شبكة ذي قار
عـاجـل










من ثوابت هذه الحياة ان الوضيع يبقى وضيعا وان امتلك مفاتيح الدنيا ومخازن كنوزها، ولأن الوضيع جُبِلَ على دناءة النفس وانعدام المبادئ، والقبول بكل ما يخالف الطبيعة البشرية، لذلك فإننا نجد من امثاله العميل والخائن لوطنه، والمتاجر بشرفه، والخائن لأهله ودينه، وهكذا تنسحب هذه الصفة على جميع الاشخاص السيئين، ومنهم سياسيِّ العراق الجريح، عراق مابعد نيسان 2003، هذا البلد ذو الحضارة الضاربة في التاريخ بقدر عمقه، هذا الوطن الذي تحوي ثناياه تنوعا عرقيا جميلا وتنوعا دينيا اجمل، انه البلد الذي عاش عليه الانبياء والرسل والاولياء والصالحين والتابعين، وأسسوا لمقامات لهم على ارضه، لم ينافسه سوى حضارتين ولدتا معه هما حضارة وادي النيل وحضارة تدمر، حيث شكلا معا مصدر قوة للامة العربية ومن بعدها الاسلامية، وكلما مرت على ارضه وارضهم غزوات وسالت على اراضيهم دماء، نهضت هذه الامم ومعها الامة العربية وكأنها خلقت من جديد، تنهض كالعنقاء من تحت الركام لتعلن عن نفسها أنها امة عربية عظيمة تحمل رسالة خالدة للعالم اجمع، تتمثل بقيمها ومعانيها ومبادئها وكل علومها التي نشرتها وعلمتها للعالم اجميع مذ خلقت.

اما موضوعنا اليوم فهو عن كل وضيع اوصل وطننا العراق لما هو عليه من حال يرثى له تتصدق عليه دول العالم بالفتات وتسرق من خيراته ما يحلو لها، فقبل ايام قلائل زار العراق الجريح مسؤول من دولة اوروبية، من دول اوروبا الشرقية تحديداً، وتباحث مع مسؤولي حكومة المليشيات التي تحكم العراق في امور مشتركة نكاد نجزم انها كلها تصب في مصلحة البلد الاجنبي، وبعد انتهاء اللقاء الرسمي خرج وزيرا خارجية البلدين ليعلنا عن نتائج المباحثات، والمضحك المبكي في هذا المؤتمر الصحفي ان الوزير الاوروبي الشرقي اعلن ان بلاده سوف تتبرع للعراق بمبلغ ( ثلاثة ملايين دولار! ) كمنحة للمساعدات الانسانية وتغطية احتياجات النازحين، والبالغ عددهم كما ذكرنا في مقالات سابقة وحسب احصائيات حكومية ما يتجاوز الاربعة ملايين نازح ( اي بحسبة بسيطة، وان كان هذا المبلغ سوف يذهب فعلا للنازحين، فسيكون اقل من دولار واحد نصيب كل فرد )، ولأن من يتسنم المناصب الحكومية في العراق اليوم هم من المتسولين اصحاب الخبرة، كما انهم يتقنون مهارات الاستجداء منذ زمن طويل حينما كانوا يفترشون الارض امام السفارات الاجنبية يطلبون المعونات بأسم ( المعارضة )، ويبدون كامل استعدادهم ( لبيع اي شيء! ) من اجل بضع دولارات حتى وان كان الوطن هو موضوع البيع والمساومة، فبالطبع انهم قبلوا بها مهللين فرحين مستبشرين شاكرين للوزير الاوروبي الشرقي، ناسين او جاهلين، ان العراق البلد الشرق اوسطي العربي كان ابان الحكم الوطني، أيام ما كان يحكم العراق رجالا وقادة ابطال، كان يدفع معونات لهذا البلد، وكان يصدر له التجهيزات الطبية المنتجة في العراق، وكان يصدر له التمر بأسعار اقل من سعر السوق كونه بلد فقير وميزانيته فيها عجز دائم، بل حتّى ان هؤلاء المتسولون لم ينتبهوا الى ان المنحة، رغم قلتها، فإنها بالدولار الامريكي وليست باليورو، ومن المعلوم ان اليورو كسعر صرف في السوق العالمية اعلى من الدولار، ولكن المفارقة ليست هنا، ففي ذات اليوم ( يوم زيارة الوزير الاوروبي واعلانه عن المنحة ) تم الاعلان عن افتتاح مركز تجاري كبير غربي بغداد له طوابق عالية تصل الى ثلاثين طابقا، يتم التحضير له من سنوات اربع وتستثمر فيه شركات تركية وكويتية كبيرة، والمفارقة الاكبر ان كلفة انشاء هذا المركز كانت خمس وثلاثون مليون دولار امريكيا، اي ( بحسبة عرب ) اكثر من عشرة اضعاف ملبغ المنحة الضئيلة،

وان القدر الاكبر من هذا المبلغ مسحوب على شكل قروض من البنوك العراقية ولم يسدد حتى اللحظة، وهذا يؤدي الى امرين اما ان تهرب الشركات المستثمرة وتترك للحكومة الوضيعة المبنى حجراً على الارض، او ان تماطل في التسديد في بلد خزينته خاوية ويعاني من التقشف العام، لان مسؤولي البلد المليشياويين نهبوا كل امواله واشتروا بها عقارات خارج العراق، وعززوا ارصدتهم وتركوا شبابه فقيرا يعاني البطالة والعوز والفقر .. وحتى ان افترضنا جدلا ان المشروع سوف يعمل ويوفر فرص عمل للشباب، ولكن ايّة فرص هذه لخريجي الجامعات في مراكز تجارية، فبدلا من ان يتم تعيين المهندس في المشاريع الهندسية التي تخدم البلد، سوف يعمل نادلا او بائعا للكماليات وادوات التجميل؟ وبدلا من ان يتم تعيين خريجي الاقتصاد والمحاسبة في الوظائف التخطيطية والاقتصادية، يتم تعيينهم في وظائف التحصيل الآني للمطاعم والمقاهي ضمن تلك المراكز، وهذه جريمة اخرى تضاف الى جرائم حكومة المليشيات بحق العراق وشبابه من خلال خلق طبقة كبيرة من البطالة المقنعة، والتي تعيش على الفتات وتتحسر على سنوات الدراسة الاكاديمية وتجتر احلامها التي ضاعت هباءً في هذا البلد، فتؤدي بهم اما الى الانحراف والانخراط في عالم الجريمة والمليشيات المنظمة، وما اكثرها في العراق اليوم، او الى الهجرة للبحث عن ما هو افضل في بلدان المهجر، حيث الغربة القاتلة والسجن الاكبر، وكل هذا بسبب سياسات رعناء مقصودة ومبيتة من حكومة المليشيات التي تعمل بكل ما بها من قوة لتدمير كل الاجيال العراقية السابقة والحالية واللاحقة، حتى تحول ارض الحضارات، ارض وادي الرافدين، الى ارض جرداء محروقة لا يعيش بها سوى مليشياتهم واتباع دولة احفاد كسرى ومن يحتمون بهم من اشباه العراقيين.

لجنة الثقافة والاعلام
هيئة طلبة وشباب العراق / تنظيمات الخارج

 





الاحد ٢٦ ذو الحجــة ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / أيلول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أحفاد حمورابي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة