شبكة ذي قار
عـاجـل










من يريد أن يتعلم السياسة عليه أن يبدأ بدراسة التاريخ أولا، لكشف جينات الموروث الاستراتيجي لسلوك الشعوب والأمم من خلال تجاربها الماضية وربطها بالحاضر والمستقبل، ما فعلته أميركا في فيتنام تكرر في العراق، ما فعله الانكليز بالسلاطين المسلمين في الهند تكرر في مستعمراتها ومحمياتها وفي الأحواز العربية، وفلسطين، وتكررت قسوة الاستعمار الفرنسي مع الشعوب المستعمرة، ومواقف الفرس مع العرب وحمل الناس على التشيع الصفوي بالقوة والكيد للعرب لم تختلف ولم تتوقف، فللموروث السياسي جينات كأي جينات وراثية أخرى تتكرر طبائعها مع تواتر الأجيال، وما زال الغرب المسيحي عموما يتوارث جينات الحروب الصليبية على المسلمين كما لو كانت الحروب الصليبية ما زالت قائمة.


دخل الإسلام الهند مبكرا مع التجار العرب، وانتشر في الساحل الهندي بالحكمة والموعظة، حتى قاد محمد بن القاسم الثقفي 92هـ، حملة فتح فيها إقليم السند وجنوب البنغال وأراكان وميانمار والبنجاب، وأقام المسلمون دولة إسلامية تطبق الشريعة في باكستان وبنغلاديش، وأراكان ويقدر عدد المسلمين في الهند بنحو 180 مليونا يشكلون 15 % من سكان القارة، وفي عام 1001م أقام السلطان التركي المجاهد “محمود الغزنوي حكما إسلاميا امتد ثمانية قرون ونصف، عاش الناس فيها بالأمن والسلام والعدل والمساواة، وازدهرت حضارة آثارها الباقية تخطف الأبصار وتبهر العقول، من بقاياها تاج محل بناه شاه جهان قبرا لزوجته ممتاز محل ويعد من روائع الفن المعماري وعجائب الدنيا. والسلطان “أورنك أزيب” الذي تمسك بالسنة وأشرف على الموسوعة المعروفة بالفتاوى الهندية، وأتى حين من الدهر ضعفت الدولة بعد قوة فغزاها “نادر شاه” الفارسي سنة 1740م، وأحدث فيها الدمار والخراب، وعاد إلى فارس محملاً بغنائمه.


ساعد ضعف الدولة الانجليز على الزحف والسيطرة على الهند ودلهي والبنجاب، بسياسة المكر والكيد وحاولوا احتلال أفغانستان لولا مقاومة أهلها، وفقد المسلمون سلطانهم ونفوذهم، وتمادى الإنجليز في طغيانهم، وغيروا الطابع الإسلامي واستولوا على أوقاف المسلمين ومدارسهم، وأذكوا نار الفتنة بين الطوائف. وسلبوا “بهادر شاه” آخر سلاطين المسلمين سلطاته وجعلوه أسيرا في القلعة الحمراء بدلهي، وبعد أن استتب لهم الأمر أعلنوا أن حكم المسلمين سينتهي بوفاته وستكون القلعة ثكنة عسكرية، فثار الشعب المسلم في الهند عام1857م وساندهم الهندوس ولسوء التنظيم فشلت الثورة فساق الانجليز بهادر شاه وأسرته مقيدين أذلاء، وفي الطريق أطلق أحد الضباط الرصاص على أبناء الملك وأحفاده، فقتل ثلاثة، قطعوا رؤوسهم. ولم يكتف الإنجليز بالتمثيل الوحشي بالجثث، بل فاجأوا الملك بما لا يتصوره خيال سفاح حقدا وخسة، قدموا له ولأسرته صحنا كبيرا مغطى وضعوه أمامهم، فلما أقبلوا على تناول الطعام وكشفوا الغطاء وجدوا رؤوس أبنائهم الثلاثة على المائدة وقد ضرجوا وجوههم بالدم. فتسامى السلطان كبرياء وأنفة على الحدث الجلل والتعالي على الحزن والجزع، وقال قولته بثبات “إن أبناء المسلمين البواسل لا يأتون إلى آبائهم في الملمات إلا ووجوههم محمرة بالدم” كناية عن العزة والمنعة والثبات.


يشكل المسلمون اليوم 30 % من سكان الهند، وعلى الرغم من الجهود التبشيرية الكبيرة التي تقوم بها الكنيسة الأوروبية مدعومة بالبريطانيين لم تنجح في نشر المسيحية بين الهنود وبقي المسيحيون أقلية صغيرة، ومع ذلك لم يتوقف كيد الغرب للإسلام والمسلمين فعملت بريطانيا بكل ما أوتيت من جهد على ضم كشمير المسلمة إلى الهند، ورغم الثورات والحروب التي حصلت مطالبة الأمم المتحدة باستفتاء أهلها على تقرير المصير تواجه بالمماطلة، والقضية معقدة وطويلة ولا زالت قائمة.


وكانت سنغافورة سلطنة إسلامية تدعى جوهر حتى 1600م حيث احرقها البرتغاليون واستعمروها، وبعد رحيلهم ارتبطت بجمهورية ماليزيا المسلمة، ثم تسللت إليها الشركات الهندية البريطانية وأسهمت في تغير تركيبتها السكانية بالعمالة الصينية، لتنفصل عن ماليزيا عام 1969، وتعد سنغافورة اليوم رابع مركز عالميا، وميناؤها خامس مرفأ، ودورها فاعل في الاقتصاد العالمي. وبالرجوع إلى وضع القارة الهندية تجد بريطانيا مسؤولة عن ضعف المسلمين فيها وتقسيم الأقاليم الإسلامية، وقد قال الزعيم الهندي الحكيم غاندي يوما: "إن بريطانيا وراء كل خصام بين سمكتين في مياه المحيط".


نموذج آخر تكرر بانفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا المسلمة، بإسهام من بريطانيا وأميركا، وكيل الأمم المتحدة بمكيالين لتفتيت الدول الإسلامية، حيث استخدام التبشير وإثارة الفتن الطائفية والإغراء بالمال والسلاح وفرض الحماية الدولية وإضعاف اقتصاد الدولة الأم وإفلاسها، وتغذية الاضطرابات داخلها وحصارها خارجيا، وتهديدها عسكريا من استراليا وفرنسا لترضخ في النهاية اندونيسيا. ويعمل الغرب اليوم بسياسة التجزئة والتقسيم في العالم العربي كجنوب السودان، وجنوب الجزائر، وجنوب وشمال العراق، ولبنان، وسوريا، ومصر والسعودية، فهل اعتبر واتعظ المسلمون، أم ما زلنا نجاملهم ونأمل منهم خيرا؟

 

 





الاثنين ٢٧ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة