شبكة ذي قار
عـاجـل










بسم الله الرحمن الرحيم

 

حينما تتصارع قوى الظلام

 

الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي

 

حينما تتصارع قوى الشر والضلال وتتضارب مصالحها, تتأرجح التحالفات وتتحشد الإمكانيات وتتضاءل فرص التفاهمات في معركة حصاد سوء النيّات على أرض التراث والحضارات فلا يرجى من نتائج هذا الصراع خيراً للبلاد والعباد بل ناراً طاغية على كل المستويات حارقة لكل جميل في الحياة فاستنفار الطاقات امام المغريات لمنفعة الذات لا تعطي ثمارا ولا تزيل غبارا ولا تقود الى اصلاحات لأن نار الغيرة والانتقام وبركان التشفي تنتزع من الإنسان انسانيته فيَمْسي وحشاً همه الأول إشباع رغباته ونوازعه حتى لا يقوى على مغادرتها (لأن تطهير النيّة من الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد ) كما يقول الأمام علي عليه السلام.

 

ان التهافت على المناصب والصراع من أجلها ليس لأجل المنفعة العامة ومصلحة الوطن وحاجات المواطن بل لأن هذه المناصب أصبحت باباً مفتوحاً على مصراعيه للثراء وتراكم الثروة وازدهار الحال وزيادة الأموال مما أشعل ناراً لصراع حولها بين أقرب الناس في الطائفة الواحدة والحزب الواحد والمحافظة الواحدة ولهذا فلا خير للعراق في كل ما ستؤول اليه المناصب والمسؤوليات فالجميع بمختلف توجهاتهم وسلوكياتهم وعلى مدى عشرون عاماً لم نلمس منهم سوى الخراب والدمار والمال الحرام وقتل الأبرياء والتبعية وقلة الوفاء ولم يكن الخلاف بين الفاعلين السياسيين يدور حول مصلحة وطنية أو برنامج سياسي او أجندة اقتصادية أو برنامج تنموي بل كان الإختلاف سببه المنافع الذاتية والحزبية والمناطقية فلا نجد فرقاً يُذكر بين هذا وذاك فالشجرة واحدة مهما تعددت غصونها وتشابكت تفرعاتها والسواقي مهما تنوعت مساراتها فمنبعها واحد لذا فأني لن أجد مبرراً للتفاؤل حول مجريات الأحداث الذي تبديه بعض الشخصيات السياسية أو ما تتناوله بعض وسائل الإعلام المأجورة التي باتت تغرد بعيداً عن الحقيقة لتبين أنَّ مجرد التغيير في الشخصيات والأدوار يقود الى معالجة كل المعاناة والهموم التي يعاني منها العراق وشعبه وهذا مخالف للواقع وبعيداً عن الصواب وواقعية الخطاب فجميع المتحكِّمين بالمشهد السياسي العراقي اليوم ينتمون لطائفة سياسية وينفذون مناهج وأفكار طائفية ومذهبية أُختُزِلَت فيما بعد إلى مصالح شخصية وحزبية أفقدت جميع القوى السياسية المرتبطة بالنظام السياسي جمهوره وعرّته من ثياب الوطنية والإخلاص والنزاهة والتوجه الإنساني السليم ولا عودة للعراق ونهضته وأمنه وتنميته وإستقراره الا بالتغيير الشامل للمنهجيات والقواعد والبرامج التي يقوم عليها النظام السياسي القائم برمته وطرح أفكار تنموية بنّاءة تشترك فيه جميع القوى الوطنية بجميع مسمّياتها وتتحمل قيادة المرحلة القادمة بالتنسيق مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة والقوى الإقليمية الأخرى المحبة للعراق والساعية لسيادته وإستقراره وإمتلاك قراره الوطني تنطلق من أنّ مصلحة العراق وأهله فوق أي إعتبار في أي حوار أو تفاهم أو إتفاق دولي.

 

لقد سئمت جميع قطاعات الشعب المبتلى وتحملت ما لا يحتمل من قتل وتهجير وضياع حقوق تقودها أجندات خارجية بغيضة أدمت القلوب وهزت النفوس بدافع الطمع لإشباع شهواتهم الشيطانية غير عابئين بما يعانيه الناس بمن فيهم جمهورهم فلم يعد ينطوي على أحد رواج الحديث عن الديمقراطية والعدالة والمساواة والشفافية والمشاركة الجماهيرية فالعملاء والخونة لا يبنون دولاً ولا يسعدون شعوب لأن الحقد متجذر والظلم آثاره واضحة للعيان والمفسدون يرتعون بلا رقيب وأماكن الإيواء للظالمين والمفسدين آمنة وسياجاتها عالية وإنَّ الاصطفاف  معهم والركون اليهم خيانة للوطن والأمة وضياع للمشروع الوطني الجامع والسليم .

 

لقد حظي الإنسان العراقي برعاية شاملة وإهتمام جامع ومسافات متساوية في ظل أنظمة الحكم المتعاقبة على العراق وربما بدرجات متفاوتة حسب طبيعة النظام وعقيدته لكنها أجمعت على انّ روح الإنسان وحياته ومسكنه وعيشه الآمن من المحرمات التي لا يمكن تجاوزها كما أن الشفافية السياسية والنزاهة والوضوح والصراحة مع الشعب جوانب لا يمكن إغفالها لكي يطّلع الناس على ما يجري حولهم مهما كانت الأسباب .

 

يواجه الشعب العراقي اليوم نزاع مجتمعي واضح نتيجة السياسات الخاطئة المتبَّعة التي تهدد وحدة العراق والسلم المجتمعي فيه وينتهك حرية الفرد ويهين آدميته ويهدد حياته وأمنه ويفقده لأبسط حقوق المواطنة بأن يعيش على أرض يسكنها ومصدر رزق يكفيه وأسرته وخدمات مستقرِّة مُنظمة فعندما تضعف السلطة المركزية وتقصِّر في واجباتها تصبح حياة الفرد قلقة ومُضنية وكرامته مهدورة يفتك به الخارجون على القانون بما يمتلكونه من أسلحة مُرخَّصة تقتل وتجبر وتظلم على الهوية وتوغل في قطع أواصر الأخوة والمحبة والتكافل بين المجتمعات مدفوعة بأغراض نفعية وتفكير مناطقي طائفي مذهبي وشخصي وتنفذه أجندات خارجية لم يألفها المجتمع العراقي المتعاون والمُنفتح على بعضه حتى بات العراقي مشرداً في بلده ولا يحصل على عيش الكفاف وهو يرى مليارات الدولارات تتراقص في جيوب الفاسدين.

 

إن المطلوب من القوى الوطنية المجاهدة توحيد  الجهود لإكمال مسيرة الثورة الشعبية والجهاد في سبيل الله والوطن وادامة زخم وقوة الثوار المطالبين بأبسط حقوقهم فالثورة هي  التي تبعث في النفوس الأمل وتعيد للحياة بهجتها وللشعب حقوقه وآماله وللعراق هيبته ومكانته ولن نجني عند الاستكانة غير الضياع إن سلمنا بالأمر الواقع فبالأمس كان الخلاف في البصرة والناصرية واليوم في كركوك وغداً في الأنبار وهكذا إن لك نًحسِن التدبير  .

 

تبا ًلمن حارب العراق وشعبه ورهن إرادته لقوى تعادي كل ما هو عراقي وعربي وتحارب كل ما هو إنساني وتطعن في كل من هو نبيل ومخلص لوطنه وإمته ودينه.






الاربعاء ٢٠ صفر ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / أيلول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور شاكر عبد القهار الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة