شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة توضيحية :
تندرج المقالة التالية في سياق الذكرى الثانية والاربعين لقرار التأميم التاريخي الذي أشرف صدام حسين على صياغة بنائه التصوري وتحقيق مراحله التي قطعها حتى صار واقعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لعراق مستقل حقا يدير بارادة وطنية حرة ثروته النفطية التي كانت الشركات الاجنبية تحتكرها قبل التأميم. يحكي الشهيد قصة التاميم في حديثه أثناء استقباله لعدد من منتسبي وزارة النفط بمناسبة يوم التاميم الخالد بتاريخ 1/6/1983, بلغة واقعية دقيقة مشحونة بالدلالة والتشويق, ويبدو من خلال بعض التفاصيل التي يوردها في متن القصة أن قرار التأميم كان ولادة عسيرة وطويلة في محيط تتصارع فيه الارادة الوطنية مع الاستعمار الذي تمثله الشركات المحتكرة أو من يساندها من الدول التي كانت تدعي صداقتها للعراق كالاتحاد السوفييتي آنذاك. وكعادة صدام حسين في كتاباته وأحاديثـــه في مناسبات جليلة مثل مناسبة يوم التأميم فان الصدق والصراحة يؤطران هاته القصة الشيقة , اضافة الي ايراد أدلة وشواهد يمكن اعتمادها وثائق حية في دراسة حقبة مزدهرة من تاريخ العراق السياسي والاقتصادي , وفي دراسة مواقف الدول الكبرى من القرارات الوطنية التي تتخذها الدول النامية للخروج من دائرة التبعية لها .


التأميــــم , كما من عنوان الكتيب الذي عثرت عليه مطروحا بين ركام من الكتب المستعملة في احدى جولاتي في مدينة تطوان ( أقصى شمال المملكة ) , كان بداية الدفاع الصحيــح عن العراق وبداية استقلاله الحقيقي . ويبدو أن مصطلح التأميم ومفهومه في ظل العولمة ـ الاستعمار الجديد ـ فقد كل ايجابياته الوطنية والتقدمية ولم يعد مستعملا الا باعتباره مقابلا لمصطلح آخر جديد هو الخوصصة أو الخصخصة . يصعب على أكثر شبابنا العربي اليوم ادراك الارتباط بين التأميم والتنمية, أو ادراك الارتباط بين الخصخصة والاستغلال الذي يقود نحو استنزاف مجاني للثروات ومن ثم نحو التخلف. واذا كان هذا الادراك بسيطا صار صعبا أمامهم , فكيف لهم أن يربطوا بين التأميم والاستقلال الصحيح للدولة كما يطرحه صدام هنا في حديثه بمناسبة مرور احدى عشرة سنة على انجاز التأميم .


الظــروف التي أحاطت بقرار التأميــم :
كل قرار خطير من حجم التأميم لا يولد من عدم , أو لا تحيط به ظروف صعبة موضوعية أو ذاتية كانت . وقد رافقت هاته الظروف قرار تأميم النفط العراقي , وهي ظروف أعقد وأصعب مما يتخيلها شباب عراق بداية الثمانينات من القرن العشرين وهم رغم الحرب العدوانية التي شنها الخميني على بلادهم ( يجنون المحصلة النهائية لهذه البداية الصعبة , ويتمتعون بالثمرات الكبيرة للثورة 1) , الا أنهم ( لا يعرفون الظروف التي أحاطت بهذا القرار , لانهم الآن يعيشون مستوى من القرارات ومن المجابهة التي تبدو لهم الحرب فيها أعلى مستوى من عمليات التحدي..2). واذا كانت الحرب في وعي الناس جميعا أعلى الفتن وأشدها وطأة على النفوس باعتبار طابعها العدواني , الا أن صدام , وهو يقارن بينها وبين قرار التأميم مستثمرا تجليات الوطنية في أعلى صورها في هذا القرار, يرى رأيا آخــر , يقول :


( ان الحرب , بملابساتها وبالقوى المؤثرة فيها والداعية الى استمرارها , هي أعلى مستوى من مستويات المجابهة, التي يمكن للانسان أن يمتحن قدراته ووطنيته ومبدئيته وامكانياته لهذا النوع من المخاطر.. ولكن لو استبعدنا نظريا فقط الدماء الغزيرة التي دفعها ابناء العراق , دفاعا عن وطنهم, أو ثمنا لحمايته لقلنا ان قرار التأميم في ذلـــك الوقت أصعب من قرار مجابهة العدوان بالسلاح , كما يحصل اليوم في الحــرب 3).


ويشرح السيد الرئيس بوضوح المكانة التاريخية للتأميم , بعد احدى عشرة سنة, من خلال الظروف التي احاطت بهذا القرار مستذكرا قوة الحزب ونضاليته, ووضعية الاقتصاد العراقي قبل الثورة . وبين القوة والوضعية ستبدأ معركة التأميم بخطوة المفاوضات مع الشركات بمطالبتها بما يحسن وضع العراق من حيث المردود الذي يستلمه مع بقــاء امتياز الشركات كما يقول.


التــــــأميم : الفكرة والتحقيـــــق أو المخــاض العسير

ويطرح الشهيد بعد خطوة المفاوضات السابقة كيف أن التأميم كفكرة لم تكن تراود ذهن كل الذين يقودون العراق, وكيف أنه كان حلـــما يراود كل أبناء العراق ( الا أنه لم يستطع أحد أن يجهر به حتى مع نفسه..لشدة وطأته على النفس عندما يتحدث به الانسان4). وربما كان لتعثر المفاوضات مع الشركات في بداية معركة التأميم أثره المباشر في جعل التأميم بعيدا عن الاجماع وقريبا من الحلم ,فأثار التخوف من الاقدام على المرحلة التالية من المعركة في الوسط السياسي والاجتماعي خاصة وأن المناخ الدولي لن يكون مساندا للعراق في اتجاه تحقيق التأميم كما يذكر السيد الرئيس أثناء زيارته الى الاتحاد السوفييتي ولقائه مع كوسيجين وبريجينيف لبحث الموضوع معهما ومعرفة حدود دعم القيادة السوفياتية في حالة وصولنا الى هذا الظرف أي ظرف التأميم الكلي أو الجزئي كما يقول السيد الرئيس بعد أن تتعثر المفاوضات مع الشركات الاحتكارية. نسوق للذكرى والتاريخ وللعبرة كلام السيد الرئيس بعد أن وضع القيادة السوفييتية في الصورة يشير فيه الى ترددها في دعم العراق رغم الصداقة بينهما, يقول: " ...ووعدنا بريجينيف بأن يرسل فريقا فنيا الى العراق ليدرس هذا الموضوع ولتكون الصورة أمام القيادة السوفييتية واضحة في المستقبل بغض النظر عن أي شىء ... وحصل التأميم ولم يأت الفريق,وطبعا نحن لم نعاود الطلب. وكان هذا قرارنا...5".وعندما اتخذ قرار التأميم وأذيع وتمت السيطرة على المؤسسات النفطية, يؤكد القائد فعلا على نفاق وكذب القيادة السوفييتية في علاقاتها مع العراق قائلا على لسان المبعوث العراقي الذي حمل رسالة عن القيادة الى الرئيس بودغورني الذي أجاب العراقي بعد أن سأله عن امكانياتكم في دعمنا كأصدقاء, فقال ( بودغورني):" لا أعرف ماذا أجيبك ..هل أنتم تعرفون أنكم تعرضتم لمصالح الدول العظمى والكبرى..6" ويجيبه العراقي قائلا:" ... مصالح الدول العظمى التي تتحدث عنها مصالح استغلالية لذلك فبقاء مصالح هذه الدول بصيغة امتيازات في العراق انما تعرض للخطر مصالح العراق الوطنية. والعراق اتخذ القرار الوطني الصحيح للمواجهة...وعاد المبعوث العراقي بدون وعـــــد7".وفي نفس السياق يذكر السيد الرئيس كيف أن الاتحاد السوفييتى على لسان سفيره ببغداد حذر القيادة العراقية من الاقدام على التاميم, ورغم ذلك التحذير من دولة عظمى ",يقدم العراق على هذا القرار العظيم"8.


يتبــــع ...
 

 

 





الخميس ٢١ شعبــان ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٩ / حـزيران / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو ميسون المغرب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة