شبكة ذي قار
عـاجـل










بين ماضي العراق المجيد وحاضره المرير

 

دأبت الشعوب التي تنشد التقدم والازدهار والارتقاء بنفسها تعمل على إرساء ثقافة التسامح والتسامي عن الجراح من أجل مستقبل واعد لأبنائها ومن أجل بناء وحدتها الوطنية و أسوق في هذا الصدد عديد الأمثلة التي تؤكد ما ذهبت إليه ، فقد عرفت الولايات المتحدة الأمريكية التي تُعدّ اليوم من الدول الكبرى بل تتزعم العالم من حيث القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي،  صراعات وحروب طاحنة منها حرب الاستقلال الي وقعت بين 1763 و 1783 بين  الثلاثة عشر ولاية و وانجلترا و الحرب الأهلية الأمريكية، التي حدثت في الفترة من عام 1861 إلى 1865. واجه فيها الاتحاد (الولايات المتحدة) الانفصاليين في إحدى عشر ولاية جنوبية مجتمعة معا لتكون الولايات الكونفدرالية الأمريكية. وقد فاز الاتحاد بهذه الحرب التي ما زالت تعدّ الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة حيت بلغ مجموع الخسائر البشرية أكثر من  828,000 قتيل واستطاعت الشعوب الأمريكية التي ضمت   أعراقا مختلفة أن تتوحد وتكوّن شعبا موحدا له نمط ومستوى عيش متميز ومن أرقى مستويات العيش في العالم، وكذلك اسبانيا التي شهدت حربا أهلية طاحنة تواصلت من جويلية 1936 إلى أفريل 1939 عندما قام الجيش بقيادة الجنرال فرانشيسكو فرانكو بدعم من أنصار الملكية بانقلاب على الجمهوريين وكذلك الحال في إيرلندا التي اندلعت فيها الحرب بين الإنجليز و أنصارهم من البروتستانت من جهة والجمهوريين الايرلنديين من الكاثوليك من جهة أخرى والحروب الفيتنامية بين الشماليين الذين تدعمهم الصين والجنوبيين الذين ساندتهم الولايات المتحدة التي ارتكبت أبشع المجاز في حق الشعب الفيتنامي وكذلك الصراع بين الألمان الذين قسمتهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى ألمان شرقيين وألمان غربيين. كافة هذه الشعوب والدول تجاوزت خلافاتها واختلافاتها القومية والدينية والعرقية والسياسية وتناست ماضيها الدموي وتعالت عن جراحها وبذلك نجحت في الارتقاء بحاضرها من أجل مستقبل زاهر لشعوبها في ظل التعايش السلمي بين مكوناتها خدمة لمصلحة مواطنيها في الاستقرار والسلام والرفاه والسعادة. جميع هذه الشعوب والدول تصالحت وتآلفت ماعدا الشعب العراقي الذي نكن له كل الحب والفخر لا يزال إلى حدّ اليوم يعيش على أحقاد الماضي وخلافاته مما ساهم في بناء حواجز نفسية بين مختلف مكوناته وحفر جراحا عميقة بينهم يصعب اندمالها. وإذا كان الشعب العراقي يُعرف بعاطفيته وتسامحه فإن العملية السياسية التي ولدت بشكل قيصري ولم تكن بشكل طبيعي يفرضه التطور الطبيعي للمجتمع حيث فرضت فرضا على الشعب العراقي المظلوم تحت حراب المحتل الذي نصّب عملاءه ممن باعوا ذمّتهم وتنازلوا عن كرامتهم حيث عملوا على إثارة الاحقاد و الكراهية بين مكونات الشعب من قوميات وأديان وطوائف عملا بمقولة فرّق تسد وذلك لإدامة الخلافات والاحترام بينها حتى يتسنى لهذه الطبقة السياسية الفاسدة البقاء في سدة الحكم و المحافظة على امتيازاتها بنهب مقدرات الشعب، وإلا ما ذنب السنّة اليوم في مقتل الحسين بن علي ( رضي الله عنه) وما ذنب أبو بكر وعمر لكي يلعنا ويسبا في الحسينيات والمجالس الخاصة وقد كان الإمام علي بن أبي طالب شاهدا وموافقا على توليهما الخلافة و حتى يصرح أحد ساسة العراق بعد الاحتلال لوسيلة إعلام أجنبية إبان دخول المحتل، أن أبناء الطائفية الشيعية تعيش مظلومية أكثر من 1400 سنة وليس فقط 35 سنة من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي ولا 80 سنة من بناء الدولة العراقية الحديثة . إن مثل هذه الثقافة التي تسعى بعض المليشيات الموالية للخارج إلى ترويجها لن تساعد على التئام الجراح بين أبناء الشعب الواحد ولا على استقراره وازدهاره وتقدمه. وإذا كان فاقد الشيء لا يعطيه فإن النظام العراقي الحالي الذي تقوم تركيبته على الطائفية السياسية حيث يكون الرئيس كرديا ورئيس البرلمان سنيا ورئيس الحكومة شيعيا لا يستطيع أن يعيد الوحدة والتآلف والتحاب بين العراقيين ولن يتحقق كل ذلك إذا لم يتخلص الشعب العراقي من عملية سياسية صنعتها الدبابة الأمريكية ويقيم نظاما ديمقراطيا قائما على المواطنة على قاعدة الانتماء للعراق ولا إلى طائفة بعينها ، ويطلق سراح المساجين والمعتقلين من رجال الدولة العراقية ما قبل 2003 وبإصدار قانون للعفو التشريعي العام ترفع فيه القيود عن البعثيين بكفاءاتهم السياسية والعملية و الإدارية والامنية لكي يشاركوا في الحياة السياسية ويعودوا إلى وظائفهم السابقة وتعاد لهم كل حقوقهم المسلوبة  حتى يساهم ا في بناء عراق المستقبل ويعود المهجرون إلى مناطقهم وبيوتهم التي أخرجوا منها عنوة من طرف مليشيات مجرمة من هذه الطائفية أو تلك  ويتعالى الجميع من المظلومين قبل 2003 و بعدها عن جراحهم ويتناسوا أحقادهم  وثاراتهم حتى يحافظوا على وحدة العراق ويفشلوا مشاريع المتآمرين الهادفة إلى تفكيكه ويساهموا بكافة مكوناتهم في بناء عراق قوي و مزدهر يعيد أمجاد التاريخ عندما كانت بغداد حاضرة العالم وصنع مستقبل لعراق قوي يكون جزءا من أمته العربية ويسهم في بناء مستقبل الإنسانية جمعاء .

عبد العزيز بوعزي / تونس 2022






الجمعة ٨ شعبــان ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / أذار / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد العزيز بوعزي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة