شبكة ذي قار
عـاجـل










مع أن العدوان على غزة شد الانتباه السياسي والإعلامي، إلا أنه لم يغيب المشهد السوري عن مسرح الاهتمام به، نظراً لاحتدام المواجهة في الداخل واتساع مدياتها الجغرافية، ونوعية العمليات العسكرية التي تنوء تحت عبئها كل الأرجاء السورية من مدن وأرياف ومناطق حدودية.


ان بقاء الوضع السوري في دائرة الضوء لا يعود فقط إلى معطيات الوضع الميداني وحسب، بل أيضاً إلى الحراك السياسي الذي يواكب الوضع المأزوم منذ تفجر الأزمة لعامين تقريباً وحتى الآن.
إن هذا الحراك تمثلت أبرز عناوينه في الأيام المنصرمة بانعقاد مؤتمر الدوحة الذي تم برعاية دولية ورسمية عربية، واجتماع طهران الذي انعقد تحت رعاية وإشراف إيرانيين.


إن مؤتمر الدوحة الذي انعقد تحت عنوان توحيد أطياف المعارضة السورية لم يتسم بشمولية التمثيل، لأن قوى وطنية معارضة لم تتمثل به، وأبرز هذه القوى هيئة التنسيق التي تضم عدداً من القوى والشخصيات السياسية الوطنية. حيث أن هذه الهيئة لم تدع إلى الدوحة بصفتها أحد المكونات السياسية للمعارضة السورية، بل تمت الدعوة لها بشكل إفرادي، وهذا ما دفع الأطراف المؤتلفة في هذه الهيئة لأن تتحفظ على الدعوة، لأنه لم يجر التعامل معها أسوة بسائر المكونات الأخرى كالمجلس الوطني وأنها في هذا الموقف تبدو محقة، وكان للموقف تأثيره إذا أن التشكيل الذي انبثق عن لقاء الدوحة أقر بوجود قوى خارج إطاره وأنه سيتم التواصل معها.


هذا الإقرار من التشكيل الذي تمخص عن لقاء الدوحة يعني أن هيئة التنسيق، تمتلك مشروعية شعبية وسياسية، وأهمية هذه المشروعية انها رفعت سقف موقفها وطالبت بإسقاط النظام وهي موجودة في الداخل، وتجري اتصالات مع الخارج، وخاصة مع الذين يقاربون وجهة النظر التي تقول بضرورة حصول التغير عبر آلية المرحلة الانتقالية، لتجنب سوريا الاندفاع أكثر نحو التدمير الشامل، بشراً وحجراً.


وان ما تناقلته وسائل الإعلام من أن لقاء سيحصل في القاهرة بين هيئة التنسيق والائتلاف الذي تشكل مؤخراً، هو خطوة إيجابية في حال حصولها، لأنه يدفع باتجاه تشكيل مرجعية سياسية واحدة للمعارضة ولأنه يعطي للقوى الوطنية السورية حضوراً أكبر في تحديد الخيارات السياسية في سياق التعامل مع الأزمة، خاصة وأن هيئة التنسيق، تدعو إلى أحداث التغيير السياسي بعيداً عن العسكرة، ورفضاً لأي استقواء بأدوار خارجية إقليمية كانت أم دولية أو عربية تماهي هذه الأدوار.


إن دخول هيئة التنسيق السورية، إطار الائتلاف، يقوي الاتجاه الوطني داخله لأنه يوسع دائرة التمثيل السياسي السوري، ويضيق من مساحة التدخل الخارجي، ويعيد الاعتبار لموقع القرار الوطني السوري في صياغة الرؤية السياسية للتغيير.


وأنه بانتظار حصول اللقاء المرتقب في القاهرة، فإن التركيز يجب أن يبقى منشداً، إلى اعتبار أن التسوية عبر معطى مرحلة انتقالية، لا تهدف إلى إعادة إنتاج النظام نفسه، بل الاتفاق على عناوين التغيير ومضامينه عبر الآليات الديموقراطية وليس عبر العمل العسكري والعنف المدمر الذي تنفذه آلة النظام العسكرية، وعبر العمليات العسكرية التي تنفذها بعض القوى المعارضة والتي تستنسخ أسلوب النظام في تعامله مع المعارضين. وإذا ما قيد للقاء القاهرة أن ينعقد، فإن أهم ما يجب أن يخرج به، هو تجاوز البند الذي تبناه الائتلاف في وثيقته السياسية والتي سددت أفاق التسوية المرحلية عبر إعلانها عدم التفاوض مع النظام، وهذا يعني، الاندفاع في الصراع المسلح إلى مدياته الأخيرة والذي لا يبدو أن أي طرف يمكنه الحسم فيه ، وكل ما في الأمر أنه سيزيد التكلفة البشرية، وسيضعف سوريا ويجعلها أكثر انكشافاً عسكرياً واقتصادياً وأمنياً.


وعليه يجب التعويل على دور فعال للقوى الوطنية السورية، لتعديل الوثيقة السياسية للائتلاف، وبما يتلاءم مع مصلحة سوريا، ومشروع التغيير الوطني بها وليس مع مصلحة الذين يريدون لسوريا أن تصبح موقعاً ضعيفاً ومنعدم التأثير.


أما بالنسبة لاجتماع طهران، فإن هذا الاجتماع كان أفضل له لو عقد في الداخل السوري وبرعاية النظام، لأنه في تحضيراته وأشخاصه ورعايته، لم يخرج عن نطاق رؤية النظام السوري لما يعتبره حلاً للأزمة. أن هذا النظام الذي لم يعترف حتى الآن بوجود معارضة وطنية، يكرر معزوفته، بأن المعارضة، هي تلك التي يسميها وتلك الملتحقة به. ولذا، فإن لقاء طهران هو عبارةعن مفاوضة النظام مع نفسه، وبالتالي، فإنه لم يقدم على خطوة تلاقي الاتجاه الوطني في المعارضة السورية والتي ترفض العسكرة والتدخل الأجنبي، والدخول في بحث جدي لتظهير حل سياسي على قاعدة معطيات المرحلة الانتقالية.


إن النظام الإيراني، الذي نظم هذا اللقاء، يريد توظيفه في سياق تمكينه من إمساك أوراق في الأزمة السورية، الا ان النتائج لم تكن بحجم الأماني التي توخاها، لأن النظام في سوريا، الذي حدد لائحة المدعوين استثنى منهم القوى الوطنية غير الملتحقة بركب النظام وأبرزها هيئة التنسيق، وهذا ما جعل من اللقاء مجرد فرقعة اعلامية، أريد لها أن تغطي على اجتماع الدوحة.


إننا في الأصل، ضد إعطاء أي دور للنظام الإيراني في تظهير حل سياسي للأزمة السورية، لأن هذا النظام لا يهمه التغيير الوطني في سوريا كحد اقصى أو الاصلاح السياسي الفعلي والجدي كحد أدني، بل يريد حماية مصالحه في المنطقة، والتي وظف علاقاته مع النظام السوري في الحد الأعلى من الفعالية الممكنة.


من هنا، فإننا وأسوة بكل عربي مخلص يتألم لما يشاهده يومياً على مسرح المشهدية السورية، سواء لجهة التدمير الهائل للبنى التحتية، وتعطيل دورة الحياة، وارتفاع عدد الضحايا من المدنيين والمنخرطين بالعمل العسكري من الجيش السوري وبعض أطراف المعارضة، نرى بأن الحل السياسي لأزمة سورياً ما زال ممكناً، وهو الحل الذي يؤكد على التغيير السياسي، عبر آليات المرحلة الانتقالية والتي تفتح لطريق أمام إعادة هيكلة الحياة السياسية في سوريا على قاعدة التعددية والديموقراطية وحماية الموقع السوري كموقع مفصلي في الوطن العربي، والذي يمتاز بأهمية خاصة باعتباره على خط التماس الجغرافي والسياسي مع الكيان الصهيوني الغاصب.


إن على النظام وهو الذي يتحمل المسؤولية الاولى في ايصال الامور في سوريا الى ما وصلت اليه أن يدرك جيداً، أنه لم و لن يستطيع إعادة إنتاج نفسه بالطريقة التي يدير بها الشق المعني به من الأزمة، كما أن المعارضة عليها أن تعي أن من يأكل من خبز السلطان، يضرب بسيفه، وعليها أن تأكل من المعجن السوري، حتى تضرب بالسيف السوري وليس بسيوف من يضمر شراً بسوريا الموقع والدور وليس النظام. كفى سوريا، قتلاً وتدميراً، وآن لها أن تخرج من بين رحى هذه الجاروشة التي حصدت حتى الآن عشرات ألوف الضحايا، وشردت مئات الألوف والحبل على الجرار كفى – كفى.

 

 





الخميس ٨ محرم ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة