شبكة ذي قار
عـاجـل










عدت من المدرسة ودمي ( فاير ) ولم يجرؤ أن يتحدث معي أحد من أولادي البالغين .. سمعت ابنتي الصغرى ( نبض ) تقول لوالدها : الحك مها متخبلة اليوم .. ( نبض ) تسميني مها وتسمي جدتها ماما لأنها كبرت في حضنها منذ الولادة .

دخل عليّ كرار وهو يسألني ( خير شكو ) .. أجبته ( ماكو شي ) فلم يصدقني .. الحّ عليّ فسردت له الحكاية ..

تقابلنا أنا ومشرف المدرسة في الشارع وأنا عائدة من المدرسة، فقال لي مبارك ست مها.. قلت له خير أستاذ، شكو، قال البرلمان صدرّ قانون حظر البعث المقبور ..

الراتب تأخر عن موعده أكثر من اثنى عشر يوماً وأنا مفلسة ووضع ابني مصطفى المصاب بالسرطان يزداد سوءً فبماذا يفيدني قانون مثل هذا.. هل ينقذ ابني من الموت؟

صرخت في وجه المشرف وقلت له والله أنت ( بطران يا أستاذ ) .. الناس تموت جوع، عطالّة بطالة في الشارع، لا الموظف يقبض راتبه بانتظام، وصاحب المحل عاجز عن دفع إيجار محله، اخوية قاسم يشتغل عمالة بالمسطر.. يوم يشتغل وعشرة كاعد .. هذا القانون لا يشبعّ جائع ولا يروي عطشان ..

قال لي المشرف هو يحاول أن يهدئني: على كيفج ست مها، انتقمنا لأبوج الشهيد ولشهداء حزب الدعوة ..

تركت المشرف وغادرت المكان إلى البيت وأنا التقط أنفاسي بصعوبة.. سألتني أمي في الباب : ( هاي يمة استلمتي راتب ) كانت تحتاج إلى فحوصات جديدة وتعاني من انسداد شريان القلب وتحتاج إلى عملية جراحية وسفر إلى الخارج للعلاج لأن مستشفيات العراق غير آمنة لعلاج مثل حالتها ..

مرض أمي وراثي، شقيقتها الكبرى أجرت عملية جراحية في الخارج على نفقة الدولة سنة 1981 .. في وقته، تقدم جدي بطلب إلى القصر الجمهوري وعرض مشكلته إلى الرئيس صدام، فأمر بإرسالها على نفقة الدولة للعلاج فشفيت خالتي وعاشت بصحة جيدة !!

لم نتمكن أن نطلب علاج والدتي من الدولة لأن والدي طلع حزب دعوة واشترك في مؤامرة اغتيال الرئيس أثناء زيارته للدجيل ( فسودّ وجهنا ) وحكم عليه بالأعدام وصرنا عائلة المعدوم في ذلك الوقت وعائلة الشهيد اليوم لكن وضعنا صار أسوأ من قبل .. في زمن صدام، وقبل خيانة والدي له، كنا نقصد القصر الجمهوري ونعرض مشكلاتنا عليه والرجل كريم ما يقصرّ ..

صدام حسين لم يعدم أبي وهو جالس في بيته أو مقهى، بل تآمر على الرجل وكادوا أن يسلبوا منه حياته ويعرضوا البلد للخطر وهو يحارب إيران ..

ماذا جنينا نحن الشيعة من إيران؟ وضعنا اليوم أسوأ مما كان في زمان صدام؟ وحزب الدعوة ورطّ شبابنا ورجالنا.. كبارهم يغرقون في النعيم والفقر مازال شايخ برؤوسنا ..

لماذا نفرح بقانون لن يبدّل في حياتنا شيئاً .. لن يرفع عنّا البؤس ولا الفقر؟

الله يرحم الرئيس صدام .. لو كان موجوداً اليوم ربما كانت امرأة مثلي المعيلة الوحيدة لعائلة تتكون من ثمانية أفراد ليس فيهم عاملة غيري آنذاك -تطرق بابه وتطلب منه علاج أمها وابنها المريض بالسرطان منذ خمس سنين .

البعث لم يتعرض لنا بعد إعدام والدي ولم يأت بعثي ويطرق بابنا ويسمعنا كلاماً جارحاً أو يحرمنا من الخدمات.. كنا مثل بقية أبناء الشعب نتسلم الحصة التموينية ونشرب الماء الصافي وننعم بالكهرباء وأنا تعينت معلمة في زمن البعث .. كتبت رسالة إلى الرئيس صدام حسين في حينه وقلت له ( والدي تآمر عليك فهل تعاقبنا جميعا ) .. صدر أمر بتعييني معلمة لأني نجحت بامتياز ..

نحن عائلة المعدوم لم نفرح بقانون مثل هذا، ولم التق أحدا من الدجيل واخبرني أنه فرح وطائر من السرور لأن الفاسدين في مجلس النواب أصدروا قانوناً مثل هذا لا يقدم ولا يؤخر .. لا يرفع الشعب إلى فوق، بل ينحدر به إلى الحضيض أكثر وأكثر ..

أشهد بالله أن حياتنا كانت أفضل في زمن صدام الذي أعدم والدي لأنه شارك في مؤامرة ضده وكان صدام أرحم بنا من هؤلاء الذين ورطوا والدي وغيره في التآمر عليه .. كان له باب نطرقه فيفتحه لنا، بل كانت أبواب حزبه مفتوحة لنا ولغيرنا ما إن نطرقها حتى تفتح لنا. أما اليوم فباب من نطرق ونطلب منه النجدة؟

هذا القانون لن يضر البعثيين بل سيضرنا نحن من تآمر على البعثيين، بل على العراق فالبعثيون وبشهادتنا نحن قدّموا إلى الناس ما لم يقدمه هؤلاء الذين ادعوا سنوات أنهم يريدون أن يرفعوا من شأننا ويرفعوا عنا المظلومية فظلمونا اكثر واكثر ..

من لنا بمن يعيد صدام لنفديه بالأرواح وما نملك، فقد اكتشفنا أننا كنا مخدوعين، وكلفتنا هذه الخدعة روح والدي الذي فقدها لتآمره على صدام والبعثيين، بل على العراق الذي بناه البعثيين وأعزوه، فجاء هؤلاء ليذلوه ويدمروه ويقتلوا شعبه





الجمعة ٢ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مها الدجيلي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة