شبكة ذي قار
عـاجـل










على الرغم من أن هناك أحداثا وملاحم جرت في بقعة معينة من الوطن العربي ، لكن امتد اشعاؤها ليضيء لنا على امتداد الوطن الكبير ، إما لأنها كانت دفاعا عن وجود ومصالح ومستقبل الأمة وبجهد مشترك ، أو أدت في نتائجها وانعكاساتها إلى حماية المصلحة القومية وتعميق التلاحم العربي فصارت معالم وأياما مشرقة في تاريخنا العربي نستلهم منها القيم والدروس ونتزود من تفصيلات مجرياتها بشحنات من العزم وتجدد فينا روح الوفاء والإقدام والتضحيات في معاركنا الراهنة في مواجهتنا لأعداء الأمة من قوى الشر والعدوان حماية لمصالح الأمة وخياراتها ودورها الرسالي الإنساني. برنامج أيام خالدة في التاريخ العربي المعاصر يسلط الضوء على هذه الأحداث ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في التلاحم النضالي بين أبناء العروبة . من هذه الأيام الخالدة في تاريخنا العربي المعاصر:

١ / ٩ / ١٩٦١ميلادي

يعتبر الأول من سبتمبر ( أيلول ) من العام 1961م يوما خالدا في تاريخ أشقائنا الارتريين ويوما مشرقا في تاريخ امتنا العربية . فهو اليوم الذي نفذ فيه أبناء ارتريا قرارهم بتحدي الاستعمار الإثيوبي عندما أعلنت ثلة مباركة من مؤسسي جبهة التحرير الارترية بقيادة مفجر الكفاح الارتري المسلح الشهيد حامد إدريس عواتي انطلاقة شرارة حرب التحرير الشعبية في جبل ( أدال ) بغرب ارتريا تنفيذا لقرار جبهة التحرير الارترية القاضي باعتماد الكفاح المسلح وسيلة لانتزاع الحرية والاستقلال . لقد كان إعلان الكفاح المسلح في الأول من سبتمبر قبولا لخيار وحيد أمام تعنت الاستعمار الإثيوبي بعد سلسلة من المطالبات السلمية للشعب الارتري بحقوقه في الحياة الحرة.

خارطة التطور السياسي
نشأت الوحدة الجغرافية والسياسية المعاصرة المعروفة بإرتريا اليوم بموجب الفرمان الايطالي في 1890م الذي أعلنها مستعمرة ايطالية وظلت تحكمها حتى تاريخ هزيمتها أمام الحلفاء في الحرب العالمية الثانية حين انتدب الحلفاء بريطانيا لإدارتها ريثما يقررون مصيرها الى جانب المستعمرتين الأخريين لها في إفريقيا الصومال وليبيا . اتفق الحلفاء على منح كل من الصومال وليبيا الاستقلال واختلفوا فيما يتعلق بإرتريا نتيجة الأطماع الاستعمارية في البلاد ذات الموقع الاستراتيجي عند مضيق باب المندب وعلى امتداد ألف كيلو متر على الساحل الغربي للبحر الأحمر ومجموعة كبيرة من الجزر الهامة . فهناك أطماع إثيوبيا الدولة الحبيسة والولايات المتحدة الأمريكية التي برزت كقوة طامعة وساعية الى الهيمنة على العالم ولعبت بريطانيا دورا سيئا في اللعب على مصير ارتريا مستغلة وضعها كإدارة منتدبة . وعلى أرضية هذه الأطماع أحال الحلفاء قضية ارتريا الى الأمم المتحدة . ودخلت البلاد في مرحلة من الفوضى والتخريب والمؤامرات الإثيوبية والأمريكية والبريطانية انتهت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بربط ارتريا في اتحاد فدرالي مع إمبراطورية هيلا سلاسي متجاهلة مطالب اغلبيه الشعب الارتري بالاستقلال فيما اتضح انه كان تمهيدا لإدخال ارتريا تحت الاستعمار الإثيوبي .وكان ذلك القرار بداية لمتاعب جديدة للارتريين ورحلة شاقة دفاعا عن الحرية أخذت ملامحها تتضح مع كل انتهاك لقواعد وأسس الاتحاد الفدرالي فيما لاذت الأمم المتحدة بالصمت إزاء الاعتداءات الإثيوبية على الاتحاد الفدرالي وتركت الشعب الارتري وحيدا أمام التغول الإثيوبي بمباركة وتعاون أمريكي الى أن جاءت نهاية هذه العلاقة غير العادلة بإلغاء إثيوبيا الاتحاد الفدرالي واعتبار ارتريا محافظة إثيوبية.

من هنا أسدل الستار على الأسلوب السلمي الذي اتبعه الارتريون في الدفاع عن حقهم في الحرية وبدأت مرحلة أخرى قبل بموجبها أبناء الشعب الارتري التضحيات التي تقتضيها المسيرة الجديدة. فكانت البداية قرارهم التاريخي بتأسيس جبهة التحرير الارترية في 1960/6/17م بقيادة الزعيم الوطني الشيخ إدريس محمد آدم ، التي رفعت شعار ( لا بديل للاستقلال التام ) وتبنت ( الكفاح المسلح ) وسيلة لمواجهة الاستعمار الإثيوبي وانتزاع الحق المشروع في الحرية والاستقلال. وانخرط الزعماء السياسيون وواجهات المجتمع الارتري ورموزه الدينية في التعبئة والتمهيد لقرار تاريخي قادم . وكان ذلك القرار في الأول من سبتمبر من العام 1961م.

انه يوم خالد آخر وعميق الأثر في حياة أبناء ارتريا الشقيقة وفي تاريخ الأمة ، صبيحة انطلاق شرارة الكفاح الارتري المسلح في منطقة ( أدال ) في غرب ارتريا بقيادة ابن ارتريا البار الشهيد القائد حامد إدريس عواتي إيذانا ببدء منازلة طويلة وعظيمة استمرت ثلاثين عاما تضمنت قتالا ضاريا ومعارك يومية دون هوادة وتضحيات باهظة بمئات الآلاف من الشهداء والجرحى انتظم فيها الشعب الارتري بكل شرائحه وفئاته أفضت الى خروج قوات الاحتلال مهزومة في 1991/5/24م.

ثورة ارتريا والعرب : حقائق وأحداث تقف شاهدا

الحقيقة الأولى / العلاقات الارترية العربية عميقة ومتجذرة منها التطور السياسي الموحد والترابط الجغرافي والثقافي والديني وتبادل المنافع التجارية منذ القدم.

الحقيقة الثانية / التداخل المجتمعي إذ ينتسب العديد من مكونات المجتمع الارتري الى العرب وترجع معظم القبائل والعشائر الارترية أصولها الى جذور عربية.

الحقيقة الثالثة / عندما قرر الثوار الشروع في الثورة ومواجهة الاستعمار ساقهم إحساسهم الفطري الى العرب طلبا للدعم والمساندة وانطلق مشروعهم التحرري من ارض العرب فكان تأسيس جبهة التحرير الارترية في القاهرة.

الحقيقة الرابعة / لم يخيب العرب ظن الارتريين فقد أيد كل العرب مطالب الارتريين في الاستقلال وساندوا الثورة ودعموا الكفاح المسلح بسخاء مما اغضب إثيوبيا فاتهمت الثوار ببيع ارتريا الى العرب.

الحقيقة الخامسة / كان حزب البعث العربي الاشتراكي أول الداعمين للثورة الارترية فتلقت جبهة التحرير الارترية أول دفعة من الدعم بالسلاح بعد تسلم الحزب السلطة في سوريا في 1963م وتخرجت أول دفعة من أبناء الثورة من كلياتها العسكرية وكان الموقف المبدئي للحزب المؤيد لمطالب الارتريين ضمانة كبيرة للثورة الارترية ولتمددها الى كل الدول العربية.

الحقيقة السادسة / ارتبطت الثورة الارترية ارتباطا وثيقا بالوطن العربي وثبتت هذه الحقيقة فصائل جبهة التحرير الارترية في المبادئ الحاكمة لبرامجها السياسية وأكدت كل مؤتمراتها على إن ( الثورة الارترية جزء لا يتجزأ من حركة الثورة العربية ) بل عمقت ثورة ارتريا الترابط بالعرب لدرجة أصبحت فيه جزء من النشاط الشعبي والمهني العربي فاكتسبت منظماتها الجماهيرية العضوية الكاملة في الهيئات والنقابات والمؤسسات الجماهيرية والفئوية العربية من عمال ،طلاب ، مرأة ، شباب، معلمين ، حقوقيين ، كتاب وصحفيين الخ.

الحقيقة السابعة / ساند العرب ودعموا -وان بمستويات متفاوتة -القضية الارترية ومن بينهم تميزت ثورة تموز منذ استلام البعث السلطة في العراق في عام 1968م بدعم ومساندة رسميين كبيرين لثورة شعب ارتريا التحررية على كل الصعد بالمال والسلاح والتدريب والتعليم والموقف السياسي المعلن ، وتأكيدا لموقفه المبدئي مع الثورة الارترية فان البعث لم يقم علاقة دبلوماسية مع إثيوبيا - ورغم تعدد الفصائل كان العراق يقدم الدعم للجميع وكانت بغداد تحتضن مكاتب كل الفصائل . -

الحقيقة الثامنة /  ومن دلائل الاهتمام العربي تمت عدة محاولات عربية لرأب الصدع وتوحيد الفصائل الارترية فكانت مبادرة العراق والسودان لتوحيد فصيلي الثورة في عام 1975م ، ومبادرة جامعة الدول العربية لتوحيد الفصائل عام 1980م ، ومبادرة المملكة العربية السعودية في العام 1983م. ومبادرة الحكومة الصومالية في عام 1990م.

الحقيقة التاسعة / عندما مارس النظام الاستعماري الإثيوبي جرائمه الوحشية ( الأرض المحروقة ) بهدف القضاء على الشعب الحاضن للثورة كان العرب حضنا آمنا للشعب الارتري وفي مقدمتهم السودان الذي استقبل ما يزيد على المليون ارتري وقاسمهم مع أبنائه أسباب العيش وضرورات الحياة وما يزال ، وكذلك المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج التي سهلت فرص العمل لإعداد كبيرة منهم.

الحقيقة العاشرة / لقد ابتهج العرب وفرحوا كثيرا بانتصار الارتريين على الاستعمار الإثيوبي وتحرير بلادهم وكانت الدول العربية أول من اعترف باستقلال ارتريا.

هذه هي بعض من ملامح التلاحم الارتري العربي على امتداد فترات طويلة من التاريخ في حين عجز دعاة ( الافريقانية ) والانعزال عن العرب من الارتريين عن تقديم سبب منطقي واحد يسند دعوتهم ولا دليل يبرر موقفهم الجاحد والسلبي من العرب . ومن غرائب الأمور ومضحكاتها أن ترى بعض الارتريين يجتهدون في اصطناع الخصومة حتى مع اللغة العربية التي لا يحسنون التعبير عن أنفسهم بغيرها.

الخلاصة :
بلا أدنى شك كانت رحلة الارتريين الطويلة والشاقة من اجل الحرية والاستقلال محطة هامة من محطات التلاحم الارتري العربي ، عمقت أواصر الترابط وأكدت صحة الإحساس التلقائي بالعلاقة العميقة الذي دفع الارتريين للاتكاء على روابط القربي والمصالح والهموم المشتركة مع الأمة العربية .فلتكن ذكرى انطلاقة شرارة حرب التحرير الشعبية الارتيرية محطة لاستلهام روح التحدي للدفاع عن استقلال الامة و مقدسات و تجديد التلاحم بين الشعب الارتري والأمة العربية دفعا للمخاطر والعواصف والمؤامرات التي يتعرض لها وجودهم ومستقبلهم ومصالحهم المشتركة في الحرية والأمن والتقدم .

وكل عام وامتنا العربية بعز.





السبت ٥ محرم ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيلول / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب محمد صالح اليوسف نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة