شبكة ذي قار
عـاجـل










حين نجح مقتدى الصدر في ركوب موجة الانتفاضة الشعبية، وحرمانها من من تحقيق اهدافها بعد اقتحام ابنائها المنطقة الخضراء وهروب الوزراء والنواب كالجرذان المسعورة، تولدت قناعة لدى الكثيرين بهزيمتها نهائيا، او تحولها، في احسن الاحوال، الى تظاهرات موسمية محدودة ذات طابع احتجاجي عديم التاثير يعود الناس بعدها الى اعمالهم ووظائفهم. في حين اثبتت الوقائع عكس ذلك تماما. حيث اندلعت انتفاضات في اوقات مختلفة وكان اخرها انتفاضة البصرة العملاقة، التي لم تزل نيرانها تمتد من مدينة الى اخرى لتنتهي في العاصمة العراقية بغداد، الامر الذي يبشر بانتصارها هذه المرة، جراء ديمومتها واصرارها على انتزاع حقوقها، ليست الخدمية فحسب، وانما انتزاع حقوقها السياسية ايضا. واذا حدث وتراجعت هذه الانتفاضة لاي سبب كان فستلد حتما انتفاضة اخرى اشد عودا واقوى تاثيرا واكثر خبرة الى ان تتمكن من تحقيق اهدافها كاملة غير منقوصة.

هذا ليس خيال يدور في مخيلة كاتب هذه السطور، فحكومات المنطقة الخضراء، بصرف النظر عن الوانها واشكالها واوصافها، ستبقى مصرة على رفض اي مطلب من مطالب الناس مهما كان متواضعا، سواء فيما يخص الخدمات او يخص الحقوق السياسية، كونها حكومات عميلة تنفذ مشروع المحتل الذي يسعى الى استكمال مخططه لتدمير العراق وشعبه والتحكم بمصيره لعقود طويلة من الزمن. وهذا ما يفسر من جهة، استخدام كل ما لدى الحكومة من قوة عسكرية ومليشيات مسلحة واجهزة خاصة ضد المنتفضين ،على الرغم من التزامهم بالطرق السلمية والحضارية والدستورية، ومن جهة اخرى مواصلة جلاوزتها سرقة اموال وثروات العراق، وارتكاب الفواحش والجرائم والموبقات، وترسيخ قواعد الفساد المالي والاداري والرشوة في جميع مرافق ومؤسسات الدولة التي جرى تحطيمها مسبقا.

هذا الاستهتار بالناس وبهذه الاساليب العنجهية والمتغطرسة، ستمنح هذه الانتفاضة مشروعيتها، وتوفر لها شروط نجاحها وستدفع جميع المواطنين وفي جميع المحافظات العراقية للاشتراك فيها والانضواء تحت لواءها وتقديم الدعم والاسناد لها، وصولا الى انتزاع حقوق العراقيين المشروعة، وفي المقدمة منها اسقاط العملية السياسية وتشكيل حكومة وطنية مستقلة تاخذ على عاتقها انهاء الاحتلال الامريكي وتابعه الفارسي والقضاء على المحاصصة الطائفية والعرقية والغاء الدستور الملغوم، وتطهير البلاد من الفاسدين والمجرمين والحرامية، ليتسنى لها تامين الحياة الحرة والكريمة التي تليق بالعراق العظيم وشعبه الشامخ .

نعم لا يكفي توفر مثل هذه الشروط لضمان نجاح هذه الانتفاضة المباركة، على الرغم من اهميتها، فهي بحاجة لمقومات اخرى اكثر اهمية، من بينها توحيد لجانها التنسيقية تحت قيادة موحدة، وتطوير الية عملها ووسائل نضالها وتحصين نفسها ضد اية محاولة لاختراقها او ركوب موجتها، ومنع تدخل احزاب السلطة في شؤونها، وقطع الطريق على اساليب الالتفاف عليها، والانتباه الشديد لدورالمرجعيات الدينية، وفي المقدمة منها مرجعية السيستاني، التي تسعى الى خداع الناس من خلال خطبها وفتاويها التي توحي بدعم الانتفاضة، بدل اصدار الفتاوى الصريحة باسقاط العملية السياسية وعزل هذه الحكومة وتقديم اعضائها الى المحاكم العادلة،خاصة بعد اعتراف عدد من اعضائها، وبالصوت والصورة، بتقصيرهم وسرقاتهم وجرائمهم، وكان اخرها اعتراف رجل ايران في العراق هادي العامري رئيس احدى الكتل الكبير الذي يطمح الى تشكيل الحكومة القادمة. بمعنى اخر وباختصار شديد، على قادة الانتفاضة الاستفادة من جميع الاخطاء التي وقعت فيها الانتفاضات السابقة والتي ادت الى تراجعها جراء استخدام القوة، او التهديد باستخدامها تارة، او بسبب الالتفاف عليها من خلال اطلاق الوعود الوردية، او القيام باصلاحات ترقيعية تارة اخرى.

بالمقابل، فعلى اصحاب الخبرة والتجربة ان يساهمو بفاعلية بهذا الجهد من خلال تقديم النصح والارشاد للجانها التنسيقية او قادتها، وفي المقدمة منها الغاء حساباتها نهائيا على اية مراهنة على الحكومة القادمة، او البرلمان او على الكذبة سائرون وقائدها المراوغ مقتدى الصدر، وتشطب من ذاكرتها اية فكرة او مقترح لاصلاح العملية السياسية من داخلها، وان تضع في سلة المهملات جميع المقترحات، من قبيل اعادة الانتخابات وحكومة التكنوقراط، والاحتكام الى الدستور، او القضاء أو تشريعات مجلس النواب، لان كل هذه المفردات نتاج عملية الاحتلال السياسية. والاهم من ذلك مساعدتها على اجراء عملية إعادة النظر في الافكار والمفاهيم الخاطئة التي تستبعد اية وسيلة كفاحية اخرى لإنتزاع الحقوق المهضومة، والتمسك فقط بالطريق السلمي. فالانتفاضة ستجبر حتما على الدفاع عن نفسها وتجابه القوة بالقوة. ولو كان هذا المبدا سائدا لما خضعت الانتفاضة لتهديدات الحكومة وانسحب ابنائها من المنطقة الخضراء وعادوا الى بيوتهم واعمالهم. هنا بيت القصيد ومربط الفرس.

ان اعتماد الانتفاضة على مبدا الدفاع عن النفس، الى جانب وسائل النضال السلمية ليس ابتكاراً عراقياً، فجميع شعوب الارض لجأت اليه بعد ان عجزت عن انتزاع حقوقها بالطرق السلمية، وهذه واحدة من سنن الانتفاضات الشعبية، فاما ان تتخذ طريق النضال السلمي اوالسياسي، واما طريق الكفاح المسلح، وان اختيار واحداً منها لا يجري اعتباطا او مزاجيا، وانما تحدده طبيعة الصراع فيما اذا كان صراعا تناحرياً او صراعاً ثانوياً، ففي الحالة الاولى يتقدم النضال المسلح على الوسائل النضالية الاخرى، وفي الحالة الثانية، يتقدم النضال السياسي والسلمي على النضال المسلح، واما في حالتنا هذه، فصراع الشعب العراقي ضد الحكومة والاحزاب الحاكمة ومليشياتها المسلحة واسيادهم المحتلين هو صراع تناحري وصراع وجود، لا يحل سلميا على الاطلاق، وهذا ما يفسر رفض الحكومة التسليم بمطالب الانتفاضة، لان الاستجابة لها تعني لا محال سقوط الحكومة ووضع اعضائها واعضاء البرلمان خلف القضبان.

ان الذين يصرون على التمسك بالنهج السلمي للانتفاضة للابد لتحقيق الاصلاح لم يجنوا طيلة هذه السنين من عمر الانتفاضات الشعبية سوى الخيبة تلو الاخرى، ولا يغير من هذه الحقيقة اتخاذ بعض الاجراءات او القرارات من قبيل، اقالة وزير او تعين اخر، او تقليص حمايات عدد من المسؤولين، او تخفيض رواتبهم بنسب ضئيلة، فهذه تعد إصلاحات متواضعة جدا، ان لم تكن تافهة، اذا ما جرت مقارنتها بالاصلاحات التي طالبت بها الانتفاضات في مناسبات متعددة، من قبيل فصل الدين عن الدولة والغاء المحاصصة الطائفية وتعديل الدستور وتطهير القضاء ومحاكمة رؤوس الفساد.

هذه ليست دعوة للاقتتال بين ابناء الشعب او بين طوائفه وتياراته المختلفة، كما يروج الاعلام الحكومي الان وفي السابق، او كما يروج بعض السياسيين والمثقفين المهزومين، او المنتفعين والوصولين، وانما هي دعوة لنيل المطالب المشروعة للناس، خاصة وان هؤلاء الناس مارسوا في البداية حقهم الديمقراطي الذي تشدق به المحتل وحكومته وبالوسائل السلمية، وبالتالي حين يتعذر ذلك عليهم ويجابهو بالقوة، فان من حقهم الدفاع عن انفسهم بالقوة، وهذا الحق كفلته القوانين السماوية والدنيوية. واي اعتراض على هذا الحق عبر وسائل الخداع والتضليل من قبيل تجنب اراقة الدماء، هي اعتراضات باطلة، او في احسن الاحوال كلمة حق يراد بها باطل، فدماء العراقيين ستظل تسيل بوسائل متعددة في حال استمرار هذه الحكومة او العصابة الحاكمة. والشعب العراقي ليس الوحيد بين شعوب العالم الذي فرض عليه القدر دفع ثمن نيل حقوقه المشروعة بهذه الطرق العنيفة.

وفي كل الاحوال علينا كقوى وطنية، وكسياسيين ومثقفين وفنانين وشعراء وادباء دعم هذه الانتفاضة بكل الوسائل والسبل والدفاع عنها ضد محاولات تشويهها او الاساءة اليها او وصف ابنائها بالمخربين والمندسين من جهة، ومن جهة اخرى الوقوف بحزم ضد محاولات التشكيك بقدرة الانتفاضة على الانتصار او التقليل من شانها او اتهامها بغياب قادة لها، اوسرد الروايات عن الفوضى والفراغ الدستوري وغيرها من هذه الترهات. ناهيك عن ضرورة التصدي لمقولات يجري ترديدها في كل مرة حول العدو الخارجي، او مقولة الذئب خلف الباب، ليجري الوصول الى مطالبة المنتفضين بالتخلي عن مطالبهم والعودة الى بيوتهم. بالضبط كما يفعل الحكام العرب لاسكات شعوبهم حين ينشط اعلامهم في مثل هذه المناسبات بترديد ذات العبارات ولكن بمصطلحات اخرى، من قبيل لا صوت يعلو على صوت المعركة.

بالمقابل على كل احزاب وقوى حركة التحرر العربية وجميع الهيئات والمنظمات التي تعمل من اجل حقوق الانسان ان تقدم الدعم والاسناد لانتفاضة الشعب العراقي سواء عبر وسائل الاعلام او الخروج بمظاهرات التاييد لها. فالانتفاضة العراقية ليست فعل ثوري يخص العراق وحده، وانما يخص الوطن العربي كله. فانتصار هذه الانتفاضة في انهاء الاحتلال واسقاط حكوماته العميلة واقامة نظام وطني عراقي يعد انتصارا لكل شعوب المنطقة.

هذه الانتفاضة وبهذه المواصفات والفهم العميق لطبيعة الصراع واطرافه لابد لها وان تنتصر. فهي اعطت الصورة الحقيقة لهذا الشعب الجبار الذي حاول المحتلون واجهزة اعلامهم العملاقة تقزيمه او التقليل من شانه، ودعت كل الشعوب المحبة للحرية والتقدم والعيش الكريم الى الانحناء اكراما واجلالا لها. اذا كيف لشعب استطاع النهوض بعد ان لاقى كل هذه الويلات وخاض كل هذه الحروب وتعرض لحصار هو الاقسى من نوعه في التاريخ لينتهي الى احتلاله من قبل اقوى دول عاتية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية التي عملت على مدار عقد ونصف من السنين على تدميره دولة ومجتمع؟ كيف له ان يصمد ويمارس حقه في الحياة ويعطي الدروس بالصمود والارادة؟ كيف لهذا الشعب وهو ينتفض ان يتغلب على كل وسائل القوة والخداع والطرق الدنيئة والخسيسة والاتهامات الباطلة ويواصل مسيرته نحو انتزاع حقوقه المشروعة ؟

على شعبنا العراقي العظيم ان لا يفوت مثل هذه الفرص التي اتيحت له خشية من اتهامه بالعنف او خدمة اجندات خارجية. فالتاريخ ليس كريما على الدوام في منح الشعوب مثل هذه الفرص الثمينة.





الثلاثاء ١١ ذو القعــدة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة