شبكة ذي قار
عـاجـل










ما أن أسدلت السنة الأولى، شهرها الأخير، إيذاناً بطي عام، على تحرير العراق من الاحتلال الأميركي، وعشية الذكرى السادسة لاستشهاد الرئيس صدام حسين، حتى كان العراق على موعد مع حراك شعبي، اتخذ طابع الانتفاضة الشاملة وعم غالبية مدن العراق في شرقه وشماله ووسطه وغربه وعاصمته بغداد.

 

هذا الحراك الذي اتخذ هذا البعد الشامل، حاولت بعض أجهزة السلطة، تصويره وكأنه رد فعل على إجراءات سلطوية ذات طابع أمني، ضد وزير المالية ومواكبته الخاصة، كما أن بعضاً من المنابر الإعلامية والشخصيات السياسية من داخل الحكومة وخارجها، سارعت لإضفاء الطابع المذهبي على هذا الحراك. وحتى لا يبخث المنتفضون حقهم في تقييم أبعاد حراكهم، يطرح التساؤل: هل أن سبب تفجر الوضع الشعبي كان رد فعل على إجراءات بحق وزير المالية الذي ينتمي مناطقياً إلى غرب العراق، أسوة بما حصل سابقاً مع طارق الهاشمي، وبالتهم ذاتها ؟ هذا أولاً، وثانياً، هل صحيح أن هذا التحرك يتسم بطائفية كالتي حاول المالكي وجماعته إسقاطها على هذا الحراك؟

 

إن هذا الحراك وبهذا البعد الذي اتخذه، يسقط الزعم الأول، لأنه لو كان الإجراء ضد وزير المالية، هو السبب الذي حرك الجماهير، لكان الأمر قد حصل مع الهاشمي. علماً أن الهاشمي والعيساوي كانا من ضمن آليات العملية السياسية. أما وأن التحرك الشعبي لم يحصل إبان افتعال الأزمة مع الهاشمي، فإن الأسباب الجوهرية والفعلية التي أطلقت لهذا الحراك عنانه هي غير تلك التي يحاول المالكي وجماعته ترويجها.

 

أما الزعم بأن الحراك الشعبي هو طائفي المحتوى والأهداف فإن الشعارات التي رفعها المنتفضون، والمشاركة الشعبية من كل المناطق ، اسقطت الزعم "المالكي": بأن المحفزات الطائفية هي وقود هذا الحراك، لأن الشعارات التي ظللت حراك الجماهير، كانت وطنية بامتياز وبأبعاد قومية، رغم إجراءات حكومة المالكي، قطع الأوصال بين المناطق.

 

إذاً، ان الحجتين اللتين أطلقهما المالكي، سقطتا بمعطيات الوقائع. وهذا ما دفع المالكي، لأن يبحث عن وسيلة أخرى عله يدفع الأمور نحو إبراز البعد الطائفي، من خلال إقفال المعابر الحدودية للمناطق التي تشهد حراكاً مع دول الجوار، باستثناء إيران طبعاً التي بقيت حدودها مشرعة لكل أشكال العبور الأمني والسياسي والبشري، ومن ثم، استنفار الأجهزة الرسمية لتأمين تحشدات شعبية مؤيدة للمالكي على قاعدة، شارع مقابل شارع. لكن ما جعل المالكي يقع في مطب فعلته أنه عمد إلى إضفاء الطابع الطائفي والمذهبي على الشعارات والعناوين التي ظللت التحركات الشعبية الرسمية. وعلى سبيل المثال أنه من بين الشعارات التي رفعت، ان الشيعة في العراق هم عرب وليسوا صفويين، وهذه حقيقة ثابتة ولا نقاش حولها ولا التباس بها. لكن لماذا يرفع هذا الشعار؟؟ أليس لإثبات أن هؤلاء الذي استقدموا من المناطق وجرى تحشيدهم الرسمي في بعض المدن، إنما ينتمون إيمانياً إلى مذهب معين. ويراد دفعهم في اصطفاف مقابل مع تحشد شعبي آخر، صادفت الأمور ان ينطلق من مناطق غالبية سكانها ينتمون إلى مذاهب أخرى. وهنا يتبين، ان المالكي هو من يسعى لإطفاء الطابع الطائفي على هذا الحراك، لتقدير منه بأن هذا يؤدي إلى فرز عامودي في بنى العراق المجتمعية، وبالتالي تشويه المضمون الوطني للحراك الذي يطالب بإسقاط المالكي.

 

أما من ناحيةاخرى فإن الشعارات التي رفعت في التظاهرات الرسمية، فيكفي التوقف عند واحدة منها، وهي تشبيه المالكي بمختار النفعي، وهو كان من أتباع الإمام الحسين، ليتبين، ان استحضار مؤثرات مأساة أليمة في التاريخ العربي، بهدف إسقاطها على معطى واقع رهن، لتحقيق غايات ومكاسب سياسية، إنما باعثه ضخ محفزات مذهبية إلى التحركات التي ينظمها، عله بذلك، يجهض التحرك الأساسي ويفرغه من مضمونه الوطني.

 

 لكن هل استطاع المالكي تحقيق مبتغاة؟

 

إن المحاولات التي لجأ إليها المالكي، لم تستطع أن تحيد الحراك الشعبي عن مساره الوطني، إذ بقي منشداً إلى أهدافه الوطنية وقاطعاً الطريق على كل ما من شأنه، ان يضفي بعداً مذهبياً أو مناطقياً على هذا الحراك وذلك من خلال مضمون الخطاب السياسي الذي يطرحه والشعارات التي تظلله. وعندما يركز الخطاب السياسي للانتفاضة الشعبية، على إسقاط العملية السياسية، ويؤشر على مصادر الخطر التي تهدد وحدة العراق وعروبته فإنما يكون قد تجاوز التفصيلات الصغيرة التي تفرعت عن سياق هذا الحراك، تعلق الأمر بردة فعل عفوية آنية على إجراءات سلطوية بحق أحد أبناء المناطق المنتفضة، أم تعلق الأمر بقضايا مطلبية.

 

إن الحراك الشعبي باتت أهدافه واضحة، أنه يريد وضع حدٍ للدور الإيراني الذي يمعن، في نهب ثروات العراق النفطية، ويسطي على احتياطه النقدي من العملات الصعبة، ويعتمد السوق العراقية سوقاً سرية وخلفية لتداولاته المالية، للتخلص من نظام العقوبات المفروض عليه، كما أنه يريد وضع حدٍ لتغلغل النفوذ الإيراني في الأجهزة الحكومية من أمنية وعسكرية وفي دوائر الأحوال المدنية حيث تفيد التقارير الموثقة أن عدد الإيرانيين الذي سجلوا في قيود الأحوال المدنية، أصبحوا بالتالي مواطنين عراقيين يفوق المليونين إنه باختصار العبارة، حراك انطلق كي لا يتحول العراق محمية سياسية وأمنية إيرانية، وأن لا يكون بالنسبة لإيران كما كانت هونغ كونغ بالنسبة للصين.

 

إن الانتفاضة الشعبية في العراق، تكتسب أهمية استثنائية، وتتميز عما يجري في أقطار عربية أخرى، كونها تطرح في حراكها عناوين المسألة الوطنية، بما هي قضية توحيد للعراق على الأسس الوطنية وحماية عروبته.

 

وعلى هذا الأساس، تكون الانتفاضة عبر خطابها السياسي الواضح الأبعاد، والذي دعت فيه إلى إسقاط "قانون بريمر" الذي أفرز العملية السياسية التي يمعن رموزها فساداً وإفساداً وإفقاراً للعراق، والدعوة إلى إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمعتقلات، وإسقاط المادة (4 إرهاب) وقانون المساءلة والمحاسبة وهو قانون اجتثاث البعث لكن عبر صياغة لغوية جديدة مع التمسك بالمضمون، قد أطلقت الإشارة لبدء المرحلة الثانية من مراحل تحرير العراق وإعادة توحيده. وإذا كان الجهد الوطني قد تمحور في المرحلة الأولى تحت عنوان مقاومة الاحتلال وتحرير البلاد منه، فإن المرحلة الثانية تنطلق تحت عنوان صد الدور الإيراني الذي يسعى للقبض على الوضع العراقي، وإسقاط العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال. ومعطيات هذه المرحلة ستفضي بالنتيجة إلى تحقيق الأهداف الوطنية التي انطلق الحراك لأجلها ،أولاً، لأن هذه الانتفاضة تأخذ بعداً وطنياً شاملاً وثانياً لأنها تستند في تزخيم حراكها إلى معطى نضالي وتعبوي هام تمثل بإنجاز التحرير، وثالثاً، لأنها حركة شعبية، تشترك فيها كل أطياف ومكونات الشعب في العراق. ولهذا نستبشر خيراً منها لأنها تعيد استحضار وطنية هذا الشعب وعروبته، وتعيد التأكيد بأن من قاوم الاحتلال وقدم التضحيات الجسام، قادر على إكمال المسيرة التحررية التي تعيد العراق إلى موقعه الطبيعي وتأدية دورة في مسيرة الاستنهاض القومي.

 

إن الحراك الشعبي سينتصر لأنه يستحضر عناوين المسألة الوطنية والتي هي الشرط الضروري لحماية وتوفر الأرضية اللازمة لعناوين المسألة الديمقراطية.وبذا تكون معركة التحرير قد تكاملت في نتائجها مع معركة التوحيد واقامة النظام الوطني الديمقراطي .

 

 





الاربعاء ٤ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة