطيني أبي جهاد. رغم هذه الجرائم المفضوحة ضد أشقائنا وضد بلادنا لم تخجل زمرة التطبيع ولم تتأخر في احتضان الوفد الجغرافي الصهيوني وتكريمه بالحضور غير عابئة بمواقف الأغلبية الساحقة من الجغرافيين التونسيين والعرب وبمواقف المجتمع المدني والقوى النقابية والسياسية الرافضة للتطبيع. أليس في هذا الإصرار على التطبيع اعتداء على الإرادة الوطنية والقومية وتحدّ سافر لحقوق الإنسان في مقاومة قوى الشر والاستعمار؟.

 

 ملاحظة (النص من مقال الأستاذ المثلوثي تحت عنوان "التطبيع جريمة ولا بد من محاكمة شعبية للمطبعين" بتونس نشر بتاريخ 2 فيفري 2009 في مدونة المرصد الجامعي لمناهضة التطبيع الأكاديمي)


الأستاذ ماجد البرهومي: (محامي و مدرّس بالجامعة التونسية في اختصاص القانون):

"الإسرائيليون" يرغبون في حضور الملتقيات لتحسين صورتهم أمام العالم و التسويق لوجه جديد  لكيانهم

بداية يجب أن نوضح أننا نميز بين اليهودية والصهيونية حتى لا يفهمنا البعض  خطأ  و نفتخر بأن تونس أنجبت مناضلا كبيرا في حجم اليهودي التونسي جورج عدة  الذي ستبقى مواقفه المشرفة من القضية الفلسطينية إكليل مجد على روحه الطاهرة. كما ندرك جيدا أن هناك من اليهود عبر العالم من يساندون القضية الفلسطينية أكثر من كثير من الفلسطينيين والعرب ممن باعوا القضية وتخلوا عن النضال في سبيل مصالح آنية والأمثلة عديدة في هذا المجال ولا فائدة من ذكر الأسماء. كما تجب الإشارة إلى أن "إسرائيل" وصلت في عنصريتها و عنجهيتها إلى الحد الذي أثار كثيرا من اليهود في أوروبا و الولايات المتحدة غير الحاملين للفكر الصهيوني ضدها من أمثال القاضي غولدستون.

 

لذلك و أمام هذا الصلف "الإسرائيلي" والإستهتار بالحقوق العربية و الإعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية والمجازر البشعة التي ارتكبها الكيان الغاصب في لبنان وقطاع غزة المحاصر في السنوات الأخيرة حيث ازدادت و حشيته بشكل ملحوظ فإننا كأكادميين و باحثين جامعيين نرفض جميع أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.

 

فالجامعة التونسية العريقة والتي نفخر جميعا بالإنتماء إليها لم تنخرط و الحمد لله في أي شكل من أشكال التطبيع و التواصل مع أي من الجامعات "الإسرائيلية" كما فعلت بعض الجامعات في دول عربية أخرى وهو وسام شرف لهذه الجامعة التي أنجبت الكثير من النخب الطلائعية التي كان لها شأن في بلادنا  وفي عدد من بلدان العالم و من ذلك العالم  بوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" محمد الأوسط العياري.

 

إلا أننا للأسف  نسجل من حين لآخر بعض الممارسات الفردية من أكادميين تونسيين يحملون جنسية هذا البلد و نشؤوا فيه وترعرعوا بين ربوعه و نهلوا من ثقافته لا يتورعون عن الإتصال بنظراء لهم من حملة الفكر الصهيوني سواء من الحاملين للجنسية الإسرائيلية أو لجنسيات أخرى أوروبية و أمريكية على وجه الخصوص بتعلة الإستفادة من خبراتهم وتبادل التجارب و تطوير المعارف. وهي تعلات واهية و كلمة حق يراد بها باطل. لأن هناك من الأكادميين من غير الصهاينة بالجامعات الغربية من بالإمكان الإستفادة من مخزونهم المعرفي الهائل دون الإنخراط في التطبيع المجاني مع عنصريين وجب عزلهم لعدم قابليتهم للعيش المشترك مع الآخر والإعتراف بحقه في الوجود.

 

وعادة ما يكون التطبيع من خلال حضور ملتقيات و ندوات و مؤتمرات تنظم تحت عناوين براقة و تحت غطاء المتوسط أو ما يعرف بمنطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا بحسب تسمية الخارجية الأمريكية للمنطقة العربية يحضرها تونسيون وعرب تتم دعوتهم إلى جانب صهاينة من جامعات "إسرائيلية" عرف عنها عداؤها لمحيطها العربي من خلال الأفكار الهدامة التي تدرسها لطلبتها و التي ترفض التعايش مع الآخر و تحقر من شأن الحضارة العربية الإسلامية و تضع في أذهان طلبتها اليهود أنهم أرقى أنواع الجنس البشري. ويلتقي التونسيون و العرب بهؤلاء و يجلسون معهم جنبا إلى جنب ويناقشون معهم مواضيع تهم مسائل أكاديمية و تنشأ في الأثناء صداقات ويتقرب الحاضرون من بعضهم البعض و يتم الإتفاق على اللقاء في ندوات ومؤتمرات مماثلة.

 

ويرغب "الإسرائيليون" أكثر من غيرهم في حضور مثل هكذا ملتقيات لتحسين صورتهم أمام العالم والتسويق لوجه جديد  لكيانهم على أنه واحة للعلم والمعرفة مقبول و معترف به في محيطه الإقليمي وغير منبوذ و أن جرائمه مباحة و مشروعة وتدخل في خانة الدفاع عن النفس ما دام الجامعيون العرب يحضرون مع جامعييه جنبا إلى جنب ولا يترعون عن ربط الصداقات على مرأى ومسمع من النخب العالمية التي لا يمكن أن تدافع عن قضايانا و تكون ملكية أكثر من الملك.

 

جامعيّونا إذن مطالبون إما بمقاطعة مثل هكذا ملتقيات و عدم التورط مع هؤلاء في تطبيع مجاني وهذا أضعف الإيمان. وإما الحضور للتصدي لأكاذيب الصهاينة ومقارعة الحجة بالحجة معهم و فضح عنصريتهم أمام مثقفي العالم في مثل هكذا محافل أسوة برئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان و حادثته الشهيرة في دافوس من منطلق عدم ترك الكراسي شاغرة. أما الحضور السلبي الذي لا يقدم ولا يؤخر والذي يلتزم صاحبه الصمت ولا يرد على أكاذيب الصهاينة بشأن قضايانا العربية مثلما حصل مع الأستاذ الجامعي عدنان منصر حينما حضر ملتقى في برلين سنة 2007 تهجم فيه صهيوني يدعي مارك هيلر على العرب دون أن يحرك أستاذنا ساكنا، فإننا لا نقبل به بأي حال من الأحوال ونصنفه في خانة التطبيع الأكاديمي خاصة وأن أستاذنا ترأس جلسة فيها صهيونية ساوت بين جرائم دولتها البيئية بحق لبنان خلال حرب صائفة 2006 وبين بضع شجيرات أسقطتها صواريخ كاتيوشا المقاومة اللبنانية داخل الأراضي العربية المحتلة سنة 1948 ولم يتدخل لدحض أكاذيبها.

 

نحن إذن  ضدّ الحضور السلبي في مثل هكذا ملتقيات لأننا نملك من أسباب العلم و المعرفة الشيء الكثير و بإمكاننا مقارعة الصهاينة بما في ذلك مثقفيهم بكل ثقة في النفس لأننا أصحاب قضية عادلة و هي حقيقة يدركونها هم في قرارة أنفسهم كما حلفاؤهم من الأمريكيين والأوروبيين ولا نخشى في الحق لومة لائم. فإن قبل بنا حلفاؤهم الأوروبيون والأمريكان كما نحن و استمعوا لآرائنا و احترموها كنا شاكرين  وإن لم يقبلوا بنا و لم ينصتوا لهذه الآراء و رفضوها فحينها لن يشرفنا الجلوس إليهم  ما داموا لا يتقبلون العيش مع الآخر.

 

أما أن نداهنهم بالتزام الصمت على الأكاذيب التي يقومون بترويجها حتى يرضوا عنا لتحقيق مآرب سياسية وتسجيل نقاط على خصوم سياسيين ننتقد سلوكهم المتزلف للأمريكان باستمرار ثم نأتي بأفضع منه فهذا أمر غير مقبول وهو دون مكابرة تطبيع أكاديمي شئنا أم أبينا ووجب لمن قام به الإعتذار عنه وعدم العودة إليه مجددا.


الأستاذ الحبيب الجموسي (مدير قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – صفاقس):

التّطبيع الأكاديمي مع الأوساط الصهيونية مسألة سياسيّة لا علاقة لها بالبحث العلمي الأكاديمي الذي له ثوابته

هناك أمر أساسي وهو أنّه بقدر ما يجب التّحرّي في اتهام الأكاديميّين في تونس بهذه القضيّة التي تتفشّى وهي قضيّة التّطبيع مع الكيان الصّهيوني بقدر ما يجب أن نقف أمام هذه الظّاهرة.

 

يسهل الآن أن نوجّه أصابع الاتهام نحو أيّ كان شارك في ندوة دوليّة حضر فيها من دون علم له طرف يتعاطف مع الكيان الصهيوني أو من الكيان الصّهيوني نفسه، فقد يكون في الأمر تجنّي على هذا الشخص وقد حصلت عدّة مشاكل حول هذه القضيّة، لذلك يجب التّحرّي في الأمر وتحاشي الاتهام الكيدي في إطار صراعات سياسيّة أو إيديولوجية.

 

لكن هذا لا ينفي وجود الظّاهرة حيث بلغ الأمر ببعض الأكاديميّين حدّ زيارة الكيان الصّهيوني.

أنا أعتبر أنّ العمل الأكاديمي يجب أن يترفّع عن هذه القضايا، فكمؤرّخ لا يجب أن يشوب عملي الصّراعات السياسيّة الآنيّة.

ومن الطّبيعي أنّ السّياسة الموجّهة من الكيان الصّهيوني لجلب أكبر عدد من الأكاديميّين إلى صفّها وجلب تعاطف الشّعوب معها لا يمكن أن يكون من باب العلوم الصّحيحة لذلك نراها تركّز على ممثلي الإنسانيات من مؤرخين واجتماعيّين وجغرافيّين وفلاسفة فهؤلاء هم من يوجّه السّياسي والإيديولوجي ويحرّكه، فالسياسة الصهيونيّة متّجهة نحو هذه الشريحة في كل أرجاء الوطن العربي.

 

مثل هذه الثّغرات في الأوساط الأكاديميّة طبيعيّة وعاديّة وهي تعني أفرادا وليس مؤسّسات والأفراد غير معصومين من الوقوع في الخطإ أيّا كان موقعه العلمي أو الاجتماعي لكن لا يجب أن تتحوّل الحالات الفرديّة إلى ظاهرة اجتماعيّة.

 

إنّ المؤرّخ المتفطّن لمثل هذه المخاطر لا يمكن أن يقع فيها فالمؤرّخ في عمله الأكاديمي العلمي ينطلق من مصادر ووثائق ولا ينطلق من فرضيات أو أساطير ولا يمكن أن يسقط في التاريخ التّبريري لإيديولوجيات صهيونيّة أو غيرها.

 

 فقضيّة التّطبيع هي قضيّة سياسيّة عرضيّة لا مكان لها في التاريخ، أمّا بالنسبة لمحاولات طمس الهويّة سواء في تونس أو في الوطن العربي فهويّتنا الوطنيّة والحضاريّة أصبحت اليوم من الثوابت غير القابلة للاهتزاز.

 

ما نؤكّد عليه هو موقفنا المبدئي الرّافض لكل أشكال التّطبيع الأكاديمي مع الأوساط الصهيونية ونعتبر أنّ المسألة سياسيّة بحتة لا علاقة لها بالبحث العلمي الأكاديمي الذي له ثوابته المصدريّة والمنهجيّة بالنسبة للمؤرّخ والباحث في الإنسانيات عموما.

 

( المصدر: صحيفة "مواطنون"، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 134 بتاريخ 23 أفريل 2010 ).





الخميس٢٧ جمادي الاخر ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب جامعيّون وأكاديميّون تونسيّون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة