شبكة ذي قار
عـاجـل










هل كان بالإمكان أن يكون الحال في سوريا أفضل مما كان، نعم لو أن النظام تصرف بحكمة واتعظ مما جرى في دول الربيع الأخرى، وفي الأثر: «الحليم من اتعظ بغيره»، كان على النظام أن يكون ايجابيا مع بدء الاحتجاجات الشعبية، وأن يتواضع ولا يستخدم العنف المفرط، ويستجيب لمطالب الإصلاح بسرعة، ويظهر جانبا من سعة الصدر ولكنه تغطرس وتمترس بالعنف المفرط.


بدأ هلال الربيع العربي على سوريا إثر سقوط النظام في تونس ومصر واندلاع موجة الاحتجاج في ليبيا، وكان الحراك الشعبي عفويا خجولا وبمبادرة من أطفال درعا الذين كتبوا شعارات على جدران مدرستهم، فتعمدت أجهزة الأمن التنكيل بهؤلاء الأطفال بعنف والإساءة إلى ذويهم فتأجج الموقف، ولم يدر في خلد احد أنه سيتطور ويتحول إلى ثورة تستمر طويلا، يسقط فيها مئات الآلاف ويصيب البلد هذا الدمار، فالاعتقاد الذي كان سائدا داخل سوريا وخارجها أن العيون الأمنية ساهرة تغطي سائر تراب الوطن، والحكومة بالحزب الحاكم تحكم قبضتها على مقاليد الأمور، والجيش يدين للرئيس بالولاء المطلق، وهو مالا ينكره احد، كان يفترض من موقف القوة هذا أن يتسع صدر الرئيس السوري وحزبه وأجهزته الأمنية لمظاهر الحراك المطالب قبل أن يرفع المتظاهرون شعار إسقاط النظام، والتعامل مع المستجدات بحكمة وانتهاج سبيل التهدئة والاحتواء بدل إثارة التوتر، ولكن الرئيس وحزبه اعتاد العنف الأمني، وشعاره «جوع وخوف كلبك يتبعك».


اشتد رد الفعل الشعبي تجاه تصرفات النظام الذي فقد صوابه للسرعة التي كسر بها الشعب حاجز الخوف، وتجرؤ المتظاهرين بالإساءة إلى صور رموز النظام وتحطيم تماثيل الرئيس الأب وابنه، فتصدى للتظاهرات بالرصاص ليسقط عشرات القتلى وأنكر مسؤوليته، وأصبح يتخبط بإلقاء المسؤولية على هذا وذاك وعلى المتظاهرين أنفسهم ويتصنع البراءة، تردد بخطوات الإصلاح، فأدرك الشعب أن النظام مرتبك والقيادة ينتابها الخوف فاتسع الأمل والحلم بتغيير النظام وارتفع سقف المطالب مع بقاء التظاهرات سلمية.


كان خطأ النظام القاتل انه لم يقدم على خطوة إصلاح جدية، ورفض الحوار مع المعارضة واستكبر، ولو تواضع لم يكن ما كان. وتخيل انه بتصعيد العنف والانتقام من المتظاهرين يخمد الثورة التي بدأ لهيبها يتصاعد ما بين الصباح والمساء، وضحاياها تتعاظم، مما أثار حفيظة الرأي العام العربي والدولي، وبدأت تصريحات المسؤولين العرب ودول المنطقة تتوالى.


وكان الحال أفضل لو كان الموقف العربي ودول المنطقة فضلا عن الدول الكبرى في مجلس الأمن إيجابيا كما ينبغي، وسواء أكانت المواقف عفوية أم مقصودة تسببت في تحويل مسار الثورة إلى أزمة إنسانية مستعصية، لأنها مواقف غير واضحة ولا حازمة ولا جادة، وكانت متضاربة وتحريضية للحكومة السورية وللمتظاهرين الثائرين ضدها. فالجامعة العربية المعنية بالشأن سكتت دهرا، ولم تتحرك بالسرعة التي تحركت فيها تجاه ليبيا، وحين تحركت بضغط من الدول الخليجية بدأت بتصريحات مائعة مجاملة للنظام، تلتها مبادرات هزيلة، منحت النظام فرص المراهنة على الوقت تكررت بمبادرة إثر أخرى، يماطل فيها النظام بالوعود ويلتف على الحقائق ويوغل بسفك دم السوريين ويتورط بمجازر فضيعة، ويتمادى بالخديعة والإجرام، وبما لا يسمح لأي طرف بالتراجع عن موقفه، هذا الموقف السلبي تسبب في برود دم الضمير العالمي الذي بدأ يألف سقوط أعداد مرتفعة من الضحايا، مهد للخمول والتكاسل في إيجاد حل سريع للأزمة.


ودقت تصريحات المسؤولين الأتراك والإيرانيين على أوتار حساسة، اندفع أردوكان بتصريحات نارية كأنه طرف فاعل: أعلن أنه لن يسمح للأسد الاستفراد بالشعب وتكرار مأساة الثمانينيات فاستبشر الثوار خيرا وانه قادر على التدخل والحسم، ولكنه لم يقم بأي عمل ملموس رغم تجاوز الكارثة ما سبق أضعافا مضاعفة. الإيرانيون من منطلق طائفي وعنصري ساندوا النظام وحرضوه على المضي في طريق التصفية الجسدية، أصروا أن النظام لن يسقط وان الحل لن يكون إلا بالخيار السلمي وبالمفاوضات، ومدوا الأسد بالمساعدة ماديا ومعنويا، تركيا وإيران تتقاسمان مع جامعة الدول العربية مسؤولية تقليل حدة العنف، وتأخير المبادرة بحلول ايجابية، بسعي كل منها لحساباتها الخاصة على حساب الشعب السوري وهو ما لا يصح بالمقاييس الثورية، والروح والقيم الإسلامية ولا بحسن الجوار والمبادئ الإنسانية.


اجبر الشعب السوري مع تزايد أعداد الضحايا، وغلق النظام جميع الأبواب إلا المواجهة والحسم لصالحه على القتال، فلجأ الثوار إلى السلاح والدفاع عن النفس، وبمباركة من دول خارجية، وساعد توافر السلاح الذي أصبح الحصول عليه ميسرا لسهولة تهريبه من العراق ودول الربيع العربي على عسكرة القضية. أما مواقف الدول العظمى وتآمر المعسكرين الشرقي والغربي فتلك قصة أخرى تتكشف فصولها يوما بعد يوم، ولها الحلقة القادمة إن شاء الله.

 

 





الثلاثاء ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة