شبكة ذي قار
عـاجـل










فرصيد الأنبياء هو رصيدنا، وتجربتهم هي تجربتنا، وتاريخهم هو تاريخنا، والشرعية التي أعطاها الله للأنبياء وأتباعهم في حكم الأرض المباركة المقدسة، هي دلالة على شرعيتنا وحقنا في هذه الأرض وحكمها.

نعم، لقد أعطى الله سبحانه هذه الأرض لبني إسرائيل عندما كانوا مستقيمين على أمر الله، وعندما كانوا يمثلون أمة التوحيد في الأزمان الغابرة.ولسنا نخجل أو نتردد في ذكر هذه الحقيقة، وإلا خالفنا صريح القرآن، ومن ذلك قول موسى عليه السلام لقومه ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ).

غير أن هذه الشرعية ارتبطت بمدى التزامهم بالتوحيد، والالتزام بمنهج الله، فلما كفروا بالله وعَصوا رسله وقتلوا الأنبياء ونقضوا عهودهم وميثاقهم، ورفضوا اتباع الرسالة الإسلامية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وهو النبي الذي بشَّر به أنبياء بني إسرائيل قومهم ( الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ ) ، وقوله تعالى ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) ، فلما فعلوا ذلك حلَّت عليهم لعنة الله وغضبه ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ) ، وقال تعالى ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ).

وبذلك تحولت شرعية حكم الأرض المقدسة إلى الأمة التي سارت على منهج الأنبياء، وحملت رايتهم وهي أمة الإسلام، فالمسألة في فهمنا ليست متعلقة بالجنس والنسل والقوم، وإنما باتباع المنهج.

وهنا فإن القدس لها مكانة خاصة في وجدان المسلمين، فهي أولى القبلتين، وفيها ثالث الحرمين الشريفين، وفيها مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، وهي مهبط الأنبياء والرسل، ومنها انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده.

روى البخاري عن البراء بن عازب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو أخواله من الأنصار، وأنّه صلى قِبَلَ بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَلَ البيت الحرام.

وأنه صلى عند وصوله المدينة أول صلاة فيها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممّن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة فداروا كما هم قِبَلَ البيت، وكان اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل البيت المقدس، ولما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك، فأنزل الله الآية من سورة البقرة ( قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) ، يقول أبو ذر الغفاري : قلتُ : يا رسول الله، أيُّ مسجد وُضِع في الأرض أوَّلاً؟ قال : المسجد الحرام، قلتُ : ثمَّ أيّ؟ قال : المسجد الأقصى، قلتُ : كم بينهما؟ قال : أربعون سنَة.متَّفق عليه.

ويقول أبو أُمامة الباهلي : إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال : لا تزال طائفة من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرهم مَن خالفهم، حتى يأتيَهم أمر الله عزَّ وجلَّ وهم كذلك، قالوا : يا رسول الله وأين هم؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس.رواه الإمام أحمد.
وعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس، فقال : أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه، قالت أرأيت من لم يطقْ أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال فليهد إليه زيتاً يسرج فيه فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه.رواه أحمد وابن ماجة.

وقال صلى الله عليه وسلم : لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى.وفي الحديث : الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمئة صلاة.رواه البزار.
وستشهد أرضها الملحمة الكبرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود.رواه البخاري.

وفي القدس أبرز معالم الحضارة الإسلامية، وقد تركت تلك الحضارة بصمات لا تنسى فيها ما زالت ماثلة أمام التاريخ كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قبة الصخرة والجامع العمري وحائط البراق الذي أوقف النبي صلى الله عليه وسلم براقه عنده ليلة الإسراء، وفي القدس مقابر تضم في ثراها أعداداً كثيرة من الشهداء وأبطال المسلمين من عهد صلاح الدين الأيوبي ومن قبله ومن بعده، وفيها من المدارس الإسلامية التاريخية التي اهتمت بشتى العلوم الإنسانية والفقهية والإسلامية وغيرها من العلوم.

وقد درج بعضُ الخلفاء والملوك على كَنْس الصَّخرة وغسلها بماء الورْد بأيديهم، ومن هؤلاء : الظاهر بيبرس، والملِك العادل زين الدين كتبغا المنصوري، والملك الناصر محمد بن قلاوون، والملك الظاهر برقوق، والملِك الأشْرف برسباي، والملِك الأشرف قايتباي، وكثير من السلاطين العثمانيين، ومن الخلفاء الذين زاروا بيتَ المقدس : عمر بن الخطاب، ومعاوية بن أبي سفيان وعبدالملك بن مروان، وعمر بن عبدالعزيز، والوليد بن عبدالملك، وسليمان بن عبدالملك الذي همَّ بالإقامة في بيت المقدس واتِّخاذها عاصمةً لدولته بدل دمشق، وأبو جعفر المنصور، وغيرهم مِن الخلفاء الأيوبيين والمماليك والعثمانيين.

واسم فلسطين مشتق من اللفظ بلست وهم من شعوب البحر المتوسط التي دخلت فلسطين من جزيرة كريت في الألف الثاني قبل الميلاد، حيث أقاموا فيها ممالكهم وامتزجوا بالسكان الأصليين، أي الكنعانيين، وهكذا أعطوا البلاد اسمهم بعد أن كانت تعرف باسم : أرض كنعان، وكما يقول المؤرخون فإن الكنعانيين هم من الشعوب والقبائل السامية العربية التي دخلت فلسطين من شبه الجزيرة العربية في منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد.وقد عرفت فلسطين منذ القدم باسم أرض كنعان نسبة إلى هؤلاء الكنعانيين، حيث أسس الكنعانيون المدن، وأقاموا حضارة ظاهرة معلومة.وقد حارب بنو إسرائيل القبائل العربية المستولية على تلك المنطقة، واستطاعوا وصول الأرض المقدسة، وإقامة دولتهم فيها.وأول دخول اليهود فلسطين كان بعد دخول إبراهيم عليه السلام بما يقارب ستمئة عام، وإبراهيم عليه السلام أول الأنبياء الذين عاشوا في فلسطين وماتوا فيها، وهو عليه السلام أبو الأنبياء، فمن نسله جاء الكثير من الأنبياء كإسحاق ويعقوب ويوسف وإسماعيل ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، ثم وقعت فلسطين تحت الحكم البابلي، ثم الفارسي، ثم اليوناني، ثم اليهودي الكابي، ثم الروماني، وتم تدمير أورشليم القدس عام ٧٠م، وبتحول الإمبراطورية الرومانية إلى النصرانية عام ٣٢٤م خضعت فلسطين للحكم النصراني إلى أن جاء الفتح الإسلامي عام ٦٣٨م، واستمرت خاضعة لحكم المسلمين طوال هذه القرون، باستثناء فترة وقوعها تحت الغزو الصليبي.

فاليهود ليس لهم حقاً شرعياً دينياً بأرض فلسطين، ولا حقاً بأقدمية السكنى ومُلْك الأرض، وهم مغتصبون معتدون، ونسأل الله أن يكون خلاص بيت المقدس منهم عاجلاً غير آجل.

فالشواهد والتاريخ تؤكد عدم صحة ادعاءات الكاتب السعودي الذي جاء بصحيفة عكاظ السعودية، وأن الحقائق التي جاءت بالقرآن والأحاديث ليس لها علاقة بالأمور السياسية وفق ما ذكره الكاتب السعودي لأن القدس والأقصى وهما مرتبطان ببعضهما دينياً وتاريخياً وجغرافياً كما أوردنا ودحضاً لكل الادعاءات المغالطة للدين والعقيدة، وتعلق المسلمين بأقصاهم وقدسهم.





الاحد ٢٠ ربيع الثاني ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي علي أبو حبلة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة