شبكة ذي قار
عـاجـل










تدنت أسعار النفط إلى 12-15 دولارا للبرميل بعد الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م، وارتفعت بسبب دخول العراق إلى الكويت 1990 إلى 75-80 دولارا وفرض الحصار على العراق، ثم سمح للعراقيين بتصدير كمية قليلة وفق ما دعي بوقتها برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء سنوات، وارتفعت الأسعار أيضا قبيل وبعد احتلال أميركا للعراق وفرض العقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي إلى 112 دولارا للبرميل، فصدر العراق من النفط خلال عشر سنوات تلت الاحتلال ما يوازي قيمته ضعف ما صدره خلال 75 عاما منذ بدء تصدير النفط عام 1925 حتى الاحتلال الأميركي 2004.


إن كل ما بناه العراقيون من بنية تحتية رصينة قبل الاحتلال مدارس ومستشفيات، وطرق سريعة وأنفاق وجسور، ومؤسسات جعلت العراق ضمن الدول الحديثة، حيث يمتلك قاعدة علمية معاهد وجامعات وبعثات ومختبرات بحث وتجارب أنجبت علماء وأطباء ومهندسين بارزين، وجيشا قويا عد السادس عالميا عدة وعتادا وتدريبا، أمنا مستتبا، بني بميزانيات توازي 10 % مما توازيه ميزانية الحكومة اليوم، كنا نعمل كثيرا ونتقاضى قليلا، وأذكر انني عينت موظفا في قرية بمحافظة الديوانية عام 1963 بمرتب 30 دينارا شهريا، كنا نعمل وننتج ونحلم بمستقبل زاهر لبلدنا وأبنائنا، ومن أجل ذلك رضينا بالقليل.


سأتكلم عن تجربتي فمثلي مئات الآلاف قدموا وأعطوا ويعانون اليوم الإهمال والتهميش. عام 1975 أوفدت إلى مصر لدراسة الدبلوم بجامعة القاهرة كان مرتبي 300 دولار عشت فيها مع زوجتي وثلاثة أبناء، وحصلت على الشهادة وكنت الفائز الأول على دفعتي البالغة 45 مشاركا من البلاد العربية، كان العراقي يبدع ويجتهد ولا يسأل عن الثمن، ودرست الماجستير على نفقتي الخاصة، وعينت في الجامعة المستنصرية، وفي عام 1987 حصلت على دكتوراه الدولة بأربع سنوات ويحصل عليها زملائي بخمس سنوات، وتوافرت لي فرصة للعمل بقطر ورفضت المساومة على الواجب والمسؤولية، وعدت للتدريس ولم تكن الحرب العراقية الإيرانية قد انتهت.


وبسبب دخول الكويت فرض علينا الحصار فتهاوت قيمة العملة الوطنية، أصبح راتب الأستاذ الجامعي يوازي 6-8 دولارات قاومنا وكنا ندرس 18-21 ساعة أسبوعيا بدلا عن 12 ساعة سابقا بدون مقابل، ولم نقصر بواجباتنا، عام 1999 أصبح عمري 60 عاما وخدمتي 37 عاما أحلت على التقاعد، وأتقاضى من مصرف الرافدين مرتبا تقاعديا زهيدا 110 دنانير بحرينية شهريا، عدل مؤخرا ليصبح 130 دينارا تعادل 350 دولارا تقاعد لحامل شهادة دكتوراه دولة و37 سنة خدمة. ومرتب المراسل والمنظف والحارس التقاعدي 300 دولار بـ 15 خدمة. هذه ديمقراطية العراق الجديد وعدالته الاجتماعية كما أرادت له أميركا، يذل ويحتقر أصحاب الكفاءات والعمل عمدا وليس تكريمهم.


المفارقة بمقارنة مرتبات وتقاعد من بنوا العراق بعرقهم ومرتبات حديثي النعمة وتقاعد الكسالى والسراق المفسدين حاليا في الرئاسات الثلاث، رئاسة الجمهورية والوزراء، ورئاسة البرلمان والنواب، وأعضاء المجلس المحلي، الذين يتقاضون مرتبات خيالية، أصبحت عبئا يستنزف خزينة الدولة ويزداد عبؤها مع كل دورة إضافية جديدة، عدد كبير منهم لا يحمل شهادة الدراسة الثانوية، فقدموا شهادات مزورة وهذا أمر مقر ومتعارف، ومرتب احدهم حاليا عشرة آلاف دولار شهريا، وعند التقاعد نحو ثمانية آلاف دولار، مضافا إليها مرتبات حماية تعادل 20 ألف دولار شهريا، وخمس سيارات حكومية على الأقل، إضافة إلى منح تصل إلى مئة ألف دولار عند تولي المنصب، وقطع أرض متميزة بمواقع راقية، ومخصصات سفر وسكن وعلاج وحج وصحافة وجوازات سفر دبلوماسية دائمة، وغالبيتهم لا تمتلك خدمة سابقة إنما هي أربع سنوات كسل ووجاهة لا غير، لم يقدموا فيها ما يستحق، قضوها بالسفر والاستجمام والتآمر والهدم حتى حينما يكون أحدهم موجودا لا يحضر جلسات البرلمان ويكتفي بالجلوس في النادي.


هذا ما دفع الشعب العراقي للتظاهر مطالبين بالعدالة وإعادة الأموال المنهوبة بدون وجه حق، في بلد يقاسي 70 % من شعبه الفقر، ووضع حد للتمايز في العائد بين من تعب وغبن ويعاني الشح والكفاف، وبين من لعب ودلس وارتشى وغنم على حساب الآخرين الذين لا يجدون ما يسد الرمق، “ويا من تعب وشقى وخاب الذي أمل، جاء بعده مرتزق ناخ الجمل حمل” ولكم الله يا فقراء العراق أيتام وأرامل ومرضى لا يجدون العلاج ومهجرين ومعاقين بالتفجيرات.

 

 





الجمعة ٨ ذو القعــدة ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أيلول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة