شبكة ذي قار
عـاجـل










عيد العمال الذي فقد بريقه في لبنان

نبيل الزعبي

 

يحتفل العالم أجمع في الأول من أيار بالعيد العالمي للعمال الذي أصبح عيداً رسمياً للدول التي يحتفل عمالها به منذ العام ١٨٨٦ ، وتتحول المناسبة الى المزيد من تراكم الوعي النقابي للنضال العمالي وابراز قيادات عمالية جديدة تقذف بها ساحات المواجهة مع ارباب العمل الى الواجهة متحصنةً بحماسها والتزامها بقضايا من انتدبها لتمثيله ووجد فيها خير مدافعٍ عن حقوقه النقابية وتحسين سُبُل عيشه الكريم .

باستثناء لبنان ، نعم ، لانه ، ومنذ سنوات عديدة ، يكاد يكون ولوحده ، الدولة " النشاذ" التي لم يعد يعني عمالها العيد ، وما عادت الاحتفالات الهزيلة في هذه المناسبة ، سوى مظاهر مزيفة ، لا تهدف البتّة الى استنهاض الحركة العمالية ، وانما جلّ ما تسعى اليه القيادات " المُنَصّبة" على الطبقة العاملة ، هو المزيد من كسب رضى اولياء نعمتها وهي التي لم تكتفِ في الإمعان في ترويض الحركة العمالية والنقابية على مدى عشرات السنين وحسب ، وانما تراها  المثابرة على تدمير كل انجاز عمالي ونقابي تم تحقيقه في العقود المنصرمة المتراكمة وتحويل الوجهة النقابية لنضال عمال لبنان نحو الولاء المطلق لامراء الطوائف والمذاهب وزجهم في قطعان الولاء الاعمى التي يجد فيها العامل اللبناني نفسه مدافعاً شرساً عن مصالح رب العمل من ابناء طائفته الذي يمتص جهده وعرق جبينه ، بالقدر الذي يعادي فيه ، وبشراسةٍ ايضاً ، رفيقه في النضال الذي يعيش الحالة المعيشية المماثلة لدى "القطيع "الآخر .

هي دروب جلجلة الدم التي ينزف عمال لبنان على خشبتها منذ ما يقارب النصف قرنٍ من السنين ، يوم كان التواطؤ على ضرب لبنان الواحد الحر المستقل ، لا يمكن ان يتحقق الا بضرب الحركة العمالية اللبنانية ومصادرتها ، لسببين اساسيين :

- الاول ،انها الاكثر تمثيلاً للّبنانيين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم ، والعابرة بجدارة للمناطق والمدن والدساكر والقرى ، وبالتالي ، فإن ضرب هذا التوحُّد الخلّاق سيقودها الى التشرذم الاكيد ،  فتكون اداةً طيّعة لكل المشاريع التقسيمية الجاهزة ، التي اتخذت طابع حرب الشوارع سنتي ١٩٧٥/١٩٧٦ ، وتطل علينا اليوم تحت " يافطة" الفدرلة واللامركزية المالية الموسعة، 

- الثاني ، ان انتزاع الحرية النقابية المسؤولة من كَنَف الحركة العمالية ومصادرة قرارها المستقل ، سيجعلها حتماً رهينة قوى الامر الواقع السياسي ، القائم بحدود معازله الكانتونية المرسومة "وطناً " بديلاً لكل طائفة من الطوائف عن الوطن السيادي الموحَّد والموحِّد ( بفتح الحاء في الأولى وكسرها في الثانية ) .

من اجل ذلك ، كانت مصالح المنظومة السياسية الفاسدة الحاكمة تقتضي ان يتمثل عمال لبنان بقيادات ضعيفة ،  لا تاريخ لها ، قزمة الفكر وضحلةالثقافة النقابية والممارسة النضالية ، اين هي ، من قيادات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ،  امثال المناضلين النقابيين  انطوان بشارة،

مصطفى العريس ، معروف سعد ، حسيب عبدالجواد ، الياس البواري ،اميرة حرُّوق ، الياس ابو رزق وغيرهم وغيرهم ممن كانت دعواتهم للنزول الى الشارع بمثابة الزلزال الذي يهز السلطة واجهزتها لتقف عند مطالبهم اذعاناً ، لا اختياراً منها .

واذا كان من مؤسسات وطنية يفاخر بها اللبنانيون اليوم ، فانما بفضل جنود مجهولين امثال هؤلاء الذين حملوا يوماً صفة القائد العمالي والنقابي المثقف ، الواعي الحر ،المستقل الارادة والمؤطر تحت السقف الوطني الكبير بحدود لبنان ومساحته ال١٠٤٥٢ كلم مربع .

لنُلقِ نظرةً ثاقبةً اليوم الى الطبقة العاملة في لبنان ومن يمثلُها من نقابات وهمية تجمع بينها اتحادات صورية ، لندرك مدى التغييب المبرمج والمنظّم لتشتيت النضال العمالي وحرف مساره التاريخي وكيف يتقزّم تحت اجنحة المذاهب والمِلَل وميليشيا السلطة والمال وعتبات بيوت السياسيين وامراء الازمات والتجييش الطائفي ، يعبّر عن ذلك ، تلك التخمة الهائلة في تفقيس وتفريخ النقابة تلو الاخرى والاتحاد اثر الاتحاد وكلها لا يخرج عن نطاق الاسماء الوهمية والدمى  الكرتونية الاشبه ب" الكاريكوز" الذي لا يصلح ، بالنسبة اليهم ،سوى في مناسبات التمثيل والتهريج كما هي "الهمروجات" التي يقيمونها في الاول من ايار ، عاماً بعد عام .

لا يعني ما تقدّم ، ان الساحة اللبنانية قد خلت اليوم من قيادات نقابية وعمالية تستحق كل الدعم والاحترام والتقدير وتقديم الجهود من مختلف القوى الحيّة لها  وتعزيز دورها الريادي وهي تحفر في الصخر ولم تزل ، في سبيل اعادة الاعتبار الى النضال المطلبي اللبناني واعادة بوصلة العمل النقابي الى وجهتها الاساسية في المصانع والمعامل والمؤسسات العامة والخاصة  وكل ساحات لبنان التي تحنُّ اليوم الى زمن النضال الجميل لكل عمال لبنان ونقابييه ولسان حال الجميع يهتف وبالفم الملآن : اتحدُّوا !






الاثنين ١١ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / أيــار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة