شبكة ذي قار
عـاجـل










في كل مرة تعصف بلبنان أزمة سياسية، ناتجة غالباً، عن آليات تركيب السلطات وتحديد صلاحياتها، تبرز للواجهة، مسألة التداخل في الصلاحيات "وترسيم الحدود" بين السلطات، وهذا يعود بشكل رئيسي إلى سببين: الأول للالتباسات في نصوص بعض المواد الدستورية، والثاني لطبيعة النظام اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية.


وإذا كانت طبيعة النظام اللبناني، عصية حالياً على التعديل ودونها صعوبات في ظل التكوين المجتمعي البنيوي، إلا أنه ليس ما يحول دون تعديل و إعادة صياغة بعض المواد الدستورية، بحيث يصبح الوضوح في النص هو الحل الفاصل الذي يضع حداً للتأويل والتفسير والاجتهاد ويحول دون تطويع النص لمصلحة من ترجح موازين القوى لمصلحته في مرحلة معينة وحتى تبقى مقولة الرئيس فؤاد شهاب هي القاعدة "يجب العودة دائماً إلى الكتاب".


من الالتباسات في المواد الدستورية هو استمرار الخلط بين مسمى الحكومة ومسمى مجلس الوزراء. وإذا كان التمايز جائزاً بين المسميين قبل الطائف، فإنه لم يعد كذلك بعده. لأن رئيس الحكومة أصبح هو رئيس مجلس الوزراء. ولم يعد هناك ما يندرج تحت تسمية المجلس الوزاري الذي كان ينعقد برئاسة رئيس الحكومة قبل الطائف حيث كان رئيس الجمهورية هو رئيس مجلس الوزراء.


فالحكومة التي تعقد جلساتها النظامية حالياً برئاسة رئيسها، هي مجلس وزراء بكل المواصفات الدستورية، وبالتالي فإن نص المادة (58) من الدستور لا يطابق واقع الحال الدستوري حيث النص الوارد في هذه المادة وفيه "كل مشروع قانون تقرر الحكومة كونه مستعجلاً بموافقة مجلس الوزراء ... الخ" ينطوي على التباس وكان الحكومة هي مؤسسة دستورية، ومجلس الوزراء هو مؤسسة أخرى. ولذا يجب إعادة الصياغة وتعديل النص بحيث يصبح كل مشروع قانون تقرر الحكومة كونه مستعجلاً مشيرة إلى ذلك في مرسوم الإحالة... الخ" أو تصاغ على الشكل التالي: كل مشروع القانون يقرر مجلس الوزراء كونه مستعجلاً مشيراً إلى ذلك في مرسوم الإحالة.... الخ"


هذا بما يتعلق بنص المادة (58) من الدستور، أما المادة التي يفترض أن يتم توضيحها وإعادة صياغتها فهي المادة (67). والالتباس الذي يثيره تباين التفسيرات لنص هذه المادة، يرتبط بتداخل أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية.


إن نص هذه المادة لا يشير إلى وجوب حضور الوزراء جلسات المجلس النيابي، بل جاء في سياق الحق الممنوح لهم اختياراً، من خلال عبارة "انى شاؤوا" وهذا يعني أنه يمكن لمجلس النواب أن يمارس أعماله دون ربط عقد جلساته بحضور الوزراء.


وإذا حضروا حق لهم أن يتكلموا وان يُسمعوا. وهنا تطرح الإشكالية التي تتجاذبها وجهتا نظر:


واحدة تقول بأنه لا يحق للمجلس أن يشرع في غياب الحكومة أو في ظل حكومة تصريف أعمال، وأخرى تقول أنه عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات وكون المجلس النيابي سيد نفسه في وضع جدول أعماله فإنه يمكنه التشريع بغياب الحكومة أو إذا كانت الحكومة في حال تصريف أعمال إذا استقالت أو هي في وضع المستقيلة.


وحول هذه المسألة نرى أنه يمكن للمجلس أن يشرع إذا لم تكن الحكومة حاضرة أو ممثلة في جلسات التشريع، سواء كانت بكامل صلاحياتها الدستورية أو في وضع تصريف الأعمال. وسواء كان المجلس في دورات انعقاد عادية أو استثنائية. وذلك لاعتبار أساسي، هو أن الدستور لم ينص على وجوب هذا المثول، وفي مقدمته فقرة (هـ) أكد على مبدأ الفصل بين السلطات.


لكن إذا كان التداخل السياسي بالدستوري حالة قائمة، وبإمكان كل سلطة أن تعطل دور السلطة الأخرى، أن لم يكن بالاستناد إلى النص فبالاستناد إلى وسائط أخرى ومن ضمنها تعطيل النصاب. كما حصل في المجلس الدستوري وكما حصل في الدعوة لجلسة عامة بداية تموز.فكيف يكون المخرج ؟


إنه أمام الالتباس في النص، نرى أن المخرج يكون بإعادة قراءة نص الفقرة (هـ) من مقدمة الدستور والتي ربطت مبدأ الفصل بين السلطات، بالتعاون والتوازن في ما بينها. وإذا كان بإمكان أي سلطة أن تعطل عمل السلطة الأخرى، فنرى أن الحل هو لاعادة صياغة النص، ليحدد وجوب حضور الحكومة أعمال التشريع أو عدمه، وإذا لم يتسن ذلك، بأن يقتصر عمل المجلس التشريعي على مناقشة مشاريع القوانين التي سبق وإحالها مجلس الوزراء دون اقتراحات القوانين وذلك لعلة أن الحكومة هي من وضعت مشاريع القوانين واحالتها بعد دراستها وتمحيصها، فضلاً عن مشاركة الوزير المختص في مناقشة أعمال اللجان قبل وضعه على جدول أعمال الهيئة العامة، كما أنه بالإمكان إعادته إلى المجلس سنداً للمادة (57) من الدستور.


كما أنه عندما ينعقد المجلس في جلسة تشريعية بغياب الحكومة أو من يمثلها، فصلاحية المجلس تقتصر على التشريع دون الرقابة، خاصة إذا ما كانت الحكومة في حال تصريف أعمال.


على هذا الأساس، يكون التوازن قائماً بين السلطتين، فكما أن مسيرة تأليف الحكومة فاتحتها استشارات نيابية ملزمة وخاتمتها مثولها امام المجلس لمناقشة البيان الحكومي، فإن موقف الحكومة ورأيها في الأعمال التشريعية يكون متوفراً من خلال دورها في إحالة مشاريع القوانين، ومن خلال أحكام المادة (57) كحالة رقابية لاحقة وامكانية الطعن امام المجلس الدستوري .


هذا بالنسبة للمادتين 58 و67 ، اما بالنسبة للمادة 53 فقرة 4 فنرى ان يعدل النص وتعاد صياغته حتى لا يبقى الالتباس قائماً حول تأليف الحكومة واصدار مراسيمها ونقترح الصيغة التالية :


يصدر رئيس الجمهورية بالاشتراك مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تأليف الحكومة التي شكلها الرئيس المكلف باعتباره هو الذي يتحمل مسؤولية التأليف ورسم السياسة العامة التي تطرح أمام المجلس النيابي:


إن وضوح النص الدستوري يضع حداً لتعدد التأويلات والاجتهادات ويحول دون تأثير التجاذبات السياسية على أداء المؤسسات الدستورية والمرافق العامة، ويريح أعصاب اللبنانيين من التشنج بكافة تعبيراته في كل مرة تعصف بلبنان أزمة ليس آخرها ما ينوء اللبنانيون تحت أعبائها الحالية.

 

 

 





الخميس ٢ رمضــان ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تمــوز / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة