شبكة ذي قار
عـاجـل










المُرعِبُون في النار

نبيل الزعبي

 

من المعروف دائماً أن في العلم قوة، يجب أن تطرد الخوف وليس العكس كما يجري حالياً من وضع العلم جانباً واللجوء إلى واحدٍ من أمرين:

- اللجوء الى الغيبيات ورمي المسؤولية على المجهول.

-أو التنكُّب بإحالة ما يجرى على المؤامرة، وفي كلا الجهتين لا مفرّ من مُغَيّبٍ واحد هو العقل.

إلى هذه اللحظة، لم تكلّ أو تملُ الأصوات التي تصدع رؤوسنا بعد حدوث الزلزال المدمِّر الذي ضرب جنوب تركيا والشمال -الغرب السوري وتحولت الفضائيات إلى سوق عكاظ يتبارى على أثيرها متنبّئون ومحلّلُون ساهم عدد كبير منهم في تدمير أعصاب الناس بالشكل الذي لم يقدر عليه جهابذة المتآمرين، ومنهم من لجأ إلى الدين موبخاً الناس في وضعهم على خانة غير المؤمنين دفعةً واحدة، إن لم يكونوا كَفَرَة يستحقون ما يصيبهم من أذىً وضرر طالما هم بعيدون عن الخالق عزّ وجلّ.

لم يكتفِ هؤلاء بالتلاعب بأعصاب الناس، وإنما لجأوا إلى تبني كل إشاعةٍ تزيد من هلعهم وخوفهم، إن لم يكونوا قد شاركوا في تلفيقها وكأن ذلك لا يخضع للقوانين الإلهية التي تعتبر " المرعبون في النار " أو القوانين الوضعية التي تمنع المس بالأمن الاجتماعي الوطني ويحدد العقوبات الزاجرة على صانعي الإشاعات ومروّجيها، وخطر هؤلاء لا يقل عن خطر المتاجرين بالمخدرات والممنوعات ومروّجيها، وفي القصاص منهم حياةُ للمجتمع والأمن العام قبل أي أمنٍ آخر.

في كلمته القومية الجامعة التي توجه بها إلى مواطنيه بعد أقل من ثلاثة أسابيع على الكارثة المدمّرة التي حلّت في بلاده، ابتدأ الرئيس التركي بالقول وحرفياً: شركتنا الإنشائية "توكي" التي أنشأناها بعرق الجبين، لم تُصَب مبانيها بأي ضرر من الزلزال"، فيما كشفت التحقيقات المتواصلة حجم الغش في البناء وأن أعمدة مصنوعة من بلوكات القرميد كانت تُستَخدَم في البناء وذلك كان السبب المباشر لسقوط ٤٤% من الأبنية.

ومن تابع ما صدر عن السلطات التركية في الأيام الأولى للزلزال من إصدار 113 مذكرة اعتقال بشأن تشييد مبان مخالفة لمعايير البناء انهارت في زلزال يوم الإثنين السادس من شباط ، يضع أصابع الاتهام عن المسؤول الأساس في حصول الكارثة والتي تحولت اليوم إلى جدال سياسي واسع بين الحكومة التركية ومعارضيها ولم يُشِر أي من الطرفين إلى أسبابٍ أخرى غير الفساد وراء ما حصل أو يرمون بالمسؤولية على شماعة الغيب أو استحضار أكثر من سيناريو متخيّل صدعت الرؤوس وزادت من الرعب لتترك عقول البشر رهن التنبؤات وهم الذين لم يستفيقوا بعد من جولات التنجيم والشعوذة التي لم تخلُ منها الشاشات مع مطلع العام الجديد.

ليت السلطات الحاكمة في عالمنا الثالث ومنها لبنان تضع حداً لكل ما يفتك بأعصاب شعوبها وتطلع عليهم بمواقف علمية تخاطب العقل وتشرح بالنهج العلمي ما يحصل وما هو متوجب القيام به سواء لناحية الارشاد والتوجيه، أو تكثيف الإشراف المركزي والبلدي على الأبنية المتصدعة المهددة بالانهيار وهذه لوحدها تستدعي هبّة وطنية جامعة تُستَنفَر لها الطاقات الهندسية والتعاضد الاجتماعي بشكل أساسي والاستفادة من خبرات الدول  المتقدمة التي تعاني من الزلازل أضعاف أضعاف ما يجري على خط الحزام الجيولوجي الذي يمر بمنطقتنا ، لا سيّما (اليابان التي تتعرض المدن فيها إلى مئات الزلازل والهزات يومياً بسبب موقعها الجغرافي على طول منطقة "الحزام الناري" التي تشبه حدوة حصان وتتبع حافة في المحيط الهندي تنشط على خط زلازل وانفجارات بركانية بين الأكبر في العالم، ودفع الخطر المستمر من التعرض لزلازل، سلطات اليابان إلى ابتكار طرق مختلفة لحماية الأبنية والبنى التحتية، وتصنّف طوكيو منذ عام 2017، بأنها "أكثر المدن أماناً في العالم" في مؤشر المدن الآمنة التابع لوحدة المعلومات الاقتصادية، وتأتي بعدها سنغافورة)، كما تؤكد الدراسات المنشورة على عدة مواقع علمية ورزينة.وفيما تعد حماية الناس من الزلازل أمراً ضرورياً في العديد من المدن، فإن لبنان يقدم نموذجاً صارخاً لمختلف ألوان الفساد اللاحق بالأبنية المتصدّعة الآيلة للسقوط، وتتحمل السلطات الحكومية المتعاقبة المسؤولية الكاملة حول مختلف الأضرار السابقة بالأبنية التي أُعطِيَت التراخيص لها دون الالتزام بالمعايير الهندسية والإنشائية المقاومة للزلازل أو الأخرى التي تُرِكَت على ما هي عليه منذ عقودٍ متعاقبة من السنين دون صيانة وترميم وتدعيم لأساساتها ، لنذكر في هذا المجال مئات الأبنية التي تضع وزارة الثقافة اليد عليها ، فلا هي تسمح بهدمها ، ولا بمقدور المالك ترميمها على نفقته ، وتُرِكَت مهجورة تعصف بها الرياح والعواصف لتصبح بمثابة القنابل الموقوتة المهدِّدَّة بقتل الناس في أية لحظة.

 فلتتَّقِ الدولة الله في شعبها، وليتَّقِ تجار الدين، الناس في تمسكهم بمعتقداتهم وعدم استغلال قلّة حيلتهم إزاء ما يواجهون من كوارث، عليهم أن يكونوا عوناً لهم، لا عليهم في تجاوزها، وليتذكروا دوماً أن المُرعِبِين ملعونون في الدنيا والآخرة، وإن أفضل العقول، عقلُّ، لا يمل البحث عن الحقيقة.






الاربعاء ١٦ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة