شبكة ذي قار
عـاجـل










ألمقدمة : منذ آذار 2011 يزداد الوضع السوري تعقيداً بارتفاع درجة الدمار والقتل والإعتقال والإختفاء والنزوح، وعدد الأطراف الداخليّة والخارجيّة المشاركة في الصراع، وتراجع إحتمالات الخروج المبكرمن الأزمة التي تحولت الى جبهات عسكرية موزعة في معظم المناطق، وتهميش القرارات الدولية التي صدرت منذ مؤتمر جنيف 1 وخاصةً القرار 2254 مروراً بكل الإجتماعات والمؤتمرات التي عقدت لاحقاً في جنيف وأستانا وسوتشي وغيرها. إن التدخل العسكري المباشر للأطراف الخارجية نقل الأزمة من درجة أزمة نظام وعملية تحول سياسي تحفظ وحدة سوريا ومناعتها الأمنية والأقتصادية والإجتماعية، ودورها العربي إلى بؤرة صراع دولي، وهذا يعني أن أي حلً للأزمة لن يكتب له النجاح إلاً بالحسم العسكري من قبل أحد الأطراف وفرض الحلً الذي يناسب أجندته وهذا لن يحدث نظراً لتعدد الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية وتداخل أهدافها لأن الحسم يعني نشوء حرب مباشرة بين أميركا وروسيا وإنتصار أحد الطرفين، أو بالتوافق على أساس حفظ مصالح جميع الأطراف المنخرطة في النزاع مما يستدعي تنازلات متبادلة بين الأطراف الداخلية والخارجية.


أهداف أطراف النزاع في سوريا : تشير الوقائع أن أهم أهداف ألأطراف المنخرطة في الحرب في سوريا هي :

1) ألولايات المتحدة الأميركيّة : يحتل هدف حفظ أمن الكيان الصهيوني وتنفيذ أهدافه التوسعية أولويّة مطلقة ليس في سياسة اميركا في سوريا وإنما في المنطقة كلها وفي العالم وذلك لهيمنة اللوبي الصهيوني في الإدارات الأميركيّة المتعاقبة، وياتي في الدرجة الثانية والمكملة للأولى السيطرة على مصادر الطاقة لتأمين مردود مالي للإقتصاد الأميركي والشركات المتعددة الجنسية الموجهة أميركياّ، والإستثمار السياسي في الضغط على دول الإتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبيّة وغيرها لإبقائهم تحت خيمة الإسترتيجية الدوليّة الأميركيّة، والهدف الثالث هو الحد من توسع النفوذ الروسي والصيني ومنع انتقال الدولتين من قوى إقليميّة إلى قوى عالميّة نديّة للولايات المتحدة الأميركيّة. إن توزع نشاط الولايات المتحدة جغرافياً وديموغرافيًاً في سوريا يوضح أبعاد أهدافها إذ أن التنسيق مع الأردن وروسيا في جنوب سوريا له علاقة مباشرة بأجندة العدو الصهيوني الذي يهدف إلى تكريس إحتلال وضم الجولان وتأمين منطقة عازلة داخل سوريا شبيهة بجنوب لبنان وسيناء، حتى إذا ما تم الإتفاق بين أميركا وروسيا على إعادة سيطرة النظام على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في جنوب سوريا فإن ذلك يرتبط ضمناً بترتيبات أمنيّة لصالح العدو الصهيوني، وكذلك فإن تواجدها العسكري المباشر في مناطق نفوذ قوات سورية الديمقراطية التي تأسست عام 2015 وذات الأكثرية الكردية، الغنية بالنفط ومصادر الماء تحقق هدفين : الهدف الأول هو الضغط على تركيا التي تعتبر قوات سوريا الديمقراطية عاملاً مساعداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حرباّ ذات أبعاد إنفصالية منذ عام 1984، وحاضنةً خلفيّةً لنشاطاته التي تعتبرها القيادة التركية معادية وإرهابيّة، والهدف الثاني السيطرة على جزء كبير من مصادر الطاقة والمياه في سوريا. كل ذلك يتم بذريعة مكافحة الإرهاب بعنواني منظمات القاعدة وداعش، ومواجهة تنامي النفوذ الإيراني رغم أن مراجعة تاريخيّة لنشأة ونشاط القاعدة وداعش تدل على أن الولايات المتحدة الأميركية هي أحد العناصر الأساسية في النشوء والنشاط والتسهيلات اللوجستيّة منذ مراحل إخراج قوات الإتحاد السوفياتي السابق من أفغانستان وحتى الآن. كما أن الأهداف الأميركيّة تغلًف بغطاء من الشعارات التي تأكد زيفها بالتطبيق مثل نشر الديمقراطيّة، والدفاع عن حقوق الإنسان وحماية المدنيين ومواجهة الأنظمة الدكتاتورية. وأبرز دليل على ذلك الدعم المطلق للإحتلال والإستيطان الصهيوني في فلسطين ورفض الإعتراف بالحقوق الفلسطينية التاريخيّة حتى تحت سقف قرارات الهيئة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وهيئات أممية أخرى، وقد توج ذلك بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والإنسحاب من مجلس حقوق الإنسان بسسب قبول إنضمام دولة فلسطين إليه والتوقف عن تمويل الأونروا بهدف تهميش قضية اللاجئيين الفلسطينيين والعمل على تغييب الشعب الفلسطيني من الذاكرة الدولية التاريحيّة.

2) روسيا الإتحادية : إن أبرز أهداف روسيا من تدخلها العسكري المباشر في سوريا هي ابعاد الإضطرابات والحروب عن أراضيها خاصة في الشيشان وداغستان وغيرها من جمهوريات الإتحاد الروسي والتي تطالب قوى سياسية فيها بالإستقلال. وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الحقيقة عندما صرح بأن" قتال المسلحين في سوريا أفضل من قتالهم على أراضينا" ، وياتي في الدرجة الثانية الحد من درجة النزاع مع أوكرانيا وجورجيا وإبعاد الأنظار إلى أماكن بعيدة عن الحدود الجغرافية الروسية. ومن الأهداف التكميليّة لروسيا هي إجراء مناورات بالذخيرة الحيّة ضد أهداف حقيقية لتحديث الألة العسكرية والتكتيكات القتاليّة، ورفع معدل مبيعات الأسلحة الروسية في العالم، إضافة إلى تأمين خطوط نقل الغاز الروسي إلى العالم وخاصةّ إلى دول الإتحاد الأوروبي، ومواجهة العقوبات الأميركية والأوروبيّة. أما ما له علاقة بأمن الكيان الصهيوني فإن قيادتي الأركان الروسية و الصهيونيّة تنسق مباشرة وبشكل دائم بناءً على تفاهمات محددة. ورغم تباين الموقف الروسي من الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية وكثير من القضايا العربية خاصةً إلتزام روسيا القرارات الدولية ذات الصلة فإن وجود مليون وثلاثمائة مستوطناً من أصول روسيّة في فلسطين يجعل من روسيا مجبرةً على عدم غضّ النظر عن أمن الكيان الصهيوني. إن تأكيد القيادة الروسية بأن قتال المسلحين في سوريا أفضل من قتالهم داخل روسيا وأنها تختبر أسلحتها تشكل إدانة أخلاقية تاريخيّاً، ودليلاً على أنتهاك حقوق الإنسان وهي ممارسات مدانة بالقانون الدولي الذي يؤكد على حلّ النزاعات الدوليّة بالوسائل السلميّة وتحت سقف الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية.

3) ألإتحاد الأوروبي : يعتبر شرق وجنوب المتوسط مدىً حيويّاً لأوروبا على الصعد السياسيّة والأمنيّة والإقتصاديّة. لقد انحسر النفوذ الأوروبي في شرق وجنوب المتوسط و بالتالي على الصعيد الدولي منذ تدخل أميركا في حرب السويس عام 1956 وفشل العدوان الثلاثي الصهيوني البريطاني الفرنسي على مصر بعد تأميم قناة السويس، وازداد هذا الإنحسار عندما انفردت اميركا بإخراج إتفاقيّة كامب ديفيد في العام 1979 مما دعّم نفوذها، وقد تجلّى ذلك في أنّ بعض الدول الأوروبيّة وخاصةً فرنسا وألمانيا لم تستطع مع دول فاعلة أخري خاصةً روسيا والصين أن تمنع الحرب الأميركية على العراق عام 2003. ولاحقاً فشلت فرنسا وإيطاليا مع دول أخرى في إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا ولم يتحقق ذلك إلاّ بعد تدخل الولايات المتجدة الأميركية مباشرةً في الحرب. ومهما تكن موازين القوى و طبيعة التطورات فإن أوروبا لا تستطيع أن تدير ظهرها لشرق وجنوب المتوسط لكي تحافظ على أمنها ومصالحها. أستخدمت الدول الأوروبيّة الشعارات نفسها المذكورة أعلاه التي رفعتها أميركا للتدخل وركزت على ما تسميّه الأقليات الدينيّة والأثنية، حيث أن فرنسا وألمانيا من أكثر الأطراف دعماً للحركات الإنفصاليّة الكرديّة. هذا الأمر لم يكن خافٍ على الولايات المتحدة الأميركية التي تدخلت مباشرةً في شرق وشمال سوريا حيث تواجد قوات سوريا الديموقراطيّة وكذلك تأسيس أكبر قنصلية أميركية في أربيل، كما أن أوروبا تتدخل سلبيّاً في دول المغرب العربي من خلال إثارة العداء بين العرب والأمازيغ ومن هم من أصول دول إفريقية أخرى، وزعزعة الوجدة الوطنيّة، كما تحاول فرنسا مستندةً إلى ذاكرتها الإستعماريّة في أفريقيا وخاصةً في المغرب العربي تنشيط الفرنسة ومحاربة العروبة شانها في ذلك كل القوى الدوليّة التي تستهدف العرب وذلك بضبط معدلات تقدمهم وأمالهم في الوحدة.

4) إيران : إن الأهداف الإيرانية أكثر وضوحاً من أهداف الأطراف الأخرى المنخرطة في الصراع في سوريا، إذ تم الإعلان عن تلك الأهداف حتى قبل بداية الأزمة السورية وأستمر ذلك لاحقاً من خلال تصريجات مسءولين في النظام الإيراني أبرزها تحقيق" إمبراطورية فارسية عاصمتها بغداد"، و " بتنا نسيطر على أربع عواصم عربية هي صنعاء وبغداد ودمشق وبيروت" والتصريح الأخير يلغي ادعاءات النظام الإيراني بانه حليف لسوريا لأن الحليف والصديق لا يجب أن يكون هدفه السيطرة على عاصمة دولة أو نظام حليف لا بل العكس هذا يصدر عن طرف يصنف عدواً بكل ما في الكلمة من معنى. تستغل إيران الخطاب الطائفي والمذهبي، ومساندة الشعوب المظلومة، والقضية الفلسطينية رغم تعاونها العسكري والإقتصادي مع العدو الصهيوني في مراحل مختلفة /ايران غيت /1980/ وعوفر غيت/2011/، يضاف إلى ذلك استفادة إيران بتحويل العراق وسوريا ودول عربية أخرى أسواقاً إستهلاكية لبضائعها ومتكأً للهروب من العقوبات المالية والإقتصادية الدولية خاصةً الأميركية، وتكريس وضعها قوةً إقليمية بدونها لا يمكن حلّ أية معضلة في المنطقة ليس فقط في المشرق العربي وانما حتى في دول المغرب العربي حسبما ورد في تصريحات مسءولين في النظام الإيراني. لقد تمكنت أيران من التمدد في الوطن العربي بعد احتلال العراق ولم يلق هذا التمدد اعتراضاً ولا مقاومةً من قبل القوى الدولية وخاصةً الولايات المتحدة الأميركية لأن ذلك التمدد كان عاملاً هاماً في زعزعة استقرار عدد من الأقطار العربية وتخريب النسيج الإجتماعي والوطني مما يخدم استرتيجية الحلف الإستعماري الصهيوني المعادي للأمة العربية، ولم تظهر حالة الإعتراض والمواجهة إلاّ عندما بدأت تظهر ايران نفسها شريكاً مضارباً للقوى الدولية الكبرى وهذا الأمر لن تحصل عليه أبداً لأن الدور المطلوب منها دولياً هو إضعاف العرب والقيام بوظيفة الوكيل وليس التموضع الندّي للقوى الدوليّة العظمى خاصةً أميركا وروسيا. ورغم تمدد النفوذ الإيراني خارج الحدود لم يحجب ذلك الأزمات المفصلية الإيرانية الداخلية بكل الميادين السياسية، وحقوق الإنسان، والإقتصادية، والأمنية.

5) تركيا : الهدف الأساسي للتدخل التركي في سوريا هو تأمين حدودها الجنوبية مع سوريا التي تمتد 911 كم وذلك بمنع قيام كيان إنفصالي كردي في شمال سوريا يمتد من الحدود العراقية وصولاً الى البحر الأبيض المتوسط يكون ملاذاً آمناً لحزب العمال الكردستاني التركي الإنفصالي في سوريا والعراق مما يهدد وحدتها وامنها الوطني، وتكريس دورها الإقليمي في أي تسوية سياسية جديدة وترتيبات أمنية مستقبليّة في المنطقة، إضافة إلى الحفاظ على خطوط النفط من شمال العراق عبر تركيا إلى المتوسط بدل الإستغناء عن تلك الخطوط بخط مباشر عبر الشمال السوري إلى المتوسط يسيطر عليه الأكراد في حال تمكنهم من إقامة كيان إنفصالي أو فيدراليّة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بدعم أميركي وعدم ممانعة روسية، إضافة إلى الإستفادة الإقتصادية المباشرة من خلال تصدير المنتجات التركية الى سوريا بدل أن تكون الأخيرة منافساً لها في الأسواق المحلية والخارجيّة. لقد تمكنت تركيا حتى الآن من السيطرة الأمنية على جزء كبير من شمال غرب سوري بالتعاون مع الجيش السوري الحر من خلال التدخل العسكري المباشر وإبرام إتفاقيات مع روسيا في عفرين ومع أميركا في منبج.

6) العدو الصهيوني : العدو الصهيوني هو أكثر الأطراف استفادةً مما حل بسوريا منذ بداية الأزمة و حتى الآن، وتتلخص أهدافه بتكريس إحتلال الجولان وضمّه، وفرض منطقة أمنيّة داخل سوريا بوضع عسكري شبيه بما هو موجود في سيناء وجنوب لبنان لجهة نوعية الأسلحة الممكن استخدامها وعدد القوات المسلحة، ومنع النشاطات المسلحة خارج سياق حفظ الأمن الداخلي. وبالتالي فإن الكيان الصهيوني فرض نفسه عاملاً في اية تسوية سياسية للأزمة السورية إما مباشرةً أو من خلال التنسيق مع الجانبين الروسي والأميركي وهذ ما أشار إليه رئيس وزراء العدو نتنياهو من انه يوجد أتصالات مباشرة بينه وبين الرئيسين الأميركي والروسي من جهة، وبين وزراء دفاع ورؤساء أركان الأطراف الثلاثة من جهة أخرى، وقد ظهر ذلك جلياً في القمة التي عقدت في هلسينكي في 16 تموز 2018 إذ أنّ النقطة الوحيدة التي اتفق عليها الرئيسان الأميركي والروسي بما له علاقة بالملف السوري هو أمن الكيان الصهيوني.

7) ألأطراف السوريّة : تدل وقائع الأزمة السورية منذ بداية المظاهرات الشعبية السلمية في آذار 2011 وحتى الآن إلى انحسار الدور التقريري لجميع الأطراف لصالح الأطراف الخارجية. إن الهدف المركزي للنظام هو الحفاظ على الحكم مظللاً ذلك بعناوين وطنية ومواجهة التدخل الخارجي ومكافحة الإرهاب، ورغم امتلاكه الإمكانيات العسكرية والإقتصادية المتفوقة على ما تمتلكه إطراف المعارضة مجتمعةّ والتي حملت السلاح واستعملته بعدما استخدم النظام العنف المفرط ضد الحراك السلمي، ورغم تدخل إيران وحزب الله عسكرياً إلى جانبه فإنه وصل في صيف 2015 إلى درجة قريبة من الإنهيار، حيث صرح الرئيس السوري أن "قواته تفتقر إلى العديد والعتاد" مما مهّد ّ السبيل إلى التدخل العسكري الروسي المباشر في العام نفسه بناءً على طلب رسمي من النظام. أدّى ذلك التدخل الى تغيير المعادلات على الأرض لصالح النظام. ترافق هذا التغيير بالإعلان الصريح من قبل الرئيس السوري "أن سوريا هي لمن يدافع عنها وليس لمن يحمل هويتها"، وهو تنازل عن وظيفة الحكم الأساسية باعتباره مسءولاً عن الشعب بأكمله بصرف النظر عن الموالاة والمعارضة، وإلا على كلّ أنظمة الحكم في العالم طرد كل معارض للنظام ونزع هويته وإعطائها لأي أجنبي يدافع عن النظام، والإستيلاء على ممتلكات النازحين واللأجئين اضطراراً في بلدان أخرى حسبما يتضمنه القانون رقم 10 الذي صدر في نيسان 2018. إن مضمون القانون رقم 10 يشبه إلى حد بعيد القرار الذي اتخذه ديفيد بن غوريون عام 1951 بحق الفلسطينيين الذين اضطروا إلى مغادرة فلسطين كلاجئيين وعدم قدرتهم على العودة، وفي إيران حيث يستولي مكتب المرشد ـ علي خامنئي ـ على أملاك الإيرانيين خارج إيران وغير القادرين على العودة. كما إن شعار " سوريا هي لمن يدافع عنها وليس لمن يجمل هويتها" تم تطبيقه بمنح الجنسية لأكثر من مليونين من الإيرانيين والميليشيات التابعة لإيران مما يرفع وتيرة التغيير الديموغرافي خاصةً عندما يترافق ذلك الإجراء مع تهجير السوريين من مناطق محددة وتوطين المجنسين مكانهم.

من جهة أخرى فإن الهدف المعلن للمعارضة منذ انطلاق حراكها هو إسقاط النظام مستندةً في ذلك إلى وهم الدعم الخارجي استنساخاً لما حدث في أقطار عربية أخرى كليبيا على سبيل المثال، ولكن ثبت أن لكل طرف خارجي أجندته التي تخدم مصالحه وليس ما يريد الشعب السوري، إذ أكدت الولايات المتحدة الأميركية في بداية عسكرة الأزمة أنها تدعم المعارضة بوسائل غير قتالية أي أجهزة إتصالات ومتابعة، وهذا يدل على أن هدفها لا يتعدّى استغلال المعارضة للتجسس على الداخل السوري مما يساعدها على تصويب تدخلها بما يخدم مصالحها المشار إليها أعلاه. كما أن المعارضة لم تتمكن أن تظهر نفسها بديلاً ممكناً للنظام وذلك لإرتباط أطرافها بقوى خارجية شأنها في ذلك شان النظام، حيث تشكلت منصات الرياض والقاهرة وموسكو وأستانا وهيئة التنسيق التي تقدم نفسها معارضةً داخليةً مستقلة، وتصارعها فيما بينها عسكرياً وسياسياً إضافة إلى وجود حركات الإسلام السياسي كالنصرة وداعش والتي تم تصنيفها حركات إرهابية وهي ذات أبعاد تتعدى الحدود السورية إلى المدى الأممي.

من كل ما تقدم يمكن التأكيد أن القوى السورية نظاماً ومعارضةً أصبحت فاقدةً لقرارها المستقل وخاضعةً للأطراف الإقليمية والدولية وخاصةً الطرفين الأساسيين المقررين ـأميركا وروسياـ في الوقت الذي تزداد معاناة الشعب السوري، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من ستة ملايين مواطناً، ولجوء أكثر من 5.5 مليون نسمة إلى دول أخرى، وحاجة 13 مليون سورياً إلى المساعدات الغذائية والإنسانية، ناهيك عن الدمار المرعب الذي حلّ بالمدن والقرى السورية والتي تحتاج إلى موارد مالية ضخمة ووقت طويل لإعادة تأهيلها من أجل عودة النازحين واللاجئين الفعلي والكامل برعاية الأمم المتحدة، وليس الشكلي والجزئي المفلتر وذلك عند ظهور بوادر الدخول في المرحلة الإنتقالية للحلّ المستقبلي.


ألخلاصة : لقد أظهرت الوقائع أن التطورات العسكرية تتم بناءً على تفاهمات مسبقة بين الأطراف الخارجيّة، في حين شكّلت الأطراف الداخليّة ـ ألنظام السوري لروسيا وإيران، ألجيش السوري الحر لتركيا، وقوات سوريا الديمقراطية لأميركاـ وذلك إضفاءً لشرعية شعبية سورية على تدخل تلك الأطراف العسكري وما ينتج لاحقاً من مخرجات لحلّ مستقبليّ ألمستفيد الأول منه هو العدو الصهيوني الذي سيكرس إحتلال الجولان، وتأمين مناطق عازلة ، واستباحة الأجواء السوريّة، والخاسر الأكبر هو الشعب السوري، خاصةً وأن الدور العربي إفرادياً على صعيد الأقطار أو جماعياً على صعيد الجامعة العربيّة اظهر هشاشته منذ فشل بعثة الجامعة العربية في بداية الأزمة، وتموضعه لاحقاً ضمن أجندة الأطراف الخارجية وبالتالي أصبح مفقوداً أو يستثمر من قبل الأطراف الخارجية لتأمين غطاء عربي لتدخلها، كما أن دور الأمم المتحدة في تراجع وتهميش مستمر، وخضوع للتوازنات بين الأطراف الخارجية الفاعلة في سوريا خاصةً بعد تحولها من راع ومنظم لمؤتمرات جنيف إلى مراقب وساعي بريد في أستانا وسوتشي.





الثلاثاء ٤ ذو القعــدة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تمــوز / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة