شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي : محطات من نضالاته

 

تعود يوم الغد الذكرى 75 لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أعلن عن تأسيسه في دمشق يوم 7 أفريل (نيسان) 1947. وكانت ولادته في ظروف وإرهاصات محلية ودولية غير عادية. ونجح الحزب طيلة تاريخه في تحقيق العديد من الانجازات كما عرف العديد من الكبوات تعود إلى عوامل داخلية وأخرى خارجية لم تنجح في إنهاء وجوده  رغم خروجه من سدة الحكم وعودته إلى النضال في صفوف الجماهير التي لازالت تعتقد في أنه البديل الحقيقي لمشاكل الأمة العربية والحل الانجع لقضاياها الراهنة وفي المستقبل.

1/ظروف ودواعي التأسيس : لم تكن نشأة حزب البعث العربي الاشتراكي لترف فكري بل فرضه واقع الأمة العربية والوطن العربي خلال النصف الأول من القرن 20. فقد كانت المنطقة قد خضعت لواقع التجزئة الذي فرضته اتفاقية سايكس- بيكو التي قسمت منطقة المشرق العربي بين القوى المنتصر في الحرب العالمية الأولى والتي كانت خاضعة لنفوذ الدولة العثمانية ( الرجل المريض) التي انهزمت أمام بريطانيا وفرنسا التي وجدت في نفسها الاحق بوراثة ممتلكات السلطان العثماني. أما بقية مناطق الوطن العربي من المغرب إلى الخليج فقد كانت خاضعة للإحتلال المباشر أو غير المباشر . وكانت فلسطين قد تقرر مصيرها من خلال وعد بلفور المشؤوم (1917) الذي وعد الحركة الصهيونية بأن تصبح وطنا قوميا لليهود . وكانت الأمة العربية وقتئذ تشهد واقعا إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا متخلفا ، فقد سادت أنماط الإنتاج ماقبل الرأسمالية، زراعة متخلفة يحكمها الاقطاع و تسودها الأمية والجهل من سيطرة الخرافة والطرق الصوفية نتيجة عقود من سيطرة الدولة العثمانية، وكانت خيرات الأمة نهبا للقوى ورأس المال الاستعماري الذي ساهم في خلق طبقة محلية من المنتفعين الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح الاستعمار. لذلك دعى حزب البعث الذي هدف إلى بعث الأمة العربية أي إلى نهضتها وتقدمها من خلال توحيد الوطن العربي في دولة واحدة بزوال الحدود المصطنعة التي فرضها الاستعمار والفئات المنتفعة من وجوده . شعاره "وحدة، حرية، اشتراكية"، يرمز إلى وحدة الأمة العربية والتحرر من السيطرة والتدخل الأجنبي ومن الاستغلال بإعتماد قدرات الأمة و تحرير الفرد العربي من عوامل التخلف والانحطاط. كما كانت قضية فلسطين محور نضالات البعث إيمانا بأن فلسطين طريق إلى الوحدة والوحدة طريق إلى فلسطين.

2/ محطات َمن نضال البعث : عمل حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه إن كان في السلطة أو خارجها على تجسيد شعاره "  أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" وأهدافه في الوحدة والحرية و الاشتراكية على أرض الواقع وإن كان الفشل في تجسيد هذه الأهداف وفق رؤية الحزب يعود إلى خطأ في الممارسة وليس عجز في الفكر فإن قوى الصد الداخلية والمؤامرات الخارجية كانت وراء عدم تحقيق أهداف الحزب كما آمن بها البعثيون. فإن الحزب قد نجح في تحقيق العديد من أهدافه  ونقتصر على الإشارة لبعضها من باب الذكر ولا الحصر :

* في الوحدة : آمن حزب البعث العربي الاشتراكي بالوحدة العربية كقاعدة لتحقيق نهضة الأمة وتقدمها وإكتساب عوامل القوة على أساس التكامل بين مختلف أقاليم الوطن العربي الذي يتوفر على ثروات ومقدرات هائلة منجمية وطاقية و طبيعية وبشرية و استراتيجية و يوفر موقع الوطن العربي الذي يتوسط ثلاث قارات ويشرف على عدة بحار ومحيطات ويتحكم في عدة مضائق وفي طرق التجارة الدولية وأهمها قناة السويس. ومن أجل تحقيق الوحدة اضطر الحزب على حل نفسه تنفيذا لشرط عبد الناصر بحل جميع الأحزاب فقامت الجمهورية العربية المتحدة التي آمن الوحدويون أن تكون قاعدة لوحدة بقية أجزاء الوطن العربي لكن الرجعية العربية وتآمر قوى الاستعمار وبعض أخطاء الممارسة أفشل المشروع الوحدوي الأول لكن ذلك لم يوقف سعى البعث على تحقيق الوحدة التي تبقى من أسمى أهداف الحزب. فقد عمل الحزب على تحقيق الوحدة اليمنية و المحافظة على وحدة السودان التي فرط فيها نظام عمر البشير الإخواني كما دعم اتحاد دول المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي وتصدى لمحاولة تفكيك موريطانيا.

* في الحرية : على خلاف ما يعتقده البعض وخاصة المغرضين فقد آمن حزب البعث بالديمقراطية والتعددية والحياة البرلمانية وقد حقق الحزب بعد تأسيسه في أول انتخابات برلمانية في سوريا نجاحاً نسبيا، وأصبح البعث ثاني أكبر الأحزاب في البرلمان السوري في الانتخابات التشريعية السورية 1954. لكن وجود قوى رجعية وأحزاب ليبرالية وأخرى معادية للوحدة العربية جعلت الحزب يتفرد بالسلطة رغم تجربة الجبهة الوطنية و القومية التقدمية التي نشأت في كل من سوريا والعراق. كما أصدر الحزب قانون الحكم الذاتي الذي منح حقوقا للشعب الكردي لم تمنح لنظرائهم في تركيا وايران لكن التدخل الخارجي في عهد الشاه و التدخل الامبريالي و الصهيوني أفشل المشروع الذي أنهته الحرب العراقية الايرانية التي فرضها نظام الملالي الطائفي في إيران. ولازال حزب البعث في السودان و موريطانيا وتونس بعد 2011 يؤمن بالتعددية ويشارك في الانتخابات التشريعية. كما لا يزال الحزب في العراق بعد خروجه من السلطة نتيجة التدخل المباشر للامبريالية بقيادة الولايات المتحدة يناضل  في السرية ضد النظام الطائفي المنصب رغم الحضر وتتبع مناضليه بالقتل  والاعتقال من أجل عملية سياسية وطنية تشترك فيها كل القوى الوطنية المؤمنة بوحدة العراق وسيادته.

* /في الاشتراكية : لا شك أن جوهر الاشتراكية  كما آمن بها البعث هو تحرير الإنسان من الاستغلال و العبودية لذلك عمل الحزب في كل من سوريا والعراق على ضرب الاقطاع من خلال اعلان قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد الملكية الزراعية و قام بتوزيع الأراضي على المزارعين وتأميم النفط والثروات الطبيعية و البنوك قصد ضرب الاحتكارات الأجنبية وإقامة بنية تحتية للنهوض بالصناعة و الزراعة من سدود وطاقة وغيرها ونجحت سوريا والعراق في وقت ما على تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي و الصناعي لولا الحروب التي خربت كل شئ.

* في بناء الإنسان والتحرر الإجتماعي : آمن حزب البعث أن تحقيق أهدافه يمر حتما  عبر بناء الإنسان الذي هو محور النهضة والتقدم ومن خلاله تتحقق أهداف الحزب. فقام الحزب بنشر التعليم وتعميمه ومجانيته من الابتدائي إلى الجامعة، وأنشأ الجامعات في كل المحافظات لتكون في متناول الجميع حتى الطلبة العرب التي فتحت أبوابها لهم دون تحديد عددهم. كما أصبح العلاج مجانيا للجميع حتى تم القضاء على كل الأمراض السارية تحت نفقة الدولة التي أطلقت مشروعا لمحو الأمية كان الانجح في العالم بشهادة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم.

* دور حزب البعث في تدعيم التعريب :  إذا كان مشروع الوحدة لم يتحقق كما أمل الحزب فقد ساهم من جهة أخرى في تدعيم مشروع التعريب في العديد من الأقطار التي كانت خارجة من الاستعمار لتوها وتتجاذبها التأثير آت الثقافية الاستعمارية ومنها موريطانيا  والمغرب الأقصى والجزائر والسودان وتونس التي راهنت فيها فرنسا على ترسيخ لغتها وتثبيتها حيث ساعد العراق على بناء العديد من الكليات في الأقطار ذات الموارد المحدودة مثل موريطانيا وتونس كما يتذكر جيل السبعينات في تونس أن برامج وكتب التاريخ و الجغرافيا و الفلسفة كانت هدية من العراق إلى الشعب التونسي بعدما كانت هذه المواد تدرس بالفرنسية.

إن إنجازات حزب البعث العربي الاشتراكي عديدة ولا مجال لحصرها ولذلك لايزال فكر البعث ولازالت طلائعه تؤمن أنه البديل الحقيقي لواقع الأمة المشرذم وأن لا خلاص لأمتنا وانعتاقها وتحررها إلا بإعتماده نهجا وأسلوبا. فتحية لمناضلى البعث في كل شبر من أرضنا العربية وتحية لحزب البعث العربي الاشتراكي في ذكرى تأسيسه و المجد والخلود لشهدائه الذين آمنوا به حزبا تقدميا طليعيا ومناضلا.

**  عبد العزيز بوعزي- القصرين / تونس - 7 أفريل 2022 **

 

 






الاثنين ٩ رمضــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / نيســان / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد العزيز بوعزي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة