شبكة ذي قار
عـاجـل










يترافق فعل القلم والبندقية في تحديد مصير الشعوب بل قد يتفوق فعل القلم على فعل البندقية في هذا المجال ، فإن كان السلاح أداة قتل وتدمير أو كان أداة دفاع فهو غير قادر على قتل او خلق فكرة , لذا يقتصر دوره هنا على حماية أو محاربة تلك الفكرة .. القلم ... هو بداية كل شيء وعنده ستكون نهاية كل شيء فبالقلم قد تبني أمة وبذات القلم قد تهدمها .

وبعودة إلى أصل حكاية القلم مع الشعوب نجد أن اول كلمة كتبت في تأريخ البشرية كانت في بلاد الرافدين ويعود ذلك إلى العهد السومري وفي مدينة " الوركاء " سنة 3200 ق.م تحديدا حيث تم في هذة المدينة إبتكار أول طريقة للتدوين والتي أطلق عليها أسم " الكتابة المسمارية " ولمعرفة السومريين بأهمية الكتابة وما ستقدمه للبشرية أطلقوا في وصفها حكمتهم الشهيرة التي تقول " الكتابة أم للخطباء وأب للتلاميذ " ومن هنا بدأ رسم اول خطوط العلم وظهرت الحاجة الماسة لوجود مؤسسات تعليمية تديرها جهات مختصة خاصة وإن مراحل تطور الكتابة السومرية الثلاثة " الصورية ، الرمزية ، المقطعية " تجعل من المستحيل إتقانها بشكل فردي فكانت بداية تلك المؤسسات أو المدارس تدخل ضمن حدود المعابد التي كانت مكرسة لعبادة الإله " نابو " إله القلم والكتابة ، وكان التعليم في هذة الفترة مقتصرا على كهنة المعابد وكانت الادوات المستخدمة تقتصر على الالواح الطينية وادوات الحفر عليها ، وبعد إنفصال السلطة السياسية عن السلطة الدينية أستقلت المدارس عن المعابد بكل ما يخصها من أبنية وإدارة فشهدت تطور في المناهج التعليمية وطرائقها لتصل إلى قمة الرقي في زمن سلالة " اور " الثالثة السومرية 2113_2006 ق.م . وفي تلك الفترة أنتشرت المدارس في جميع مدن وادي الرافدين وكانت حصيلة هذا التطور إنتاج الكثير من المخطوطات المسمارية في مختلف العلوم علما أن مقومات التعلم حينها كانت بسيطة وبدائية جدا تقتصر على حجرة تحوي بين أركانها حصيرة ليجلس عليها التلاميذ ومجموعة من الالواح الطينية ، ومع هذا الاستقلال كان من الضروري وضع مسمى لهذا الكيان فكان اول اسم للمدرسة في اللغة السومرية " أبدويا " والتي تعني "بيت الالواح " في حين كان الأسم الذي أستخدمه الاكديون هو " بيت طوبا " كتجسيد لقدسية العلاقة بين التلميذ والمدرسة التي توازي علاقته بوالديه .. ولم يمر الكثير من الوقت حتى اصبحت المدرسة منظومة تعليمية متكاملة إبتداء من أبنيتها وإدارتها المتمثلة بمدير المدرسة الذي كان يسمى "آيا أيدوبا" أي " ابو المدرسة " بالإضافة إلى كادرها التدريسي الذي يضم المعلمين ومساعدي المعلمين حيث كانت المدرسة تخصص أحد التلاميذ من المراحل المتقدمة ليكون مساعد للمعلم وكان يسمى " شيشكال " أي " الأخ الاكبر " ولم يكن هذا كل شيء فقد كان في كل مدرسة أشخاص قائمين على حراسة المدرسة وحفظ الأمن فيها وحتى اشخاص لتنفيذ العقوبات بحق التلاميذ المقصرين في واجباتهم المدرسية .. وأستمرت الحركة العلمية في العهد القديم بالتطور حتى جاء الحاكم البابلي الشهير حمورابي ليعزز هذا التطور ويفتح مجالات جديدة للتعليم ولم يكتفي بذلك بل شرع الابواب لينتشر العلم في باقي بقاع الارض وله في هذا المجال إنجازات كثيرة تحتاج الكثير من الوقت لإحتواءها .

هكذا كان حال التعليم والمؤسسات التعليمية في العراق في العهد القديم , ولو بحثنا موضوع المنظومة التعليمية العراقية في العهد الحديث فسنجد أن حركة التطور العلمي في العراق لم تتوقف لعقود مرت وان العراق قد تفوق على العديد من الاقطار المحيطة به وحتى على بعض المنظومات التعليمية الغربية وكانت شهادة منظمة " اليونسكو " في عام 1979 خير دليل على ذلك حيث أكدت ان الجامعات العراقية هي افضل جامعات المنطقة .. فقد شهد العراق تطور هائل في الحركة العلمية خاصة بعد أن تسلم " حزب البعث العربي الاشتراكي " السلطة , حيث ركز جل اهتمامه على الجانب العلمي ، فتم تشييد العديد من المدارس والجامعات والمعاهد وتم تجهيز المختبرات بأجهزة وتقنيات متطورة بالإضافة إلى بناء المكتبات العامة التي تحتوي على الكثير من المصادر التي يلجأ إليها الطلبة العراقيين وغيرهم في بحوثهم العلمية ، وفي الثمانينات كانت الجامعات العراقية تملك مختبرات متطورة فاقت ماكانت تمتلكه الجامعات البريطانية , وفي حين كانت الجامعات العراقية تستخدم ثلاث مختبرات في الاسبوع كانت نظيرتها البريطانية تستخدم ثمانية مختبرات في السنة .. ولأن الحكومة العراقية كانت تدرك أن بناء الاوطان وتقدمها لا يكون إلا بالقضاء على الجهل ، ومن هنا وفي عام 1979 بدأت الحكومة بغرس جذور أهم إنجازاتها في المجال العلمي واطلقت حملتها للقضاء على الجهل مسمية تلك الحملة " محو الأمية " ليعلن العراق في عام 1991 القضاء على الأمية بين جميع شرائح شعبه ، وليتوج العراق قبلة للعلم والعلماء في المنطقة ويصبح وجهة طلاب العلم من سائر البلاد العربية ولم يسمح للحروب والحصار بالوقوف أمام نهضته العلمية فكانت الحكومة توفر للطالب العراقي والعربي كل مقومات العلم ، حتى جاء الإحتلال الأمريكي للعراق معلنا عن الهدف الجوهري لحربه وهو إعادة العراق وشعبه إلى العصر الحجري وبدأ المحتل بتدمير القاعدة العلمية في العراق من خلال تدميره للمدارس وقتله للعلماء وتدمير المكتبات العامة وسلب وحرق الكتب التي كانت تحتويها ليجد الطالب العراقي نفسه أمام الكثير من المشكلات التي جعلت من مستقبله في مهب الريح .. وما فعلته حكومة الحرية والديمقراطية التي أستلمت السلطة في العراق لا يقل فضاعة عن ما فعله أسيادها وعرابي وجودها الغير شرعي ، فمنذ عام 2003 وحتى يومنا هذا والمنظومة التعليمية في العراق تنهار يوما بعد يوم ، فأنخفضت نسبة المتقدمين للدراسة في المدارس بشكل ملفت للانتباه ومن يتقدم للتسجيل في المدارس العراقية يجد نفسه سجين بين اعداد كبيره من زملاءه في صف واحد مما يجعل من امكانية التلقي وحتى التنفس بحرية امر صعب .. أما في الجامعات والمعاهد العراقية فالحال أسوء بكثير ، فاصبحت الجامعة بمثابة الكعكة التي تلهث لتقاسمها وإلتهامها القوى السياسية والدينية ومن هنا بدأت كل جهة بمحاولة سحب الطلبة للانضمام إلى خطها السياسي فزرعت في كل جامعة مجموعة من الطلاب مهمتهم جذب باقي الطلاب وتنظيمهم مما ادى إلى نشوب الصراعات والنزاعات وتأجج الطائفية بين صفوف طلبة الجامعات وفي الوقت الذي كانت فيه الحكومة منشغلة بالتنازع على كرسي الحكم كان اتباع القوى السياسية والدينية في الجامعات يحذون حذو حكومتهم ويتنازعون على الكراسي في اللجان والاتحادات الطلابية مما أدى إلى إصدار قرار من وزارة التربية بإلغاء التنظيمات والاتحادات الطلابية داخل الحرم الجامعي تلك الاتحادات التي كانت في السابق صوت الطالب العراقي وممثلته وهمزة الوصل بينه وبين المنظومة التعليمية ، فاصبحت المشكلات تحيط بالطالب من كل الجهات وأصبح ينظر إلى مستقبله بنظرة سوداوية .. ومن المشكلات التي عانى ويعاني منها الطالب العراقي في الجامعات في مضمار البحث العلمي مثلا .. هي إفتقار الجامعات للمختبرات المجهزة بالمواد والتقنيات التي يستخدمها الطالب في بحثه مما ارغم البعض على شراء تلك المواد على نفقته الخاصة ، كما تفاقمت مشكلة الطالب مع المراجع والمصادر التي يحتاجها في بحثه بسبب تدمير المكتبات العامة و تخريب سوق المتنبي الذي كان يحوي على اهم الكتب والمصادر والمراجع العلمية ، كل ذلك أضطر الطالب للوقوم امام خيارين إما ان يقوم بشراء الكتب والمراجع على نفقته الخاصة وذلك قد يرهقه ماديا بشكل كبير حيث يصل سعر الكتاب الواحد الى ما يقارب ال 15000 دينار عراقي فكيف إن كان البحث يتطلب شراء 30 كتاب او اكثر ؟! اما الخيار الاخر فهو ان يلجأ لتجار المجهود الذين يقومون ببيع البحوث الجاهزة وهذة التجارة جذبت الكثير من الطلاب حيث توفر عليهم الكثير من الجهد والوقت والمال .. إن الكارثة التي حلت بالمنظومة التعليمية في العراق لا تقتصر على كل ما ذكر أعلاه بل إنها تعدت الانهيار التعليمي في المؤسسات لتصل إلى الانهيار الأخلاقي والتربوي فملفات الفساد الاداري والاخلاقي الخاصة بعمداء العديد من الجامعات لم تعد تخفى على احد ، وغياب الضوابط والقوانين في إدارة المؤسسات التعليمية جعل من أرتكاب المخالفات وحتى الجرائم أمر يسير على الكثير من الطلبة وهذا ما تؤكده المناشدة التي اطلقها نقيب المعلمين في البصرة " جواد جاسم المريوش " مخاطبا اهل الفكر البصري من ادباء وشعراء وحقوقيين والمعنيين بالشأن التربوي العراقي واصفا لهم بشاعة الجريمة التي حدثت في أحدى مدارس مركز المحافظة والتي خططت لها ونفذتها ببراعة مجموعة من الفتيات لا تتجاوز أعمارهن الخمسة عشر عام والتي كانت ضحيتها أحدى زميلاتهن حيث قامت تلك الفتيات بطعن الفتاة بادوات حادة في أماكن حساسة في جسدها وجاء فعلهن هذا بسبب غضبهن من والدتها التي تعمل مدرسة في نفس المدرسة ، وكما ذكر المريوش ان الواقع التربوي في المحافظة بعيدا عن المتابعة والرقابة والتقويم ، وأضاف المريوش أن هناك الكثير من الشكاوي التي قدمت له من إدارات مدارس ومدرسات ومدرسين بسبب انفلات عقدة الضبط لدى الطلاب والطالبات مما جرأهم على التجاوز والتطاول وإساءة الأدب وأتهم المريوش القوانين التربوية التي وضعتها وزارة التربية و القوى السياسية والمرجعيات الدينية و بعض شيوخ العشائر بأنهم السبب وراء هذا الانفلات وذلك بسبب تدخلهم في العملية التربوية بشكل او بآخر ومن خلال وقوفهم الى جانب الطالب المسيء ضد الهيئة التدريسية فالاستاذ الذي يحاول تقويم سلوك الطلبة قد يجد نفسه في مواجهة مع القضاء والسجن أو في مواجهة قوى عشائرية او مرجعية دينية. أنها حرب ممنهجة بكل ما للكلمة من معنى قادها المحتل و أكمل تنفيذ بنودها عملاءه في المنطقة الغبراء فالعراق الذي قاتل الجهل والفساد لسنوات طويلة و أعلن محو الأمية يقف اليوم أمام أحصائية تؤكد وجود ما لا يقل عن خمسة ملاين أمي بين صفوف شعبه أغلبهم من النساء ..

وبعد كل ما استعرضناه من مشكلات وهي جزء من مشاكل أعظم تخرج علينا إحدى المرشحات لبرلمان الفشل تاركة كل الكوارث التربوية والتعليمة التي ألمت بالمنظومة العلمية في العراق لتطالب بالفصل بين الطلبة والطالبات في الجامعات والمعاهد العراقية , ويأتي موقفها هذا ليذكرنا بموقف حكومتها اللاشرعية حين استلمت زمام الامور في العراق فكانت اول المشكلات التي أجتمعت لتجد حل لها هي معضلة العلم العراقي ونجماته الثلاث .. علينا اليوم كعراقيين أن ندرك أن أمامنا مشوار طويل فتحرير العراق وعودته لسابق عهده لن يكون فقط بطرد الاحتلالين الامريكي والصفوي وعملائهما من أرضه بل ان عودة العراق الحقيقية ستكون حينما تغرس الكلمة السومرية الأولى في أرض الرافدين من جديد ..

الاتحاد العام لشباب العراق في المهجر 





الخميس ٢٢ شعبــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أيــار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علياء الناصري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة