شبكة ذي قار
عـاجـل










لاشك ان التعنيت، والقتل العشوائي للأبرياء، أمر مخالف للدين الاسلامي، ناهيك عن مخالفته لبقية الشرائع السماوية والإنسانية على حد سواء.ولذلك فأن تعنيت، وقتل النفس البريئة جريمة بكل المعايير،مهما كانت طبيعة الذريعة المعتمدة في تبريرها. وفي الإسلام كما هو معروف، توجد احكام تمنع ( قتل الأبرياء ) ، الذي يقابل ما يصطلح على تسميته بالإرهاب كما هو متداول بين الناس اليوم.ففي القران الكريم يطالعنا قول الله تعالى ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) ، وقوله عز وجل ( لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين ). اما في السنة النبوية الشريفة،فنجد قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( ان الله لم يبعثني متعنتا ولا معنتا،وإنما بعثت معلما ).


ولاجرم أن اتساع دائرة العنف باسم الإسلام اليوم، أصبحت ظاهرة مقلقة تشوه صورة الإسلام ، وتمسخ صورة المسلمين في نظر المجتمعات الاخرى،وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية في النظرة الى حقيقة مقاصد الاسلام،والسلوك المسلم،تحد من التأسي به،والاقتداء بتعاليمه، وتقلص من فرص نشره في تلك الاوساط بالتي هي احسن،ناهيك عما تلحقه قبل ذلك كله، من اضرار بالغة من الفرقة، والتشرذم، والكراهية، بين المسلمين داخل بنية المجتمع المسلم.


لقد أصبح العنف ظاهرة منفلتة بلا ضوابط، وبشكل خاص في الاقطار التي تسعى للإصلاح، والتغيير في حكوماتها،وأنظمتها،حيث يجاهد الشعب العربي هناك لتغيير الانظمة الدكتاتورية،وينافح بلا هوادة من اجل التنمية الشاملة لتحسين الحال المنهك،وتحقيق الديمقراطية، والتحرر من التبعية المزمنة للأجنبي.


ولكن الملاحظ ان التغيير بتداعياته اللاحقة اخذ يصب في خانة العنف الطائفي المسلح، والقتل العشوائي على الهوية، وبات يهدد بتفكك نسيج المجتمع، واخذ يقود إلى صراعات محلية، وحروب أهلية دموية اخذت تستنزف طاقة الامة،وتنهك الحال بشكل مقلق. ولذلك فان على اعمدة القوم من النخب،والدعاة، والكتاب،والمفكرين،والتيارات السياسية،وفصائل القوى المعارضة في كل تلك الاقطار،الانتباه بجدية الى خطورة الحال، والعمل على إقرار مبدأ نبذ العنف بكافة أشكاله، والدعوة الى اعتماد الاساليب السلمية في التغيير، والعمل على التمييز الحازم بين مشروعية معارضة الانظمة المستبدة، والسلاطين الجائرين، وبين رفض تهديم الكيانات الاجتماعية، وتدمير البنى الاقتصادية، والصناعية، والعسكرية، بالفوضى الخلاقة،التي ما هي في جوهرها إلا الية خبيثة لتمزيق الاوطان، وتفتيت المجتمع، في اجندة تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الجديد.


ولذلك ينبغي ادراك حقيقة ان الإرهاب المتمثل فكريا في رفض قبول الرأي الآخر،بالتعنيت، والتخوين،والتفسيق والتكفير، بمجرد الاختلاف مع الاخر في الموقف والرؤى، على قاعدة ( من ليس معي فهو ضدي )، ماهو الا مسلك غلو تعتمده قوى التطرف كمعيار في علاقتها بالآخر، مدفوعة بأجندات خاصة ، في حين يبقى الأصل في الاسلام اعتماد معيار ( ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ).


فالإرهاب بشقيه المسلح والفكري، بات الان يشكل ظاهرة خطيرة تحدث في أكثر من بلد عربي، كما هو الحال في ممارسات حركات الاسلام السياسي، حيث يصل الامر ببعض تلك الجماعات إلى حد تكفير الآخر، لمجرد عدم تبنيه مواقفها،في الوقت الذي يلاحظ فيه تهافتها على اعتماد اليات الديمقراطيات المعاصرة، التي جاءت بالبعض منهم بالفعل الى سدة الحكم ،كما حصل في مصر وتونس،في نفس الوقت الذي نجدهم فيه يشهرون سيف الإقصاء من ساحة الحراك السياسي بوجه من يختلفون معه،في ازدواجية براغماتية مفضوحة،ادت الى رفض الجمهور لممارساتهم القمعية، حتى وان ارتدت براقع دينية زاهية، ونعتت بأسماء إسلامية براقة.


ومع ان هناك اسبابا متعددة أسهمت في تكوين وانتشار ظاهرة التطرف، والإرهاب الغريبة عن جوهر الاسلام،إلا ان من بين اهم اسباب تلك الظاهرة،هو ضعف الانتماءات الوطنية،والقومية،وما ساد بدلا عنها من هويات دينية، بذريعة اممية العقيدة الاسلامية،وشموليتها،والتي ظلت في الواقع طائفية في السلوك، ومذهبية في المضمون، وعجزت عن ان تبرهن عمليا على انها جامعة للناس، فازدهرت في ظل هذا الواقع، ظاهرة فتاوى متمشيخي بعض الفضائيات المحرضة على التطرف،التي تبرر استخدام العنف، وتحرض على الاقتتال الطائفي الداخلي،حيث تسود اليوم مجموعة من المفاهيم التي تتقاطع مع أصول الدين الإسلامي الحنيف،لاسيما بعد ان تزايد نشاط ظاهرة الإسلام السياسي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، الذي جاء تداعيا لحالة الانحدار القومي، وتراجع مشاعر الانتماء العروبي،عندما تزامنت مع الحملة الاعلامية الغربية الصهيونية الواسعة لتضليل الرأي العام العربي،وخلخلة قناعاته،بقصد شيطنة قيمه الوطنية، وتسفيه انتمائه القومي، ومسخ معتقداته الدينية،في محاولة شريرة للترويض، وفرض واقع من الإحباط والقنوط، لكي يختلط الأمر عليه،بما يسهل تحييده،ودفعه إلى العزلة السلبية، واللامبالاة،التي تمنعه من التفاعل الايجابي مع قضايا الأمة،في محاولة ماكرة لدفع الجماهير باتجاه تلمس بدائل أخرى للخلاص من سوء الحال تحت غطاء الدين.

 

 





الاحد١٠ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هــداج جبــر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة