شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما ولد البعث في اربيعينيات القرن الماضي , كان يطمح إلى أن يرى أهدافه وقد تحققت على مستوى الأمة في وحدة أقطارها وحريتها واشتراكيتها , لكن لابد من القول إن تحقيق تلك الأهداف لم يكن سهلا , لان هناك من يقف في طريقها ويعمل على إجهاض خطواتها بسبب أنها تمنع الطرف الآخر من تحقيق مصالحه وأهدافه في منطقة أراد لها الله أن تكون مصدرا للطاقة في العالم , إضافة لموقعها الجغرافي واحتوائها على كنوز الأرض المادية والمعرفية , ناهيك من أن الله جعلها مهبطا لرسالاته التي كونت العلاقة بين السماء والأرض والى أن تقوم الساعة , والساعة آتية لاريب فيها , ومنذ ذلك التاريخ كان التحدي الكبير فمعاهدة سايكس بيكو 1916 وضعت أساس التقسيم ,

 

وما إن وضعت الحرب العالمية أوزارها إلا والوطن العربي مقسما إلى دويلات في المشرق وفي المغرب وجميع هذه الدويلات  ظلت خاضعة لانتداب دول الغرب الاستعماري الذي ظل باسطا نفوذه عليها إلى عقد الخمسينات من القرن الماضي حيث بدأت ثورات الشعب العربي في أقطاره المقسمة من اجل الاستقلال والحرية , فكانت ثورة الشعب الجزائري , وثورة الشعب السوري, وثورة يوليو في مصر عام 1952, وثورة تموز في العراق عام 1958, وتتابعت الثورات في كل ساحات الأمة وبهذا نالت هذه الأقطار استقلالها , لكن البعض منها نال الاستقلال الشكلي لأنه ظل مرتبطا بالاستعمار القديم وظل نفوذه عليها والى يومنا هذا , بل أصبحت للأسف قواعد وأداة للمستعمر القديم ليواصل نفوذه ويحافظ على مصالحه , رغم إن ميثاق الأمم المتحدة أتاح لكل شعب تقرير مصيره ونيل استقلاله ووضع شروطا للسيادة لغرض ضمان الدول الناشئة على استقلالها الكامل والتمتع بسيادتها الوطنية , وليس الشكلي الذي اختاره بعض من الحكام العرب , وفي خضم هذه التطورات والأحداث , كان البعث يحث الخطى من اجل مقاومة المد الأجنبي وتدخله المباشر في شؤون أقطار الأمة العربية وقد رفع شعاراته بقوة منذ مطلع اربيعينيات القرن الماضي واستطاع أن يؤسس لفكره القومي في كثير من أقطار الأمة , إن لم نقل جميعها , واستطاع من خلال نضاله وكفاحه العروبي أن يصل إلى سدة الحكم في قطرين عربيين مهمين من أقطار الأمة , هما العراق وسورية  , وبالرغم من الخلاف الذي دب بين أخوة المبادئ لكن الأمل ظل قائما بان تتوحد التجربتين اللتين ظلتا مختلفتين ليوم غزو العراق واحتلاله في التاسع من نيسان 2003 , ومن هذا التاريخ بدا التحدي الأصعب لفكر البعث ولتجربته الرائدة التي كانت أمل الأمة في تحقيق ذاتها والوصول إلى أهدافها , وأول هذه التحديات هو تحدي الاحتلال , وما افرزه من نتائج سلبية , بل قاهرة على العراق وعلى الأمة باجمعها , وعلى فلسطين التي كانت تنظر للبعث على انه الأمل في تحريرها من الاحتلال الصهيوني اللئيم , بعد أن أصبحت القضية المنسية في عالم الذئاب , فما هي هذه النتائج السلبية ؟ وما هو تأثيرها الآن وفي المستقبل ؟ وكيف يتم التعامل معها للحفاظ على وجود البعث أولا ومن ثم تحقيق الصفحات اللاحقة بوجوده في التحرير والاستقلال وترميم الصدع الكبير الذي تعرضت له الأمة ؟ .

 

إن الاحتلال استطاع أن يقضي على تجربة رائدة في العراق فمنذ وصول البعث إلى السلطة في تموز / 1968 بدأت أمريكا والغرب يحسبان له ألف حساب وخاصة عندما قرر تأميم النفط في الأول من حزيران /1972 فكان ذلك ناقوس الخطر الذي دق في آذانهم وتنبهت إليه عقولهم ومراكز بحوثهم وخبراء استراتيجياتهم , لأنه شكل التحدي الأول لهم بعد أن كانوا هم الذين يتحدون الأمة وأقطارها وزعاماتها , فقد لامس قرار التأميم عصب الحياة في أمريكا والغرب لأن النفط لازال يمثل عصب الطاقة العاملة ولا يوجد بديل عنه في الأمد القريب , وعندما وقعت الحرب العربية الاسرائلية في تشرين أول 1973 رفع العراق شعار النفط في المعركة وهو الذي أطلق الشعار( نفط العرب للعرب ) وحرك قواته لتؤسس تماس مباشر مع القوات الاسرائلية التي حاولت التقرب من دمشق عاصمة العروبة في الشام , فكان ذلك سببا في هز مضاجع أمريكا وإسرائيل وحلفائهما , وكان القرار بالعمل على إسقاط نظام بغداد , ومن هنا كانت المؤامرات وبدأت الصفقات التي كانت تنفذ بالنيابة عنهم وبدعم مباشر منهم , والتي استطاع نظام البعث من إسقاطها والقضاء عليها , وبعد أن خرج العراق  منتصرا في حرب الثمانية أعوام مع إيران التي رفعت هي الأخرى شعار إسقاط نظام بغداد قرر الكبار ( أمريكا وحلفاؤها ) النزول بأنفسهم هذه المرة لفشل كل الأساليب والطرق التي قادوها من اجل إسقاط ذلك النظام وبالتعاون مع دول الخليج العربي التي كان فيها رأس النفيضة الكويت القضاء العراقي الذي تبرعت به بريطانيا لعملائها في العام 1899 واقتطعته عن الجسد العراقي , أما التحدي الآخر الذي يواجهه البعث في العراق فهو النفوذ الإيراني الذي تزامن وتداخل مع الاحتلال وبرضا ومباركة أمريكا نفسها , مع العلم أن لأمريكا مشروعها ( مشروع الشرق أوسط الكبير ) ولإيران مشروعها أيضا , وإذا ما كان هناك اصطراعا لأدوات المشروعين فسيكون العراق ساحته , وهذا ما يساعد على إطالة أمد الوجود لكلا الطرفين إلى أمد غير قصير, ويدفع بالبلد إلى هاوية الخطر وعدم الاستقرار , ويأتي التحدي الثالث وهو بقايا الاحتلال وأدواته ومنه العملية السياسية برمتها التي تصدرت المشهد السياسي وقبضت على زمام السلطة , وكيفية التعامل معها والقضاء عليها , أما التحدي الرابع الذي يواجهه البعث والحركة الوطنية العراقية هو التوسع والأطماع الكردية في الأراضي والمحافظات العراقية التي غالبية سكانها من العرب كالموصل وكركوك وديالى , مستغلين بذلك ضعف السلطة المركزية وفقدان السيادة للبلد كونه يخضع الآن لأحكام الفصل السابع إضافة لشيوع عوامل الفرقة والتناحر الطائفي وتغذيته بشكل مستمر بين صفوف عرب العراق , أما على المستوى القومي فقد واجه البعث تحديات خطيرة في عموم الساحة القومية كاحتلال ليبيا , وتقسيم السودان ,  و وصول المد الإسلامي السياسي إلى مصر وتونس وليبيا , وولادة أنظمة هشة لازالت ترتبط بأمريكا والغرب , بل وأصبحت أدوات التآمر على المشروع القومي العربي , وكذلك التغيير في اليمن وما تتعرض إليه لبنان والتلويح بالحرب الطائفية فيها , وربما اجتياح إسرائيلي للجنوب اللبناني , وليس الوضع في فلسطين بأحسن حال من هذه الأقطار فقد تراجعت بشكل كبير المقاومة الفلسطينية بعد أن ارتمت بعض فصائلها بأحضان قطر التي احتضنت قاعدة السيلية التي طارت منها طائرات العدو المحتل الأمريكي والبريطاني  لتدمر العراق وتقتل أبناءه ثم احتلاله .


سنكمل في الحلقة القادمة

 

 





الثلاثاء ٢٧ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ياسين شاكر عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة