شبكة ذي قار
عـاجـل










ألمقدمة : بدأت أرجحيّة نفوذ الولايات المتحدة الأميركيّة على النفوذ البريطاني- الفرنسي في الوطن العربي بعد حربي السويس { 1956 } ، وحزيران { 1967 } ، وتابعت الإدارات الأميركيّة المتعاقبة ملف الصراع العربي- الصهيوني إلإستعماري المعادي لحق الشعوب في تقرير المصير عامّةً وحقوق الشعب العربي الفلسطيني خاصّةً، وفعّلته نتيجةً لتأثير اللوبي اليهودي في السياسة الأميركيّة، وتداخل أهدافه مع أهداف تيار المسيحيّة الصهيونيّة ومن أبرز ساستها نائب الرئيس الأميركي الحالي مايك بّنس؛ التيار الذي يؤمن بضرورة عودة "الشعب اليهودي" إلى الأرض الموعودة في فلسطين، كلّ فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد لعودة المسيح وتأسيسه مملكة الألف عام. لم يخلو أيّ عهد رئاسيّ أميركيّ من مبادرات عنوانها حل الصراع الإسرائلي الفلسطيني، حيث كانت كلّها تتوافق مع الأجندة الصهيونيّة عمليّاً، وشكليّاً مع الحقوق العربيّة بصيغة وعود وتصريحات، حتّى جاء الرئيس الحالي دونالد ترامب بنهجه غير المسبوق في إدارة الملفّات الداخليّة والخارجيّة ومن بينها الصراع العربي الصهيوني. نشرت صحيفة "وول ستريت" في 11 تشرين الثاني 2016 بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في التاسع من الشهر نفسه مقابلةً ذكر فيها أنّه يريد أن يساعد في حلّ الصراع الإسرائلي الفلسطيني والذي وصفه بأنّه "الحرب التي لا تنتهي"، وأنّ في ذهنه صفقةً نهائيّةً { Ultimate Deal } عرفت لاحقا"بصفقة القرن { Deal of the Century } والتي تتماهى مع فلسفته : خذها أو إتركها { Take it or Leave it } والتي ظهرت إحدى تطبيقاتها فيما قاله مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد للوفد اللبناني إلى واشنطن في 12 نيسان 2019 برئاسة رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة النائب ياسين جابر عندما تمّ التطرّق إلى الحدود البحريّة والبريّة: "يمكنكم أخذ ما يناسبكم وإذا وجدتم دولة أو جهة أخرى قادرة على القيام بالوساطة فاذهبوا إليها".

مشاريع متعدّدة وتنفيذ أحادي الجانب والهدف حذف فلسطين عن الخارطة منذ اتفاقيّتي أوسلو1 { 1993 } وأوسلو2 { 1995 } والتي لم يتمّ الإلتزام بالفترة الإنتقاليّة المحدّدة بخمس سنوات رغم اعتراف منظمة التحرير الفيسطينيّة ب "إسرائيل" مقابل الإعتراف بها وليس بدولة فلسطين واضحة الحدود، طرحت عدة مشاريع تحت عنوان حلّ الدولتين، وتمحورت حول اربع نقاط: ألحدود والقدس واللاّجئين والترتيبات الأمنيّة، وكانت أبرز تلك المشاريع وثيقة أبو مازن-بيلين { 1996 } ، ووثيقة كامب ديفيد الثانية { 2000 } والتي استندت إلى قراري مجلس الأمن الدولي 242 { 1967 } و338 { 1973 } ، ومعايير كلينتون { { The Clinton Parameters عام 2001، وعرض رئيس وزراء العدوّ الأسبق إيهود أولمرت { 2008 } ، ومبادرة وزير الخارجيّة الأميركي الأسبق جون كيري { 2014 } . لقد استندت التسريبات الصحفيّة لخطة "صفقة القرن" على تلك المشاريع والمبادرات دون أيّ اعتبار لمبادرة السلام العربيّة التي أعلنت في مؤتمر القمة العربيّة في بيروت عام 2002. من السيناريوهات التي تم تداولها إعلاميّاً حلّ يقوم على إقامة دولة فلسطينيّة منزوعة السلاح، عاصمتها قرى قرب القدس { أبوديس } مع ممرات للوصول إلى المسجد الأقصى وكنيسة القيامة في القدس، وتشمل الدولة مناطق في الضفة الغربيّة على الأرجح منطقتي أ وب حسب إتفاقيّة أوسلو، وقطاع غزّة، مع تسريبات بإضافة حوالي 700 كم2 من سيناء لتوطين اللاجئين الفلسطينيّين الجدد، على أن يتم توطين الللاّجئين منذ 1948 في دول اللجوء أو أيّ بلد ثالث يبدي الإستعداد لذلك، وترتيبات أمنيّة يحتفظ الكيان الصهيوني بموجبها بالسيادة على حوض نهر الأردن، وتقديم مساعدات للسلطة الفلسطينيّة بمعدّل مليار دولاراً سنويّاً ولمدة عشر سنوات تدفعها الدول العربيّة خاصّةً السعوديّة والإمارات، وتقديم مبالغ ضخمة للدول التي يتم توطين اللاّجئين فيها خاصّةً مصر والأردن. هذا بالإضافة إلى مشاريع إقتصاديّة كبرى بين دول المنطقة. والبند الأخير هو أساس خطة "صفقة القرن" وكلّ النقاط الأحرى ليست إلاّ إجراءات تكميليّة.

تعمل الإدارة الأميركيّة من خلال فريق عمل يتبنّى الأجندة الإستعماريّة الصهيونيّة مؤلّف من صهر ومستشار الرئيس جاريد كوشنر، ومبعوث الرئيس للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وسفير أميركا في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان بالتعاون والتنسيق مع سفراء أميركا في بعض الدول العربيّة على حثّ الدول العربيّة خاصّةً مصر والسعودية للضغط على السلطة الفلسطينيّة لقبول الصفقة بعدما أبدت السلطة رفضها لها. وتستخدم الإدارة الأميركية مع الدول العربيّة أسلوب مقايضة التعاون في مواجهة الخطر الإيراني والإرهاب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني والتعاون معه أمنيّاً وعسكريّاً حسبما تبيّن من مؤتمر أوسلو { 13-14 شباط 2019 } تحت عنوان "الأمن والسلام في الشرق الأوسط"، وجولة كوشنير-غرينبلات على عدد من دول المنطقة في 26 شباط الماضي لتسويق مشاريع إستثماريّة. وفي الوقت ذاته تتخذ الإدارة الأميركيّة والكيان الصهيوني سلسلةً من القرارات والإجراءات التي تصبّ كلّها في تصفية القضيّة الفلسطينيّة وابرزها:

1- ألإعتراف الأميركي بالقدس عاصمةً موحّدةً للكيان الصهيوني في 6 كانون الأول 2017، ونقل السفارة الأميؤكيّة من تلّ أبيب إلى القدس في 14 أيار 2018 ممّا يخرج القدس من جدول التفاوض.

2 – إقرار الكينيست الإسرائيلي قانون "الدولة القوميّة للشعب اليهودي" في 19 تموز 2018 ممّا يعرّض الفلسطينيّين لعمليّات تهجير جديدة.

3- وقف الولايات المتحدة تمويل الأونروا في 31 آب 2018 بهدف تهميش قضيّة عودة اللاّجئين وفرض توطينهم في دول اللجوء أو دول أخرى،

4- إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن في 10 أيلول 2018 ممّا يشير إلى عدم مصداقيّة الولايات المتحدة بالإعتراف بدولة فلسطينيّة بصرف النظر عن طبيعتها وحدودها ودرجة سيادتها واستقلالها ومتطلبات استمرارها.

5 –ألإعتراف الأميركي بسيادة "إسرائيل" على الجولان ممّا يرفع من درجة سيطرتها على حوض نهر الأردن والأنهار التي تصبّ فيه من لبنان وسوريا والأردن، والسيطرة على الإحتياطات النفطية الهائلة في الهضبة، إضافةً إلى اعتبارها خطوة متقدمة خارج حدود فلسطين التاريخيّة، وهذا يشير إلى النوايا الحقيقيّة للسير مستقبلاً في التوسع وتحقيق الحلم الصهيوني: "حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل"، مترافقاً ذلك مع تدمير المحيط العربي لفلسطين والذي شاهدنا ونشاهد بعض فصوله في العراق وسوريا وسيناء.

في الوقت الذي تتخذ وتنفّذ الإجراءات الواردة أعلاه يتمّ تمرير تصريحات حول موعد الإعلان عن الصفقة بدءاً فيما بعد انتخابات الكينيست التي أجريت في التاسع من نيسان الماضي، ولاحقا" بعد شهر رمضان في حزيران القادم، والتسريبات الصحفيّة شبه اليوميّة لجاريد كوشنر حول الصفقة، وهو أسلوب معتمد سياسيّاً لتمرير الصفقات "على نار هادئة"، وتهيئة الرأي العام الفلسطيني والعربي لعدم الإعتراض أو حدوث إضطرابات أو حوادث غير محسوبة النتائج، ومن بين أبرز ما صدر عن كوشنير في إشارة إلى حقيقة صفقة القرن ما أوضحه في مداخلة أمام معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى حسبما أورده موقع "Naharnet" في الرابع من ايار الحالي والذي يلغي نهائيّاً ما كان يتم تداوله سابقاً عن صيغة "حلّ الدولتين"، حيث قال: "ألخطة لا تقترح دولتين للإسرائليّين والفلسطينيّين، وإذا قلت "دولتين" فهذا يعني شيئ للإسرائيليّين، وشيئ للفلسطينيّين". كما يعمل الكيان الصهيوني على تفريخ منظمات أو أحزاب ذات غلاف فلسطيني ومضمون صهيوني لإحداث خرق في السلطة الفلسطينيّة كما هي الحالة مع الإعلان عن إنشاء حزب الإصلاح والتنمية برئاسة رجل الأعمال الفلسطيني من مدينة الخليل أشرف الجعبري بمشاركة آخرين، وكان أشرف الجعبري قد شارك في مؤتر إقتصادي إسرائيلي فلسطيني في القدس في شباط الماضي وبحضور سفير أميركا في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان، حيث روّج في كلمته للمشاريع الإستثماريّة ووحدانيّة الدولة رغم قانون " الدولة القوميّة للشعب اليهودي" ألتي أقرها الكينيست وأشير إليها أعلاه، وقد وصفه فريدمان بالصديق وذو الرؤية والعملي والذي يتبنّى السلام والعيش المشترك. كما يروّج الإعلام الصهيوني والأميركي ألى أنّ الفلسطينيّين رفضوا في الماضي حلولاً كانت تعطيهم أكثر ممّا هو مقدّم لهم اليوم، وما عليهم إلاّ القبول بالصفقة الحاليّة لكي لا يضطروا لقبول ما هو أقلّ من ذلك في المستقبل.

ما العمل بعدما "جاوز الظالمون المدى"؟
إنّ تفاقم الهجمة الإستعماريّة الصهيونيّة الشرسة تستوجب من الفلسطينيّين خاصّةً والعرب عامّةً أن لا تعتريهم الأوهام بأنّ الإستهداف ليس وجوديّاً، أو أنّ المشروع محدود الأبعاد في المكان والزمان، أو أنّ البعض فقط مستهدف والآخرين في أمان، وهذا يستدعي تفعيل عوامل القوة الممكنة ومن بينها:

1- تحقيق المصالحة الفلسطينيّة وعدم التلكؤ في استئناف الحوار وصولاً إلى حفظ المؤسّسات الفلسطينيّة والإتفاق على برنامج عمل موحّد متعدّد الجوانب السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة والأمنيّة، وعدم السماح باستفراد العدو مرّة في الضفة الغربيّة ومرة أخرى في غزّة ممّا يستدعي تفعيل عمليات مقاومة الإحتلال في كل أرجاء فلسطين، ووضع حدّ لما يثار عن وجود فساد في مؤسّسات السلطة وذلك لتحقيق التكامل والتفاعل والثقة المتبادلة بين القاعدة الشعبية والقيادة .

2- عدم نزول الأنظمة العربيّة دون المبادرة العربيّة التي أقروها في مؤتمر القمّة في بيروت عام 2002 وهذا أضعف الإيمان، والتاكيد على القرارات الدوليّة ذات الصلة لعدم إعطاء أيّة فرصة للكيان الصهيوني والإدارة الأميركيّة لتشريع اجراءاتهما أحاديّة الجانب وتحويلها إلى قرارات تتبناها الأمم المتحدة ومجالسها المتخصصة وفي المقدمة منها مجلس الأمن الدولي. وقد حدث سابقاً أن تمّ إلغاء قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة رقم 3379 في 10 /11/1975 الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصريّة والتمييز العنصري، بقرار آخر رقم 46/86 في 16 كانون الأول للعام 1991.

3- تعويض الدول العربيّة أيّ نقص في تمويل الأونروا لإبقاء قضيّة اللآّجئين قضيّة تحظى باهتمام المجتمع الدولي، والحفاظ على مبدأ أنّها ليست مسألة إنسانيّة وإنّما هي قضيّة مرتبطة بالحق الوطني لشعب تعرض للإقتلاع من أرضه، ويوجد إلزام أخلاقي وقانوني على الصعيد الدولي لعودة اللاّجئين إلى بلادهم. كما على الدول العربيّة تقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينيّة للقيام بدورها، وتقوية صمود الناس ومقاومتهم للإحتلال.

4- إبتعاد المنظمات الفلسطينيّة عن المحاور الأقليمية والدوليّة لتأمين أكبر قدر من الدعم للقضيّة التي تتجاوز أهميتها أهميّة التباينات الفكريّة والفقهيّة والسياسيّة، كما انّ من الأهميّة بمكان إعتماد سياسة النأي بالنفس عن الصراع السياسي الداخلي في بعض الأقطار العربيّة. فلسطين تستحق التضامن والدعم من جميع العرب مختلفين كانوا أم متفقين. رغم الحربين العالميتين بين دول المحور والحلفاء استطاع قادة الصهيونية العالمية وفي مقدمتهم هرتزل أن يضمنوا دعماً من جميع الأطراف. واليوم ألنقطة الوحيدة التي يتفق عليها قادة روسيا وأميركا هي أمن ومصالح الكيان الصهيوني مع تباين في النظرة إلى القرارات الدوليّة ذات الصلة التي يحترمها الروس، في حين أن الإدارة الأميركيّة المرتهنة للصهيونيّة العالمية تتمرّد على الإرادة الدوليّة وتتصرف وكأنّ تلك القرارات غير موجودة.

5- تفعيل النشاط الدبلوماسي لسفارات فلسطين أو مكاتب منظمة التحرير بالتعاون مع الجامعة العربيّة للتواصل العالمي وتثبييت وزيادة الدعم الدولي للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وعودة المهجرين قسراً إلى ديارهم.

ألخلاصة : إنّ صفقة القرن، استناداً إلى نشاطات اللجنة الثلاثيّة المكلّفة متابعتها؛ ,وسفراء أميركا في بعض دول المنطقة؛ والقرارات الصادرة عن الإدارة الأميركيّة والعدوّ الصهيوني، وما نفّذ على الأرض في فلسطين وحولها منذ بداية العهد الأميركي الحالي هي ليست حلاًّ للصراع " الإسرائيلي-الفلسطيني" كما يعلن وإنّما هي مشروع تصفية للقضيّة الفلسطينيّة، ومسح فلسطين عن خارطة العالم، وهي لا تتعدّى كونها خطةً لتنفيذ مشاريع إقتصاديّة-إستثماريّة جَماعيّة بين دول المنطقة وتوزيع الفلسطينيّين فيها. رغم ذلك فالتوقيع الفلسطيني مطلوب لإضفاء الشرعيّة على الصفقة. لقد أصابت القيادة الفلسطينيّة برفض الصفقة بعدما انبعثت رائحتها الكريهة، ورفض اعتبار الولايات المتحدة الأميركيّة وسيطاً أوحد في المفاوضات بعدما أظهرت مواقفها وقراراتها تطابقاً تامّاً مع الأجندة الصهيونيّة الإستعماريّة والتوسعيّة، وهو موقف لا بدّ من الثبات عليه والتمسك بمرجعيّات القرارات الدوليّة المدعومة من معظم دول العالم بما في ذلك الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن باستثناء أميركا، ودعمه من قبل الدول العربيّة على الصعيدين الرسمي والشعبي لأن في ذلك مسؤوليّة تاريخيّة ليس دفاعاً عن فلسطين الأرض والشعب وإنّما عنهم أنفسهم لأن المشروع الإستعماري الصهيوني بدأ في فلسطين ولكنّه لن يتوقّف عند تخومها إذا لم يتمّ تصعيد آليّات مقاومته بكل السبل المتاحة العسكريّة والسياسيّة والدبلوماسيّة وغيرها، وما تشهده الضفة الغربيّة من عمليّات بطوليّة وإن كانت محدودة"، وصمود غزّة في وجه الإعتداءات المتكررة وآخرها مطلع هذا الشهر إلاّ مؤشّراً واضحاً على إرادة مواصلة مقاومة الإحتلال وصولاً إلى إنهائه.





الثلاثاء ٣ رمضــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة