شبكة ذي قار
عـاجـل










إن أهداف البعث المتمثلة في الوحدة والحرية والاشتراكية , والتي أطلقها منذ بدايات العقد الرابع من القرن الماضي , جاءت في الأساس لمعالجة قضية امة عرفت وحدتها في قيام الدولة الإسلامية في عصر الرسالة وفي عهد الخلافة الراشدة , واستمرت لعهدين إسلاميين زاخرين هما الدولة العربية الإسلامية الأموية وعاصمتها الشام ثم الدولة العربية الإسلامية العباسية وعاصمتها بغداد , وكان لاغتيال هذه الأخيرة في العام 656 هـ 1258م على يد هولاكو والمغول بداية شرارة الأفول والتقسيم فظهرت من جديد الدويلات الطائفية والمناطقية التي انفصلت عن جسد الدولة العباسية ودخل العرب والإسلام في عصور التخلف والظلام مما جعلهم عرضة لاحتلالات كثيرة ومتعددة على يد العثمانيون والبرتغاليون والهولنديون , ثم البريطانيون والفرنسيون والايطاليون , وأخيرا ظهرت أمريكا كقوة نفوذ كبيرة بعد الحربين العالميتين الأولى 1914 –1918 والثانية 1939 –1945 ليمتد نفوذها على منطقة الشرق الأوسط وخاصة بعد إعلان دولة إسرائيل في مايس من العام 1948 م , لقد لعب الإسلام دورا مهما في وحدة الأمة العربية لأنه كان ينطلق أساسا من عبادة الله سبحانه وتعالى ويتمتع الفرد العربي المسلم بطاقة روحية كبيرة تدفعه للتضحية من اجل إعلاء كلمة ( لا اله الا الله محمدا رسول الله ) لان ثمنها الجنة فهي دار الخلود والنعيم ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقب الدار ) وانه لمن المؤسف أن مسلمي القرن السابع الهجري لم يستطيعوا الحفاظ على تلك الروحية التي انتصروا بها وأسسوا اكبر إمبراطورية في الأرض بسبب أنهم ابتعدوا عن جوهر الإسلام وأحكامه , فدب فيهم الضعف واستولت عليهم الفرقة والتناحر , ودخل الدين السياسة بعد أن أصبحت هناك مذاهب وفرق وملل ونحل , فظهر فقه السلطة ومراجع وأئمة السلطان ( يا وليتي ليتني لم اتخذ فلانا خليل ) والتي كانت سببا أيضا في التناحر السياسي واستخدام الدين لتحقيق غايات غير شرعية ومغانم من أموال السحت الحرام , ومن هنا بدأت الأزمة الحقيقية تتسع مابين الدين الإسلامي الحنيف وإحكامه العادلة والروحية , وبين هذه القوى الصاعدة باسم الإسلام , فهي أحزاب سياسية ذات إستراتيجية صبغتها إسلامية ولكنها ليست التجسيد الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف الذي جاء وبشر به الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.

 

إذن الدين كديانة ومنظومة من العبادات والمعاملات صلتها بالله سبحانه وتعالى ونتائجها على الأرض شيء والممارسات التي قام بها النفر الذي فرض نفسه داعية وقيما على المذهب أو الطائفة شيء آخر, وكل هذه العوامل جعلت مفكري الأمة الحريصين على دينها وعلى مستقبلها أن يفكروا بطريق يحقق للأمة عودتها وانبعاثها استنادا إلى قانون التطور والمعاصرة مع التفريق بين هذا الطريق وطريق الدين الحنيف ليس على أساس المخالفة ونفي الدين ورفضه , وإنما بالفهم الصحيح لتطبيقات الدين في الحياة الاجتماعية وعدم معارضته على مسالك التطور التي تطرأ على الأمة بأقطارها جميعا أي بقاء روح الإسلام وتعاليمه ذات ثقلا في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فكانت الولادة لكثير من الأحزاب التي أرادت أن تعالج هذا الواقع بضوء هذا الفهم , وكان من بينها بل متقدم عليها وقريب لهذه الكيفية هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أكد في أدبياته على الاحترام الكامل للأديان السماوية التي خص الله بها الأمة من موسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام , ولكل الناس الحق في اعتناق دينه السماوي الذي يؤمن به ومذهبه على الأرض , وبما أن القاعدة الشائعة تقول إن لكل ظهور سياسي وفكري اسم يطلق عليه أو صفة يكنى بها أطلق على هذا النشاط ( الفكر العلماني ) لكن علمانية البعث هي ليست علمانية الغرب بمفهومها السائد فالبعث لم يتجرد عن البنى الفوقية للأمة العربية ولم ينزع رداءه ليتقلد الثوب المستورد من خارج حدود الأمة , بل صاغ نظريته السياسية مستندا على واقعها ومتقدم عليه بنفس الوقت ولهذا يقول الرفيق الشهيد صدام حسين رحمه الله ( عندما نتحدث عن الدين يجب أن نفهم إن فلسفتنا ليست الدين بحد ذاته , إن فلسفتنا ما تعبر عنه منطلقاتنا الفكرية وسياستنا المتصلة بها ويشكل الدين رافدا أساسيا في صياغة نظرية حزب البعث العربي الاشتراكي ,

 

فالبعث في إطار هذا الفهم معالجة جادة لقضايا ومشكلات الأمة التي تواجهها على وفق منهج علمي جدلي تاريخي , لا يستغني عن كل التراث دينيا أو غير ديني الذي اشتهرت به الأمة العربية والإسلامية وكان رمزا لحضارتها وعنوان مجدها ورقيها , مع تطوير هذه القاعدة بظل عوامل التطور التي طرأت على الإنسانية بجميع أممها وشعوبها لان المعارف والعلوم هي أممية وليست حكرا على شعب أو امة مع توكيد النظرة الايجابية للأديان السماوية , فالبعث هكذا يرى أسلوب التعامل مع الحياة , وان الإنسان هو قيمة اجتماعية عليا في أي مجتمع يتطلع الى الحرية والعدالة والمساواة ولا قيمة فوقه , فالبناء والتطور يقوم بالإنسان وللإنسان من خلال عملية تنموية ذراعاها الجانب المادي والجانب البشري , وفي إطار وحدة الأمة التي كانت الشغل الشاغل للبعث ورفاقه ووجود أديانها , فالمسلمون على إسلامهم والمسيحيون على مسيحيتهم واليهود عل دينهم أما العامل القائد للمجتمع العربي فهي الرؤى التي جاء بها البعث وتترجم على شكل دستور ومجموعة قوانين منظمة للحياة مع احتفاظ الإنسان بعلاقته بالرب القدير وبالطريقة التي يؤمن بها كدين أو طائفة ,

 

ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب , وهذا ما يؤكده البعث لأنه يعتقد إن الانتماء للدين أو الطائفة لا يتقاطع مع الإيمان بالدستور الجامع لكل أطياف الأمة والمحقق للعدالة والمساواة بين الجميع , أما أن تتصدى فئة أو جماعة دينية أو أثنية لحكم البلاد فهذه حقا هي الكارثة في العودة إلى أنظمة البطش والاستبداد والدكتاتورية وخاصة عندما يكون ذلك باسم الدين , إن البعث لا يمنع رفاقه والمنتمين إليه بان لا يؤدوا واجبات الله التي جاء بها الإسلام أو غيره من الأديان السماوية , وان لا يزاولوا طقوسهم الدينية , فلكل المنتمين الحق في ممارسة عقائدهم وطقوسهم لكنهم جميعا يؤمنون بوحدة الأمة ووحدة أقطارها وبالعدالة الاجتماعية والمساواة طريقا لبناء المجتمع , لان العدل أساس الملك , وبهذا يكون البعث قد حقق مبدأ إنسانية الإنسان بأبهى صورها , وإذا ما كانت هناك تجاوزات ارتكبت في حقبة حكم الحزب في العراق 1968 – 2003 وما قبلها في العام 1963 فالمسؤول عنها ليس البعث كفكر وإنما المفاصل القيادية المسؤولة عن تنفيذ وتطبيق هذا الفكر الإنساني الكبير, فالفكر البعثي بريء من كل تصرف يسيء للإنسان , وان هذا الفهم يجب أن يكون حاضرا في سلوك البعث وهو يقود المقاومة والمناهضة والممانعة للاحتلال الأمريكي الصهيوني الذي وقع على العراق في التاسع من نيسان/2003 ولعمليته السياسية البائسة , وعلى قيادته أن لا تنحاز لأي طرف كان من مكونات الشعب العراقي على مستوى الدين أو المذهب أو العرق والطائفة وعلى مستوى الحياة الداخلية , فالأديان والمذاهب لمعتنقيها والبعث للجميع من هنا نستطيع القول إن الإسلام الحنيف كان وسيبقى في صلب العروبة وفي جوهر الإنسان لكن البعث ليس حزبا دينيا ولا يمكن أن يكون إلا كذلك.

 

 





الاحد ٢٥ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ياسين شاكر عبد الله نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة