شبكة ذي قار
عـاجـل










لماذا و كيف وصلنا إلى هذا الحد من التضعضع ؟ هذا الحد المؤسف من الخذلان و البؤس و اليأس ؟ أعتقد أن الإجابة عن تساءل قديم جديد مثل هذا، قد يحتاج من أي باحث في الأسباب التي أوصلت الأمة إلى كذا مستوى من الانحطاط لن تكون بالسهولة التي نعتقد. محطات الهزائم و الانكسارات قد تعادل أو تتجاوز محطات الانتصارات و الإنجازات. وإذا عددنا الانتصارات و أخضعناها لتحاليل تاريخية علمية نجد أن الأسباب و العوامل التي أدت إلى تلك النتائج الإيجابية ، متشابهة و متجانسة من ناحية المبدأ و قد تكون مختلفة في الشكل بحسب العوامل و الظروف الزمنية و المكانية.

من خلال دراسة متواضعة أجريتها على خمس هزائم من بين ربما، العشرات التي تجرعت سمها الأمة اكتشفت أن العامل المشترك و هو الداء المزمن التي عانت و تعاني منه عبر تاريخها الطويل هو ظاهرة الغفلة عن العدو. و في الجهة المقابلة هناك عدو واحد دائم ، قد" يتحربى" ويأخذ أشكالا بحسب الظروف التاريخية. هذه المحطات المؤسفة من تاريخنا هي سقوط القدس عام 1099 على يد القوى الصليبية الدولية في ذلك العهد ثم سقوط بغداد عام 1258 على يد القوى المغولية المدمرة بتواطؤ من قوى رافضية التي ستتطور في ما بعد –بعد حوالي 03 قرون - إلى مشروع الدولة الصفوية ثم إلى إيران الحالية. ثم تلاها سقوط الدولة العربية إلى الأبد في الأندلس عام 1492 . المحطة الرابعة كانت سقوط الجزائر العاصمة في يد الاستعمار الإستطاني عام 1830. وآخرها احتلال فلسطين و تأسيس الكيان الصهيوني عام ، 1948.دون أن ننسى الإرهاصات التي مهدت لذلك والمتمثلة في اتفاقية سيكس –بيكو وقبلها "مغامرة" الثورة العربية التي إلى ما نحن عليه اليوم . هذه النكبات و رغم امتدادها في الزمان و المكان، إلا أننا إذا أمعنا النظر فيها بصرا و بصيرة سنجد أن العامل المشترك بينها هو استشراء ظاهرة مرض الغفلة السياسية و الاجتماعية. ما معنى الغفلة السياسية هي غياب اليقظة و الوعي وبعد النظر و الكسل السياسي و التهاون لدى الأنظمة – أهل الحل و العقد- التي وضعتها الأقدار لتتحكم في مصائر البلاد و العباد. أما الغفلة الاجتماعية فهي نفس السلوكيات و ردود الأفعال السابقة نجدها مستشرية عند النخب و الطبقات المثقفة. المشكلة بدأت مع سقوط الدولة الأموية و انتهاء عصر الفتوحات ومقارعة العدو في أرضه و بيئته ما يمكن أن نسميه عهد الإستراتيجية الهجومية التي بدأت في زمن النبي محمد ( صلى الله عليه و سلم ) و توسعت في عهد الخلفاء الراشدين و ستزيد اتساعا في أيام الخلافة الأموية حيث بلغت الدولة العربية الإسلامية اتساعا لم تعرفه مطلقا في تاريخها . ومع بداية العهد العباسي انتهت الإستراتجية الأولى لتحل محلها الإستراتيجية الدفاعية و التي "توجت" بعد ثلاثة قرون ونصف تقريبا بسقوط القدس الشريف و كل بلاد الساحل الشامي. وهنا نطرح تساؤلا: هل كان لإشراك العنصر الفارسي في القرارات المصيرية لدولة بني العباس باعتبارهم وزراء النظام، دورا أو تأثيرا في التحول من الهجومي إلى الدفاعي ..؟ وهنا لست أتكلم عن كل الخلافة العباسية بل في العصر الأول منه ،عصر القوة ،أي العشر الأوائل من الخلفاء من السفاح إلى المتوكل.

في دراسة للجانب العسكري و القيادي عند الرسول الكريم ومع الأسف أن هذا الجانب لم يعطى الاهتمام الكامل من الدراسة و الفهم و الأسوة . فالمسلمون كانوا أكثر اهتماما بالجوانب السلوكية و الأخلاقية و العبادات و الطاعات عند نبيهم.الرسول كان يتميز بصفات قيادية و يقظة سياسية على مستوى عال. وكانت هذه الصفات التي أهلته لينتصر على جميع خصومه و مناوئه. لكن النبي عليه السلام كان يمزج كفاءته القيادية العالية بمستوى لا يقل عنه من الأخلاق و المعاملات الإنسانية. المتتبع للسيرة النبوية في جانبها العسكري و الأمني يكتشف أن النبي و كذلك الخلفاء من بعده ، كان يملك شبكة إستخبارية غاية في الإحكام و الفعالية. هذه الشبكة لم تكن في مكة فقط قبل فتحها بل كانت تمتد من بصرى الشام إلى عدن اليمن، مرورا بجميع القبائل المحيطة بالمدينة. نعم كان النبي مدعما بالوحي الإلهي ، لكن هذا لم يمنعه من أن يتخذ كل التدابير الضرورية لحماية الدعوة من كيد الأعداء و المتربصين، كما ثبت ذلك من خلال التمعن في تصرفاته أثناء غزواته و سراياه. غزوة تبوك مثلا جاءت بعد أن تواترت لديه الأخبار بأن الروم يريدون غزو المدينة بمساعدة القبائل العربية الموالية لهم. فقام عليه السلام بعمل استباقي ، فبعد أيام و رغم الظروف المناخية الصعبة كان جيش المسلمين عند مشارف الشام و كان قد تجاوز تبوك إلى أيلة – أيلات المحتلة اليوم- و لاشك أن عمل مثل قد ترك أثرا نفسيا سلبيا عند قيادة الروم في تلك المنطقة حسبما أكدته الحقائق التاريخية. وقبل ذلك العمل الإجرائي الوقائي ضد يهود بني قريضة خوفا من استعمالهم كطابور خامس من طرف قوة الروم المتربصة، خاصة و أنهم أثبتوا خيانتهم للعهد الذي كان بينهم وبين المسلمين أثناء غزوة الأحزاب.الإحاطة بهذا الموضوع يتطلب ربما فضاءات أوسع لأنه موضوع فعلا واسع و متشعب.و نكتفي بهذا الملخص عسى أن نفيد ونستفيد و ليس لنا من غرض سوى نشارك إخوانا لنا في حمل هموم الأمة.





الاحد ١ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو عمر الجزائري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة