شبكة ذي قار
عـاجـل










وزير خارجية العراق في العهد الوطني:
صدور التقرير ثمرة لجهود دقيقة وكفؤة ومثابرة بذلتها الدبلوماسية العراقية الوطنية وأحبطت بفضلها الحملة الدبلوماسية والسياسية الهائلة التي قامت بها امريكا وبريطانيا وحليفاتها استراليا وإيطاليا وإسبانيا وإيران وإسرائيل وغيرها لاضفاء الشرعية الدولية على مخطط غزو العراق واحتلاله وتدميره .

 

د. ناجي صبري الحديثي، وزير خارجية العراق الأسبق، في حوار للشرق :

كنت شاهدا على تعمد بلير وبوش إغلاق جميع الأبواب بوجه أي حل أو اتصال دبلوماسي مع بغداد

التقرير يتيح المجال لعائلات الوف الضحايا العراقيين للمطالبة بالتعويض

صدور التقرير ثمرة لجهود دقيقة وكفؤة ومثابرة للدبلوماسية العراقية الوطنية في إفشال حملة بلير - بوش

دور بريطانيا رئيسي في التحريض على العدوان على العراق والمشاركة في غزوه وتدمير دولته

التقرير هو وثيقة رسمية تثبت بطلان الأسس القانونية التي استند اليها بلير في قراره بالمشاركة في غزو العراق

التقرير يكشف دور مجرم الحرب بلير والطاغية بوش وخطوة مهمة لتحقيق العدالة الدولية

تحركات قانونية لإحالة بلير للقضاء البريطاني او الدولي بصفته مجرم حرب

بلير وبوش يتحملان العواقب الكارثية للحرب على العراق وما فقده من قتلى ومشردين

امريكا تتكتم على حقيقة خسائر حرب العراق حيث فقدت في 48 شهرا 73 الفا و 693 جنديا وبين 3-4 ترليونات دولار

تبريرات بلير لخوض حرب العراق يعتبرها البريطانيون أنفسهم في قمة الهذيان

بلير لم يعتبر الشعب البريطاني صاحب القول الفصل وانحاز للرئيس الامريكي

تقرير شيلكوت خطوة أساسية صلبة على طريق الانتصاف للشعب العراقي من الدول التي ارتكبت جريمة غزوه

العراق فقد 150 الفا اغلبهم مدنيون وتم تشريد اكثر من مليون مدني

غزو العراق وسياسات اميركا وبريطانيا أدت الى نمو التطرف والارهاب والنزاعات الطائفية بالمنطقة

أجرى الحوار ـ طه حسين

دعا الدكتور ناجي صبري الحديثي ، آخر وزير خارجية للعراق في عهد الرئيس صدام حسين ، جامعة الدول العربية ، إلى توظيف نتائج تقرير شيلكوت ، في تشكيل ضغط سياسي واسع النطاق على كل الدول التي شاركت في جريمة غزو العراق لانصاف أبنائه المنكوبين بالاحتلال، و ذلك انطلاقا من مسؤوليتها القومية عن كل ما يدعم الامن القومي العربي الجماعي باعتبار أن الغزو قد خلق تهديدا ارهابيا واسعا ليس للعراق فحسب بل لكثير من الدول العربية الأعضاء.

وكشف الحديثي في حوار مع "الشرق" ان عدد من المحامين والقانونيين العرب والعراقيين المقيمين في بريطانيا وخارجها يعتزمون تشكيل لجنة للبدء بالتحرك لتفعيل نتائج شيلكوت بما يؤدي الى انصاف العراق دولة ومواطنين من الدول التي اعتدت عليه دون أي مسوغ قانوني و دون أي استفزاز او اعتداء من جانب العراق، ولا سيما ان التقرير يتيح المجال الآن لعائلات الوف الضحايا العراقيين الذي تعرض ذووهم لأضرار جسيمة جراء احتلال القوات البريطانية الجزء الجنوبي من العراق ومشاركتها في العدوان على مدينة الفلوجة بالتحديد ومدن أخرى الى جانب قوات الاحتلال الأميركية، تقديم دعاوى مدنية امام المحاكم البريطانية للمطالبة للتعويض عما اصابهم أو أصاب ذويهم من أضرار مباشرة من قوات الاحتلال البريطانية سواء بالقتل او التعذيب أو الاحتجاز غير المشروع او تدمير الممتلكات.

وفيما نجح الحديثي في تعرية بلير وبوش من الغطاء الدولي لشن الحرب على العراق، أكد الحديثي تعمدهما إغلاق جميع الأبواب بوجه أي حل أو اتصال دبلوماسي مع بغداد لحل الازمة التي نجحت الدبلوماسية العراقية في حلها عمليا والتي انتهت بالسماح للمفتشين بتفتيش المنشآت العراقية .

وقال الحديثي ان صدور صدور لجنة التحقيق البريطانية حول حرب العراق ( تقرير جون شيلكوت) هو ثمرة لجهود دقيقة وكفؤة ومثابرة للدبلوماسية العراقية الوطنية في إفشال حملة بلير - بوش وأن دور بريطانيا كان رئيسيا في التحريض على العدوان على العراق والمشاركة في غزوه وتدمير دولته وهو بمثابة وثيقة رسمية تثبت بطلان الأسس القانونية التي استند اليها بلير في قراره بالمشاركة في غزو العراق وأن تبريرات بلير لخوض حرب العراق يعتبرها البريطانيون أنفسهم في قمة الهذيان .

واعتبر هذا التقرير "عمل مهم جدا لتحقيق العدالة في قضية غزو دولة العراق المستقلة ذات السيادة ، وخطوة أساسية صلبة على طريق الانتصاف للشعب العراقي من الدول التي ارتكبت جريمة غزو واحتلال وطنه وتسببت في تدمير حياته وتعريض الملايين منهم للقتل والتشريد والتهجير".

وبين أن امريكا تتكتم على حقيقة خسائر حرب العراق حيث فقدت في 48 شهرا 73 الفا و 693 جنديا وما بين 3-4 ترليونات دولار ، واشار إلى ان هناك اجماع على ان غزو العراق والسياسات التي اتبعتها اميركا وبريطانيا في ادارته أدت الى نمو التطرف والارهاب والنزاعات الطائفية والتهديدات الامنية في كل المنطقة.

وفيما يلي نص الحوار :

كيف تقرأ سعادة الوزير نتائج تقرير شيلكوت ؟
لا يمكن قراءة نتائج أعمال هيئة التحقيق العمومي في مشاركة بريطانيا في غزو العراق برئاسة سير جون شيلكوت بعيدا عن ثلاثة اعتبارات أساسية . أولا: الدور الرئيسي لبريطانيا في التحريض على العدوان على العراق والمشاركة في غزوه واحتلاله وتدمير دولته الوطنية وحياة شعبه بصفتها الشريك الأول للولايات المتحدة التي قادت العملية. والاعتبار الثاني هو صدور هذا التقرير عن هيئة رسمية شكلتها الحكومة البريطانية نفسها بقرار من السيد غوردن براون رئيس الوزاراء السابق عام 2009، وليس عن جهة قانونية بريطانية مستقلة أو جهة غير بريطانية. ويتمثل الاعتبار الثالث بالضغوط الشديدة التي مارستها الادارة الاميركية واتباع مجرم الحرب توني بلير على الحكومة البريطانية لتعويق عمل هيئة التحقيق ولتأخير اعلان نتائجها والضغط من أجل حجب اعمال الهيئة عن الجمهور تارة، ومنع الكشف عن الوثائق السرية الخاصة بمداولات الحكومة البريطانية وخصوصا ما كان يدور من مداولات بين بلير والمسؤولين البريطانيين حول سياسته ازاء العراق ونيته المشاركة بغزوه ، وما دار كذلك بينه وبين سيده الطاغية الأرعن جورج دبليو بوش ، فضلا عن الضغوط التي مارسها أتباع بلير على جيريمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني لدفعه للتخلي عن مواقفه المؤيدة لهيئة شيلكوت ولتسهيل اطلاعها على كل الوثائق واطلاع الجمهور على مجريات عملها واخيرا لدفعه للتخلي عن مساعيه للمطالبة باحالة بلير للقضاء البريطاني او الدولي بصفته مجرم حرب.

وفي ضوء هذا يمكن القول ان صدور هذا التقرير عمل مهم جدا لتحقيق العدالة في قضية غزو دولة العراق المستقلة ذات السيادة ، وخطوة أساسية صلبة على طريق الانتصاف للشعب العراقي من الدول التي ارتكبت جريمة غزو واحتلال وطنه وتسببت في تدمير حياته وتعريض الملايين منهم للقتل والتشريد والتهجير.

جهود مثابرة
ويعد صدور التقرير ثمرة لجهود دقيقة وكفؤة ومثابرة للدبلوماسية العراقية الوطنية ، التي تمكنت بتوفيق من العلي القدير خلال سنتين فقط برغم الحصار وما فرضه من شحة في الامكانيات المادية وقيود ثقيلة شتى على تحركنا الدبلوماسي والسياسي، أن تحبط وتفشل الحملة الدبلوماسية والسياسية الهائلة التي شنتها الأجهزة الدبلوماسية والاستخبارية الاميركية والبريطانية بمشاركة ودعم كبيرين من اجهزة الدول الحليفة مثل ايطاليا واسبانيا واستراليا وايران واسرائيل طوال 12 سنة بهدف تهيئة البيئة الدولية المناسبة لإضفاء الشرعية الدولية على مخططها غير المشروع لغزو العراق واحتلاله وتدمير دولته وإسقاط حكمه الوطني .

فهذا التقرير الوثيقة يثبت بطلان الأسس القانونية التي استند اليها بلير في قراره بالمشاركة في غزو العراق. ويؤكد ان بلير قد بالغ كثيرا بالحجج التي ساقها لتبرير قراره، وبأنه قـَبـِل بدون أي تفنيد معلومات مغلوطة عن اسلحة دمار شامل مزعومة لدى العراق وعن تهديد مزعوم كان يشكله العراق لبريطانيا . ووجه التقرير انتقادا مريرا للاسلوب الذي اعتمده بلير في دفع بريطانيا للمشاركة في غزو العراق. وقال ان الملف السيء الذي قدمه بلير الى مجلس العموم في سبتمبر 2002 لا يدعم زعمه بان لدى العراق برنامج للاسلحة الكيماوية والبيولوجية.

كما اتهم التقرير حكومة بلير بالاخفاق في التحسب للعواقب الكارثية للحرب، وقال ان العراق فقد 150 الفا او ربما اكثر واغلبهم مدنيون وتشرد اكثر من مليون مدني . وان شعب العراق قد عانى معاناة كبيرة. وقد عاب التقرير على بلير تعهده لبوش عام 2002 بانه سيسير خلفه مهما اتخذ من قرارات ومهما كلف الأمر بدون النظر الى مصالح بريطانيا وقانونية الأسس التي يستند اليها بوش في قراراته ازاء العراق.

وقال سير جون شيلكوت رئيس الهيئة في مؤتمر صحفي في لندن ان قرار بريطانيا بمهاجمة واحتلال دولة ذات سيادة للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية كان قرارا في غاية الخطورة .

أقسى حكم
وقد عدت جريدة الغارديان تقرير هيئة شيلكوت أقسى حكم بحق رئيس وزراء بريطاني معاصر، وقالت انه ضمنيا يحشر بلير في الخانة نفسها التي وضع انطوني ايدن رئيس وزاراء بريطانيا الذي اتخذ قرار غزو مصر في محاولة فاشلة للسيطرة على قناة السويس عام 1956 .

وقد أثار هذا التقرير قلقا واضحا في الولايات المتحدة، الذي لا تريد المؤسسة العسكرية الصناعية الحاكمة فيه أن يتفحص الشعب والرأي العام الاميركي قرار الغزو والاحتلال ويطلع على خسائر اميركا البشرية والمادية الحقيقية ، خصوصا انها خسرت في غزو واحتلال العراق أضعاف ما خسرته بريطانيا على صعيد الخسائر البشرية والمادية. فالولايات المتحدة ما تزال تتكتم على حقيقة انها خسرت في حرب العراق مرة ونصف أكثر مما خسرته في فيتنام. فقد تسرب من دائرة المحاربين القدامى في وزارة الدفاع الأميركية اواخر عام 2007 تقرير رسمي نشره موقعها الرسمي في بداية شهر مايو 2007 يتضمن احصائية مفصلة عن خسائر الولايات المتحدة في حرب العراق يثبت انها في الفترة من 20 /3/2003 حتى شهر مايو 2007 أي في فترة 48 شهرا قد بلغت 73 الفا و 693 جنديا ، وأن عدد الجنود الجرحى الذين أصيبوا باعاقة دائمة بلغ مليون و620 الفا و905 جنود. وهذه الفترة أقل من نصف فترة الاحتلال العسكري للعراق الذي بدأ في 9/4/2003 وانتهى يوم 31/12/2011 . ورغم حجب السلطات هذا التقرير بسرعة الا انه عاد وانتشر من جديد في الكثير من المواقع الأميركية منذ 2010.

هذا بالاضافة الى ان الغزو قد كلف اميركا ، حسب تقديرات الاقتصادي الاميركي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستغلتز والاستاذة في جامعة هارفارد ليندا بيلمرعام 2006 نحو 2 ترليون دولار في حالة انسحاب القوات عام 2010 . أما وقد انسحبت القوات في نهاية 2011 فان التقديرات الآن تتراوح بين 3 – 4 ترليونات دولار.

وقد اثار التقرير رد فعل مباشرا من استراليا الشريك الآخر في جريمة غزو العراق حيث أدلى هاوارد رئيس الوزراء السابق الذي اتخذ قرار المشاركة بحديث منفعل عن التقرير وعن الغزو وما ادى اليه ، وكرر فيه تبريرات توني بلير المتهافتة وتمسكه بموقفه وبقرار الغزو.

العالم ليس آمنا بعد صدام
لكن توني بلير قال في معرض دفاعه عن قراره بغزو العراق بانه يتحمل المسؤولية عن قرار الغزو، وبرره انه تصرف بحسن نية لما فيه مصلحة بريطانيا بناء على تقارير الاستخبارات وعلى رأي (النائب) المدعي العام البريطاني غولدسمث ، فما رأي سعادتكم بذلك خصوصا انه قال ان العراق والمنطقة والعالم الآن أكثر أمنا بعد الاطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين؟

من تابع بلير في حديثه للصحافة بعد اعلان نتائج التحقيق العمومي لاحظ انه حينما أخذ يجتر أكاذيبه المعروفة كان منفعلا وتحشرج صوته وتقطع . وقد رد على بلير البريطانيون انفسهم فوصفت جريدة ( The Sun) الأوسع انتشارا في بريطانيا مزاعمه عما حققه الغزو للعراق والمنطقة والعالم بانها قمة الهذيان. وردت جريدة غارديان في افتتاحية بعنوان مؤثر (بلد مدمر، ثقة محطمة و سمعة للحضيض) قالت فيه: " لم تتعافى سمعة بلير أبدا من تأثيرات الغزو الكارثي للعراق. والآن لف التحقيق الذي طال انتظاره حكما صارما لا رحمة فيه حول عنقه . واضافت :" بعد ثلاثة عشر عاما يتضح من جديد كما في الانفجار الهائل الذي هز بغداد نهاية الأسبوع الماضي، ان المأزق الذي يعانيه الشعب العراقي ما زال بلا نهاية. واضافت "ان الفكرة الفوضوية لتغيير النظام التي طرحها بعد 11 سبتمبر الشوفيني ذو التفكير المحدود والمتفاخر بجهله، رجل البيت الأبيض جورج بوش قد أدت الى ما كان متوقعا اي الفوضى العارمة... وباختصار فان الفشل الذريع والكوراث باقسى صورهما يتجليان في العراق اليوم." وتحدثت عن تفاخر بلير بتغيير النظام الوطني في العراق فقالت: " كان تغيير النظام هدفا أعلنه البيت الأبيض بدون أي مواربة. وحينما ربط بلير نفسه بعجلة البيت الأبيض بدون ان يترك لنفسه أي منفذ للخروج فانه قد تبنى ذلك الهدف تبنيا كاملا. وكان هذا خطأ مروعا، لأنه أولا وقبل كل شيء، ينطوي على الزام بريطانيا بخوض حرب من اختيارها، و لم يكن أي مبررات حقيقية لشنها، إلا سورة من الغضب للانتقام من تفجير البرجين في نيويورك من دون التفريق بين المتشدديين الإسلاميين والبعث العلماني."

وقد أشارت الجريدة الى ان بلير " صم أذنيه عن سماع تحذيرات الخبراء حول الصعوبات التي يمكن أن تعقب الغزو، وشكوكا كبيرة حول الادعاء بان العراق يشكل تهديدا وشيكا وهو ادعاء غريب وغير مألوف تماما". وأضافت " لقد نزلت اعداد كبيرة من الناس للاحتجاج لم يشهد البلد مثلها من قبل. ولكن بلير لم يعتبر الشعب البريطاني صاحب القول الفصل وانما الرئيس الامريكي". وفي هذه اشارة الى نزول أكثر من مليون بريطاني الى شوارع لندن يوم 15/2/2003 في أكبر مظاهرة سلمية في تاريخ بريطانيا احتجاجا على توجهات بلير العداوانية وللمطالبة بمنع الحرب على العراق.

ومن بين مئات المقالات التي ظهرت في الصحف البريطانية وانتقدت بلير على تصرفه العدواني غير المبرر ضد العراق مقالة نشرتها جريدة صنداي تايمز ذات المكانة المتميزة والراقية في اوساط السياسيين والمثقفين البريطانيين . قالت الجريدة يوم 4/9/2005 في افتتاحية بعنوان (جئنا ودمرنا العراق وسنجرحه أكثر اذا بقينا) : " ان احتلال العراق دمر النظام والقانون في بغداد فحلت الفوضى مما جعل المثل القائل ( ساعة فوضى أسوأ من 100 سنة استبداد) ينطبق تماما على بغداد. وقالت ان بلير سجين في غوانتانامو سياسي ، سجين أوهام البنتاغون.

وبشأن قوله انه سمع نصيحة النائب او المدعي العام غولدسمث. فقد كشفت تحقيقات هيئة شيلكوت ان عدد كبيرا من الخبراء والدبلوماسيين في وزارة الخارجية البريطانية قد اعترضوا منذ عام 2001 على توجه بلير للمشاركة في غزو العراق، وانهم أبلغوه ان ان الغزو غير قانوني وسيؤدي الى خسائر كبيرة والى انهيار العراق، وابلغوه نصا: :" ان اسقاط النظام العراقي يتطلب عملا عسكريا واسع النطاق او غزوا بريا ما من شأنه ان يؤدي الى تقطيع أوصال العراق وهو ما يتعارض تعارضا واضحا مع مصالح بريطانيا في المنطقة." وكان غولدسمث المسؤول القانوني البريطاني الوحيد الذي وافق بلير في مسعاه العدواني . ورغم انه حذر في الشهر الاول من عام 2003 من ان الحرب على العراق لن تكون قانونية ومشروعة، الا أنه بعد ضغوط من بلير وإثر زيارة الى واشنطن عاد غولدسمث الى لندن باعلان يوم 7/3/2003 برر فيه توجه بلير للحرب على العراق بانه يستند الى قرار مجلس الأمن 1441 في 8 /11/ 2002 في حين ان هذ القرار احتفظ لمجلس الأمن وحده بحق البت بأي مزاعم عن عدم التزام العراق ببنوده وحرم رعاته الاميريكيين والبريطانيين من محاولتهما الخطيرة الثانية لاضفاء الشرعية الدولية على مخططهما لشن الحرب على العراق. وقد أدى تراجع النائب العام عن موقفه السابق الى استقالة الخبيرة القانونية اليزابث سوزن هيلمزهيرست نائبة المستشار القانوني لوزارة الخارجية التي كانت قد ابلغت وزير الخارجية والحكومة البريطانية ان قرار الغزو غير قانوني وينتهك القانون الدولي . وكان خبراء قانونيون آخرون منهم سير ستيفن وول كبير المستشارين الدبلوماسيين لرئيس الوزراء قد اعترضوا على توجه بلير لشن الحرب على العراق. فقد نبه السير وول منذ عام 2002 ان بلير قد تخلى عن حكم القانون وانه وبوش يعدان لحرب غير قانونية على العراق. واستند هؤلاء وغيرهم من الخبراء والسياسيين والنواب البريطانيين الذين عارضوا توجه بلير لتوريط بريطانيا في مخطط البيت الابيض لغزو العراق الى احدى أهم القواعد الآمرة (الملزمة) في القانون الدولي (Jus cogens) التي وردت في ميثاق الامم المتحدة – الفصل الأول الخاص بمقاصد ومبادىء المنظمة الدولية –المادة الثانية الفقرة الرابعة بوصفها من مبادىء الأمم المتحدة. وتنص هذه القاعدة الآمرة الملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على ما يلي: " يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد "الأمم المتحدة". وليس ثمة سوى استثنائين من هذه القاعدة الآمرة، وكلاهما لا ينطبق على حالة العراق . الاستثناء الأول ورد في المادة 42 من الفصل السابع من الميثاق التي فوضت مجلس الأمن، بعد ان يستنفذ جميع السبل السلمية لحل النزاع، الذي يرى فيه تهديدا للأمن والسلم الدولي، الواردة في الفصل السادس، أن يصدر قرارا باستخدام القوة لحفظ الامن والسلم الدولي. وفي هذه الحالة يدعو الميثاق مجلس الأمن (في المواد 43 الى 49 من الفصل السابع) لوضع عملية استخدام القوة تحت الاشراف المباشر للجنة اركان الحرب التي تضم رؤساء اركان حرب جيوش الدول الخمس دائمة العضوية. أما الاستثناء الثاني فقد ورد في المادة 51 من الفصل السابع من الميثاق التي أجازت حق الدفاع عن النفس للدولة التي يقع عليها عدوان مسلح وذلك الى حين انعقاد مجلس الامن وتوليه مسؤولية النظر في النزاع واتخاذ التدابير اللازمة لازالة التهديد الحاصل للسلم والأمن الدولي. وهذا نصها: " ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه. " وهذان الاستثناءان كلاهما لا ينطبق على حالة العراق في زمن ارتكاب جريمة الغزو ولا في اكثر من 12 سنة سبقتها، فليس ثمة قرار يجيز استخدام القوة ضد العراق بعد قرار 678 في 29/11/ 1990 ، وليس ثمة اعتداء ارتكبه العراق ضد أي دولة أخرى.

وقد تجاهل بلير هذه التحذيرات وغيرها.
خيارات سلمية
يشير التقرير الى الحلول السلمية للنزاع والخيارات التي كانت متاحة لتجنب الحرب ، فما هي دلالات هذا التقرير ازاء الخيارات السلمية التي تجاهلها بلير ؟

ورد في التقرير "ان بريطانيا انضمت الى عملية غزو العراق قبل استنفاد الخيارات السلمية لنزع السلاح. ولم يكن العمل العسكري في حينه الملاذ الأخير." وهي اشارة دقيقة ومهمة لحقيقة يعرفها المتابعون لملف أزمة االبحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق وملف العلاقات بين العراق من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى. فقد سعت الدولتان لتعويق اي فرصة في اروقة الامم المتحدة لاتباع الخيارات السلمية في حل الخلاف بشأن تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وقد مارست اجهزة الولايات المتحدة كل السبل المشينة لتعويق وصول وفودنا الى مقر الامم المتحدة واجرائها المفاوضات والاتصالات مع وفود الامم المتحدة وهيئات التفتيتش. أما عن الاتصالات الثنائية بين العراق وهاتين الدولتين لتسوية الازمة التي نشبت بينهما منذ عام 1990 ، فقد اوصدتا جميع الأبواب بوجه أي حل أو اتصال دبلوماسي. وحتى حينما طلبت حكومة بلير من الحكومة العراقية عبر وسيط بريطاني عام 2002 لقاءً بين وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني السيد برادشو ومسؤول عراقي ووافقت القيادة العراقية وانتدبتني للقائه واتفقنا على اللقاء في نيويورك فان حكومة بلير تخلفت عن اللقاء، ولم يحضر المسؤول الكبير الذي اختير بديلا عن الوزير وهو ألستر كامبل مساعد بلير لشؤون الاتصال والعلاقات والمسؤول الأول عن ملف العراق، وقد اطلق عليه الاعلام البريطاني بعد الحرب لقب استاذ الخداع والتزوير ( (Spin Doctor.

وكان بلير نفسه قد اعلن ذات مرة في عام 2002 ان لديه ملفا كاملا عن ترسانات الاسلحة العراقية الكيماوية والبيولوجية وان العراق عاد لانتاج المواد النووية لصنع سلاح ذري. فرددت عليه مباشرة ودعوته لارسال فريق تفتيش بريطاني أو من الامم المتحدة وابديت استعداد العراق الكامل لتسهيل وصولهم الى هذه الترسانات المزعومة. فلم يرد وتهرب من التعقيب. وكذلك فعل سيده جورج دبليو بوش فقد وجهنا عدة دعوات للادارة الامريكية وللكونغرس لارسال فرق تفتيش لكي تدلنا وتدل الامم المتحدة ومفتشيها على هذه الاسلحة المزعومة. ولكن لا حياة لمن تنادي.

وكان السلطات العراقية قد تجاوزت كل المحرمات التي كانت تراعيها في البداية في تعاملها مع فرق التفتيش منذ بدء عملها في العراق في شهر مايو 1991 ، وفسحت المجال لفرق التفتيش للوصول الى أي مكان واستخدام أي وسائل وآليات وطائرات اقتحامية مستفزة لأغراض الكشف والتحري البري والجوي، كما تعاون العلماء العراقيون مع خبراء التفيتش في كل المجالات، حتى وصل الأمر بفرق التفتيش عن الاسلحة المحظورة ، رغم كل المساوىء والاستفزازات في سلوك اعضائها ومسؤوليها، الى العجز عن تثبيت أي تقصير على العراق خصوصا في الاسابيع الاخيرة من عام 2002 واالشهرين الأول والثاني من عام 2003 . وحينما عجزت ادارة بوش وتابعها بلير عن اقناع مجلس الامن لاصدار قرار يجيز الحرب على العراق بغطاء شرعي دولي بفضل جهود الدبلوماسية العراقية، وحينما عجز المفتشون عن ايجاد مجال لادانة العراق ذهب بوش وبلير للحرب في وقت كانت كل الانظار الدولية متجهة الى التقدم الكبير الذي احرزته عملية التفتيش في العراق في حل كل المسائل المتبقية وذلك في عمل واضح لاجهاض الخيارات السلمية الواعدة التاحة آنذاك للحل . ويتضح الفارق على نحو صارخ اذا قارنا تهافت المسؤولين الأميركيين والبريطانيين للتفاوض مع ايران لمدة 13 عاما وتفاخرهم بالتقاط الصور التذكارية مع وزير خارجية ايران التي تتبجح دولته تفاخرا بانتهاك قرارات مجلس الامن الخاصة بموضوع التفاوض، والتي تنتهك كل صكوك القانون الدولي في ميدان حقوق الانسان وتتدخل علنا في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وترعى علنا وبدون أي اخفاء او انكار الارهاب والارهابيين في كل المنطقة.

خطوات مطلوبة
ماهي برأي معاليكم الخطوات المطلوبة قانونيا في ضوء نتائج التقرير؟
هيئة شيلكوت هيئة للتحقيق العمومي (Public Inquiry ) , وليست للتحقيق القضائي. لذلك اكتفت بتشخيص طبيعة قرار الغزو ولا قانونيته من حيث تجاوزه سلطات الامم المتحدة وتسببه بالعداون على دولة مستقلة ذات سيادة بدون أي مبررات قانونية او مسوغات تتعلق بأمن بريطانيا . وهناك جانبان مدني وجنائي لتداعيات التقرير. فالتقرير يتيح المجال الآن لعائلات الوف الضحايا العراقيين الذي تعرض ذووهم لأضرار جسيمة جراء احتلال القوات البريطانية الجزء الجنوبي من العراق ومشاركتها في العدوان على مدينة الفلوجة بالتحديد ومدن أخرى الى جانب قوات الاحتلال الأميركية، تقديم دعاوى مدنية امام المحاكم البريطانية للمطالبة للتعويض عما اصابهم أو أصاب ذويهم من أضرار مباشرة من قوات الاحتلال البريطانية سواء بالقتل او التعذيب أو الاحتجاز غير المشروع او تدمير الممتلكات. أما الجانب الجنائي المتعلق باحالة مرتكبي الانتهاكات من العسكريين ومسؤوليهم وعلى رأسهم توني بلير بوصفه صاحب قرار الغزو ، فقد أعلن الخبير القانوني العراقي صباح المختار رئيس جمعية المحامين العرب في بريطانيا ان عددا من المحامين يعكفون الآن على دراسة كيفية التقدم بطلب الى النيابة العامة في بريطانيا لفتح تحقيق قضائي في ما ورد في تقرير سير شيلكوت. كما يعتزم عدد من المحامين والقانونيين العرب والعراقيين المقيمين في بريطانيا وخارجها تشكيل لجنة للبدء بالتحرك لتفعيل نتائج هيئة شيلكوت بما يؤدي الى انصاف العراق دولة ومواطنين من الدول التي اعتدت عليه دون أي مسوغ قانوني و دون أي استفزاز او اعتداء من جانب العراق. كما اوضح ذوو الجنود البريطانيين الذين قتلوا او جرحوا في العراق انهم يواصلون البحث مع محاميهم عن امكانية المطالبة باحالة بلير الى القضاء المحلي، او الدولي ان تعذر الاول، بوصفه مجرم حرب استنادا الى ما ورد في تقرير هيئة التحقيق العمومي الرسمية البريطانية من ادلة وتشخيص دقيق.

وهناك بعض السوابق المهمة ذات الصلة في بريطانيا والمانيا وايرلندا وهولندا. ففي عام 2006 تسلل بريطانيان الى قاعدة فيرفور الجوية وتوجها الى قاذفة بي 52 الاميركية العملاقة حاملين ادوات ودهان فقبض عليهما واحيلا الى المحكمة لكن هيئة المحلفين اخفقت في الاتفاق على ادانتهما حيث بررا عملهما بانهما كانا ينويان تعطيل الطائرة الاميركية لمنعها من ارتكاب جرائم حرب في العراق. وكرر المحاولة مواطنان آخران حينما اقتحموا لقاعدة وعطلوا أكثر من 20 عربة خاصة بتحميل القنابل لذات الطائرة. وبررا عملهما بتبرير مماثل. ولم تستطع المحكمة ادانتهما. واجلت البت بقضيتهما. ولكن الأمرمختلف في ايرلندا والمانيا. فقد اطلقت محكمة ايرلندية سراح 5 ناشطين من أجل السلام بعد ان احدثوا بالفؤوس والمطارق عطلا بكلفة 3 ملايين دولار في طائرة حربية اميركية في مطار شانن. وفي المانيا افرجت المحكمة الفيدرالية الادارية عن ضابط برتبة نقيب رفض اطاعة اوامر قادته بقوله ان ذلك يورطه في عملية غزو العراق غير الشرعية. وقال القاضي الالماني ان ميثاق الامم المتحدة لا يجيز لدولة شن الحرب على دولة اخرى الا في حالة الدفاع عن النفس او بموجب قرار لمجلس الأمن . وان الدول التي تهاجم العراق لا تملك هذا الترخيص. وفي هولندا ثمة قرار قضائي ينص على ان غزو العراق غير قانوني. ولا شك ان تقرير جيلكوت سيفتح الباب واسعا امام قرارات واجراءات مماثلة في الدول الأوربية وربما في الولايات المتحدة التي قادت عملية الغزو نفسها.

رد فعل عراقي
كيف يمكن للحكومة العراقية استغلال التقرير لصالح الشعب العراقي؟
تقرير هيئة التحقيق العمومي بمشاركة بريطانيا في غزو العراق يخص بالدرجة الأولى بريطانيا التي صدر عن حكومتها ويحدد موقفها من قرار المشاركة في غزو العراق واحتلاله الذي اتخذته حكومة بريطانيا برئاسة توني بلير عام 2003. وبطبيعة الحال فإن التقرير يخص بالدرجة الثانية، إن لم يكن بدرجة مساوية، الدولة المعتدى عليها وهي دولة العراق التي وقع عليها ضرر القرار البريطاني.

لم أطلع حتى الآن على رد فعل او موقف رسمي من الحكومة العراقية من هذا التطور المهم جدا في القضية العراقية. لكني اطلعت على تقرير لوكالة رويتر نقل تصريحا لأثنين من العراقيين الأول مواطن ساهم في العمل الرمزي لاعلان الاحتلال والثاني أحد أركان الحكومة العراقية التي أعقبته. وقالت وكالة رويتر، وانقله نصا : (( في التاسع من أبريل/نيسان 2003 انهال كاظم حسن الجبوري بالمطرقة على قاعدة تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وسط بغداد، قبل أن تسقطه القوات الأميركية.وبعد أكثر من 13 عاما على تلك الحادثة، أعلن الجبوري (58 عاما) ندمه على تحطيم التمثال، وتمنى أن يعود صدام بعد كل ما شهده العراق خلال تلك المدة من قتل وتدمير. وبعد ساعات من صدور تقرير لجنة التحقيق البريطانية الذي انتقد بشدة مشاركة لندن بقيادة توني بلير في غزو العراق إلى جانب الولايات المتحدة، صرح الجبوري - وهو مواطن شيعي- بأنه يتمنى عودة صدام، رغم أن نحو عشرة من أقربائه أُعدموا أثناء حكمه. وقال الجبوري لرويترز "أتمنى أن يعود صدام.. هو أعدم الكثير من أقربائي، لكن يبقى أحسن من هؤلاء السياسيين ورجال الدين الذين أوصلوا العراق إلى وضعه الحالي"، في إشارة إلى الأحزاب السياسية الشيعية التي تولت السلطة بعد الغزو. كما قال الجبوري إن العراق كان أفضل تحت حكم صدام حسين، ودعا إلى ضرورة محاكمة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لأنهما خربا العراق بأكاذيبهما، وتبين أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل.")) ثم أوردت الوكالة تصريحا للسيد موفق الربيعي القيادي في التحالف الحاكم حاليا والذي شغل منصب مستشار الأمن القومي عدة سنوات عن رأيه بنتائج تقرير شيلكوت. وفي ما يلي نص ما نشرته الوكالة: ((" ويرى عضو البرلمان ومستشار الأمن القومي السابق موفق الربيعي أن الحرب اندلعت عام 2003 من أجل هدف نبيل هو الإطاحة بمن وصفه بالطاغية. وقال الربيعي "أنا شخصيا قلت لتوني بلير في إحدى المرات: أنت أعظم بريطاني في التاريخ لإطاحتك بالدكتاتور" . وأضاف أن التخلص من صدام أتاح للعراقيين فرصة حقيقية لإرساء الديمقراطية. " ))

وهنا دعنا ننظر الى الحالة من حيث المبدأ: حكومة دولة اعتدت على دولة ذات سيادة وغزت اراضيها واحتلتها وساهمت مع شريكاتها في تحطيم بناها الأساسية وتدمير حياة أبنائها. هذه الدولة المعتدية تعترف بوثيقة رسمية بأن ما فعلته كان قرارا خاطئا لا يستند الى أي اساس قانوني ولا مبررات له. فالمفروض والمتوقع ان حكومة الدولة المعتدى عليها، إذا كانت حريصة على الدفاع عن مصالحها الوطنية وحماية حقوق شعبها، أن تتلقف هذه الوثيقة بوصفها فرصة ذهبية لتأمين مصالحها الوطنية التي تضررت بالعدوان وأن تتوسل بكثير من الوسائل لهذ الغرض ومنها :

أ. الاتصال بالدولة المعتدية لبحث أي افاق ممكنة لتسوية ما يترتب على الدولة المعتدية من تعويض للدولة عما اصابه مرافقها الخدمية ومنشآتها العمومية ومصالحها واراضيها ومسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية فيها من أضرار جسيمة، ولرعاياها عما اصابهم من أضرار في حياة ذويهم وممتلكاتهم وعلى نحو لا ينتقص من مصالحها الوطنية ومن حقوق رعاياها. ب. تهيئة الدعم من منظمة اقليمية تنتمي اليها ومن الدول الصديقة لكي تسند مطالبتها بحقوقها سواء في اتصالاتها الثنائية مع الدولة المعتدية او في المحافل الدولية.

ت. وفي حال الفشل في التوصل لتسوية مع الدول المعتدية تلبي حقوقها الوطنية وحقوق مواطنيها، تتهيأ للتوجه الى مجلس الأمن للمطالبة بحقوقها من الدولة المعتدية التي اعترفت بعدوانها وعدم مشروعيته بوثيقة رسمية ومطالبته باحالة القضية الى المحكمة الجنائية الدولية، في حال عدم تمكنها من التوجه مباشرة الى المحكمة كونها هي أو الدولة المعتدية غير منضمتين الى اتفاقية روما التي انشأت بموجبها المحكمة. ت. مساعدة مواطنيها (ماديا) على اقامة دعاوي مدنية للمطالبة بالتعويض في محاكم الدولة المعتدية او في محاكم دولية وتوفير المشورة القانونية اللازمة لهم . ث. ينبغي بالطبع للحكومة الحريصة على المصالح الوطنية لدولتها وحقوق ابنائها ان تكون قد اعدت مسبقا ملفات قانونية حصرت ووثقت فيها هذه الاضرار سواء التي اصابت الدولة وكياناتها ومرافقها العمومية او تلك التي أصابت رعاياها.

المطلوب عربيا
ما هي سعادة الوزير الخطوة المطلوبة من الجامعه العربية ؟
ان غزو العراق واحتلاله كان بمثابة الزلزال الذي ضرب كل المنطقة العربية. فمن يطلع على تصريح فيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني ويقرأ تعليقات اهم الصحف الغربية ومنها البريطانية على تقرير شيلكوت ومنها ما ذكرته جريدة الغارديان بأن "غزو العراق لم يكن خطأ ولا زلة بل جريمة"، يجد اشارات واضحة الى هذه الحقيقة. فثمة اجماع على ان غزو العراق والسياسات التي اتبعتها اميركا وبريطانيا في ادارته أدت الى نمو التطرف والارهاب والنزاعات الطائفية والتهديدات الامنية في كل المنطقة، كما ادت الى تصاعد التهديد لأمن بريطانيا على نحو خاص. وأضيف هنا لدول اوربا الأخرى.

والمؤمل والمرجو من جامعة الدول العربية أن تنظر الى هذا التقرير والى عملية غزو العراق واحتلاله من المنظور القومي وليس منظور التمثيل القُطري، أو على الاقل كما ينظر البريطانيون ( المشاركون في الغزو) وغيرهم. اذا فعلت ذلك، ونتمنى ان تفعل، فهي لن تكون بحاجة الى طلب من الدولة المعنية للتحرك، بل تتصرف وفق ميثاقها وانطلاقا من مسؤوليتها القومية عن كل ما يدعم الامن القومي العربي الجماعي باعتبار أن الغزو قد خلق تهديدا ارهابيا واسعا ليس للعراق فحسب بل لكثير من الدول العربية الأعضاء.

ولا بد من الاشارة في هذا الصدد الى مطالبة رئيس اكبر الكتل النيابية في مجلس الأمة المصري السيد سعد الجمال بمحاكمة توني بلير وبوش على خلفية تقرير شيلكوت. وقال ان التقرير يكشف المؤامرات المستمرة ضد الوطن العربي لتحقيق الأطماع الغربية والصهيونية في الاستيلاء على الاوطان ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها. وطالب السيد الجمال بسرعة التحرك في الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي لتقديم جميع المسؤولين عن غزو العراق وعلى رأسهم بوش وبلير الى المحكمة الجنائية الدولية بوصفهم مجرمي حرب. وطالب بتكليف لجنة دولية لحصر الاضرار المادية والاقتصادية والسياسية التي تكبدها العراق من وراء الغزو والاحتلال.

وإذ أتقدم بالتحية والتقدير لهذا النائب المصري الشهم ادعوه للتوجه أيضا الى البرلمان العربي بوصفه عضوا فيه لاتخاذ موقف مماثل وللتحرك منه الى جامعة الدول العربية والى البرلمان الأوربي وغيره لتشكيل ضغط سياسي واسع النطاق على مجرمي الحرب ليس في بريطانيا فحسب بل في اسبانيا وايطاليا واستراليا وايران التي شاركت كلها في جريمة غزو العراق ولانصاف أبنائه المنكوبين بالاحتلال وما خلفه من دمار وخراب وفتن طائفية وتطرف وارهاب.

إحباط الفتنة
كنت وزيرا للخارجية ونجحت في تجريد بوش وبلير من الغطاء الدولي لحربهما ضد العراق، اليوم ما الذي يمكن ان تعمله سعادتك والشخصيات الوطنية العراقية والمخلصون العرب ؟

حينما شرفتني دولتي وكلفني قائدها الرئيس الشهيد صدام حسين رحمة الله عليه بمسؤولية وزارة الخارجية عام 2001 ، عملت من موقعي هذا على قيادة الدبلوماسية العراقية الوطنية في أشرف مهمة وطنية وفي أصعب مرحلة من تاريخ العراق وأشرس معركة دبلوماسية للدفاع عن وطننا ودولتنا وشعبنا . وكان هدفنا بطبيعة الحال منع الغزو ورفع الحصار واستعادة دولة العراق عافيتها ودورها الطبيعي الطليعي التي هي جديرة به ومكانتها التي تستحقها بين شقيقاتها وفي محيطها الاقليمي والدولي . غير ان قرار الحرب كما اتضح من وثائق الدول الغازية كانت واشنطن ولندن قد اتخذتاه قبل 11/9/2001 وبالتحديد منذ نيسان/ ابريل 2000 بعد تسلم الطاغية بوش ولايته. ولم يكن بوسعنا ولا بوسع أي قوة خارجية (ولا حتى داخلية في داخل النظامين الاميركي والبريطاني) تغيير هذا القرار. لكننا بفضل من الله تعالى وبهمة وتفاني نخبة من خيرة الدبلوماسيين العراقيين انجزنا والحمدلله بتوفيق منه تعالى هدفا وطنيا كبيرا وتأريخيا واستراتيجيا في حرمان المعتدين من تغطية جريمتهم المنكرة في غزو بلدنا واحتلاله بغطاء شرعي دولي مما جعلها كما هي في حقيقتها جريمة كبرى ونتهاكا صارخا للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة ولجميع الأعراف الدولية، أو كما وصفتها وثائق محاكمات نومبرغ أعظم الجرائم الدولية . أما الآن فلست في أي موقع قريب من ذلك الموقع الذي تشرفت بتمثيل دولتي الوطنية العراقية والدفاع عنها وعن شعبي من خلاله. ولكن البركة والحمد لله في العشرات من الخبراء القانونيين والدبلوماسيين العراقيين ومئات الالوف من الناشطين المعارضين للاحتلال الانكلوـ اميركي ولسياسات شريكه النظام الايراني التدخلية الارهابية المعادية للعراق والساعين لانقاذه من محنته ومن مخاطر انتشار الفساد والفوضى وموجات الارهاب والتطرف والفتن والطائفية والعنصرية مهما كان مصدرها وغطاؤها وذرائعها. وبالنسبة للوطنيين العرب ادعوهم لقراءة ما تكتبه الصحف البريطانية والاوربية منذ اطلاق تقرير شيلكوت عما تسببت به جريمة غزو العراق واحتلاله من مخاطر وتهديدات للامن الوطني للدول العربية والأوربية حينما أدخلت الى العراق لأفاعي التطرف والارهاب والفتن الطائفية واطلقت عنانها فيه ، ومنه الى كل المنطقة، تحت أغطية وبراقع دينية وطائفية وعنصرية شتى. وأتمنى عليهم أن يعوا حجم وحقيقة هذه المخاطر أولا وان يسهموا في احتوائها وصدها واحباطها في مهدها المركزي ومهودها الفرعية لدرء شرورها عن بلدانهم وشعوبهم ، حمانا وحماهم الله منها ومن تداعياتها .





الاربعاء ٨ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة