شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما منحت بريطانيا وعدها المشئوم على لسان وزير خارجيتها بلفور كان ذلك إيذانا بقرار إقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين، كانت قبلها عشرات الأفكار التآمرية لاختيار المواقع الجغرافية التي بدأت تختارها قيادة الحركة الصهيونية لقيام دولة إسرائيل المرتقبة، بدأ الأمر من تيودور هرتزل وأستمر النقاش حول الموضوع حتى بداية القرن العشرين عندما كان العراق تحت الانتداب البريطاني، شأنه شأن فلسطين، وبدأ الموضوع يحتل الخيار الأول في الاستهداف اليهودي الصهيوني للعراق لأسباب وعوامل عدة لضمان ديمومة وبقاء الكيان الصهيوني مستقبلا.

بقي اليهود عبر تاريخهم الطويل يؤمنون وبكل قناعة أنه ما أن تقوم لهم قيامة أو ينشأ لهم كيان أو وجود إلا و كان العراقيون ماضيا وحاضراً هم رأس الرمح الذي يسقط مخططاتهم في المنطقة؛ فمنذ العهد البابلي، وعندما توجهت جيوش نبوخذ نصر نحو أور سليم ( القدس ) فأسقط دولتهم الأولى، وظل الأسر البابلي لليهود وجلبهم أذلاء إلى بابل هو الحدث الشهير الذي يقترن بذاكرة اليهود أبداً عندما سقطت دولتهم الأولى و الأخيرة على يد البابليين .

وهكذا احتلت الذاكرة اليهودية مساحة شاسعة من الحقد الأسود على العراق، بلدا وتاريخا وحضارة وشعبا، و على مر الأجيال، حقد ظل يتراكم، وينفذ ضد شعب العراق بأشكال وصيغ متجددة .

ورغم إعلان وعد بلفور المشئوم من قبل بريطانيا العظمى، وأعطيت التسهيلات من حكومة الانتداب بالشروع في تنفيذ الهجرة اليهودية الكبرى إلى أرض فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي، وحال انتهاء الحرب العالمية الأولى إلا و قد حرصت حكومات بريطانيا على أن تضعف العراق من جهة و تقوي و تخطط لمستقبل ظهور الكيان الصهيوني على أرض فلسطين .

وما أن أعلن القيام هذا الكيان 1948 حتى بدأ العد التنازلي لإبعاد العراق عن ساحة الصراع القادمة والمحتملة في فلسطين. وهكذا تم وضع الحاجز السياسي و الجغرافي المطلوب إيجاده بين أرض فلسطين التاريخية و بلاد واد الرافدين، أي العراق وعمقه البعيد شمالا وجنوبا، فكان ظهور كيان سياسي جديد سعت إليه حكومة بريطانيا وأسمته المملكة الأردنية الهاشمية ليكون الحاجز والمانع السياسي والعسكري والاستراتيجي بين الدولة العراقية والدولة العبرية التي كان يُعد لظهورها في فلسطين .

و عندما اعتمدت الحركة الصهيونية العالمية سياسة طرد سكان فلسطين عن ديارهم و إحلال شذاذ الآفاق من يهود العالم القادمين من شتى الأصقاع في العالم نحو فلسطين التاريخية لاحتلالها و الشروع في بناء الدولة اليهودية على حساب طرد شعب فلسطين من أرضه .

لقد اختير نهر الأردن ليكون الحد الطبيعي الفاصل في تنفيذ المخطط الصهيوني ـ البريطاني بأن تكون ضفته الغربية وامتداداتها حتى سواحل البحر المتوسط لتظهر على هذه الرقعة دولتان، احتلت إسرائيل منها كامل الساحل وخيرة الأراضي، وشملت جزءا كبيرا من القدس التاريخية، وما تبقى من أريحا لتكون موقعا لدولة فلسطينية تكون محاصرة بين إسرائيل والأردن، دولة لا تمتلك أية مقومات للعيش والبقاء إلا بإجبار غالبية سكانها من العرب الفلسطينيين على التعاون والخضوع مع دولة الكيان الصهيوني المُغتَصب أو النزوح والهجرة نحو الاستقرار في الضفة الشرقية لنهر الأردن التي ظهرت عليها دولة عربية و نصب عليها ملكا من أبناء الشريف حسين مقابل خدماته في خدمة التاج البريطاني ومحاربة دولة الخلافة الإسلامية الممثلة في الدولة العثمانية.

لقد رفض العرب قرار التقسيم الجائر بحق فلسطين وشعبها فقاومها الشعب الفلسطيني بعدد من الثورات والانتفاضات طوال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وظل الشعب الفلسطيني مخذولا عربيا ودوليا ليجبر تحت رحمة الخيارات الصعبة، إما البقاء ألقسري تحت ظل الحكم الإسرائيلي أو النزوح نحو شرق الأردن أو قطاع غزة أو جنوب لبنان و بلاد الشام وحتى إلى العراق في أكبر نكبة ومأساة إنسانية جماعية تعرض لها شعب عربي في عصرنا الحديث .

إن تجاهل العرب والمجتمع الدولي ترك الجزء الفلسطيني من قرار التقسيم لقمة سائغة لطموحات المملكة الأردنية الهاشمية التي ضمت إلى أراضيها وبالانتداب الدولي كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية التي ظلت تحت حكم السلطة الأردنية حتى يوم 05/ حزيران/جوان،1967 وقد خسرها الأردن كاملة في غضون ساعات ليحتلها الجيش الصهيوني، بما سمي بحرب أو نكسة حزيران عندها أصبحت كامل الأراضي الفلسطينية التاريخية تحت حكم الدولة الصهيونية العبرية، و كذلك احتلت غزة وأجزاء من الجولان والجنوب اللبناني، غزة بكاملها أضحت تحت الإدارة المصرية وشأنها شأن سيناء المحتلة .

و بنكسة حزيران 1967 زادت حركة النزوح العام للشعب الفلسطيني واتجهت عشرات الألوف من العوائل نحو المنافي وبلدان الشتات و التهجير.

لقد بقي العراق دائما في الموقع العربي الأول مواجها نتائج النكبة العربية الأولى 1948 ومواجهة الأطماع الصهيونية في المنطقة، ورغم أنه شارك بقطاعات من جيشه في كافة الحروب العربية الإسرائيلية سنوات 1948 ،1967 و 1973 ، وقد أكدت الأحداث المتتالية إخلاص شعب وقادة العراق لقضية تحرير فلسطين، في ذات الوقت أكدت الإدارة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل قناعتها أنه: لا يهدأ لها بال والعراق واقفا أو معافى فاشتدت المؤامرة الصهيونية على العراق وخططت على مراحل، وعمل الصهاينة وحلفائهم على تقســــــيمه و شرذمة قواه الاجتماعية و تكرار دروس النزوح و الهجرة لشعبه، خاصة بعد أن أقدمت القيادة العراقية في عهد الرئيس الراحل الشهيد صدام حسين على قصف إسرائيل بالصواريخ العراقية البعيدة المدى بعد أحداث الكويت وخلال أيام العدوان الثلاثيني على العراق شتاء 1991 ، فكان الحصار الظالم على شعب العراق تديره و تقوده القوى الغربية المتحالفة مع الكيان الصهيوني، وعندما اشتدت ظروف الحرب العراقية الإيرانية كانت إسرائيل تسعى لتقديم صفقات السلاح للحكومة الإيرانية بما سمي يومها بفضيحة ( إيران غيت ) و خلال أيام الحرب تلك أقدمت إسرائيل على ضرب المفاعل النووي العراقي ، قبلها حاولت الطائرات الإيرانية قصف المفاعل بطائرات الفانتوم الأمريكية الصنع .

ما أريد القول هنا أن المشترك بين كفاح الشعب الفلسطيني والشعب العراقي بقي ثابتا و وواضحا؛ فاليهود هم الذين أسهموا منذ نهاية العهد البابلي الأخير في مساعدة كورش ملك الفرس وتآمروا على إسقاط بابل انتقاما منهم لهزيمتهم التاريخية على يد القائد البابلي نبو خذ نصر، وهم الذين تعلموا أيضا من الدرس التاريخي من حالة العراق عندما حُسم الانتصار للعرب والمسلمين ضد الغزوات الصليبية نحو فلسطين، في نهاية الحروب الصليبية، فقد حسم ذلك الانتصار القائد صلاح الدين الأيوبي الذي لا يشك أحد في أصوله العراقية الكردية.

نعود للقول أنه لا يهدأ لإسرائيل ولقادتها من بال إلا وهم يسعون إلى تفكيك العراق و تحطيمه و إلغائه من الخارطة الإقليمية والسياسية، وقد عادت المخططات الصهيونية على يد الأمريكيين وحلفاء الأمس واليوم من حكام الفرس إلى تحويل ملايين العراقيين في نكبتهم الوطنية المعاصرة إلى نازحين ومهجرين، التي تذكرنا بالحالة الفلسطينية وما آلت إليه قضية الشعب الفلسطيني من حالة تشرد و نزوح و يأس وارتهان أمام قوى الاحتلال الغاشمة .

بالمقابل بات يقين الشعب العربي في فلسطين والعراق وسائر الشعوب العربية مؤمنا بأنه لا طريق نحو تحرير القدس إلا بتحرير بغداد واستعادة حرية بابل و نينوى وضمان وحدة العراق المتكاملة و إعادة الدولة الوطنية العراقية التي فككها الغزو والاحتلال الأمريكي، واسترجاع العراق إلى أمته العربية .

إن أبواب القدس ستظل مشرعة بانتظار محرريها، وما غياب العراق ألظرفي إلا حالة وهن وضعف أملتها ظروف التآمر الصهيوني الأمريكي الفارسي ألصفوي على العراق خاصة والعرب عامة.

و في ذكرى نكبة فلسطين وإعلان تقسيمها بقرارات الأمم المتحدة المجحفة بحق العرب وشعب فلسطين نسترجع الدرس التاريخي البليغ والعمل على دعم شعب العراق لمنع جميع محاولات التقسيم لشعب و أرض العراق.

و في درسَّي فلسطين والعراق، على كافة أقطار الأمة العربية و شعوبها وحكوماتها التسلح بالوعي: أنه لا وجود لسد و قوة وإرادة تواجه الجبروت والمظالم الإسرائيلية الصهيونية اليهودية إلا بدعم شعبي العراق و فلسطين في مقاومتهما للأطماع الصهيونية.






الخميس ٢٥ رجــب ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / أيــار / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أمينة صاري العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة