شبكة ذي قار
عـاجـل










 

 

 

منذ أيام قليلة والجزائر لازالت تحتفل بالذكرى الستينية لثورة نوفمبر التحررية المجيدة كان الملتقى الدولي حول الممارسات القمعية والسياسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر ..التعذيب نموذجا المنعقد بوهران محطة ومعرضا ولقاء.... رأينا من خلاله بشاعة الصور القمعية و الممارسات اللا إنسانية، ما يكسر الروح و يبكي القلوب و تقشعر له الأبدان ..ونحن في الجزائر لنا في كل يوم وشهر وسنة ما يطبع منها ذاكرة مُدماة في الجسد والوجدان مكانا وزمناً كان قاسيا علينا، تكرره الآلام والذكريات مع الأيام؛ ولهذا أقسمنا أننا لن ننسى ولن نغفر ولن نطوي صفحات الماضي الاستعماري البغيض.... في كل مدينة وجهة من مساحات الجزائر الشاسعة متحف لا يمحوه الزمن من الإرث الاستعماري فبعد موضوع الساعة الذي لم تتوقف آلامه ومصائبه بعد تلك التجارب النووية والكيماوية و البيولوجية التي أجريت بصحرائنا الشاسعة والتي لا تزال آثارها مدمرة على أبناءنا وهي مزروعة ومطبوعة في جيناتنا البشرية وما تشوه من ارض الجزائر الطبيعية من آثار لأسلحة الفناء الفرنسية ...

لا شك أن الذاكرة الجزائرية للأجيال الجزائرية والعربية مهما امتدت سوف تحاسب كل من يحاول أن يضلل أو يغطي على جرائم الاستعمار الفرنسي أو يتجاهل مواعيدها وتاريخها المخزي، كما ستفاجأ الأجيال الجزائرية الصاعدة ، التي علمناها في دروس المدرسة الوطنية الجزائرية بأن الاستقلال الوطني للجزائر قد تم استعادته نهائيا بعد جهاد قاس وطويل على مدى مئة واثنان وثلاثين سنة من الكفاح الدامي والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الجزائري على مذبح الحرية والكرامة مقدما ملايين الشهداء والضحايا، كانت خاتمتها قرابين مليون ونصف المليون من الشهداء، عربون نصر ثورة الأول من نوفمبر 1954، وكان ميعاد الخامس من جويلية 1962 هو الحد الفاصل بيننا وبين فرنسا الاستعمارية؛ لكوننا قد حصلنا على استقلالنا ومنَّينا النفس والأمل أننا سنواصل استحقاق بقية الحقوق المغتصبة في سنوات النهب والسيطرة الاستعمارية .

وإذا كان البعض يحاول يتفهم بأن فرنسا قد طلبت مهلة زمنية لتصفية ونقل تركة قواعدها العسكرية الكثيرة من ارض الجزائر، وخاصة الترسانة البحرية في قاعدة المرسى الكبير و قاعدتي رقان وتمنراست للتفجيرات النووية وقاعدة التجارب الكيماوية في وادي الناموس بولاية بشار، على أن الحقيقة الصاعقة لنا جميعا كأجيال ما بعد الاستقلال تصدمنا و التي جاءت تفاصيلها متسربة عبر صحافة عدونا الفرنسي بالأمس، فاجأتنا عديد المجلات والصحف والتصريحات الفرنسية بالقول أن الاستعمار الفرنسي لم يترك أراضي الجزائر في المواعيد المحددة في الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الفرنسية مع ممثلي جبهة التحرير الوطني والحكومة الجزائرية المؤقتة؛ بل استمر التواجد الاستعماري حتى منتصف السبعينيات كما هو الحال في وادي الناموس، سمعنا كل ذلك في حين سكتت أمامها السلطات الجزائرية، هل يمكن أن يعترف أحدهم يوما من أن فرنسا ظلت تستخدم مساحات واسعة من أراضينا في قاعدة وادي الناموس، شمال ولاية بشار، وظلت تجرب فيها مختلف الأسلحة الجرثومية والكيماوية لغاية عام 1978 ، في إطار اتفاقية سرية جدا جرى التكتم عليها حتى اليوم، تمت مع السلطة الجزائرية الحاكمة بعد الاستقلال .في حين تحدثت مصادر غربية أخرى عن تاريخ لاحق للانسحاب الفرنسي من منطقة وادي الناموس وقيل حتى العام 1997... أيهما نصدق ما يقال أم ننتظر نهاية الصمت الحكومي المطبق حول هذا الموضوع حتى اليوم.

ومادام السيد فرانسوا هولاند يزمع زيارة بلادنا وحكومته تبشرنا بالمن والسلوى وثمار هذه الزيارة الموعودة، لابد علينا أن نُذّكر انه من بين تلك المحطات التاريخية المتواصلة والمعقدة بيننا وبين الحكومات الفرنسية بأنه تاريخ 18مارس 1962 الذي نحتفل به كيوم للنصر، وهكذا سميناه وتعلمه صغارنا في مواعيد الأعياد الوطنية، بأنه كان يوم وقف إطلاق النار الرسمي مع القوات الفرنسية، تلاه يوم الاستفتاء على تزكية الشعب الجزائري بأجمعه لمطلب الاستقلال، كي يسمع ويقتنع به ديغول، ثم تم تحديد ا 5 جويليه 1962 كيوم تاريخي رسمي للاستقلال، والمؤلم أن ذلك التاريخ كان يتطابق بنفس التاريخ، أي قبل 132سنة مع 5 جويليه 1830م يوم نزول القوات الفرنسية الغازية بسيدي فرج، مُدشنةً تاريخ احتلال الجزائر الاستيطاني، وكأن فرنسا كانت وظلت تُملي علينا حتى تحديد يوم الاحتلال وحتى يوم الاستقلال حصرياً في تاريخ الخامس من جويليه من كل عام، لتذكرنا دائما بعمق مأساتنا الوطنية المستمرة مع الاستعمار الفرنسي .

وما بين 18 مارس وجويلية 1962 كانت فترة الهدنة المعلنة رسميا، وكان الشعب الجزائري وقيادة الثورة تلملم وتشد الجراح لاستقبال مهام المرحلة الجديدة، لكن فرنسا الغادرة أصرت على طعن فرحة الشعب الجزائري بتخليها، وبسرعة وبأقل من شهرين، عن كل عهود توقيعها على اتفاقيات أيفيان بأن أقدمت على تفجير واحدة من أكبر القنابل النووية الملوثة بالإشعاع في العالم آنذاك والمسماة ظلما وعدوانا تجربة بيريل (PERIL) في الأول من ماي 1962 بطاقة تفجيرية عالية وصلت آثارها أقصى الحدود الشرقية والجنوبية للجزائر وما جاورها في اكبر كارثة تلوث إشعاعي لازالت آثارها قائمة، ثم استمرت فرنسا في استهتارها وهي تدوس على مفردات وبنود اتفاقية أيفيان باستمرار احتلالها للمرسى الكبير بوهران ومناطق التجارب النووية اللاحقة برقان والهوقار لغاية 1967؛ في حين أصرت على الاحتفاظ بقاعدة وادي الناموس بولاية بشار حتى 1978 و يقال حتى 1997.

ولا نذهب بعيدا في عمق التاريخ الاستعماري والعلاقات مع فرنسا؛ بل نذكر بما تركته الفترة الساركوزية معنا بعد فضيحة وعود ساركوزي ووزير دفاعه موران بوعدهما منح ضحايا الكارثة النووية في الجزائر حقوق التعويضات التي يستحقونها مثل بقية الضحايا من الفرنسيين العسكريين والبولونيزيين، لكن الحقائق التي يعرفها شعبنا تشير إلى رفض جميع ملفات الضحايا الجزائريين من الذين قدموا شكاواهم إلى السلطات الفرنسية ولجنة موران و لم يقبل ملف واحد من كل ملفات الضحايا الجزائريين البالغة 450 ملفا رغم أن هناك عشرات الألوف من الحالات التي لم يعرف أصحابها سبيلا لاسترجاع حقوقهم من سلطات فرنسا الاستعمارية الباغية.

وعندما جاء الرئيس فرانسوا هولاند سار على نهج وطريقة سلفه ساركوزي بإطلاق الوعود وبإصلاح وتعديل شروط التعويضات الخاصة بالضحايا الجزائريين الناجمة عن الأخطار النووية والتلوث الإشعاعي، وتبقى سياسة المماطلة من خلال الوعود بتشكيل اللجان الحكومية ومنها ما أعلن عن ما تم التوصل إليه من اتفاقات خلال زيارة عبد المالك سلال رئيس الحكومة الجزائرية في زيارته الأخيرة لفرنسا وتوقيع الطرفين على اتفاق وعدت به فرنسا الشروع في تطهير المناطق الملوثة في مواقع تجاربها النووية والكيماوية والجرثومية السابقة بالجزائر ووعود بتسليم جزء من الأرشيف الفرنسي والخرائط التي يحتاجها الطرف الجزائري لحماية سكان تلك المناطق من الأخطار، ولأن الموضوع حساس جدا ومُحرج عند الكشف عن تفاصيله الكاملة، ولأنه سيكلف الخزينة الفرنسية المليارات من الأورو ، فأن فرنسا كعادتها ستلجأ مرة أخرى إلى الوعود الكاذبة والمماطلة وإظهار الشفقة الزائفة على الضحايا، لكنها ستلعب لعبتها الاستعمارية من خلال تكريس الضغوط على الحكومة الجزائرية وإشغالها في فتح ملفات أخرى مشبوهة وليست في صالح الطرف الجزائري، منها التلويح بالضغط على الجزائر للتعويض عن ما يسمى ممتلكات الفرنسيين السابقين من المستوطنين الذين غادروا الجزائر بعد الاستقلال وقضايا أخرى يعرفها من هو مطلع على كواليس العلاقات الفرنسية الجزائرية السرية.

من حقنا كشعب جزائري في عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان، الذي تتبجح فرنسا به ليل نهار، أن لا نرحب بزيارة مثل هذا الضيف، غير المرغوب فيه، و الذي لا يحمل أي بشائر أمل وخير للجزائر سوى خدمة مصالح فرنسا وأطماعها ، كما لا نأمل منه وكسابقيه في تصحيح أوضاع تركة الفترة الاستعمارية البغيضة وفتح آفاق للتعاون المتكافئ بين بلدين مستقلين، لكل منهما سيادته وإرادته الوطنية المستقلة.

كما أن فرنسا عبر كل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والسياسية لم تقدم حتى الآن أي اعتذار عن حجم جرائمها المرتكبة ضد الجزائريين، وما زيارة وكيل الدولة الفرنسي لشؤون المحاربين القدماء في 8 ماي الماضي ووضعه إكليلا من الزهور برفقة وزير المجاهدين الجزائري على قبر أحد شهداء 8 ماي في سطيف، دون أن يعبر عن أي موقف جديد أو الإشارة عن قريب أو بعيد عن إدانة تلك المجزرة التي ذهب ضحيتها أكثر من 45 ألفا من الضحايا الجزائريين العُزَّل في مدن قالمة وخراطه وسطيف وغيرها، ما هو إلا دليل على استمرار العنجهية الفرنسية واستمرار نكرانها للحقائق المترتبة عن مسؤولية جرائمها.

بعد كل هذا فهل يتوقع مسيو فرانسوا هولاند أن أحدا من الجزائريين سيكرر غلطة ذلك الأحمق الجاهل الذي قبَّل يده بطريقة عفوية خلال زيارته السابقة لمدينة سطيف، والتي أهانت كرامة الجزائريين وأثارت استنكارهم الكبير بطول البلاد وعرضها، وهي الحادثة التي عمقت من جرح كل حر جزائري يرفض سطوة فرنسا إلى يوم القيامة، وهي تلك الحادثة التي تم استنكارها على نطاق واسع وتم توضيح خبل ذلك المعتوه المدعو الساسي حمزة الذي فعلها وحصل على جزاءه سجنا لمدة عامين نافذة كانت قليلة بحقه.

يا مسيو هولاند: لا تتوقع أن يستقبلك هنا مرة أخرى تلاميذ وطلبة من جامعاتنا، ولن تحضر لك تلمسان مرة أخرى أطفالها الأبرياء ليُغَنوا لك ترحابا، أنت لا تستحقه، ولن تسمع بعد اليوم زغاريد حرائر الجزائر التي طالما سمعناها تحية لمقدم أخبار وأعراس شهدائنا وأبطالنا، سوف لن تسمع إلا بعض الأصوات النشاز ممن يطالبونك بتسهيل إجراءات الفيزا أو التأشيرة لفرنسا، نعلمك أن كثيرا من الشباب الجزائري قبلهم قد ماتوا غرقا في وسط لُجة أمواج البحر المتوسط وهم يهاجرون مغامرين بحياتهم نحو فرنسا بعد أن فشلوا على الحصول على تأشيرة سياحية رسمية حسب الأصول لدخول فرنسا، و سوف لن يستقبلك يا سيد هولاند من بقايا ألأفراد من جيل جزائري ماض قد شاخ و عجز حتى عن الحركة مُقعدا، بعد أن تنكرت له فرنسا عن حقوق له عن خدمته السابقة في الإدارة الاستعمارية الفرنسية أو عندما ساقتهم السلطات الاستعمارية ضمن التجنيد الإجباري في جيشها خلال الحروب التي خاضتها فرنسا سابقا فكانوا إما قتلى أو معوقين أو عاجزين تماما...

نذكرك يا سيد هولاند انه في الجزائر اليوم جيل آخر واع لا يتطلع من فرنسا شيئا سوى أن تكف فرنسا وسياساتها وشرورها عن التدخل في شؤون الجزائر، بدءا من التخريب الاقتصادي والتدخل في كل شؤون الحياة الجزائرية، والعمل على تخريب التعليم العالي والمنظومة التربوية وإفساد لغة الأجيال ومنع برامج التعريب لاستعادة الشعب الجزائري هويته و انتماءه القومي والوطني..

لا تتوقع منا أن نرحب بكم وبغيركم من ساسة فرنسا إلا إذا احترمت فرنسا كل تعهداتها وتعاملت مع الجزائر وطنا وشعبا محررا يعتز بتاريخه ومجده الثوري والحضاري.

 





الاثنين ٣٠ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أمينة صاري العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة