الافتتاحية

في ذكرى تحرير الفاو...

 يوم صهلت خيولنا اليعربية الغَلَّابة

قد فاض قوس الصبر في صدور الرجال، وأرهقهم ثقل الزمن المحمل بالغيض، حيث يرون الأرض المطلية بالملح والمنقوش في أرجائها الخضاب تدنسها أقدام الفرس الغزاة. كانت غيرة العراق تغلي في محاجر العيون وفي أخمص الأقدام وأكف الأذرع توقاً وشوقاً لساعة الصولة.

كان الرهان معلناً على العالم كله، فالخمينية تراهن على تصدير الثورة وترى في احتلال الفاو منجزاً من أهم ما حققته في ست سنوات من القتال الذي سالت فيه أنهار من الدماء، وسقطت فيه في جوف سفر الحرب خسائر وتضحيات عصية على الإحصاء.

كان رهان خميني يتجسد في عيونه الملونة بجمر الأحقاد، ويراه ممكن الفوز ما دامت أرض الفاو مدنسة بأقدام الفرس المجوس الأراذل الغزاة.

وكان الرهان العراقي رهان المؤمن الصابر المحتسب الذي انسلت خناجر الغدر إلى خاصرته غيلة وفي ظلام دامس وبيئة رخوة هشة، كان رهان المقتدر الذي غلبته الأقدار في لحظة من زمن غاب عنه الضياء ونأت عنه الأنوار.

رهان العراق على إعداد العدة من قوة مستطاعة تحت المنال غير أن ترتيبها يتطلب القبض على جمر الصبر والتأني والروية ومن رباط الخيل التي تداعت تصهل بحروف عدنانية قحطانية هاشمية عربية صادحة بالرعب تبثه رويداً رويداً بوقع حوافرها الأصيلة النقية الواثقة.

كانت الفاو رهان العقيدتين:

الإيرانية الفارسية المجوسية الشعوبية الاحتلالية العدوانية، والعراقية العربية التحررية الإنسانية المغروس فيها شرف الكرامة ومياه السيادة وزرع الإقدام والبسالة المدافعة عن الأرض والعرض.

تجشمت صدور الفرسان عناء تحمل صبر الإعداد للحظة الفوز المبين المكفول بأمر الله سبحانه، والمؤيد بإرادته جل في علاه، المغروسة في ضمير القائد وجنده، وفي ضمائر الرفاق وشعبهم الأبي المتعطش للحظة إعلان صولة الفرسان في معركة الحسم الأعظم عبر صهيل خيولهم اليعربية.

وكانت معركة تحرير الفاو

ليس طرداً للأقدام النجسة وتطهيراً لبحر الملح والحناء في أرض الفاو فحسب بل كسراً لظهر خميني وإيران المحتلة المعتدية، وتقديماً لكؤوس السم الزعاف التي شربها الدجال وغرق بها بلعومه وصدره، وضاعت معها أحلام كسرى ونعيق الغربان.

كانت الفاو نصراً للفاو وللبصرة وللعراق كله، بل كانت فتحاً مبيناً لكل حر شريف عربي وفي كل الإنسانية.

وظل صهيل خيولنا يتغنى: الله أكبر، وخسئ الخاسئون.