شبكة ذي قار
عـاجـل










في طريقة غدت رتيبة لإمعات الإحتلال الأمريكي في العراق عند زيارتهم الرسمية لواشنطن حيث يسيرون وفق نمطية ما مرسوم لهم. إذ عشية الزيارة نشرت صحيفة نيويورك تايمز في 30-10-2013 مقالة لرئيس حكومة الإحتلال الرابعة نوري المالكي موسومة: "أصبروا علينا". ومن عنوانها وفحواها تتجه لإستجداء الجانب الأمريكي رغم حشو المغالطات فيها والتزييف لحقائق الواقع والوقائع.


لقد حاول المالكي بمقالته أن يمهد الأسباب والدوافع التي تجعله يميل إلى أولوية طلب السلاح. فحسب تصوره إن من بين ما يتطلبه مواجهة الإرهاب وجود قوة جوية، وإن: "العراق في واقع الحال لا يملك طائرة مقاتلة واحدة يحمي بها سماءه". ومن المؤكد إن إدارة أوباما تعلم يقيناً إن المالكي يريد المقاتلات أف 16 ومروحيات الأباتشي لضرب أي جهة تعارضه بذريعة مكافحة الإرهاب. وكذلك ليستمر بالسلطة الإنفرادية المتهرئة لأطول فترة ممكنة. خصوصاً وإن السنوات الثمان الماضية لم يتحرك فيها بمد صلات الثقة والأمان بين الحكومة والشعب، بل بقى يستخدم سياسة البطش والقمع والتصفيات السياسية والجسدية.


أما التطرق إلى تمتين العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق من أجل مقارعة الإرهاب داخلياً وأقليمياً، بما في ذلك الصراع الدائر في سوريا وخطر إنتشار الأسلحة النووية والكيمياوية والجرثومية في المنطقة. فإن المالكي ليس أكثر من بيدق بين واشنطن وطهران تحركانه وفق مصالحهما لا مصالح العراق وشعبه. وإن السلاح الكيمياوي السوري قد تم تفكيكه في غضون أسابيع معدودة، وإنتهى خطره ضد إسرائيل التي تمتلك وحدها السلاح النووي، وعلى خطى حثيثة تسير إيران النووية. فعن أي تعاون أمني وخطورة وشيكة يتحدث المالكي، بإستثاء ما يخدم مصالح إيران وأمريكا وإسرائيل. ألم يكتب علناً في مقالته: "وقد سررنا بإتفاقية القضاء على أسلحة سوريا الكيمياوية، ولدينا رغبة شديدة في دعمها بأية وسيلة ونقدر عليها".


ولعل قول المالكي بأن: "العراقيين يشعرون بالإمتنان إزاء التضحيات الكبيرة التي قدمها الأمريكيون بالنيابة عن شعبنا". فإنما يتحدث عن نفسه وبالنيابة عن بقية الإمعات والعملاء الذين إلتصقوا بالبصطال الأمريكي بغية الوصول إلى دفة السلطة والتلسط على رقاب العباد. حيث أشاعوا النعرة الطائفية والفتنة العرقية، فقتلوا ونهبوا وعاثوا بالأرض فساداً وما زالوا. ولو كان المالكي صادقاً لأجرى الأستفتاء بين العراقيين، لينقل نسبة الحقيقة إلى أسياده في البيت الأبيض.


ومن أكاذيب المالكي تدليسه لهذا القول: "نحن ملتزمون بمنع أية جهة خارجية تبغي تأجيج نيران الصراع في سوريا من إستخدام أراضي بلدنا أو ممراته المائية، أو حتى مجاله الجوي". في حين أن الإدارة الأمريكية نفسها قد شككت في أكثر من مرة بصدقية هذا القول. إذ أن إيران تستخدم الأراضي والأجواء العراقية بدعم النظام الدموي السوري. ناهيك بإرسال المليشيات العراقية إلى "كتائب أبي الفضل العباس" للقتال في سوريا لصالح النظام الحاكم المرتبط ستراتيجياً بالنظام الصفوي الإيراني؛ كما هو الحال أيضاً مع "حزب الله" اللبناني.


ومما يتشدق به المالكي بكل وقاحة إصراره على إنه يعمل جاهداً "على بناء ديموقراطيتنا النابضة والإرتقاء بها". فلو كان ذلك كذلك لأعترف بخسارته بإنتخابات 7-3-2010. بدلاً من الإلتفافات الملتوية التي فرضته الطغمة الصفوية الحاكمة في إيران، ورضخت لها الإدارة الأمريكية. والأنكى من هذا إعترافه سابقاً بأنه: "ما ننطيها" أي السلطة. ورغم أن الدورتين التي حكم فيها المالكي، وزاد بها مآسي ومعانات العراقيين، وأوصل البلاد إلى الحضيض في مختلف النواحي والميادين، فإنه يستعد لإنتخابات 2014 للبقاء في دورة ثالثة للحكم. فعن أية ديموقراطية ينادي بها المالكي، ويطلب من أسياده الأمريكيين: "أصبروا علينا".


ويصل المالكي بأباطيله عن حكومته الكسيحة قائلاً: "وفي خضم مقاومتها الإرهابيين والمليشيات، تلتفت حكومتنا مستجيبة للإحتجاجات السلمية بالإنخراط في حوارات موسعة وتشكيل لجان تنسيق على أعلى المستويات، وهي تبذل وسعها لإجابة مطالب المحتجين". لا نرد على هذا القول سوى التذكير بما وقع في 21-4-2013، حيث أرتكبت "قوات سوات" المرتبطة بالمالكي "مجزرة الحويجة" التي راح ضحيتها عشرات الشهداء وضعفهم من الجرحى بين صفوف المعتصمين المدنيين. وما تلاها من جرائم إبادة جماعية في ديالى وغيرها من المحافظات الست المنتفضة سلمياً.


ومن أسخف ما تتطرق إليه المالكي كلامه عن نمو الإقتصاد العراقي. حيث يكتفي بذكر الأرقام نظرياً دون ربطها على أرض الواقع عملياً. إذ يقول: "فنحن نمتلك واحداً من أسرع الإقتصادات نموّاً في العالم. إذ إستطاع التوسّع بنسبة 9،6% في العام 2011. و 10،5% في العام 2012. كذلك إزداد إنتاجنا من النفط بمقدار 50% منذ العام 2005.


وهنا نود أن نسأل المالكي: أين ذهبت ميزانيات الدولة للسنوات العشر الماضية التي فاقت 700 مليار دولار؟ ولماذا يرزح أكثر من 25% من الشعب العراقي تحت خط الفقر؟ وكيف بلغت نسبة الأمية 30% بين العراقيين؟ بعد أن أعترف اليونيسكو عام 1977 بقضاء العراق على الأمية. ناهيك بالكلام المحزن والمرير عن والصحة والزراعة والصناعة والإعمار والخدمات وغيرها، فكلها مفقودة بسبب إستشراء الفساد المالي والإداري، الذي أحتل بها العراق المرتبة العليا عالمياً. وما زالت سرقات قوت الشعب جارية على قدم وساق، وكذلك إستمرار تبديد ثروات البلاد دونما أن يقدم المالكي مسؤولاً واحداً للمحاسبة. فأين الحقيقة من قوله: "ونحن نستثمر عائدات الطاقة في إعادة إعمار بنانا التحتية وإنعاش نظامي التعليم والصحة عندنا"!


ويبدو إن مقالة المالكي لم تنطلي على الكثير من الأمريكيين. حتى إن الصحيفة التي نشرتها، طالبت أوباما أن يصر على المعايير الديموقراطية كشرط للمساعدات الأمريكية التي يطلبها المالكي. بل تطرقت للقول: في أغلب الأحيان يسيء المالكي ترجمة الدعم الأمريكي لحكومته على إنه تفويض بسلوك عنيد لا هوادة فيه، وفوق كل شيء، على أوباما أن لا يفهم العراق بأنه ديموقراطية ليبرالية، فإنها في أحسن الأحوال ديموقراطية بلا ديموقراطيين. فالعراقيون يستحقون أفضل من ذلك.


وهكذا، حالما باشر المالكي في إجتماعاته ومقابلاته السياسية، واجه الشدة خصوصاً مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ " الكونغرس". حيث مني المالكي بفشل ذريع في إقناعهم على حل وسط يضمن له الحصول على السلاح المطلوب، مقابل إرخاء قبضته السلطوية على شركائه في العملية السياسية التي أوجدها المحتل الأمريكي أصلاً. بل إن السناتور "الشيخ" الجمهوري بوب كروكر صرح لوكالة "رويترز" قائلاً: إن رئيس الوزراء "لم يتفهم قلقنا مما يجري هناك ما جعل اللقاء غير مثمر".


كيف لا وإن تصرف المالكي في زيارته الأخيرة للبيت الأبيض ماثلة للعيان. حيث فور عودته في شهر ك1/ديسمبر 2011، باشر بإقصاء ما يسمى نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي وفق المادة الشهيرة 4 إرهاب. ولقد تعرض بعض أعضاء حماية الهاشمي للموت جراء سادية التعذيب الوحشي.


بل إن النائب الديموقراطي إليوت أنغل عند إلتقائه بالوفد العراقي، وجه إنتقادات لاذعة للمالكي. فقد أشار إلى أنه "بعد كل الدماء الني بذلناها والمال الذي أغدقناه على العراق أصبح التأثير الإيراني أكبر من تأثير الولايات المتحدة" في هذا البلد. وإن حجة المالكي التي كررها خلال الإجتماع في الكونغرس، بأن في "العراق ديموقراطية ولو لم تكن مثالية" قد رفضها أنغل وغيره من النواب الأمريكيين.


وكان رد المالكي واهناً وركيكاً، حيث عزى شدة موقفهم بأنهم "متأثرون بالحملات الإعلامية المضادة للعراق". ولقد وجهه عدد من أعضاء الكونغرس رسالة إلى أوباما يحضونه فيها على ربط المساعدات العسكرية بإجراءات سياسية يتخذها المالكي حيال العرب السّنة والأكراد.
هذا وإن لقاء المالكي مع نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في يوم الخميس الموافق 31-10-2013، لم يتعدى حدوده التقليدية المتبعة في "تطوير التعاون والتنسيق بين البلدين، وتعزيز أواصر الصداقة والشراكة". بمعنى إستمرار ربط وخضوع حكومة المنطقة الخضراء إلى سياسات البيت الأبيض. وإن لقاء المالكي بوزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل عشية لقاء الرئيس باراك أوباما، فإنه أيضاً لم يثمر بتلك النتيجة المميزة التي رام إليها المالكي في الدعم التسليحي الفوري.


وعندما أستقبل أوباما ضيفه المالكي في 1-11-2013، فقد أكد الأخير "إنصياع" العراق بشكل "صارم" للقوانين والإجراءآت الأمريكية في حال تزويدها بالأجهزة والمعدات العسكرية. ثم صدر بيان تقليدي مشترك عن الحكومتين الأمريكية والعراقية بأن "الجانبين أتفقا على حاجة القوات العراقية الماسة لمعدات إضافية للقيام بعمليات في المناطق النائية التي توجد بها معسكرات المتشددين". ولم يفت أوباما أن يؤكد على ضرورة أن "يتخذ العراق مزيداً من الخطوات نحو بناء نظام ديموقراطي شاملاً مثل الموافقة على قانون للإنتخابات، وإجراء إنتخابات حرة ونزيه العام المقبل". في إشارة واضحة يؤيد فيها موقف بعض أعضاء مجلس الشيوخ المتشددين تجاه سلوكية المالكي المتناقضة مع معايير الديموقراطية الحقة.


ويبدو إن المالكي لم يكترث للقلق الديموقراطي الأمريكي، حيث واصل إستخدام الكلمات الشكلية المتضادة مع واقع أفعاله. فقد صرح عقب لقاء أوباما، قائلاً: "لا بُدّ وأن تكون الديموقراطية قوية، وسنعززها لأنها هي وحدها التي ستتيح لنا مكافحة الإرهاب". فلو كان المالكي صادقاً لأستمع قبيل سفره إلى شيوخ عشائر شمر والبو عساف وغيرهم من الذين طالبوا بإقالة ومحاسبة قائد عمليات الجزيرة والبادية في محافظة نينوى الفريق الركن حسن كريم خضير الذي حارب الأهالي بطريقة طائفية بدلاً من الإتجاه نحو "المناطق النائية التي توجد فيها معسكرات المتشددين" ويكافح الإرهاب. مما دفع بالشيخ محسن الشمري الملقب "مختار الصحراء" أن يقولها علانية بأنهم لن يتعاونوا مع قائد هذه القوات سواء في نينوى أو في غيرها من المناطق الغربية.


وكان من المفترض أن تستمر زيارة المالكي لخمسة أيام تنتهي الأحد الموافق 3-11-2013، ولكن على حين غرة لأمر طارىءٍ أجبر المالكي أن يقطع زيارته السبت ويعود مسرعاً صوب بغداد. فتم إلغاء الفقرات المقررة خلال الزيارة، ومنها لقائه بالجالية العراقية.


إن عودة المالكي الفجائية، تشابه عودة إبراهيم الجعفري الفورية من لندن إلى بغداد. حيث أن الإرباك السائد بعدم إقرار قانون الإنتخابات (وما تعول عليه الإدارة الأمريكية)، والإكتفاء بتعديله وفقاً للمساومات بين رؤوساء الكتل السياسية. مما جعلت مرجعية النجف الأشرف أن تعارض زيادة أعضاء مجلس النواب. فحسب رأيها إن الخلل ليس في العدد بل في شخص النائب نفسه. وهو رأيٌ سليمٌ وصائبٌ. ولكن كيف يستطيع النائب الوطني الغيور أن ينافس بالإنتخابات كل عتل زنيم آكل للسحت منذ بداية سنوات الإحتلال وحتى الآن؟ الجواب يكمن في إسقاط العملية السياسية برمتها، وهذا ما لا توافقه مرجعية النجف غير العراقية ولا العربية. وبالتالي فإن رأيها الصائب يقبع مشلولاً في التنظير دون التطبيق. وبذا يستمر العراق وشعبه بخندق القتل اليومي والتشريد والإعتقلات العشوائية التعسفية والتأخر والتقهقر في كافة المجالات. وعليه فلا منقذ للوطن وأهله إلا المقاومة الوطنية المسلحة بعد الله تعالى.


عموماً سوى بقى المالكي في السلطة لدورة ثالثة، أو تم تبديله بآخر ضمن الكتلة المصنوعة والمدعومة من الطغمة الصفوية الحاكمة في إيران، فإن الوضع العام في العراق لن يتغير طالما شخوص الإحتلال المسلوبي الإرادة تتحكم فيهم واشنطن وطهران. وإن زيارة المالكي للبيت الأبيض قد تجلت في تشبثه بالحصول على السلاح الأمريكي. مما يعني عدم إهتمامه بالنواحي الملحة والضرورية التي يحتاجها الشعب العراقي في الزراعة والصناعة والصحة والتعليم والخدمات والتعمير إلخ. ومن هنا فإن هدف المالكي يكمن أما في تقوية الذراع العسكري لنفسه بشكل أكبر، أو يُهيء هذه القوة إلى بديله داخل الكتلة الصفوية الحاكمة في بغداد. وفي كلتا الحالتين تكون إيران هي المستمرة في الهيمنة على العراق، ومتواصلة بمد مشروعها الصفوي الطائفي في المنطقة العربية وبموافقة أمريكية لا يمكن توريتها.

 

 





الاحد ٣٠ ذو الحجــة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عماد الدين الجبوري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة