شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد حمّلنا في الحلقة السابقة الغرب المسيحي مسئولية المظالم التي تصيب الشعوب المستضعفة في آسيا وأفريقيا، ووسمناه بالتجبر والغطرسة من منطلق شعوره بالقوة والهيمنة منتهجا التزوير والتضليل الإعلامي في تجاوزاته العدوانية على الشعوب، وتعامله معها بوحشية وهمجية بعيدة عن التحضر والمدنية التي يدعيها واستعنا بالشواهد والأمثلة، ولم نكن نقصد الإساءة إلى المسيحية دينا سماويا نحترمه، ولا نقصد الإساءة إلى شعوب الغرب، ولا إنكار تقدمها علميا وتفوقها صناعيا وأنها تنعم بنصيب وافر من الحياة الحرة وتعيش أجواء ديمقراطية لم تحصل عليها شعوب العالم الثالث، وإنما نؤاخذها بأفعال نخبها المنتخبة حين تخضع للوبيات وتكتلات عنصرية وطائفية تحيد بها عن الموضوعية والقيم الإنسانية إلى مصالح ضيقة.


إن الاعتراف للعالم الغربي بالسبق والتقدم يحمله مسؤولية أكبر جراء مواقفه وتجاوزاته غير العادلة بحق قضايا الإنسانية عامة والمسلمين والعرب خاصة، التقدم في العلم والتفوق في المعرفة، تحمله الشعوب مسؤولية السعي في حل قضايا الإنسان المعاصرة بإنصاف لا بتعسف بغيض يخضع لاعتبارات عنصرية ودينية وجغرافيته تنتهجها النخب في مواقفها، لقد وصف الله المسيحيين بالتواضع حيث قال:* وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ* المائدة82 .ولكن للأسف الغرب المسيحي اليوم يستكبر ويطغى كبرا. يفتري ويعتدي ويزور الحقائق، فالغربيون الأوربيون المسيحيون أبادوا ملايين اليهود بمحارق النازية، ولم يقل احد أن المسيحيين إرهابيون، كما يقال للمسلمين، وحين أرادت أوروبا المسيحية إنصاف اليهود تخلصوا منهم بتهجيرهم من موطنهم في الغرب إلى فلسطين في الشرق، فارتكبت بريطانيا جريمة كبرى لا تغتفر بإعلان وعد بلفور عام 1917 وشردت الشعب الفلسطيني ليعيش خمسة ملايين منهم اليوم في الشتات.


الرئاسة الأمريكية ترفض الاعتراف بالفلسطينيين شعبا له حق إقامة دولته على أرضه عمليا وتجهر به إعلاميا. أمريكا لا تحارب الفلسطينيين كدولة بل تحاربهم أفرادا فتسمح لإسرائيل ببناء المستوطنات وآلاف المساكن لليهود داخل الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية التي أقرتها عصبة الأمم عام 1948 وهيئة الأمم بعد حرب 1967، وتسمح للإسرائيليين بهد دور المواطنين العرب المقامة في مزارعهم خارج المدن بحجة عدم حصولهم على تراخيص وتجرف أراضيهم المزروعة، وتصادر الدور التي تثبت شرعية مالكيها لأتفه الأسباب، وترحل أصحابها عن أراضيهم ووطنهم، وتستولي على أماكن العبادة، حتى المقابر لم تسلم من تجاوزاتها، فهل في مواقف الغرب السلبية من هذه القضايا الإنسانية ممالأة لإسرائيل وعدالة منصفة أو رؤية لبعد إنساني أو حضاري؟


إسرائيل استولت بالقوة على الأراضي الفلسطينية وتحاصر مليوني فلسطيني في غزة التي أصبحت تضيق كالسجن، وتشن عليهم حروبا برية وجوية وبحرية متكررة، وفي كل مرة تقصف المدنيين بالطائرات والمدفعية والراجمات والدبابات ومن البوارج وتقتل وتجرح عشرات الآلاف وتدمر المنازل والمدارس والمؤسسات، حتى مقرات منظمة الأمم المتحدة “الانروا” لم تسلم منها، وكل هذا في الرؤية الغربية ليست إرهابا، وإنما الإرهاب أن يطلق صاروخ محلي قصير المدى على إسرائيل هدف مطلقيه لفت نظر العالم إلى قضيتهم الإنسانية المهملة وتحريك الجمود، ويقع في مناطق غير مأهولة أو يتسبب في جرح مستوطن هذا هو الإرهاب. لذا وذاك نلوم الغرب ونلقي على كاهله مسؤولية غض النظر عن جرائم إسرائيل وفسح المجال أمامها للعدوان على الشعب المستضعف بإسفاف وعدم مبالاة.


إسرائيل حين تقوم بقرصنة في المياه الدولية وتنزل بطائراتها الكوماندوز على سفن تحمل ناشطين مسالمين من دول مختلفة جاءوا بمعونات إنسانية غذاء ودواء للمحاصرين في غزة، وتقتل منهم العشرات وتعتقل البقية، وتقطر السفن إلى سواحلها وتصادر حمولتها، هذا ليس إرهابا وإنما دفاعا عن النفس، وحين تنصب نفسها شرطيا دوليا تعتدي على سيادة الدول فتقصف طائراتها مواقع في تونس وسوريا والسودان ولبنان لا يعد ذلك إرهابا، وتقصف من الجو بيوتا وسيارات تسير في شوارع غزة بحجة قتل مشتبه بهم من الإرهابيين وتعرض المدنيين للموت ليست إرهابا، وحين تقصف مصلين خرجوا من صلاة الفجر وتقتل شيخا بصيرا مقعدا كالشيخ أحمد ياسين هذا ليس إرهابا، إسرائيل حينما تغتال المبحوح بفريق يحمل جوازات سفر مزورة لعدة دول في دبي هذا كله ليس إرهابا. كما يراه الغرب وتراه أمريكا، وحين تمنع إسرائيل الفلسطينيين من أداء صلاة الجمعة في الأقصى وتمنعهم من زيارة قبة الصخرة ليس تعديا على الحقوق، إسرائيل حينما تحاصر شريكها عرفات في المفاوضات في رام الله، وتسممه وتمنع دفنه في القدس ليس إرهابا، الإرهاب أن يطالب الفلسطيني بحقوقه المشروعة في أرضه وطنه، وينتفض بالحجارة، هذه للأسف معاير الحضارة الغربية المعاصرة، فأي عذر ومصداقية حضارية وعلمية وإنسانية تبقى للغرب المسيحي?

 

 





الجمعة ٢٤ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة