شبكة ذي قار
عـاجـل










كشفت الانتخاب الرئاسية الفرنسية في دورتها الأولى عن حقائق صادمة لم يكن كثيرون يتوقعون حصولها وخاصة لجهة عدد الأصوات التي نالها مرشح الحزب الاشتراكي وهو الذي كان يدير السلطة منذ خمس سنوات.

لقد أعطى الفرنسيون النسبة الأعلى من الأصوات لمرشح يسار الوسط ماكرون، ومرشحه الجبهة الوطنية ماري لوين، وما أن ظهرت النتائج الأولية حتى بادر الحزب الديغولي والحزب الاشتراكي إلى دعوة محازبيهما وأنصارهما التصويت لماكرون. وإذا ما جمعت نسبة الاقتراع لماكرون مع تلك التي نالها مرشحاً "الديغولي" والاشتراكي، لرجح أن النتائج في الدورة الثانية ستكون لمصلحة ماركون وتقديرنا أنه سينال النسبة التي تؤهله للوصول إلى الرئاسة الأولى.

وذلك للأسباب التالية :

السبب الأول، أن الشعب الفرنسي يتمتع بحيوية سياسية، تميزه عن سائر الشعوب الأوروبية، وهذه برزت في نسبة التصويت المرتفعة في الدورة الأولى والتي بلغت 77% وهي سترتفع في الدورة الثانية لأن نتائجها ستكون حاسمة، وأن المترددين في الدورة الأولى لن يبقوا على ترددهم في الدورة الثانية. وهؤلاء المترددون يكون عادة وسطيين، وهم لن يذهبوا إلى تطرف في تحديد خياراتهم السياسية وبالتالي سيصوتون للاستقرار ضمن ضوابط السياسة العامة لفرنسا في معالجة الملفات الداخلية والعلاقة مع الخارج، وبالتالي لن يذهبوا إلى الخيارات السياسية لمرشحة الجبهة الوطنية والتي تمثل بنظرهم انقلاباً على سياسة فرنسا التقليدية.

السبب الثاني : إن فرنسا وهي إحدى دول الحوض الأوروبي والتي تشكل مع ألمانيا أبرز ركائز النظام الأوروبي، تحكم سلوكها السياسي مع الخارج استمرارية الدور الأساسي لفرنسا في رسم المعالم العامة للسياسة الأوروبية في جوانبها السياسية والاقتصادية، ولها مصلحة بأن تبقى لأوروبا شخصية اعتبارية ضمن تعاملها مع القوى الدولية الكبرى خاصة تلك التي لها ثقل اقتصادي أو عسكري. وأن الخطاب السياسي الذي رفعه ماكرون يحاكي هذا التوجه وهو لاقى صدى مؤيداً وسريعاً في المانيا، وبالتالي فإن الأوروبين عامة والألمان خاصة سيكونون ناخبين سياسيين في تحديد اتجاهات مسار السياسة الخارجية الفرنسية وأن كانوا لا يدلون بأصواتهم في صناديق والاقتراع.

السبب الثالث : ان الخطاب الشعبوي لمرشحة لجبهة الوطنية، وهو أن حاكى مزاجاً شعبياً ارتفع منسوب رفضه لمن يصنفون في خانة الوافدين، إلا أن هذا الخطاب، لا يستطيع أن يبطل مفاعيل الموروث العميق للثقافة السياسية الاجتماعية للمجتمع الفرنسي المشبع بمبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان ومغادرة تاريخ الحقبة الاستعمارية الفرنسية. وبالتالي فإن هذا الخطاب ورغم تمكنه من التأثير على شريحة واسعة من الفرنسيين، إلا أنه ما يزال عاجزاً عن اختراق المنظومة القيمة الفرنسية والمبادئ التي أطلقتها الثورة الفرنسية. ويعود السبب الرئيسي الذي جعل الخطاب السياسي لمرشحة الجبهة الوطنية يحصد هذه النسبة من الأصوات إلى وجود عاملين : الأول، هو ضعف عملية اندماج الوافدين بأكثريتهم وليس كلهم بالشخصية الوطنية الفرنسية، بحيث بدا الشعب الفرنسي ومع تفاوت النسب وكأنه يتكون من تشكلين مجتمعين مختلفين في المظهر وفي السلوك، وهذا

ما شكل مادة للخطاب الشعبوي الذي اعتمدته ماري لوين، والثاني، ان الخارج الذي لا يريد استقراراً لفرنسا على قواعد ثوابت سياستها الأوروبية، ذهب إلى الاستثمار في العمل الأمني . ففي كل مرة كانت فرنسا تنحو نحو انتهاج سياسة لا ترضي اللاعبين الكبار في السياسة الدولية وخاصة السياسة الشرق الأوسطية كان الشارع الفرنسي بتعرض لهزة أمنية، وآخرها حادث جادة الشانزليزيه والتي يرى المستثمرون في مثل هذه الأعمال أنها ستعمل على التأثير على الناخب لفرنسا وجعله يصوت لمن يرفع شعار "العصبية الوطنية الفرنسية ".

هذان العاملان وأن كانا يؤثران بشكل أو بآخر على المزاج الشعبي والأول أكثر من الثاني، إلا أن تأثيرها يبقى محدوداً في الزمان والمكان ولن يستطيعا أن يزعزعا ركائز النظام السياسي – الاجتماعي في دولة عريقة، تحكمها ضوابط العمل المؤسساتي. وبالتالي فإن فرنسا لن تذهب بعيداً في خياراتها الداخلية والخارجية التي أرسى ركائزها النهج الديغولي والشعب عندما يعطي أرجحية نسبية لماركون فهو يكون قد اختار مسبقاً استبدال المنظومات السياسية التقليدية التي تناوبت على السلطة لكن ضمن ضوابط وطنية تبقى هي الثابت في تحديد الخيارات الكبرى لأن فيها تكمن مصلحة فرنسا الوطنية.

المهم أن يتعلم الجميع أن الديموقراطية هي أكسير الحياة السياسية وبعد 7 أيار ستكون فرنسا أمام يوم آخر، والكل سيحترم النتائج وسيظلل بالخيمة الوطنية الفرنسية والفرنسيون لن يكون عندهم فراغ ولا تمديد، لأنهم يقترعون لمصلحة الوطن أولاً." أين اللبنانيون من ديمقراطية أمهم الحنون ؟"
 





الخميس ١ شعبــان ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / نيســان / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة