شبكة ذي قار
عـاجـل










بضياع فلسطين يرى الشهيد أن العرب فقدوا استقلالهم ’ وخرجوا من دائرة الفعل والتفاعل مع الآخرين , لكن في نفس الوقت برى أن النضال هو السبيل الوحيد لاسترداد فلسطين ومعها الاستقلال . ويكتسي النضال كمفهوم صدامي قدسية الواجب القومي , كما يمتد أفقيا , باعتبار الحالة الحضارية , ليشكل مفهوما انسانيا . يقول الشهيد: ( ... نؤمن أن الفلسطيني وأي عربي حينما يناضلان ضد الصهيونية , انما يقومان بواجب انساني , ونيابة عن الانسانية جمعاء بالاضافة الى واجبهما القومـــي ) . للنضال عمق سيكولوجي وضحه الشهيد بارتباط الفلسطيني بالأرض , لأن أقسى ما يتعرض له الانسان هو اقتلاعه من أرضه ونفيه عنها , وبما أن الروابط الوجدانية بين الفلسطيني والعربي متينة فان النضال قدرة لتأكيد الشخصية الوطنية والقومية في نفس الوقت , كما أنه أيضا طريق لتعزبز الارتباط العريق بالأمة العربية . فلسطين , دائما في رأي الشهيد , لا يجوز فيها انزياح الواقعي عن الوجداني, وهي الأرض الوحيدة التي يتحقق فيها شرف الوطن والأمة , فالمعركة في فلسطين ,اذن, مباركة ستقود حتما نحو الانتصار,لأن مجالها المكاني ليس محدودا بجغرافية فلسطين بل يمتد الى كامل جغرافية الأرض العربية . وبما أن أرض فلسطين ممتدة في كل أرض العرب , والنضال ـ جغرافيا ـ واسع الأفق والامتداد , فان الاستشهاد من اجل فلسطين منزلة رفيعة وقدر كل العرب . في الاستشهاد احياء مزدوج : احياء الامة العربية بكل أمجادها , واحياء الانسان العربي بانخراطه في صياغة التاريخ الانساني المعاصر. وبدون تحرير فلسطين فان هذا الاحياء غير ممكن . ويعرقل الغرب والصهاينة بوسائل شتى وصولنا الى هذا الاحياء . فكل دوائرهم العلمية والثقافية والعسكرية تصنع الخطط والحيل لهاته العرقلة , فنظرية المؤامرة وتواصلها , اذن حقيقة , ولا يمكن انكارها في هذا السياق. وقد نبه الشهيد اليها بأسلوب غير مباشر عند ذكره لرأي بعض الأشقاء وبعض الأصدقاء الذين عاتبوه على اندفاعه في مسألة التاكيد على الأستقلالية بوضعية العراق العسكرية والاقتصادية المحدودة أمام عالم ملىء بالكتل الكبيرة , وبالحيتان الكبيرة على حد تعبيره , فيصير , كما يرون , هذا المنهج غير ملائم لاعتماده في تحقيق الاستقلالية .


غير أن الشهيد بعقليته القيادية الفذة التي تستوحي أنماط تفكيرها من الواقع والتاريخ , يعترف فعلا ان امكانات العراق محدودة لا تقوى بمفردها على انجاز الاستقلالية , غير أن العراق ليس وحيدا في الطريق , بل هو مسنود في هذا الاتجاه بأمته العربية وامكاناتها الهائلة , وبالتالي عندما تتوحد الارادة القطرية بالارادة القومية وتسير الارادتان جنبا الى جنب صوب تنفيذ المشروع الاستقلالي , آنذاك يكون هذا المنهج صحيحا وهادفا , لأنه تجاوز عراقيل التنظير الرومانسي القائم على الذاتية , واستثمر جيدا مفردات القوة والايجابية في النزعة الواقعية التي عكسها تاريخ الأمة العربية المجيد. الأمة مثل الكائن الحيوي ينمو ويتجه نحو غاية ما , والأمة تعيش بامكانات الجيل المتنوعة , وهذه الامكانات بمستوياتها الطبيعية مهما كانت وفيرة فهي بكثرة الاستهلاك أو الاتلاف قابلة للزوال , الا أن الحكيم المسؤول يوفر الوسائل الكفيلة من أجل تطويرها وتجديد مصادرها لتستمر منافعها مع كل الاجيال وذلك ( اعتمادا على روح التطور ومعاني النهضة التي تعتمل في عقول وضمير ابنائها ) . التطور مصير انساني عام , لكنه عند الشهيد وفي أفقه العربي عنصر حيوي يرفد الاستقلالية ويبعدها عن شرور التبعية والتواكل على الآخـــر . لا يمكن تجريد العرب من النزعة التطورية ففي رأي الشهيد أن التاريخ العربي مسكون بهواجس التطور والرغبة في الاستقلالية منذ الأزل , وربما تكون البيئة العربية مساهمة في هذا الاتجاه غير ان الشخصية العربية بعواطفها الخلاقة باتجاه الاستقلالية لعبت دورا اساسيا كذلك في هذا الاتجاه. الاستقلالية عند صدام مفهوم مركب وبحيل على مفاهيم الحرية والسيادة ويقترن بهما , لذلك فان تحقيق الاستقلالية لا يتأتى بالحوار والمفاوضات في الكواليس المظلمة بل ينتزع انتزاعا عبر توفير الفعل النضالي المباشــر الذي يقود حتما في بعض أو كل أطواره نحو الشهــادة.


الاستقلالية تمثل ثقاقي موحد بين كل الناس , عربا كانوا أم عجما , كما هنالك تمثل سياسي شبه موحد بينهم فيما يتعلق باغتصاب الاستقلالية أو تهديدها من أعدائها الخالدين : الامبرياليين والصهاينة والفرس , فالتاريخ الانساني , اذن , يتحرك بقوة هاتين التمثليين باتجاه الصراع من أجل حماية الاستقلالية وتحصينها. والصراع باعتباره قيمة اخلاقية يسير نحو تحقيق احدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.لذلك كان الشهيد يعتبر الشهادة من أجل الاستقلالية قدر انساني يستوي فيه المؤمن وغير المؤمن. يقول صدام : من أجل أي شىء يستشهد الانسان, الجواب , من أجل القيم العليـــا.


والقيم العليا اختصار لمفاهيم متعددة على رأسها الاستقلالية التي استشهد الرجل من أجلها. يؤسس صدام بنهايته العظيمة لمفهوم مغاير للتاريخ , انه حلقات لامتناهية من الصراع بين الحق والباطل, واذا ما جردنا الكلمتين من عمقهما الديني ووضعناهما في سياق مادي صرف فانهما يعنيان التقدم والتخلف , الاستقلال والاستعمار وغيرها من الثنائيات القريبة أو المتجاورة. لذلك فان صدام أكد بفعل الشهادة أن الصراع المستمر هو غاية التاريخ. وكل تاريخ في أمة من الأمم لا يجري على قواعد الصراع ولا ينتهي باستشهاد صناعه فهو مجرد أحداث مبعثرة في الفضاء.


الصراع في التاريخ العربي لا ينتهي , ففي كل حقبه الجاهلية والاسلامية كان الصراع مع الأعداء , وفي كل حقبة كان هناك زعيم يشرف على المعارك ويخطط لها . وأكثر زعمائنا استشهدوا وهم ابطال . وكانت المثل العليا هي المحرك الرئيسي للصراع في التاريخ العربي, وتشكل الآن فلسطين , في رأي الشهيد, فضاء مناسبا للصراع من أجل بعث مثلنا التي فقدناها باغتصاب فلسطين. والصراع هذه المرة صعب وشاق , يحتاج الى صبر الأنبياء .وقد فسر الشهيد الحكمة وراء التحلي بأخلاق الصبر في موضوع تحرير فلسطين قائلا: ( لا بد أن نعترف بأن الصهيونية ستستمر زمنا آخر, لكي تخدم أغراضها الشريرة,ولكي تخدم الامبريالية وتدافع عن مصالحها ...., ولكننا لن نفقد الصبر, وسوف نستمر في النضال لتحرير فلسطين .. ) . نبوءة صدام ستتحقق : فمن أجل فلسطبن وفي سبيلها ستجري حتما أطوار أم المعارك .


التخطيط الاستراتيجي في أم المعارك يستند على قيام نهضة علمية شاملة تبدأ بتحرير الانسان العربي من كل أشكال التخلف والعبودية وتسليحه بقدرات علمية وثقافية كافية لخوض معركة تحرير فلسطين . كل المعارك التي انتصر فيها العرب استوحت مضامين الاعداد في الآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة...), وتحرير الانسان العربي جوهر هذا الاعداد في فلسفة أم المعارك. التأثير القرآني في ايديولوجية معركة تحرير فلسطين واضح ,فــ الانسان القوي في كل جوانبه , المؤمن بقضيته , المستعين بالله, الطامح للنصر أو الشهادة, كلها عناصرفاعلة جعلت الأحداث الكبرى في تاريخنا العربي المجيد تمضي الى نهاية الاعتقاد بأن القوة هي مفتاح التحرير والنصــر. والقوة مفهوم متغير حسب ظاهرة الصراع ونوع العدو, ففي حالة أم المعارك ببعدها الفلسطيني/ التحريري فالقوة بناء ممتد أفقيا وعموديا يغطي مكونات الانسان المادية والمعنوية تعتمد في ذلك على خلق اطار نهضوي علمي منافس للأطر النهضوية عند الأعداء. ومن هنا نفهم لماذا أسس العراق النهضة العلمية الشاملة و كيف جيش الاعداء حشودهم الضارية لتدميرها , ونفهم أكثر السبب الحقيقي لاستشهاد القائد الفذ صدام. القضية الكبرى هنا مع صدام ببدايته ونهايته هي أن التاريخ العربي يناضل من أجل( بعث روح الأمة العربية من جديد,لكي تأخذ معانيها التعبيرية من ذات المنبع الذي انبثقت منه الرسالات الانسانية التي خرجت من هذه الارض الى البشرية جمعاء) . وتعتبر فلسطين المعادل الموضوعي لهذا البعث, كما يعتبر الاستشهاد المعادل الموضوعي لهذا البعث.وبين الاستشهاد والبعث باعتبار القاعدة الوجودية مسافة قصيرة لكن باعتماد نظرية المعركة وما يحيط بها من وسائل التخطيط والتنفيذ , فان الأمور تصير بالغة التعقيد وطويلة , ولا يستطيع اقتحامها الا من أوتي العزم والحكمة والصبر والايمان والثقة والطباع القوية, وغيرها من أخلاق البطل الذي كان صدام نموذجه الحي في التاريخ العربي المعاصر. تنتفي فكرة المغامرة في مسيرة صدام لتحرير فلسطين,فقد وضع كل مستلزماتها وفق رؤية استراتيجية تجمع بين حصانة الشعب المعززة بالايمان وتعبئته بقدرات مادية كافية لهاته المسيرة.


ان استعادة استقلالنا بتحرير فلسطين فعلا مغامرة صعبة ,تستدعي بالضرورة فتح جبهات متزامنة و/أو متتالية يخضع فيها الوصول للنصر الى استحضار ( كل تاريخ الأمة , وكل معاني الدفاع عن الشرف والسيادة الوطنية والقومية') .


يستحضر الشهيد في رؤيته للصراع من أجل فلسطين امكانات العدو الصهيوني الغاصب , وتعقيدات الميدان , وعمق المؤامرات واتساعها, لذلك فان الصراع متشعب وصعب , ومما يزيد في صعوبته كونه صراعا بين هويتين : عربية وصهيونية, يستحيل الجمع بينهما أو اقامة تصالح بينهما. الأمة العربية لن تتعايش مع المغتصب, وقدرها أن تنتصر لتستمر أمة حية. وكل منجزات العراق وضعها الشهيد في طريق تحرير فلسطين . يقول صدام :


( ان العدو الصهيوني الغاصب لا يمكنه أن بعيش الا عندما يمحو الامة العربية كلها, ولهذا فان العرب سينتصرون في معاركهم رغم اتساع المؤامرات وعمق التعقيدات ما داموا يدافعون عن حقهم وحق الانسانية كلها, ويدافعون عن شرف الانسانية جمعاء, مثلما يدافعون عن حق الأمة العربية وشرفها, وهكذا نحن في العراق لا نعتز بنضالنا وبمنجزاتنا الا حين تكون على طريق تحرير فلسطين, ومهما واجهنا من صعوبات وما سيواجهنا مستقبلا فلن نفرط بهذا المنهج, لأننا ان فعلنا ذلك نكون قدفرطنا بمبادئنا وبشرفنا ومعتقداتنا.) . قول حكيم يلخص شخصية صدام الثورية , ويفسر للسفهاء والخونة لماذا استشهد.


سلام الله عليك أيها الرجل العظيم . لقد فقدتك الأمة , وضاع بدونك تاريخها بين الخونة والمتآمرين.





الجمعة ٣ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبــــــو ميسون نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة